مرض فطري يستهدف محاصيل القمح.. وسط مخاوف العلماء من انتشاره عالميًا
دورية Nature
2023-05-02 07:55
هل نحن بصدد جائحة جديدة، تُصيب هذه المرة إمدادات الغذاء العالمية؟ فقد لفت العلماء إلى أنَّ هناك مُمْرضًا فطريًّا، يشكل خطرًا على إنتاج القمح في أمريكا الجنوبية، يوشك أن ينتشر على مستوى العالم.
بحسب تقرير1 نشرته دورية «بلوس بيولوجي» PLoS Biology بتاريخ الحادي عشر من أبريل الجاري، أفاد باحثون أنَّ العامل المُمْرض المسمِّى «فطر لفحة الأرز» Magnaporthe oryzae، الذي تفشَّى مؤخرًا في أجزاء من إفريقيا وآسيا، يعود منشؤه إلى فئة واحدة مستوردة من أمريكا الجنوبية. وحذر العلماء من أنَّ هذه السلالة يمكن أن تضرب أي مكان آخر، أو أن تُطوِّر سماتٍ بيولوجية مثيرة للقلق، من قبيل مقاومة مبيدات الفطريات، والقدرة على إصابة محاصيل غذائية مهمة أخرى.
وفي مؤتمر صحفي، ذكر نِك تالبوت، اختصاصي أمراض النباتات بمختبر سينسبري في نورويتش بالمملكة المتحدة، وأحد المشاركين في وضع الدراسة، أن "هذا مرض بالغ الخطورة؛ إنَّه يشكل خطرًا على زراعة القمح في عددٍ من أفقر مناطق العالم، ولديه القدرة على الانتشار بجميع أنحاء العالم".
انتشار عالميّ
تصيب عدوى الفطر المسبِّب للفحة الأرز الأعشاب البرية والمزروعة، وعلى رأسها الأرز والقمح. كان الباحثون قد اكتشفوا هذا الفطر لأول مرة في ثمانينيات القرن العشرين، في محاصيل القمح البرازيلية، ومن هناك زحف إلى بقية أجزاء أمريكا الجنوبية، حيث شنَّ هجماتٍ فطريةً دورية، وقلَّص من زراعة القمح في بعض المناطق.
وفي عام 2016، سجلت بنجلاديش أول حالة تفشي للفطر المسبِّب للفحة القمح في قارة آسيا. وأثبت الباحثون أنَّ هذا التفشِّي تقف وراءه سلالة ذات صلة بالسلالات المنتشرة في أمريكا الجنوبية. وبعدها بعامين، وصل الفطر إلى قارة إفريقيا لأول مرة، فأصاب محاصيل القمح في زامبيا؛ لكن لم يكن واضحًا آنذاك إنْ كان المُمرض قد وصل إليها من بنجلاديش، أم من أمريكا الجنوبية.
لتحديد منشأ المُمرض بدقة، عمد الباحثون إلى تحليل أكثر من 500 عينة للفطر المسبِّب للفحة الأرز، بحثًا عن 84 واسمة جينية، وعيَّنوا التسلسل الجينومي لعددٍ من العينات المعزولة (71 عيِّنة)؛ فوجدوا أنَّ وباء لفحة القمح الذي حلَّ بزامبيا في عام 2016، وذلك الذي ضرب بنجلاديش في عام 2016 تنتميان إلى فرعين منفصلين من سلالة منتشرة بأمريكا الجنوبية. وهذا النتيجة تتَّسق مع النتائج التي توصلت إليها مسوَّدة دراسة نُشرت يونيو الماضي2، تناولت بالتحليل جينوم العينات الإفريقية والآسيوية والأمريكية الجنوبية من هذا الفطر.
معنى ذلك أنَّ سلالات الفطر الأمريكية الجنوبية قد وصلت إلى إفريقيا وآسيا كلًّا على حِدة، حسبما صرَّح هيرنان بوربانو، المتخصص في علم الوراثة التطوُري بكلية لندن الجامعية، والمشارك بالدراسة، الذي أضاف قائلًا: "وهذا يُبين أنَّ للبشر يدًا في انتقال هذا المُمْرض بشكل ما".
وفي تعليقٍ أدلى به بروس ماكدونالد، اختصاصي أمراض النباتات بالمعهد الفيدرالي السويسري للتكنولوجيا في زيورخ بسويسرا، وهو غير مشارك في هذه الدراسة، قال: "كانت هذه النتيجة مفاجئة للغاية"، واتفق مع بوربانو على أنَّ النشاط البشري هو التفسير الأرجح لهذه المشكلة.
يرى الباحثون أنَّ استيراد البذور المصابة بالفطر هو من بين المسبِّبات المحتمَلة لتفشِّيه؛ لاسيما إذا أخذنا في الحسبان أن بنجلاديش جلبَتْ كميات هائلة من بذور القمح من البرازيل قبل ظهور الفطر المسبب للفحة القمح فيها بعام واحد. أما منشأ الفطر نفسه فليس معروفًا بعد، إذ عُثر على السلالة المسبِّبة للتفشِّي في كلٍ من البرازيل وبوليفيا.
جهود القضاء على الفطر
في المؤتمر الصحفي المذكور، صرَّح توفزال إسلام، عالم الكيمياء البيئية في بنجاباندو جامعة الشيخ مجيب الرحمن الزراعية في مدينة جازيبور البنجالية، أنَّ الباحثين يستعينون حاليًا بالمعلومات الجينومية التي حصلوا عليها في مراقبة انتشار الفطر بجميع أنحاء بنجلاديش، وأنَّ فريقه يستعين أيضًا بما أمكن التوصُّل إليه من أجل إنتاج محاصيل قمح مقاوِمة للسلالة المسببة للوباء.
غير أنَّ التحليل الجينومي يُبرز بعض المخاطر أيضًا؛ فعلى الرغم من أنَّ السلالة المسؤولة عن تفشِّي الفِطر لم تطوِّر بعدُ أية مقاومة لبعض مبيدات الفطريات، أثبتت التجارب المعملية أنَّ المقاومة للمبيدات قد تنشأ بسبب طفرات تحدث تلقائيًّا؛ ذلك أن السلالة تتكاثر عبر الانقسام والاستنساخ، وبإمكانها أن تكتسب سمات جديدة عن طريق التزاوج مع سلالة أخرى من الفطر ذاته. وقد اكتشف الباحثون أنَّ هذه السلالة من الفطر المسبِّب للفحة القمح يمكن أن تتزاوج مع السلالة التي تصيب محاصيل الدخن الإفريقي من الفطر ذاته.
من هنا، يرى ماكدونالد ضرورة بذل جهود للقضاء على هذا الفطر في كلٍ من بنجلاديش وزامبيا، وإن كان يشكك في أنْ تصيب جهود الرصد الجينومي النجاح المنشود في إبطاء وتيرة انتشار الفطر؛ نظرًا لتقليص التمويل العالمي، مما يعني قلة عدد العلماء العاملين على رصد الأمراض المستجدة في النباتات والإبلاغ عنها. يقول: "مع الأسف، لا يكفي الرصد الوبائي العالمي لاكتشاف حالات التفشي الجديدة لأي أمراض قبل استفحالها".