لماذا ازدادت الامراض النفسية في عالمنا المعاصر؟

وصال الاسدي

2018-07-01 05:52

تزوجت وهي في السابعة عشر من عمرها، لم تظن انها ستتحمل مسؤولية عائلة، او انها ستجبر على ترك الدراسة، وتأخر الانجاب وضغط الأهل فاقم الأزمة، فجأة بدأت تشكو من صداع مستمر، الم في القلب والمفاصل يتزايد باستمرار.

إضافة الى نوبة انفعالية تزداد شدتها يوم بعد يوم، مريم ابنة الواحد والعشرين ربيعا الآن لديها طفل ولا تزال تشكو من نفس الأعراض وعجز الأطباء عن إيجاد العلاج لها بغير المسكنات، ازدادت حالتها سوءا ً، الهوس والشكوك وحالة من الإغماء أحيانا يتساءل زوج مريم اذا ما كانت مصابة بمرض نفسي أو إعتلال عقلي؟

شيوع الاضطرابات السلوكية

تشير الدراسات التي أجريت في مجتمعات مختلفة في بلدان العالم في الشرق والغرب، إلى وجود الأمراض النفسية بنسب متفاوتة في كل مكان ولا يكاد يخلو من أنواعها المتعددة أي مجتمع من المجتمعات، وقد أكدت ذلك دراسات متعددة للأمراض النفسية في دول الغرب المتقدمة وبعض المجتمعات البدائية، مما يزيد نسب الإصابة هي الظروف الأمنية والاقتصادية التي يمر بها العالم اليوم.

خصوصا في المجتمعات العربية فبعد الربيع العربي أشارت إحصائيات الأمانة العامة للصحة المصرية ارتفاع معدلات الانتحار والاضطراب السلوكي بين الأفراد، ناهيك عن الاكتئاب والتوحد، في العراق الوضع في أزمة حقيقية، إذ أثرت الأحداث الدامية التي مرت بها البلاد على الجميع دون استثناء، فالتهجير والخروج من دائرة الخصوصية الى الحياة التي يتشارك بها الجميع في المخيمات ومحطات التنقل حتى الوصول الى المناطق الآمنة، كانت نقطة التحول عند الكثير من الناس وخصوصا اليافعين منهم.

مريم من سكنة الموصل سابقا تستأجر مع عائلتها منزلا في كربلاء حاليا بعد رحلة قاسية بالوصول الى بر الأمان، واحدة من تلك القصص التي تركت الحرب أثارها الكبيرة عليها التي صادفتها في احد عيادات الجملة العصبية رغم عدم حاجتها الى طبيب جملة عصبية، إلا ان ندرة الاختصاص النفسي بالعراق اضطر الناس الى اتخاذ أي سبيل لغرض الحصول على العلاج والتخلص من الأعراض، وهذا الخلط الكبير الحاصل في التشخيص بين الاضطراب السلوكي النفسي والأمراض العقلية.

امراض نفسية كلاسيكية

الدكتور بشار الأسدي اختصاص في الجملة العصبية بين "ان الكثير ممن يقصدون العيادات الآن هم غير مصابين باعتلال عصبي، او مرض من الأمراض النفسية الكلاسيكية الموجودة في مناهج الدراسات الجامعية، لكنهم يعانون مشاكل في علاقاتهم وتكيفهم مع الحياة.

أطباء الجملة العصبية لم يتلقوا التدريب الكافي للتعامل مع هذه المشكلات، اذ يحتاجون الى جلسات طويلة ومتعددة يتراوح أمدها بين الستة اشهر والسنة، بمعدل أسبوعي وهذا يحتاج الى تكلفة مادية كبيرة إضافة الى ارتفاع كلفة أدوية النفسية، والى رعاية خاصة لغرض الاستمرار في الجلسات.

مازن (27) عاما يقول: بعد الأحداث في الموصل تهجرت مع عائلتي والآف العوائل الى الوسط والجنوب نجونا بأعجوبة من كمائن داعش، كانت المناظر التي مررنا بها تدمي القلب، الجثث بالشوارع والمنازل المهدمة المدينة معدمة بالكامل.

فقدت القدرة على التفكير في المستقبل، والأمل في تغيير المستقبل، وأصبحت ثقتي بنفسي ضعيفة جدا، كذلك عدم قدرتي على الشعور بالسعادة".

وأضاف الأخصائي بالأمراض النفسية الدكتور احمد مرتضى "أن الاضطراب النفسي يأتي من الضغوط الحياتية الاقتصادية الظروف والصعبة، هي من أهم الأسباب المؤدية للإصابة بالاكتئاب، إذ يبدأ من عدم وجود الوقت الكافي للراحة الجسدية، فتنفذ الطاقة الإيجابية الموجودة لدى الإنسان، وتقل كفاءة جهاز المناعة النفسي ويصبح غير قادر على مواجهة المشكلات الصحية والاجتماعية".

وأكد مرتضى "هناك اعتقاد خاطئ بأن المرض النفسي يأتي من ضعف الإيمان أو المس من الجن التي يشتهر بإشاعتها العرافين، أو ضعف في الشخصية، وهذا ما يجعل الكثير من المرضى يتكتمون على مشاكلهم النفسية حفاظا على صورتهم أمام الناس، وفي ظل هذا التكتم السلبي تنتشر الكثير من الأفكار الخاطئة عن طرق العلاج النفسي، ولو قارنا الوعي الصحي بالوعي النفسي سنجد هناك فجوة كبيرة، فما زال الكثير من الناس يجهلون الحقائق العلمية عن أشهر الأمراض النفسية.

الإدمان على الاكتئاب

الاستشارية النفسية ضحى العوادي أوضحت أن الاكتئاب، أو الاضطرابات الاكتئابية تقسم الى عدة أنواع، يتميز عنها الاكتئاب الأساسي، بالأعراض التي تتداخل مع القدرة على العمل، النوم، الدراسة، تناول الطعام، والاستمتاع بالحياة.

وغالبا ما تصاب النساء باكتئاب ما بعد الولادة، والذي يُعد أكثر خطورة بكثير من حالة الإحباط النفسي الطبيعية، التي تُصيب ما بين 70% إلى 80% من النساء بعد الولادة، هذا يحدث نتيجة التغيرات الجسدية والفسيولوجية التي تُصيب المرأة بسبب الحمل ثُمّ الولادة.

لكن اكتئاب ما بعد الولادة ليس مجرد حالة إحباط نفسي، لكنه مرض حقيقي وخطير، ويُقدّر أن ما بين 10% إلى 15% من النساء بعد الولادة يُصابون بهذا النوع من الاكتئاب.

وبينت العوادي" أن هناك أعراض يمكن الاستدلال من خلالها على المريض النفسي منها جسدية وانفعالية واستعرافية واخرى سلوكية، الصداع والأرق وخسارة الوزن وشحوب الوجه من اهم الاعراض الجسدية، ويمثل القلق المستمر والتوتر والرغبة في أذية النفس والناس المحيطين تلك ابرز الانفعالات النفسية".

العوادي أكدت "أن من اخطر الأعراض تلك الاستعرافية كالنسيان الدائم وفقدان التركيز والتفكير المنطقي والأفكار العدوانية والندم على الماضي والملامة للنفس تؤدي تلك مجتمعة الى الأعراض السلوكية، منها العنف في التعامل والغضب السريع والتراجع في أداء الواجبات تجاه النفس والعائلة والمجتمع وقد يتطور الأمر الى الإدمان".

السيكوباثية

كل منا اليوم هو طبيب لنفسه يشخص الحالة ويعطي العلاج، وانتشار الصيدليات سهل مهمة الحصول على تلك الأدوية، إذ يظن الكثير منا أن المرضى النفسيين هم المصابون بخلل في العقل، فمن المهم إشاعة ثقافة الاختصاص في المجتمع.

الوحيد القادر على تحديد الإصابة النفسية وتفريقها عن العقلية هو الطبيب النفسي، إستاذ علم النفس في جامعة دمشق حازم القصير أشار الى " إنّ النفس تختلف في مفهومها ودورها عن العقل، حيث إنّ النفس هي مركز العواطف والميول والرغبات عند الإنسان، كالحب والخوف، أما العقل فهو الذي يُدرك الأمور ويقيّمها ويختار التصرّف عند التعرض لمواقف معيّنة".

لا يستطيع الكثير من الناس التفرقة بين المرض النفسيّ والمرض العقلي، إذ يعتبر أغلب الناس مرضى نفسيين في الواقع إذا تم التّعامل مع حالاتهم النفسيّة بدقة علميّة، أما المرض العقليّ فالمصابون به قلّة وينبذهم المجتمع، ان المرضى النفسيين هم أشخاص يتعاملون بشكل طبيعيّ مع أقرانهم، لكنهم يعانون من ضغوطٍ واضطراباتٍ نفسيّةٍ، فألرّهاب أو الفوبيا احد أشكال المرض النفسي ولا يظهر إلا إذا تعرضوا لمواقف تضغط على أعصابهم وتسبب ظهور تلك الحالة للعلن، اذ أن معظم الأمراض النفسية من الممكن حلّها بالإرشاد النفسيّ في مراحلها الأولى في حال تمت متابعتها مبكراً.

الأرقام تفصح عن حجم المشكلة

نشر موقع ساسة بوست تقريرا عن منظمة الصحة العالمية في مطلع العام الجاري أشارت فيه الى تزايد هائل في انتشار الاضطرابات النفسية في العالم نتيجة لعوامل كثيرة ومتداخلة، نفسية، بيولوجية، واجتماعية، ويمكن من خلال الأرقام الاستدلال على حجم المشكلة حيث إن الاضطرابات النفسية تصيب أعدادا كبيرة من الناس في مختلف مراحل العمر، ومن مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وتتسبب في تدهور ومعاناة يمتد تأثيرها من المريض إلى الأسرة والمجتمع.

وحسب التقرير بلغ عدد حالات الفصام العقلي الشيزوفينيا في بلدان العالم 45 مليون إصابة، جائت نسبة الإصابة بالاكتئاب 7% من سكان العالم، و3% مصابون بالوسواس القهري، وثلث البشر بالقلق، وشكلت الاضطرابات النفسية بشكل عام ارتفاعا خطير إذ أكد التقرير إصابة أكثر من نصف سكان العالم.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي