انفلونزا الخنازير.. سلالات موسمية ومخاطر شرسة
عبد الامير رويح
2015-01-12 02:02
قلق جديد يجتاح العديد من دول العالم بسبب تفشي انفلونزا الخنازير، الذي أخذ بالانتشار بشكل مخيف في العديد من المناطق والدول، الأمر الذي قد يجعله وباء عالمي خصوصا وان العديد من المعلومات تفيد بظهور سلاله جديدة لهذا المرض، أسهمت بارتفاع معدلات النفوق الخنازير في بعض الدول، وهو ما قد يسبب بحدوث خسائر اقتصادية كبيرة هذا بالإضافة الى المخاطر الصحية التي تهدد حياة الكثير من البشر.
وأنفلونزا الخنازير وكما تشير المصادر هو أحد أمراض الجهاز التنفسي التي تسببها فيروسات إنفلونزا تنتمي إلى أسرة أورثوميكسوفيريداي، التي تؤثر غالباً على الخنازير. هذا النوع من الفيروسات يتسبب بتفشي الإنفلونزا في الخنازير بصورة دورية في عدد من الدول منها الولايات المتحدة والمكسيك وكندا وأمريكا الجنوبية وأوروبا وشرق آسيا. وفيروسات إنفلونزا الخنازير تؤدي إلى إصابات ومستويات مرتفعة من المرض، وحتى عام 2009 تم التعرف على ستة فيروسات لإنفلونزا الخنازير وهي فيروس الإنفلونزا ج وH1N1 وH1N2 وH3N1 وH3N2 وH2N3.
وتبقى هذه الفيروسات منتشرة ضمن الخنازير على مدار العام، إلا أن معظم حالات الانتشار الوبائية ضمن الخنازير تحدث في أواخر الخريف والشتاء كما هو الحال لدى البشر. وكان انتقال فيروس إنفلونزا الخنازير للإنسان نادراً نسبياً وخاصة أن طبخ لحم الخنزير قبل استهلاكه يؤدي إلى تعطيل الفيروس.
كما أن الفيروس لا يسبب أعراض الأنفلونزا للإنسان في معظم الأحيان ويتم معرفة إصابة الشخص بالمرض فقط بتحليل تركيز الضد في الدم. إلا أن احتمالية انتقال فيروس إنفلونزا الخنازير من الخنازير إلى البشر قد زادت مؤخراً نتيجة التحورات الجينية التي حدثت في دنا الفيروس، وعادة تكون أعراض العدوى مشابهة لأعراض الإنفلونزا الشائعة كاحتقان البلعوم وارتفاع حرارة الجسم وإرهاق وآلام في العضلات وسعال وصداع.
مساعي العشائر البيطرية
وفي هذا الشأن فقد رصد الباحثون الأمريكيون سلالة جديدة من الفيروسات قضت على الملايين من صغار الخنازير في مؤشر على ان الفيروس يواصل تحوره فيما يسعى المنتجون لاحتواء المرض. وقال دوجلاس مارثالر الاستاذ المساعد للعشائر البيطرية بجامعة مينيسوتا إنه تم رصد سلالة جديدة من فيروس الاسهال الوبائي للخنازير في قطيع من خنازير مينيسوتا ووجد انها شرسة بنفس درجة سلالة اكتشفت في الولايات المتحدة في اوائل عام 2013.
ويرى مارثالر -الذي أعلن عن اكتشاف سلالة فيروسية الشهر الماضي في دورية تصدرها المراكز الامريكية لمكافحة الامراض والوقاية منها- ان السلالة الجديدة مجرد طفرة ناجمة عن السلالة الأصلية. وسبق ان تم اكتشاف سلالة ثانية أقل ضراوة. وقال إن السلالة الاصلية ربما تكون قد تحورت ردا على تزايد المناعة داخل قطعان الخنازير كما انها طبيعة هذه السلالة من الفيروسات التي تتحور اثناء تكاثرها. واضاف "هذا الفيروس دائم التغير". بحسب رويترز.
وقتل هذا الفيروس ثمانية ملايين خنزير على الاقل -اي ما يمثل تقريبا عشرة في المئة من عشائر الخنازير بالولايات المتحدة- خلال العامين الاخيرين. ومن غير المعروف كيف وصل هذا الفيروس -الذي يتسبب في حالات من الاسهال الشديد للخنازير- الى الولايات المتحدة وكان قد عثر عليه في مناطق بآسيا واوروبا. ويتعين على منتجي الخنازير اتخاذ تدابير احترازية للحيلولة دون انتشار السلالة الجديدة مثلما حدث في السلالتين السابقتين بما في ذلك غسل الشاحنات وباقي المعدات. واعلنت وزارة الزراعة الامريكية ان هذا الفيروس لا يمثل أي خطر على البشر او سلامة الاغذية.
قلق ومخاوف أوروبية
الى جانب ذلك فمن المتوقع أن توقف فرنسا أنشطة الاستيراد المتعلقة بالخنازير من بعض الدول إثر تزايد مخاوف انتشار فيروس جديد قاتل يصيب الخنازير. في الولايات المتحدة كندا والمكسيك واليابان. ورغم أن المرض غير ضار للبشر أو الطعام، إلا أن فرنسا قلقة بشأن تأثيره الاقتصادي المحتمل، ومن المتوقع أن توقف استيراد الخنازير الحية وحيواناتها المنوية.
وينتشر الفيروس في الفضلات، ويقوم بمهاجمة أحشاء الخنازير ومنعها من امتصاص السوائل والمغذيات. ويمكن للخنازير الكبيرة أن تتعافى من المرض، إلا أن نسبة النفوق بين الخنازير الصغيرة تتراوح بين 80 و100 في المئة. وقدر أحد الخبراء أن مقدار ملعقة من السماد الذي يحوي ذلك الفيروس بإمكانها إصابة قطعان الخنازير كلها في الولايات المتحدة.
ووفقا للمنظمة العالمية لصحة الحيوان، يُعتقد أن مصدر المرض هو الصين. وقال المدير العام للمنظمة، برنارد فالات، إن "التحليلات الوراثية للمرض تظهر تشابها مع السلالة الآسيوية، لكن دليل عبور المرض من آسيا إلى الولايات المتحدة لم يجر إثباته بعد. وفي الوقت الحالي، لا يمكن الجزم بوجود هذه العلاقة، وما هي إلا شكوك." وفي أمريكا الشمالية، انتشر المرض بسرعة شديدة، حيث ظهر حوالي أربعة آلاف حالة إصابة في 30 ولاية أمريكية، وأربع مقاطعات كندية وبعض الأجزاء من المكسيك.
والتحليلات الوراثية للمرض تظهر تشابها مع السلالة الآسيوية، لكن دليل عبور المرض من آسيا إلى الولايات المتحدة لم يجر إثباته بعد. وفي الوقت الحالي، لا يمكن الجزم بوجود هذه العلاقة، وما هي إلا شكوك." ويرى الخبراء في هذا المجال أن التهاون في الأمن الحيوي هو عامل هام لانتشار الفيروس.
وفي يونيو/حزيران من العام الماضي، أظهرت دراسة أمريكية أن حوالي 17 في المئة من الشاحنات التي تنقل الحيوانات للمجازر كانت تحمل الفيروس. ويقول زوي ديفيس، من الرابطة الوطنية لمربي الخنازير في بريطانيا، إن الدراسة كشفت أيضا عن "أن 11 في المئة من الشاحنات غير المصابة، خرجت من المجازر وهي تحمل الفيروس، لذا فإن الأمر له علاقة بعدد الحيوانات في المكان، وهكذا ينتشر المرض". ومن بين أحد العوامل التي تزيد من صعوبة منع انتشار المرض هي استخدام دماء الخنازير المجففة في مواد التغذية التي تعطى للخنازير الرضيعة.
ويقول فالات "يشتبه أن تكون التغذية مصدرا من مصادر انتقال الفيروس أيضا، فدماء المجازر التي لم تُسخن بشكل كاف يشتبه في أن تكون هي مصدر المرض، وليس لدينا دليل علمي، لكنه يعتبر أحد أعلى الاحتمالات." وتعتبر الخطوة الفرنسية بوقف استيراد الخنازير الحية ومنتجاتها وحيواناتها المنوية رد فعل لعدم وجود تحرك على مستوى الاتحاد الأوروبي.
وفي المملكة المتحدة، تقول الرابطة الوطنية لمربي الخنازير إنها حصلت على دعم كبار المستوردين لمنع استيراد الخنازير من البلاد المصابة. كما قالت إن 92 في المئة من الخنازير التي تجري تربيتها في بريطانيا لا تتغذى على منتجات الدماء، بينما ينتشر استخدام هذه المواد الغذائية في دول أخرى في الاتحاد الأوروبي. وهناك مخاوف من أن يؤدي وصول المرض إلى أوروبا إلى خسائر اقتصادية كبيرة، خاصة لمربي الخنازير في الدنمارك وهولندا وألمانيا.
ورغم أن مفوضية الاتحاد الأوروبي ناقشت الأمر، إلا أنها لم تتوصل بعد لقرار يمنع الاستيراد. وبحسب تقارير إخبارية، يقول مسؤولون في الحكومة الفرنسية إنهم اتخذوا قرار المنع "انتظارا للقرار الأوروبي". واكتُشف المرض لأول مرة في المملكة المتحدة عام 1971، إلا أن تلك السلالة كانت ضعيفة وسرعان ما اعتادت عليه الخنازير واكتسبت مناعة ضده.
ويقول فالات إن تاريخ تعرض الخنازير الأوروبية لفيروسات مشابهة قد يعطي الأمل في إمكانية حمايتها. وأضاف قائلا: "انتشر المرض من قبل في أوروبا، لكن بسلالة مختلفة. وإذا تبقت بعض آثار انتشار الفيروس، فمن الممكن حماية الحيوانات، لكنه أمر غير مؤكد." بحسب بي بي سي.
بينما يرى ديفيس أن هذه الافتراضية خاطئة، وأن الخنازير الأوروبية عُرضة للإصابة. وقال: "أجرينا اختبارات على قطعاننا، ونعتقد أن حوالي عشرة في المئة من الحيوانات تحمل أجساما مضادة للسلالات السابقة من المرض، لذا فقطعاننا ضعيفة، ونحن قلقون من ذلك." وفي الولايات المتحدة، ارتفعت أسعار لحوم الخنازير بشكل ملحوظ، بينما لم يتأثر الطلب على لحومها. ووفقا لمصنعي لحوم الخنازير في الولايات المتحدة، تواجه هذه الصناعة سنة مالية صعبة. ويقول فالات إن "إحدى تبعات المشكلة هي منع المنتجات من الأسواق، وبالتالي زيادة الأسعار. وهي أخبار جيدة بالنسبة للقطعان غير المصابة".
مخاطر لا تتوقف
في السياق ذاته أعلنت منظمة الصحة العالمية في آخر حصيلة نشرتها على موقعها الالكتروني ان عدد الاصابات بانفلونزا الخنازير وصل الى 8480 اصابة في 39 بلدا بينها 72 اصابة قاتلة. وتفيد هذه الحصيلة عن تباطؤ كبير في عدد الاصابات المسجلة عن الايام الاخيرة اذ كانت المنظمة تعلن بصورة شبه يومية نحو الف اصابة جديدة. ورفعت المنظمة حصيلتها الى 8451 اصابة في 36 بلدا مع بقاء عدد الوفيات ثابتا، مقارنة مع 4694 اصابة اعلنتها في وقت سابق.
وما زالت الولايات المتحدة تسجل اكبر عدد من الاصابات رغم استقرار حصيلتها على ما كانت عليه تليها المكسيك حيث بؤرة الانفلونزا الجديدة الناتجة من فيروس ايه (اتش1 ان1). واضيفت الهند وتركيا وماليزيا الى قائمة منظمة الصحة العالمية التي تكون ارقامها غالبا ادنى مما تعلنه الدول المعنية بسبب اجراءات التحقق التي تتبعها بعد إعلان الإصابات.
من جانب آخر ارتفعت حصيلة ضحايا فيروس H1N1 المسبب لمرض "أنفلونزا الخنازير"، في مصر، إلى 69 حالة وفاة، من بين 786 حالة إصابة مؤكدة، منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وفق ما أكدت مصادر صحية. وقالت وزارة الصحة إنه تم تسجيل ست حالات وفاة جديدة، من بين 441 حالة تم حجزها بالمستشفيات، للاشتباه في إصابتها بفيروس الأنفلونزا الموسمية، تأكد 81 حالة إصابة منها بالفيروس.
وأكدت الوزارة أن حالات الوفاة التي تم تسجيلها تتضمن حالات محجوزة من أسابيع سابقة، وليست مرتبطة بالضرورة بالحالات الجديدة، التي تم حجزها في ذات المدة. وشددت وزارة الصحة، بحسب بيان أذاعه التلفزيون الرسمي على إن جميع الحالات التي يتم تشخيصها يجري فحص عيناتها بالمعامل المركزية لوزارة الصحة والسكان، وأيضاً بالمعامل المرجعية لمنظمة الصحة العالمية.
ويلقي انتشار فيروس H1N1، الذي تصنفه منظمة الصحة العالمية كأحد فيروسات الأنفلونزا الموسمية، بمخاوف كبيرة بين غالبية المصريين، مما دفع الحكومة إلى تأجيل استئناف الدراسة في مختلف المدارس والجامعات المصرية. وبدأت السلطات الصحية في مختلف المحافظات حملة موسعة، بمشاركة الإدارات التعليمية، لتعريف الطلاب بإجراءات مكافحة العدوى، والوقاية من الإصابة بالفيروس الفتاك. بحسب CNN.
من جانبها أعلنت السلطات العُمانية، عن وفاة شخصين بعد إصابتهما بالتهاب رئوية حادة ناتج عن فيروس "H1N1،" أو ما يعرف بفيروس إنفلونزا الخنازير. وبينت التقرير المنشور على وكالة الأنباء العُمانية الرسمية أن هذا الإعلان جاء على لسان مصدر مسؤول بوزارة الصحة، دون تقديم تفاصيل إضافية عن هذا الموضوع. وحث التقرير المواطنين على اتباع العادات الصحية السليمة عند العطس والسعال والعناية بالنظافة الشخصية وخصوصا اليدين.
رحلة الأنفلونزا في الجسم
على صعيد متصل يدخل فيروس انفلونزا الخنازير كغيره من الفيروسات، الى الجسم عن طريق الشعب الهوائية العليا ومنها الى الخلايا التي يستخدمها من اجل التكاثر. وثمة ثلاثة انواع من الفيروسات "ايه" و"بي" و"سي" ولا يسبب النوع الاخير الا اضطرابات تنفسية بسيطة. اما النوعان "ايه و"بي" فيشملان نوعين من البروتينات السطحية هي الايماغلوتينين والنورامينيداز التي تظهر على شكل شويكيات تغلف الفيروس.
والفيروس "اتش1ان1" (الايماغلوتينين من النوع الاول والنورامينيداز من النوع الاول) الذي يقف وراء وباء انفلونزا الخنازير هو من النوع "ايه". ويمكن ان يتفرع الى انواع ضمنها متغايرات عدة. ويتألف الفيروسان "ايه" و"بي" من ثمانية اجزاء من "آر ان ايه" (الحمض الريبي النووي) تختلط ببعضها كورق الشدة، كما تصفها عالمة الفيروسات سيلفي فان دير فيرف. ويمكن للفيروسين تاليا ان يخضعا لتغييرات كبيرة حتى انهما قد يتحولان بشكل جذري.
ويعتبر الخنزير من حيث طبيعته مستقبلا لاشكال مختلفة من الفيروسات يمكنها ان تجتمع لتولد فيروسا متعددا. هذه هي حال فيروس "اتش1ان1" الذي يجمع بين سلالتين من فيروسات الخنازير وسلالة من فيروس الطيور وسلالة من فيروس بشري. وهو قابل للانتقال الى البشر. والاخطر من ذلك هو ان الفيروس يستخدم الانسان كجسم ناقل لنقل العدوى من انسان لآخر.
حين تنتقل العدوى الى الانسان، يتشبث فيروس الانفلونزا بخلايا الجهاز التنفسي ويجتاز الظهارة، وهي طبقة سطحية تحمي الخلايا. وليتكاثر هذا الفيروس يقوم باعادة برمجة الخلية ويحور وظيفتها بما يخدمه. فتتمكن كل خلية مصابة بالتالي من انتاج مئات الخلايا الفيروسية لتستشري في الجهاز التنفسي باكمله.
وتتراوح مدة حضانة فيروس انفلونزا الخنازير بين ثلاثة وسبعة ايام، وقد تمتد اكثر لدى الاطفال الصغار. وتشبه اعراضها الانواع الاخرى من الانفلونز وهي تشمل ارتفاعا شديدا في درجات الحرارة والما في العضلات وارتعاشا وسعالا... وينتقل هذا الفيروس المعدي جدا بواسطة قطيرات الماء التي تنتشر في الهواء عند التنفس او السعال او العطس. وينصح العلماء بعزل المصاب بالعدوى واعطائه مضادات الفيروسات لاحتواء الوباء. بحسب فرانس برس.
لا تزال استجابة الجسم لهذا الفيروس مجهولة. وقال عالم الفيروسات البريطاني جون اكسفورد "مع اننا لم نشهد هذا الفيروس من قبل، الا اننا تعرضنا لفيروسات من سلالة +اتش1ان 1+ منذ 1978". ويرى ان جسم الانسان لديه تاليا بعض المناعة ضد هذا الفيروس خلافا للفيروس المسبب لانفلونزا الطيور "ايتش5 ان1" الجديد كليا على الجسم.