هل سيلجأ العراق إلى مناعة القطيع لكبح كورونا؟

عبد الامير رويح

2020-06-03 06:59

بعد اشهر من تفشي فيروس كورونا الذي اصاب نحو 6,5 مليون انسان واودى بحياة اكثر 376,238 شخصا في دول العالم، وفي ظل عدم وجود دواء أو لقاح فعال ضد هذا الفيروس القاتل، تسعى العديد من دول العالم التي لجأت إلى فرض إجراءات صحية متشددة، لأجل كبح انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) الذي ظهر في الصين أواخر العام الماضي، ومع استمرار الاضرار والخسائر الاقتصادية الكبيرة الى اتباع سياسة (مناعة القطيع) والتي طبقت في بعض الدول ومنها السويد واثارت جدلا كبيرا في الأوساط الطبية والسياسية.

ومناعة القطيع بحسب المصدر الصحفية هي شكلٌ من أشكال الحماية غير المُباشرة من مرضٍ معدٍ، وتحدث عندما تكتسبُ نسبةٌ كبيرةٌ من المجتمع مناعةً لعدوًى معينة، إما بسبب الإصابة بها سابقًا أو التلقيح، مما يُوفر حمايةً للأفراد الذين ليس لديهم مناعةٌ للمرض. إذا كانت نسبةٌ كبيرةٌ من السكان تمتلك مناعةً لمرضٍ معين، فإنه يُساعد في عدم نقل هؤلاء الأشخاص للمرض، وبالتالي يُحتمل أن تتوقف سلاسل العدوى، مما يؤدي إلى توقف أو إبطاء انتشار المرض. كُلما زادت نسبة الأفراد الذين لديهم مناعةٌ في المجتمع، كلما يقلُ احتمال اختلاط الأفراد الذين لا يمتلكون مناعةً مع أشخاصٍ ناقلين للمرض، مما يُساعد على حمايتهم من العدوى.

قد يمتلكُ الأفراد مناعةً إما بعد الشفاء من عدوًى مُبكرة أو من خلال التلقيح. لا يستطيع بعضُ الأفراد تطوير مناعةً لأسبابٍ طبية، مثل نقص المناعة أو تثبيط المناعة؛ لذلك تعدُ مناعة القطيع مهمة لهذه الفئة من الأفراد، حيثُ تُعتبر وسيلة حمايةً مصيريةٍ لهم. عند الوصول إلى حدٍ مُعين، فإنَّ مناعة القطيع تقضي تدريجيًا على المرض بين السكان. واستخدام مُصطلح مناعة القطيع (بالإنجليزية: herd immunity)‏ للمرة الأولى في عام 1923. وقد اعتُرف به ظاهرةً تحدثُ طبيعيًا في ثلاثينيات القرن العشرين، وذلك عندما لوحظ أنه بعد تطويرِ عدد كبيرٍ من الأطفال لمناعةٍ ضد الحصبة، فإنَّ عدد الإصابات الجديدة قد انخفض مؤقتًا، خصوصًا بين الأطفال المُعرضين لخطر الإصابة به.

ومع تطبيع هذه السياسة ستسعى تلك الدول الغاء تدابير التباعد الاجتماعي واجراءات العزل الصحي والسماح للناس بممارسة حياتهم الطبيعية، وإعادة فتح الأنشطة الاقتصادية من جديد، أي السماح وبقرار حكومي بانتشار العدوى بين اكبر عدد من الناس لأجل اكتساب مناعة ذاتية، خصوصا وان العديد من التقارير قد اكدت ان نسبة كبيرة من المصابين لا يشعرون بأي أعراض او مضاعفات، ويرى انصار هذه السياسة كما نقلت بعض المصادر، إن إجراءات التباعد الاجتماعي ليست حلا عمليا لمكافحة الوباء حتى وإن أدت إلى انحسار الفيروس، والسبب هو أن هذا الإغلاق يؤدي إلى شل حركة الاقتصاد، أي أن أناسا كثيرين يجدون أنفسهم بدون أي موارد للعيش. أما في حال نجاح إجراءات التباعد الاجتماعي، في كبح انتشار الوباء، فإن الفيروس قد يعود مرة أخرى، إذا جرى تخفيف القيود، وذاك ما حصل في سنغافورة حيث سجلت موجة تفش ثانية، بعد تطويق الأولى.

ومصطلح سياسة "مناعة القطيع"، الذي رفضته منظمة الصحة العالمية بوصفه مفهوماً خطيراً، وقال عنه المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور مايك رايان، انه مصطلح مأخوذ من علم الأوبئة البيطرية، حيث "يهتم الناس بالصحة العامة للقطيع، ولا يهم الحيوانات الفردية بهذا المعنى.. البشر ليسوا قطعانًا". واضاف إن العالم بحاجة إلى توخي الحذر عند استخدام المصطلح، لأنه "يمكن أن يؤدي إلى عملية حسابية وحشية للغاية لا تضع الناس والحياة والمعاناة في مركز تلك المعادلة".

ويرى البعض العراق الذي يعيش جملة من الازمات والمشكلات الصحية والاقتصادية، بسبب الخلافات السياسية وتراجع اسعر النفط في الاسواق العالمية، يسعى اليوم الى تطبيق سياسة (مناعة القطيع) خصوصا مع تزايد اعداد الاصابات التي وصلت الى ما يقرب من سبعة الاف اصابة، وعدم التزام الكثير من فئات الشعب بالتعليمات والقرارات الحكومية الخاصة بإجراءات الحظر الصحي، والتي جاءت بسبب عجز الحكومات المتتابعة على توفير حياة كريمة ولائقة لا بناء الشعب من خلال تنويع مصادر دخل الدولة وعدم الاعتماد على النفط كمصدر اساسي للدخل، وهو ما اسهم بازدياد معدلات الفقر والبطالة في العراق ودفع الناس الى كسر حظر التجول والعودة الى مزاولة الاعمال من اجل الحصول على لقمة العيش، خصوصا بعد عجزت الحكومة عن توفير الاعانات والمنح اللازمة خلال فترة الحظر للملاين من العاطلين.

ولعل تطبيق سياسة "مناعة القطيع" فيما يخص فيروس كورونا في العراق، يمكن ان يكون جريمة قد تسهم بانهيار المؤسسات الصحية التي تعاني من مشكلات كبيرة ونقص حاد بالأجهزة والمعدات وخصوصا أجهزة التنفس الصناعي التي يبلغ عددها وبحسب احصائية سابقة نحو 500 جهاز تنفس اصطناعي موزعة في عموم المستشفيات، وهو ما قد يتسبب بقتل مئات الآلاف من ابناء الشعب، خصوصا وان بعض التقارير قد اشارت الى ان نسبة الوفيات بهذا المرض تتراوح بين 4،3% من مجموع الاصابات.

كما ان هذه السياسة ستهم ايضا في زيادة أعداد الضحايا بين الأطباء والعاملين في القطاع الطبي بسبب انتقال العدوى خصوصا مع نقص الموارد وأدوات الوقاية الشخصية، وعدم قدرة العراق على رفد المؤسسات الصحية بما تحتاجه، بسبب توقف القطاع الصناعي بشكل تام وعدم قدرة الحكومة التي تعاني موازنتها اصلاً من عجز مالي كبير، على توفير المبالغ المالية الخاصة بشراء الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية.

تطبيق سياسة "مناعة القطيع" سيتبب ايضاً في مضاعفة الخسائر الاقتصادية والمالية، وربما سيسهم في احداث شلل اقتصادي كبير في حال تفشى هذا المرض القاتل، الذي سيصيب الملايين من العاملين والموظفين واصحاب المهن الحرة لاقدر الله وهو ما ستكون له نتائج عكسية على جميع القطاعات الاقتصادية، وقال خبير بارز بفيروس كورونا في الصين إن استراتيجية "مناعة القطيع" لن تنجح، لأن المرض معد للغاية. وانتقد الدكتور تشونغ نانشان، السياسة التي بموجبها يتعرض جزء كبير من الناس للمرض، من أجل بناء المقاومة. واكد تشونغ أن "مناعة القطيع لن تحل المشكلة". وأضاف: "ليس لدينا دليل يثبت أنه إذا أصبت مرة واحدة، فستكون محصنا مدى الحياة. خطوتنا التالية هي تطوير لقاحات فعالة تتطلب تعاونا عالميا".

ولعل الواجب اليوم على الحكومة العراقية، وفي سبيل انقاذ ابناء شعبها الاستمرار بتطبيق وتشديد اجراءات العزل الصحي وتدابير التباعد الاجتماعي، والعمل على معالجة بعض الاخطاء السابقة والاستمرار بتثقيف المواطن وتقديم الدعم للفقراء والعمل على انقاذ الملايين منهم من براثن الموت، وهذا هو الحل الوحيد لحين وجود لقاح او علاج خاص.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا