الاسلام السياسي بين الدولة والسلطة وضياع حرية الاختيار

محمد علي جواد تقي

2015-11-10 08:34

يناقش الباحثون في أمر الديمقراطية ببعض بلادنا الحديثة العهد بهذه التجربة، في مسألة "حق الانتخاب"، وأن تكون اكبر شريحة في المجتمع تتمتع بهذا الحق في المشاركة السياسية، وأينما وجدت مصاديق هذا الحق على الارض، في انتخابات نيابية او رئاسية، حظي ذلك البلد بدرجة معينة من "المنزلة الديمقراطية"، حتى وإن كانت شكلية وتشوبها شوائب التزوير والتدليس وغيرها.

لكن في نفس الوقت نلاحظ بحوثاً ومناقشات حول فشل التجربة الديمقراطية في هذه الدولة وتلك، وأن الانتخابات ومشاركة الناس فيها، ومع انها على درجة معينة من النزاهة، لم تعط للموطن المردود الايجابي في الاستقرار والامان والعيش الكريم، حيث الازمات متتالية وبشكل معقد، بين سياسي واقتصادي وقانوني وامني، وكل شيء يحدث والموطن آخر من يعلم، وهو الوحيد الذي يدفع فاتورة جميع هذه الازمات، وما يتمخض منها من كوارث.

هذه الظاهرة سلط الضوء عليها آية الله السيد هادي المدرسي في حديث صحفي له مع مجلة "الهدى"، حيث نبّه الى فشل الديمقراطية التي تهتم فقط بإيصال المواطن الى صناديق الاقتراع، إنما المهم في الأمر، ان يكون المواطن "مختاراً" جيداً قبل ان يكون ناخباً يقف في طابور طويل في المراكز الانتخابية، بما يشكل لقطة ومنظر اعلامي يصلح للاستهلاك الدعائي.

وعندما نسمع ونرى علائم الفشل والانهيار في أية عملية ديمقراطية في بلادنا، ومنها العراق، فاننا يجب ان نرجع الى المواطن قبل الهجوم على المسؤول والصراخ في وجهه، لأنه ببساطة سيلتزم الصمت، إذ لا جواب عنده، سوى "أنكم انتم من انتخبتموني، فما عدا مما بدا..."! ثم امامنا القاعدة الاصيلة، وهي حديث نبوي شريف: "كما تكونوا يولّى عليكم"، فما الذي حدا به لهذا الاختيار الخاطئ؟

الاختيار الخاطئ، يحصل لدى الانسان في موارد معينة في حياته، فهو يحرص دائماً على حسن الاختيار، لذا يفكر كثر من مرة قبل اتخاذ قرار معين او الاقدام على عمل ما، بينما الملاحظ عندنا في "ديمقراطيتنا" أن الاختيار دائماً في طريق الخطأ، بمعنى أن القضية ليست كلها من نتاج المواطن، إنما هنالك أيدي هي التي تمسك بالخيوط وتوجه بعض الناخبين – ونقول بعضهم- الى هذا المرشح او ذاك، كما حصل في العراق وبشكل مفضوح ودنما حرج.

هذا المشهد لا يخدم سوى أهل السلطة في تجربة "الاسلام السياسي"، حيث بإمكانهم توظيف شعارات دينية تضفي على واجهتهم بعض المشروعية والمقبولية، لأن الهمّ في التجربة الديمقراطية ليس بناء دولة المؤسسات وصياغة الانسان وبلورة الفكر والثقافة للمجتمع، إنما تحقيق المكاسب السياسية في البقاء مدة أطول في قمة السلطة، والاستحواذ على الاغلبية البرلمانية.

لكن يتمكنون من ذلك؟، هذا السؤال يجيب عنه سماحة المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي – طاب ثراه- في كتابه "ممارسة التغيير" وهو يبحث مفصلاً في "الديكتاتورية"، بان "الاستبداد إنما ينمو ويترعرع ويقفز على الحكم ويبقى بسبب جهل الناس، ولذا يصر الاستبداد دائماً على سياسة التجهيل، ويغلق نوافذ المعرفة على الناس بألف وسيلة ووسيلة...".

إن الجهل وفقدان البصيرة هو الذي يعدم الرؤية أمام المواطن في معرفة ما يحصل حوله وفي داخل بلده، فهنالك حقائق وأمور لا بأس بنشرها والتعريف بها للناس، بينما تبقى حقائق اخرى مغيبة بشكل او بآخر، بل ويحجر عليها بعلامة الموت...! لتحذير من يحاول المساس بها بعواقب غير حميدة إن هو حاول اختراق الممنوع ونشر المحظور بالنسبة للسلطة الحاكمة. وهذا ما نلاحظه في وسائل الاعلام او على الشبكة العنكبوتية – النت- او من خلال مؤلّف يصدر الى المكتبات او حتى منتديات ومحاضرات وغيرها من وسائل إيصال الحقيقة والكلمة الصادقة الى المجتمع.

وبذلك لن تكون السلطة بحاجة كثيراً على اجراءات المنع ومظاهر العسف التي ربما تثير عليها الاحتجاجات في الداخل والخارج وتخرّب سمعتها، إنما تكتفي بهذا الاسلوب الذي ينتزع حرية الانسان في الاختيار الصحيح دون ان يعي هو بذلك! وهذا بدوره يحقق لهم مكاسب، هي بالحقيقة بالنسبة للمواطن – المغلوب على أمره- عبارة عن سلسلة من المحن والازمات، منها:

1- بقاء المواطن في دوامة الازمات، فتكون السلطة مشغولة بتمرير سياساتها وايديولوجيتها في الساحة دون منافس او منازع.

2- الحفاظ على الفاصلة بينها وبين المواطن حتى لا تصل يده الى مركز القرار ويكون مؤثراً، او ان تكون هذه السلطة، مجبرة على تنفيذ ما تطالب به الجماهير من اصلاحات او مطالب عامة.

نعم؛ رب سائل عن دور التظاهرات الجماهيرية التي عمّت العراق؟ فان هذا، وإن كان له تأثير على الصعيد الاعلامي والسياسي، إلا انه ليس من السهل المساس بالهيكلية العامة للدولة التي صاغتها أيدي السلطة، ولذا نجد ان هذه الاحتجاجات المطلبية، احدثت نوعاً من التباين في الشارع العام حول جدوائيتها، قبل ان تتجه الى ممارسة الضغط الحقيقي على الحكم بغية تقويم الأداء والحد من الفساد وغيرها من المطالب الحقّة، مما يعني أن المعالجة يجب ان تكون في الجذور وفي أصل المشكلة التي يغطي عليها الحكام، بالمقابل يتحدثون عن "حق التظاهر" و"حق الانتخاب" و"حق...." الى آخر القائمة، فيما يجد المواطن انه لم يصل أي حق من حقوقه بشكل حقيقي، ويدور في دوامة مفرغة.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا