كيف تنجح في مواجهة كورونا نفسياً؟
دلال العكيلي
2020-07-01 08:11
ناس كثر لا يتابعون سوى أرقام المصابين والمتوفين أو حتى المتعافين من كورونا، لكن هناك أرقام أخرى من الصعب للغاية حصرها، لكنها تبقى خطيرة هي الأخرى. هم من يعانون نفسيا بسبب هذه الجائحة، فالصحة النفسية كما هي الصحة الجسمية مهمة في كل مرحلة من مراحل حياة الإنسان، بل إن الاهتمام بها أصبح ضرورة تقتضيها طبيعة العصر الذي نعيش فيه نظراً لارتفاع عدد الذين يعانون الاضطرابات النفسية بسبب ازدياد ضغوطات الحياة ومشكلاتها التي تركت آثاراً سلبية في صحة الإنسان النفسية والجسمية، لا يشك أحد في أن الاضطرابات النفسية قد ازدادت شيوعاً لدى الأطفال والمراهقين حتى أصبحت نسبة انتشار لا تقل عن 20%، فضلاً عن الراشدين والكبار ولا يخفى على أحد مقدار المعاناة التي تسببها تلك الاضطرابات، والآثار السلبية التي تتركها على أدائهم لوظائف الحياة اليومية فكثيرة جداً هي الاضطرابات النفسية وكثيرون جداً من يعانونها في هذا العصر عصر القلق، فالصحة النفسية جانب مهم وجزء أساسي من صحة الإنسان العامة .
وقد اعتبرت منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية جزءاً أساسياً ومتمماً للصحة العامة حينما عرفت الصحة بأنها حالة من الشعور التام بالسعادة والعافية الجسمية والنفسية والاجتماعية، وليس مجرد غياب المرض أو انتفاء العجز والضعف، ويعد التثقيف في مجال الصحة النفسية أمراً مساعداً في الوقاية من الاضطرابات النفسية أو في التخلص منها.
ضغوط الحياة هي خبرات لا يمكن لأي فرد أن يتجنبها، وهي تصيب الكبار والصغار على حد سواء ويرى العديد من علماء النفس أن الأطفال يعانون الضغوط النفسية أكثر من الكبار، وذلك لقلة خبراتهم في مواجهة هذه الضغوط والتغلب عليها ومن حسن الحظ أن قسماً كبيراً من هذه الضغوط يمكن أن تكون طبيعية، بل هي ضرورية للأطفال حيث تساعد الضغوط الأطفال على تنمية المهارات التي يحتاجون إليها للتكيف مع المواقف المهددة لهم أثناء حياتهم المقبلة غير أن دعم الوالدين ومساعدتهم للأطفال الذين يواجهون ضغوطاً نفسية يعد أمراً ضرورياً للأطفال كي يتعلموا كيفية الاستجابة الجسمية والانفعالية السليمة لهذه الضغوط .
في مرحلة الطفولة فإن أهم مصادر الضغوط النفسية عند الأطفال تتمثل في العلاقة السيئة بين الوالدين والتفكك الأسري، والخلافات الوالدية وعدم استقرار الجو الأسري والطلاق أو وفاة أحد الوالدين وتفضيل الوالدين طفلاً على آخر، وكذلك إهمال الطفل أو رفضه أو نبذه وعدم إشباع حاجاته أو النقص في رعايته وأسلوب الرعاية الوالدية العنيفة والفقر وضيق المسكن وقد تشكل المدرسة في بعض الأحيان مصدراً للضغوط النفسية على الطفل وذلك بأشكال كثيرة سواء من حيث المناهج أو أساليب التعامل مع الطفل وغير ذلك.
حذر طبيب أطفال من تسبب فيروس "كورونا المستجد" في آثار نفسية وعقلية مدمرة على صحة الأطفال، قد تستمر لسنوات، مؤكداً أن بعض هذه المشكلات قد لا تظهر إلا في المستقبل، ونقلت شبكة "سي إن إن" الأميركية عن الدكتور إديث براتشو سانشيز، أستاذ طب الأطفال بجامعة كولومبيا قوله إن أهم المشكلات النفسية التي تسبب فيها الفيروس للأطفال هي القلق والاكتئاب، مشيراً إلى أن أهم أعراض هذه المشكلات هي الصداع الخفيف المستمر، ونوبات الغضب، والعدوانية، وعدم القدرة على التركيز.
ولفت إديث إلى أن خطورة الأمر تتمثل في عدم قدرة كثير من الأطفال على التعبير عن مشاعرهم، مشيراً إلى أن ذلك قد ينتج عنه عواقب مدمرة لصحَّتهم العقلية والنفسية تستمر لسنوات، وحذر طبيب الأطفال كذلك من الآثار طويلة المدى لـ"فيروس كورونا" على نفسية الأطفال، مؤكداً أنهم قد يعانون من القلق والحذَر المبالغ فيهما في المستقبل، وأضاف إديث: "أخبرني آباء عدد من الأطفال أنه منذ الإغلاق الناتج عن (فيروس كورونا)، أصبح أبناؤهم يركضون للاختباء في إحدى الغرف فور سماعهم لصوت جرس الباب، حيث أصبحوا أكثر جبناً وخوفاً من الآخرين".
وتابع: "وأيضاً، أخبرني طفل في العاشرة من عمره الشهر الماضي أنه خائف للغاية لأنه يعتقد أنه مصاب بالتهاب الجنبة (وهو نوع من الالتهاب يصيب البطانة المحيطة بالرئتين)، وعندما سألته عن كيفية معرفته لذلك دون إجراء فحوصات، أخبرني أنه يشعر بآلام شديدة عند التنفس وأنه بحث على محرك غوغل عن هذا العرض ووجد أنه أحد أعراض مرض التهاب الجنبة".
وأشار إديث إلى أن والدة هذا الطفل أخبرته أن نجلها يمضي ساعات يومياً على "غوغل" للبحث عن أي عرض بسيط يشعر به، وأنه أصبح يعاني من القلق الشديد على صحته وصحة عائلته، وأكد إديث أن جميع الأطفال تأثروا بلا شك بهذا الوباء، الأمر الذي يتطلب من الآباء مساعدتهم على تخطي هذه المرحلة ومراقبتهم بشكل جيد لعرضهم على طبيب نفسي إذا لزم الأمر.
الوباء ومستقبل الأطفال؟
هل سيصف الأطفال والمراهقون في زمننا الحالي أنفسهم عندما يكبرون بأنهم "أبناء الجيل الضائع" الذين تخيم على حياتهم ذكرى الوباء العالمي؟ إذ ألقى وباء كورونا بظلاله على جوانب عديدة من حياة الأطفال والمراهقين، أبرزها إغلاق المدارس وبحسب منظمة اليونيسكو، فإن الوباء تسبب في انقطاع 1.6 مليار تلميذ في 190 دولة حتى الآن عن التعليم، وهذا يمثل 90 في المئة من أطفال العالم في سن المدارس.
وقد أثير جدل واسع حول مدى إسهام إغلاق المدارس في احتواء الوباء وبما أن فيروس كورونا المستجد لم يظهر إلا منذ خمسة أشهر فقط، فلا توجد أدلة قوية تثبت فعالية أي من التدابير التي تم اتخاذها للسيطرة عليه، لكن ريتشارد أرميتاج، من إدارة الصحة العامة وعلم الأوبئة بجامعة نوتنغهام، يقول إن هذه التساؤلات العلمية التي أثيرت حول جدوى إغلاق المدارس لا ينبغي أن تتخذ ذريعة لإعادة فتح المدارس قبل الآوان، إذ أن غياب الأدلة ليس دليلا على انعدام الجدوى.
ومن المعروف أن مخاطر انتقال العدوى تزيد في الأماكن المزدحمة والمغلقة، لكن رغم أن الأطفال أقل عرضة للإصابة بالمرض الفتاك مقارنة بالمدرسين في الفصول، يبدو أن الفيروس قد استحث استجابة مفرطة لدى عدد قليل من الأطفال، وقد يسهم الأطفال في نشر العدوى بين الفئات الأكثر ضعفا في المجتمع، مثل أجدادهم، خاصة وأن الأطفال قد لا يحرصون على النظافة الشخصية، ولهذا، فأغلب الظن أن حياة معظم الأطفال لن تعود لطبيعتها في الأشهر القليلة المقبلة وإضافة إلى الانقطاع عن الدراسة، ستؤدي الضغوط النفسية التي تفرضها العزلة في ظل الحجر الصحي، إلى تبعات جسيمة، مثل تأخر النمو المعرفي والعاطفي والاجتماعي وقد تزيد هذه الضغوط في مرحلة المراهقة من مخاطر الإصابة بالأمراض النفسية.
مواجهة الضغوط النفسية
كيف نتجنب الضغط النفسي، وكيف يمكننا حماية أنفسنا من الاستسلام للهلع والخوف من فيروس كورونا، وما دور الأمهات والزوجات في توفير سبل الرعاية النفسية لأسرهن؟ بحسب أسئلة توجهت بها الجزيرة نت للمعالجة النفسية نجوى حربا التي شاركت في العمل مع "أطباء بلا حدود"، ولاختصاصية الصحة النفسية ريان البدوي النجار، لتقدما النصائح للأمهات والزوجات لمساعدتهن في الحفاظ على الصحة النفسية والمعنويات العالية والروح الإيجابية في المرحلة الصعبة لأنفسهن وأطفالهن وأزواجهن.
تعتبر المعالجة النفسية نجوى حربا أن الهلع من أبرز ردود الأفعال النفسية على الكوارث ومنها وباء كورونا، ومع انتشار المعلومات الخاطئة والشائعات وكثرة الحديث عن الوباء عبر وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، بات الهلع يسيطر على شرائح أوسع في المجتمع، لكن سلوكيات الناس تختلف تجاه الأزمات، فمنهم من يتحدث دون مبالاة ومنهم من يتأثر كثيرا لدرجة الهوس في التعقيم والوصول إلى مرحلة الوسواس القهري في مسألة النظافة.
وتؤكد نجوى أن الاستسلام للهلع والخوف يؤديان إلى ضعف جهاز المناعة، وهذا يشكل فرصة للإصابة بفيروس كورونا، وتضيف "الضغط النفسي هو الضريبة التي يستجيب لها الجسد لا إراديا وبهذا قد تصل الحالة لفقدان التوازن في المتطلبات النفسية لذا يجب عدم التركيز على الأفكار السلبية، وتدعها تطفو كفقاعة أو تطير بعيدا كسحابة"،على الأمهات تعزيز الطاقة الإيجابية لدى الأطفال لتخطي هذه المرحلة ومتابعة العيش بطريقة صحية سليمة (مواقع التواصل) على الأمهات تعزيز الطاقة الإيجابية لدى الأطفال لتخطي هذه المرحلة ومتابعة العيش بطريقة صحية سليمة (مواقع التواصل)
محاربة الضغط النفسي: تنصح نجوى الأمهات والزوجات بتوفير أجواء منزلية مناسبة للعائلة، للابتعاد عن مصادر الضغط النفسي ومنها التلفاز والهاتف، والبعد عن قراءة سيل المنشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، وتقترح القيام بالواجبات الدينية كالصلاة، بشكل فردي أو جماعي للأسرة، إضافة لمحاولة إيجاد الطاقة الإيجابية من خلال القيام بهواية أو نشاط يجمع أفراد الأسرة، وترى أن تقديم الدعم المعنوي للأسرة وللأصدقاء -عبر وسائل التواصل أو الاتصال الهاتفي- ومشاركتهم الأفراح والأحزان، أمر يبعث على الشعور بالرضا وهو مؤشر إيجابي بحد ذاته.
تهيئة الأجواء: كما تقدم نجوى مجموعة نصائح تساعد ربات البيوت في تهيئة الأجواء المناسبة لتشعر العائلة بالراحة النفسية ومنها: الاسترخاء والتأمل، الابتعاد عن تناول المنبهات والتدخين، اتباع نظام غذائي صحي متوازن، النوم الكافي وشرب المياه بكثرة، ممارسة الرياضة، وتؤكد أن كل هذه النصائح تؤدي إلى ابتعاد أسرتك عن التوتر وتقوي الجهاز المناعي لديهم لمقاومة العدوى.
تعزيز الطاقة الإيجابية: وتشاركها الرأي الاختصاصية في الصحة النفسية ريان البدوي النجار، التي تؤكد ضرورة عدم متابعة مستجدات فيروس كورونا لحظة بلحظة، وذلك بصرف الانتباه إلى شيء آخر يمكن القيام به لتمضية الوقت بشكل مفيد، وفي الوقت نفسه تنصح الأمهات، بأهمية تعبير الأطفال عن مشاعر الخوف والاستماع لهم وطمأنتهم، وتعزيز الطاقة الإيجابية لديهم لتخطي هذه المرحلة ومتابعة العيش بطريقة صحية سليمة، ينبغي الحفاظ على الروتين اليومي للأطفال ومساعدتهم في إنشاء جداول زمنية تشمل الدراسة (بيكسلز) ينبغي الحفاظ على الروتين اليومي للأطفال ومساعدتهم في إنشاء جداول زمنية تشمل الدراسة (بيكسلز)
تأثير نفسي: وتنوه ريان إلى أن الخوف والقلق والحيرة والتوتر وفقدان السيطرة على الأعصاب كلها عوارض ظهرت مع انتشار فيروس كورونا، فالأزمة النفسية ازدادت حدة لعدم معرفة توقيت انتهاء هذه الأزمة، كما أن إجراءات الحجر المنزلي تدفع لمزيد من التوتر والخيارات باتت ضئيلة جدا مع وجود التباعد الاجتماعي الذي ضاعف من الحالة المزاجية السيئة التي انعكست على أجسادنا، وتشير إلى أنه في بعض الأحيان تظهر أعراض مشابهة لأعراض كورونا عند بعض الناس بسبب حالات القلق والاضطراب النفسي وما تعكسه سلبا على المناعة، وعلى الراحة الجسدية.
ما النصائح التي على الأمهات والزوجات اتباعها؟
تنصح اختصاصية الصحة النفسية ريان بإعادة صنع روتين مشابه للروتين الذي كانت عليه العائلة قبل أزمة كورونا، ذلك أن الصحة النفسية مرتبطة بشكل كبير ومباشر مع قوة مناعة الإنسان، لذا يجب عدم الاستسلام لحالة الذعر والفزع، وتؤكد أهمية إحلال البدائل المنزلية محل النشاطات الخارجية، عبر ممارسة العمل، وحتى النشاطات الرياضية، أي ممارسة الحياة الطبيعية بكل تفاصيلها من داخل المنزل، كما يجب وضع جدول زمني لتنظيم الوقت، والاستيقاظ باكرا، وعدم البقاء في ثياب النوم، وهذه مهمة مناطة بالأم بمساعدة الأب، ليكونا قدوة لأطفالهما.
وتبين الاختصاصية ريان أن مساعدة الوالدين للأطفال بتنظيم جدول يخلصهم من الشعور بالخوف تجاه انتشار فيروس كورونا، والذي ينتج عنه عدد من الاضطرابات في سلوك الطفل مثل الحركة الزائدة وكثرة طرح الأسئلة ويتم ذلك بمنح الأطفال مزيدا من الوقت والاهتمام، والتحدث معهم بلطف، وتخصيص مساحة من الوقت للعب والراحة وممارسة الأنشطة المحببة، وتجنب عزلهم بقدر الإمكان، كما أنه ينبغي الحفاظ على الروتين اليومي للأطفال قدر الإمكان، ومساعدتهم في إنشاء جداول زمنية جديدة تشمل الدراسة والتعلم، مع ضرورة توضيح حقيقة ما يجري للأطفال، وتقديم معلومات واضحة لهم عن كيفية الوقاية من الفيروس، بعبارات يسهل عليهم فهمها وتتناسب مع فئتهم العمرية.
ترك انتشار فيروس كورونا والإجراءات المتعلقة به كثيراً من الضغوط والأعباء على البالغين والأطفال، لكن حسب اراء المختصين إن بقاء العائلات في منازلها وتحول كثيرين إلى العمل من المنزل قد يشكل فرصة لقضاء الأهل لوقت أطول مع أبنائهم ودعمهم نفسياً وتعليمياً والترفيه عنهم كما يشير إلى إمكانية الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي في البقاء قريبين، ولو افتراضياً، من الأحبة والأصدقاء، إلى أن ينتهي العزل وإجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضها فيروس كورونا على طريقة البشر في التواصل فيما بينهم.