عاد من جديد: كل ما يجب معرفته عن داء الحصبة وكيفية الوقاية منه
مروة الاسدي
2022-12-13 03:58
يعد فيروس الحصبة واحداً من أخطر الأمراض المعدية التي عرفها الإنسان، إذ من الممكن أن يسعل الشخص المصاب بالحصبة في غرفةٍ ما ويغادرها، وربما بعد ساعات، ما لم تكن مطعماً باللقاح تكون معرضاً لالتقاط العدوى من الفيروس المنتشر في الهواء الذي خلَّفه الشخص المصاب.
ما أعراض الحصبة؟ وهل تعتبر مرضاً فتاكاً؟ مرض الحصبة واحد من الأمراض المعدية الفتاكة التي عادةً ما تصيب الأطفال. وبعد فترة حضانة تمتد من 10 إلى 12 يوماً، تأتي الحصبة في شكل حمى، وسعال، وأنف مزكوم، إلى جانب عيون حمراء دامعة. وكذلك تشيع أعراض فقدان الشهية والتوعك. وبعد عدة أيامٍ من ظهور تلك الأعراض الأولية.
يبدأ انتشار الطفح الجلدي المزعج في كامل أنحاء الجسم، بدءاً من الوجه والرقبة نزولاً إلى الأسفل، وعادةً ما يستمر هذا الطفح لمدة 3 إلى 5 أيامٍ ثمَّ يتلاشى، وفي الحالات البسيطة، يبدأ الأشخاص المصابون بالحصبة في التعافي بمجرد ظهور الطفح الجلدي، ويشعرون بالعودة إلى حالتهم الطبيعية في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، لكنَّ قرابة 40% من المرضى يعانون من مضاعفاتٍ ناجمة عن الفيروس، وعادة ما تظهر في الصغار (الأطفال دون سن الخامسة)، وفي البالغين (فوق 20 عاماً)، وفي أي شخصٍ آخر يعاني من سوء التغذية أو نقص المناعة.
يذكر أنَّ الأطفال دون سن الخامسة أكثر احتمالاً للتعرض للوفاة.
ويتمثل أحد المضاعفات الأكثر شيوعاً للحصبة في الالتهاب الرئوي، الذي يمثل السبب وراء معظم حالات الوفاة المرتبطة بالحصبة، وفي حالات أقل شيوعاً، يمكن أن تؤدي الحصبة إلى الإصابة بالعمى، أو مرض الخناق، أو قرحة الفم، أو التهابات الأذن، أو الإسهال الحاد، بل قد يتطور الأمر لدى بعض الأطفال ويصابون بالتهاب الدماغ (تورم في المخ)، والذي يمكن معه ظهور التشنّجاتٍ أو فقدان السمع، فضلاً عن التأخر العقلي.
ومجدَّداً، تظهر تلك المضاعفات في الغالب لدى الأشخاص الذين ضعفت أجهزتهم المناعية بسبب التقدم في السن، أو الأمراض المسبقة، أو سوء التغذية، ووفقاً لمراكز مكافحة الأمراض واتقائها، فإنَّ الاحصائيات المرعبة تفيد بأنَّ واحداً من كل 20 طفلاً مصاباً بالحصبة يصاب بالتهاب رئوي، وواحد من كل 1000 يصابون بالتهاب الدماغ، ويموت طفلٌ واحد أو طفلانِ من كل 1000 طفل.
كيف يبدو الطفح الجلدي الناجم عن الحصبة؟ يظهر الطفح الجلدي على شكل بقعٍ حمراء مسطَّحة أو نتوءات صغيرة على سطح الجلد، وعادةً ما يبدأ في الظهور على الوجه عند الجبهة ويتحرَّك لأسفل الرقبة والجذع والذراعين والساقين والقدمين.
كيف نعرف أنَّ لقاح الحصبة آمن؟ تكافَح الحصبة من خلال تناول جرعة من لقاح MMR (يشير اختصاراً إلى الحصبة، والنكاف، والحصبة الألمانية)، ويوصى مركز مكافحة الأمراض واتقائها بأن يحصل الأطفال على جرعتين من اللقاح: الجرعة الأولى في عمر 12 إلى 15 شهراً، الجرعة الثانية في عمر 4 إلى 6 سنوات، تستمر الحصانة التي تحصل عليها من اللقاح لعقودٍ، ولكن عليك أن تطلب من مشرف الرعاية الصحية الحصول على جرعاتٍ إضافية في حال كنت شخصاً بالغاً.
اللقاح معروفٌ بكونه آمناً وفعَّال للغاية؛ إذ يحتوي على نسخة حيَّة ولكن ضعيفة من الفيروس، والتي تحفِّز الجهاز المناعي لإنتاج الأجسام المضادة للفيروس. وفي حال تعرَّضت للإصابة بالحصبة، عندها ستندفع تلك الأجسام المضادة لحماية الجسم من المرض.
ينبغي التأكيد مجدَّداً على أنَّ الآثار الجانبية الناجمة عن المرض نادرة الحدوث، وأثرها خفيفٌ في الغالب، ويشير مركز مكافحة الأمراض واتقائها إلى أنَّ الحمى، على سبيل المثال، التي تحدث بعد تناول اللقاح تظهر في حالة واحدة من كل 6 أشخاص، وكذلك يصاب شخص واحد من كل 20 بطفحٍ جلدي خفيف، كما أنَّ المضاعفات الأكثر حدَّة غير موجودة فعلياً؛ إذ لا تحدث ردود الفعل التحسسية الخطيرة سوى في أقل من حالة واحدة من مليون، غير أنَّ الصمم، ونوبات الصرع طويلة الأمد، والضرر الدماغي الدائم هي مضاعفاتٌ "نادرة الحدوث بحيث يصعب تحديد ما إذا كانت ناجمة عن اللقاح، وبالتالي، فإنَّ فوائد اللقاح، المتمثلة في حماية الأطفال والمجتمعات التي يعيشون فيها، تفوق الأضرار بدرجةٍ كبيرة.
إلى أي مدى تسهل الإصابة بالحصبة؟ في حال لم تتلقَّ التطعيمات، فمن السهل للغاية إصابتك بالحصبة. وفي البيئات السكانية غير المحصَّنة، بإمكان شخص واحد مصاب بالمرض أن ينقل العدوى إلى ما بين 12 و18 آخرين. وهو ما يجعله مخيفاً أكثر من أوبئة أخرى كـ "الإيبولا"، وفيروس العوَز المناعي، أو السارس. فمثلاً في حالة الإصابة بفيروس الإيبولا، عادةً ما تفضي حالة واحدة إلى إصابة اثنين آخرين. في حين تؤدي إصابة حالة واحدة بفيروس العوز المناعي وكذلك السارس إلى إصابة 4 حالات أخرى.
يعتبر فيروس الحصبة من الفيروسات المحمولة جواً، وينتقل عن طريق الرذاذ المنبعت من التنفس من الأنف أو الفم أو الحلق إلى شخصٍ مصاب، والذي ينتج عادةً من السعال أو العطس، يمكن أن تظل جسيمات الرذاذ الصغيرة المنبعثة من شخصٍ مصاب بالحصبة معلَّقةً في الهواء فتراتٍ طويلة حتى بعد أن يغادر الشخص الغرفة، ويمكن أن يعيش الفيروس على الأسطح مدة تصل إلى ساعتين.
إنَّ ما يقلق مسؤولي الصحة أنَّ فيروس الحصبة يمكن أن ينتشر داخل جسم شخص ما قبل 4 أيامٍ من ظهور الطفح الجلدي، لذا ينقل الأشخاص حاملو الفيروس العدوى قبل معرفة كونهم مصابين بالحصبة. ولا ينتقل المرض بعد 4 أيامٍ من ظهور الطفح الجلدي، وفي حالاتٍ نادرة بشكلٍ استثنائي، حتى لو كنت محصَّناً من المرض، لا يزال من الممكن إصابتك به؛ إذ وُجِدَ أنَّه في أقل من 5% من الأشخاص الذين تلقوا اللقاح.
لا يستجيب جهازهم المناعي حتى لجرعات اللقاح. والباحثون ليسوا متأكدين من السبب، إذ يبدو أنَّ الحصول على جرعة واحدة فحسب من اللقاح بدلاً من الجرعتين الموصى بهما- يزيد من فرص الناس في الإصابة بالحصبة إذا تعرَّضوا للفيروس المسبِّب لها.
هل يوجد علاج للحصبة؟ للأسف لا. بإمكان الأطباء مساعدة المرضى في تجنُّب مزيد من مضاعفات المرض الخطيرة "كالعمى والالتهاب الرئوي"، عن طريق التأكد من أنَّ المرضى يحصلون على تغذية جيدة ويتناولون سوائل كافية، وبالنسبة إلى التهابات العين والأذن التي يمكن أن تظهر، بإمكان الأطباء وصف المضادات الحيوية لعلاجها، ولأنَّ الحصبة تستنزف مستويات فيتامين "أ" لدى ضحاياها، فعادةً ما يعطي الأطباء المرضى جرعتين من مكملات الفيتامين.
هل بإمكاننا القضاء كلياً على الحصبة؟ يمكن نظرياً محو فيروس الحصبة من على وجه الكوكب، وضمان عدم انتقال العدوى إلى أي إنسانٍ مجدَّداً. وهذا لأنَّه مرضٌ يشبه الأمراض التي يمكن القضاء عليها.
إذ إنَّ البشر، وليس الحيوانات، هم الناقل الوحيد للفيروس، لذا فإنَّ استئصال المرض لا يستلزم بالضرورة قتل فصائل بأكملها من الحيوانات، فضلاً عن أنَّ لدينا لقاحاً فعالاً واختبارات تشخيصية متاحة ودقيقة لاكتشاف المرض، غير أنَّ هناك أخباراً جيدة على الصعيد العالمي: ففي عام 2017، تلقَّى قرابة 85% من الأطفال حول العالم جرعة واحدة من لقاح الحصبة بحلول عيد ميلادهم الأول، وهو ما يمثل تقدماً مقارنةً بنسبة 72% في عام 2000، بحسب منظمة الصحة العالمية.
لكنَّ هذا ليس كافياً للقضاء على المرض نهائياً. فبينما تظهر معظم الحالات التي نشهدها في الوقت الحالي لتفشي الوباء، بالبلدان النامية، وبالأخص في إفريقيا وآسيا، فكما رأينا في واشنطن وأنحاء أوروبا كافة، يمكن أن ينتشر وباء الحصبة في أي مكانٍ طالما كان هناك عددٌ كافٍ من الأشخاص الذين لم يتلقوا التطعيمات.
ففي الولايات المتحدة، وجد الباحثون أنَّ حالات تفشي الحصبة ومرض السعال الديكي التي وقعت مؤخراً، ترتبط بشكلٍ وثيق بالأشخاص الذين يرفضون التطعيم، إذ كان هؤلاء هم المصدر الأول للوباء في كثيرٍ من الأحيان، بما يعني أنَّهم أطلقوا شرارة التفشي من خلال فرصة لإصابة الآخرين بالمرض.
هل سيشهد العالم عودة لانتشار الحصبة؟ الصحة العالمية تجيب
أدت الإجراءات الاحترازية للتصدي لعدوى كوفيد-19، مثل ارتداء الكمامات الواقية والعمل عن بُعد والقيود على السفر بين البلدان وحظر التجول في بعض الفترات، إلى إبطاء انتقال أمراض الجهاز التنفسي الأخرى، بما يشمل الحصبة.
وصرح دكتور باتريك أوكونور، المسؤول الطبي في قسم التحصين واللقاحات والبيولوجيا بمنظمة الصحة العالمية، أنه مع تخفيف هذه القيود، يشهد العالم زيادة في عدد حالات الإصابة بالحصبة، لاسيما في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، مشيرًا إلى أنه وضع مقلق بشكل خاص لأن هناك زيادة في عدد الأطفال الذين فاتتهم جرعات الحصبة الروتينية، بسبب اضطرابات خدمات الرعاية الصحية أثناء الجائحة.
في مقابلة، أجرتها فيسميتا جوبتا سميث، في إطار سلسلة حلقاتها "العلوم في خمس"، والتي تثبها منظمة الصحة العالمية عبر منصاتها الرسمية، شرح دكتور أوكونور أن الحصبة مرض فيروسي شديد العدوى، ينتشر بسهولة عن طريق الهواء نتيجة لسعال أو عطس شخص مصاب. وتشمل الأعراض عادة الحمى والطفح الجلدي. تعد مضاعفات عدوى الحصبة شائعة ويمكن أن تتراوح من خفيفة، مثل الإسهال إلى المضاعفات الخطيرة للغاية مثل الالتهاب الرئوي والتهاب الدماغ.
وحذر دكتور أوكونور من خطورة مرض الحصبة، موضحًا أنه قبل إدخال لقاح الحصبة في أوائل الستينيات وتعميم التطعيمات آنذاك، كان هناك ما يقدر بنحو مليوني حالة وفاة تُعزى إلى الحصبة كل عام، معظمهم من الأطفال.
أضاف دكتور أوكونور أنه في عام 2021، لم يحصل ما يقدر بنحو 25 مليون طفل على جرعتهم الأولى من لقاحات الحصبة، مقارنة بـ 20 مليون طفل في عام 2019، وهو العام الذي شهد أكبر حالات تفشي الحصبة يشهدها العالم خلال عقدين من الزمن، لذلك يجب التأكد من تلقيح أولئك الذين فاتهم لقاح الحصبة من أجل منع تكرار ما حدث في عام 2019.
وحول سبل الوقاية من انتقال العدوى بفيروس الحصبة إلى الأطفال، قال دكتور أوكونور إن التطعيم هو أفضل حماية ضد الحصبة، مؤكدًا أن لقاح الحصبة آمن وفعال، ومنذ تقديمه، تم إعطاء مليارات الجرعات على مستوى العالم، لمنع التعرض لحالات مرضية خطيرة والوفاة.
فوات الجرعة المجدولة
وشرح دكتور أوكونور أنه حتى فاتت الطفل الحصول على إحدى جرعات الحصبة المجدولة، فإنها لا تكون مشكلة، إذ يمكنه الحصول على التطعيم الآن. ومن المهم تذكر أن التطعيم ضد الحصبة يحمي أيضًا جميع التطعيمات الأخرى.
واختتم دكتور أوكونور قائلًا إن من بين المزايا الإضافية للتلقيح أنه يحمي أفراد العائلة والمجتمع صغارًا وكبارًا من الإصابة بالحصبة، موضحًا أن الحصول عليه مهم بشكل خاص لأولئك الأصغر سنًا والمصابين بأمراض مزمنة ومن يعانون من نقص المناعة.
40 مليون طفل بدون لقاح الحصبة
حذّر تقرير دولي، من أن التطعيم ضد الحصبة، المرض الذي يمكن أن يؤدي إلى الوفاة، لا ينفك ينخفض في جميع أنحاء العالم منذ جائحة كوفيد-19، مما يعرّض عشرات ملايين الأطفال للخطر، وقال المسؤول عن برامج التطعيم في "منظمة الأمم المتحدة للطفولة" (اليونيسف) إيفريم تيكلي ليمانغو، في بيان، إنه "منذ 3 سنوات ونحن ندق ناقوس الخطر بشأن انخفاض معدلات التطعيم وزيادة المخاطر على صحّة الأطفال في جميع أنحاء العالم"، وتابع: "أمامنا نافذة ضيّقة لتعويض" جرعات التلقيح الفائتة.
بدوره، قال المدير العام لمنظمة الصحّة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إنه بسبب جائحة كوفيد-19 "تأثّرت برامج التحصين بشكل خطير"، وأضاف: "وراء كل إحصائية في هذا التقرير هناك طفل معرّض لخطر الإصابة بمرض يمكن الوقاية منه".
تسبّب الحصبة حمّى شديدة وطفحاً جلدياً، وتكون معدية خلال فترة أربعة أيام قبل ظهور الأعراض وبعده، تسبّب الحصبة حمّى شديدة وطفحاً جلدياً، وتكون معدية خلال فترة أربعة أيام قبل ظهور الأعراض وبعده.
وبحسب التقرير المشترك الصادر عن منظمة الصحة العالمية والمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي)، فإنّه في العام 2021، فوّت نحو 40 مليون طفل جرعة من اللّقاح المضادّ الحصبة (25 مليوناً فوّتوا الجرعة الأولى و14.7 مليوناً الجرعة الثانية)، ومن هنا انخفض معدّل التغطية العالمية للتطعيم ضدّ الحصبة في جرعته الأولى إلى أدنى مستوى له منذ 2008، ومن بين البلدان التي لديها أكبر عدد من الأطفال غير المحصّنين ضد الحصبة: نيجيريا والهند وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وإندونيسيا، ووفقاً للتقرير فإن التقديرات تشير إلى أنّ عدد المصابين بالحصبة في 2021 بلغ تسعة ملايين شخص توفي منهم 128 ألفاً، والسنة الماضية تفشّت الإصابات بالحصبة في 22 دولة، غالبيتها في الشرق الأوسط وإفريقيا، وفي نيسان/أبريل حذّرت منظّمة الصحّة العالمية من أنّ حالات الإصابة بالحصبة المبلّغ عنها زادت بنحو 80% في الشهرين الأولين من عام 2022 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وقالت إليزابيث كوزينز، رئيسة "مؤسسة الأمم المتحدة"، إنّه "ما من وقت لنضيّعه. يجب أن نعمل بشكل عاجل لضمان وصول هذه اللّقاحات المنقذة للحياة إلى كلّ طفل".
والحصبة مرض فيروسي شديد العدوى لا علاج له، لكن يمكن الوقاية منه بجرعتين لقاحيتين، وتسبّب الحصبة حمّى شديدة وطفحاً جلدياً، وتكون معدية خلال فترة أربعة أيام قبل ظهور الأعراض وبعده.
وعلى الرّغم من أنّ أعراض هذا المرض حميدة في أغلب الأحيان، إلا أنّها يمكن أن تكون خطرة في أحيان أخرى إذ قد تؤدّي إلى مضاعفات في الجهازين التنفسي (التهاب رئوي) والعصبي (التهاب الدماغ) وخصوصاً لدى الأشخاص الذين يعانون من ضعف في حالتهم الصحية.
متى يأخذ طفلك لقاح الحصبة؟
ينبغي أن يأخذ الطفل الجرة الأولى من اللقاح المشترك ضد الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف في المرحلة العمرية الواقعة بين 11 و14 شهرا، على أن يأخذ الجرعة الثانية في المرحلة العمرية الواقعة بين 15 و23 شهرا
تعتبر الحصبة مرض فيروسي حاد ومُعد يصيب الأطفال غالبا، ولكنه قد يصيب الكبار أيضا، ويسبب للمصابين بعض المضاعفات التي تكون خطيرة في بعض الأحيان، فمتى يأخذ طفلك لقاح الحصبة؟
توضح اللجنة الدائمة للتطعيمات التابعة لمعهد روبرت كوخ الألماني أنه ينبغي أن تؤخذ الجرعة الأولى من اللقاح المشترك ضد الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف بالمرحلة العمرية الواقعة بين 11 و14 شهرا، على أن تكون الثانية في المرحلة العمرية الواقعة بين 15 و23 شهرا، وأضافت أنه يمكن أن يأخذ الطفل الجرعة الأولى مبكرا في عمر 9 أو 10 شهور على سبيل المثال في حال ذهابه إلى رياض الأطفال، على أن يأخذ الثانية بداية العام الثاني من عمره، وتتمثل أعراض الحصبة في الحمى والطفح الجلدي واحمرار الجلد، بالإضافة إلى الزكام الشديد والسعال الجاف والحرقان بالعين. وتنتقل الحصبة من شخص لآخر عن طريق العطس والسعال والاتصال المباشر مع المريض، ويُنصح الطفل المصاب بالحصبة بالراحة التامة إلى أن تنخفض درجة حرارته ويتماثل للشفاء في غرفة هادئة خافتة الضوء. ويتم علاج الحرارة المرتفعة بكمادات الماء والباراسيتامول.
فيروس الحصبة يدمر ذاكرة الجهاز المناعي
كشفت دراسة أجراها فريق من الباحثين الأمريكيين أن فيروس الحصبة أخطر مما يتوقعون، مشددةً على أن الفيروس تَسبَّب في محو ذاكرة الجسم فيما يتعلق بمسببات الأمراض التي أصيب بها من قبل، وذلك بنسبة تتراوح بين 11% و73% من الأجسام المضادة الواقية لدى الأطفال، والأجسام المضادة هي بروتينات الدم التي تتذكر المواجهات السابقة مع الفيروسات، وتساعد الجسم على تجنُّب تكرار الإصابة بها.
ووفق الدراسة، التي نشرتها دورية "ساينس" (Science)، فإن الأطفال الذين يعانون من غياب هذه الأجسام المضادة، يفقدون جزءًا كبيرًا من دفاعهم المناعي، ويصبحون عُرضةً لفيروسات أصابتهم من قبل وتغلبوا عليها.
يقول "ستيفن أليدج"، أستاذ علم الوراثة في كلية الطب بجامعة هارفارد والخبير بمعهد "هوارد هيوز" الطبي، والباحث المشارك في الدراسة: إن "هؤلاء الصغار لا يفتقدون الحماية تمامًا مثل حديثي الولادة، ولكن بعضهم يكون أقرب إلى ذلك. وهناك أدلة قوية على أن فيروس الحصبة دمر جهازهم المناعي وكأنه أصاب الجهاز المناعي بفقدان الذاكرة، ما يؤكد أهمية التطعيم ضد الحصبة، التي تُعَد أكثر الفيروسات المُعدية".
وقبل تطوير اللقاح المضاد للحصبة في عام 1963، كان المرض يصيب ما بين ثلاثة ملايين وأربعة ملايين حالة سنويًّا في الولايات المتحدة. وقد تراجع هذا العدد في العقود التالية حتى بلغ 55 حالة فقط في عام 2012. ولكن بسبب عدم التطيعم أو قلته، سجلت مراكز السيطرة على الأمراض بالولايات المتحدة 1261 حالة إصابة بالمرض منذ بداية العام الحالي وحتى 7 نوفمبر الماضي.
وتشير الدراسات السابقة إلى أن الحصبة قد تثبط جهاز مناعة المصابين بها لفترة من عامين إلى ثلاثة، مما يعرضهم لخطر الإصابة بأمراض أخرى، وهو ما أكده الباحث المشارك "مايكل مينا" في تقرير مشابه عام 2015.
يستخدم "أليدج" وفريقه البحثي جهاز "فيرسكان" (VirScan) منذ عام 2015 لاكتشاف الفيروسات من خلال تحليل نقطة دم واحدة، وفي أثناء تطويرهم لكفاءة هذا الجهاز، توصلوا إلى معرفة خطورة فيروس الحصبة.
وفي الوقت الذي يقوم فيه جهاز "فيرسكان" بالكشف عن الأجسام المضادة لفيروسات الإيدز والإنفلونزا والهربس ومئات الفيروسات، فإن الكشف عن فيروس الحصبة تطلَّب جهدًا كبيرًا، وفق البيان المصاحب للدراسة، إذ إن كَم الأجسام المضادة للحصبة في الدم يكون قليلًا فلا يمكن لجهاز "فيرسكان" رصده عند قياسها في الأشخاص الذين تم تطعيمهم قبل عقود.
ولهذا تعاون "أليدج" مع "مينا" بجامعة هارفارد و"ريك دي سورت" بالمركز الطبي بجامعة "إيراسموس" لتحليل عينات مأخوذة من أطفال مصابين حديثًا.
يقول "أليدج" في البيان المصاحب للدراسة: يتقلص مجموع الأجسام المضادة الذي تراكم خلال حياة الطفل بعد إصابته بالحصبة، ووفق شدة الإصابة، يفقد الأطفال ما بين 33% إلى 40% من مجموع الأجسام المضادة.
وقد أُجريت التجربة على قرود "الماكاك"، وتم جمع عينات الدم قبل الإصابة وبعدها لمدة خمسة شهور. وتبيَّن أن القرود فقدت ما بين 40 إلى 60% من الأجسام المضادة التي تحميها من مسببات الأمراض الأخرى.
ويسعى الفريق البحثي حاليًّا لتطوير نُهُج للكشف عن الفيروسات المنتشرة في دم الأشخاص في الوقت الحالي. كما يعمل مع إحدى الشركات لترخيص جهاز "فيرسكان" للاستخدام الأكاديمي، يقول "أليدج" في تصريحات لـ"للعلم": "إن نتائج الدراسة ترجح إعادة تطعيم الأطفال بتطعيمات أخرى (على سبيل المثال: شلل الأطفال، الجدري المائي، الالتهاب الكبدي، المكورات الرئوية، فيروس الروتا) وذلك بعد شفائهم من الحصبة. وهذا الإجراء من شأنه تخفيف آثارها طويلة المدى، والتعجيل بإعادة اكتساب الذاكرة المناعية.
ويضيف "أليدج" أن "الفيروس قد لا يعرف نوع الخلايا التي يهاجمها، وما إذا كانت تنتج أجسامًا مضادة أم لا. وعمومًا فإن العدوى التي تحدث بمعدلات عالية بعد الإصابة بالحصبة تكون بنفس الأمراض المنتشرة في البيئة المحيطة. فعلى سبيل المثال، ظهرت عدوى الجهاز التنفسي في كلٍّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بعد انتشار الحصبة. أما في أمريكا الجنوبية، فقد أعقب ظهور الحصبة انتشار النزلات المعوية والدوسنتاريا".
وتعليقًا على إصابة حالات في البرازيل بالحصبة رغم تطعيمها سابقًا ضد المرض، يقول "أليدج": إن أخذ التطعيمات كجرعة واحدة لا يكون فعالًا أحيانًا، ورغم فاعلية برنامج التطعيمات في الوقاية من الحصبة، إلا أن الأمر لا يكون كذلك بالنسبة لنحو 2% أو 3%. ولذلك يجب إعادة تطعيم الأطفال ضد الأمراض الخطيرة بعد الإصابة بالحصبة.
الحصبة: ثماني "خرافات" عن لقاح المرض تساهم في انتشاره
انضمت الفلبين إلى قائمة الدول التي تعاني من تفشي الحصبة، إذ أعلنت السلطات في السابع من فبراير/شباط أن أعداد المصابين بالمرض زادت بنسبة 74 في المئة، مقارنة بالعام الماضي، وحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، تسببت الحصبة في وفاة 111 ألف شخص حول العالم في عام 2018، وفي أحدث تقرير نشرته المنظمة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ذكرت أن الأخبار الكاذبة والخرافات المرتبطة بالتطعيمات، وانهيار الأنظمة الصحية، وراء زيادة حالات الإصابة بالحصبة بنسبة 30 في المئة عالميا، بين عامي 2016 و2017، وقالت المنظمة إن "الحالات القليلة (التي ظهرت في البلاد) قد تصبح تتضاعف بدون الوقاية التي توفرها التطعيمات"، وشهدت الأمريكتان وأوروبا ودول شرق البحر المتوسط الزيادة الأكبر في الحالات، بما في ذلك الولايات المتحدة، المعقل الأكبر للحركات المناهضة للتطعيم ضد المرض، ونرصد هنا كيف انتشرت الخرافات حول التطعيم، وتراجع الإقبال عليه، رغم الأدلة العلمية على الفوائد التي يقدمها.
1- "اللقاح يسبب التوحد"
يعزى تراجع الإقبال على التطعيم ضد الحصبة في البلدان الغربية في العقود الأخيرة إلى ما أعلنه الجراح البريطاني أندرو واكفيلد.
نشر واكفيلد مقال في دورية لانسيت عام 1997، قال فيه إن التطعيم الثلاثي المعروف بـ MMR ضد الحصبة والحصبة الألمانية والنكّاف تسبب في زيادة حالات الإصابة بالتوحد بين الأطفال البريطانيين، لكن دراسات عديدة لاحقة نفت أي علاقة سببية بين التطعيم الثلاثي ومرض التوحد. وسحبت دورية لانسيت مقال واكفيلد، كما شُطب من قائمة الأطباء البريطانيين.
لكن ادعاءات واكفيلد كانت لها تبعاتها، إذ تراجعت نسبة التطعيم الثلاثي في المملكة المتحدة من 92 في المئة عام 1996، إلى 84 في المئة عام 2002. وعاودت هذه النسبة الارتفاع مجددا إلى 91 في المئة، إلا أنها ما زالت أقل من الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية (95 في المئة).
2- "الجهاز المناعي للأطفال لا يتحمل التطعيمات الكثيرة"
ثمة 11 تطعيما على الأقل مخصصة للرضع والأطفال قبل سن عامين. لكن بعض الآباء يخشون أن تشكل هذه التطعيمات عبئا على الجهاز المناعي لأطفالهم، والسبب الشائع لهذا القلق هو أن اللقاح يعمل عن طريق حقن الجسم بالفيروسات أو البكتيريا المسببة للمرض، لكن العلماء طوروا هذا اللقاح بحيث لا يتسبب في ظهور أعراض المرض. لكنه يعد الجسم للتعامل مع "المرض الحقيقي" عند الإصابة به.
وكتب طبيب الأطفال الأمريكي، بول أوفيت، في إحدى المراجعات لعلاقة التطعيم بالجهاز المناعي للأطفال إن "الرضع لديهم القدرة على التعامل مع الأجسام الغريبة (المواد التي يمكنها التأثير في الجهاز المناعي) قبل الولادة. وخلال ساعات من ولادتهم، يصبح بإمكانهم تطوير استجابة مناعية للتطعيم".
3- "الأمراض كانت على وشك الاختفاء قبل ظهور التطعيمات"
وهنا يقول المناهضون للتطعيم إن تحسن الظروف الاجتماعية والاقتصادية، مثل الغذاء الجيد والعناية الصحية، كان لها نفس تأثير التطعيمات بمرور الوقت، ولا يمكن إنكار تأثير هذا التحسن في الحد من الوفيات الناجمة عن بعض الأمراض. لكن التراجع السريع في انتشار العدوى يشي بالدور الذي تلعبه التطعيمات في هذا الأمر.
وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، تراجع عدد الوفيات بسبب الحصبة من 5300 حالة عام 1960، إلى 450 حالة في عام 2012، بحسب المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية. ويُذكر أن أول تطعيم ضد الحصبة في الولايات المتحدة كان عام 1963، لكن تأثير التطعيمات لم يقتصر على أعداد الوفيات، إذ قلت حالات الإصابة بشكل ملحوظ خلال خمس سنوات من التطعيم، ما بين عامي 1963 و1968.
وثمة دليل قوي على أن تراجع أعداد التطعيمات قد يتسبب في عودة المرض للانتشار. فمثلا سجلت اليابان والسويد في سبعينيات القرن العشرين ارتفاعا في حالات الإصابة والوفاة الناجمة عن السعال الديكي، بسبب التراجع في أعداد الأطفال الذين يتلقون التطعيم.
4- "أكثر المرضى من بين الذين طُعّموا"
كثيرا ما يشير مناهضو التطعيم إلى هذه النقطة، وتؤكد منظمة الصحة العالمية أنه لا يوجد تطعيم فعال بنسبة مئة في المئة، لكن التطعيمات الدورية للأطفال فعالة بنسبة 85-95 في المئة بين من يتلقونها، ويختلف رد الفعل تجاه التطعيم من شخص للآخر، ما يعني أنه ليس بالضرورة أن يكتسب كل الأفراد مناعة بسبب التطعيمات.
ويعود سبب ارتفاع عدد المرضى بين الذين تلقوا اللقاح مقارنة بالذين لم يتلقوه إلى أن عدد الفئة الأولى أكثر من الثانية. وفي الحقيقة، يرتفع خطر الإصابة لدى من لم يُطعّموا أكثر بكثير ممن تلقوا التطعيم.
5- "شركات الأدوية تحقق أرباحا من التطعيمات"
يقدر الاقتصادي ميلود كادار، من منظمة الصحة العالمية، قيمة سوق اللقاحات بحوالي 24 مليار دولار عام 2013، ما يعادل ثلاثة في المئة من سوق الأدوية العالمي في نفس العام، وفي السنوات الأخيرة، توسع سوق اللقاحات بسبب عدة عوامل من بينها التوسع في برامج التطعيمات في البلاد الصناعية الناشئة، مثل الصين. وكذلك قرار الكثير من الأثرياء دعم أبحاث تطوير اللقاحات، مثل بيل غيتس مؤسس شركة ميكروسوفت، وتلقى التطعيمات اهتماما عالميا واسعا، إذ أن تكلفة المرض أكبر بكثير.
وأثبتت دراسة أجرتها جامعة جون هوبكينز عام 2016 أن كل دولار يُنفق على التطعيمات في الـ 94 دولة الأقل دخلا في العالم، يتسبب في توفير 16 دولارا كانت تُنفق في الرعاية الصحية، وتراجع الإنتاجية بسبب المرض أو الوفاة.
6- "بلادنا قضت على هذا المرض، فلا داع للتطعيم"
قدرة التطعيمات على الحد من ظهور الأمراض في بعض البلاد لا يعني أنها أصبحت خالية منها بالمقاييس العالمية، وما زالت بعض هذه الأمراض منتشرة، وأحيانا وبائية، في أجزاء أخرى من العالم. ويمكن لهذه الأمراض الانتقال بين الدول بمنتهى السهولة، ويمكنها كذلك أن تتحور في البلاد التي تتراجع فيها أعداد التطعيمات، وعلى سبيل المثال، زادت أعداد حالات الإصابة في أوروبا ثلاثة أضعاف بين عامي 2017 و2018، إذ وصلت إلى 83 ألفا، وهو أعلى معدل إصابة في هذا العِقد.
7- "التطعيمات تحتوي على مواد سامة غير آمنة"
أحد المخاوف لدى من يرفضون التطعيمات هو احتواؤها على مواد مثل الفورمالين والزئبق والألمنيوم. وهي مواد خطرة بالفعل عند تناولها بمستويات معينة، لكن بحسب هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، فإن الكميات الموجودة في التطعيمات من هذه المواد غير مؤذية. وتبلغ كمية الزئبق في التطعيم العادي 25 ميكروغراما في كل نصف ملليمتر، وتقول الهيئة إن هذه نفس الكمية الموجودة في علبة تونة تزن 85 غرام.
8- "التطعيمات مؤامرة غربية"
ما زال البعض يعتقد أن التطعيمات جزء من مؤامرة للهجوم على مجتمعات المدنيين، وفي شمال نيجيريا على سبيل المثال، تتعرض جهود القضاء على شلل الأطفال لعراقيل بسبب اعتقاد أن التطعيم قد يؤدي إلى العقم لدى الفتيات، وانتشار مرض الإيدز. وعادة ما تتكرر الهجمات ضد العاملين في مجال الصحة.
ويتكرر نفس الأمر في أفغانستان وباكستان، وهي بجانب نيجيريا البلاد الوحيدة التي ينتشر فيها شلل الأطفال بشكل وبائي، ولا يمكن إنكار أن برامج التطعيمات قد تُستخدم لتحقيق أهداف أخرى. ففي مارس/آذار 2011، اختلقت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) حملة مزيفة للتطعيم ضد فيروس الكبد الوبائي بي في باكستان، في محاولة للحصول على الحمض النووي لعائلة زعيم تنظيم القاعدة الهارب آنذاك، أسامة بن لادن، واكتُشف الأمر لاحقا، ما تسبب في زيادة الشكوك حول التطعيمات في بلد يحتاج إليها بشدة.