غرقى في عهدة الحمقى

هادي جلو مرعي

2015-10-31 11:41

بغداد وبيروت والإسكندرية من أهم مدن الشرق، ومن مباهج الدنيا التي لاتذوي، وتتجمل للزمن، وتزداد بهاءا كلما ضربتها رياح الفتن، وهجرتها الحضارة لتعود صناعة جديدة غرقت هذه المدن الجميلة بمياه الأمطار، وبينما كانت بيروت تستعد لتظاهرات جديدة للضغط على الحكومة علها تنهي أزمة المزابل التي تراكمت والنفايات التي تجمعات فإذا بالمطر يهطل فتفيض الدروب والأزقة العتيقة ولتجرف آلاف الأطنان من تلك المزابل التي صارت تمر في شوارع العاصمة وتدخل البيوت والدوائر الرسمية ولاتستثني أحدا، فصار البيروتيون عرضة للمطر والنفايات والأمراض والتظاهرات.

لم يكتف المصريون بإقالة محافظ الإسكندرية، وقرروا محاسبة العاملين في المحافظة والمسؤولين بعد أن قتل عديد المواطنين، وإمتلئت الشوارع بالمياه وتعطلت حركة الحياة وصعق البعض وماتوا نتيجة الخلل الذي أصاب منظومة الكهرباء، ولم تشفع قرون مرت جعلت الإسكندرية من أشهر مدن الدنيا ليتعلم المسؤولون عنها شروط العمل والحياة ليعرفوا كيف يتم تصريف مياه الأمطار، ويجنبوا مواطنيهم الكوارث الطبيعية التي تحصل وليس على الدوام، فصار الفشل عنوانا للمسؤولين الفاسدين.

بغداد هي الأخرى كانت على موعد مع الكارثة، فمواطنوها إرتقوا أسطح بيوتهم بعد أن داهمتهم المياه، وصارت تسيل في الغرف الأرضية والمطابخ والمكاتب والحدائق، وحولت الشوارع الى أنهار طافحة والساحات العامة الى بحيرات راكدة، بينما تقيأت المجار مياهها المتعفنة لتحولها الى سموم تنبث في البيوت والأزقة. ضاعت مئات المليارات من الدولارات طوال عقد من الزمان كنا نظنها تنفق في مشاريع الصرف الصحي وتسريب مياه الأمطار لكنها كانت تحتفي في جيوب الفاسدين والحمقى من اللصوص الذين لم يفكروا ولو بالنزر القليل من المال ليتركوه للشعب، بل تجرأوا الى الحد الذي قرروا فيه سرقة كل شيء، كل شيء دون أن يتجاوزوا شيئا، وصاروا في سباق مريب ليصلوا الى موارد الدولة وخزائن المال، فحولوا الوزارات الى أوكار للنهب والسرقة وغسيل الأموال، وصار كل شيء فاسدا في البلاد، وعندما أمطرت السماء فاضت الشوارع وعرفنا إننا نهبنا بلا رأفة.

العراق بلد مسكين وعديد بلاد العرب كذلك، شعوب تائهة ضائعة يحكمها مجموعة من الحمقى واللصوص، لايؤمنون بمستقبل بلدانهم، ولايحترمون شعوبها، ويحتقرون مواطنيهم ويذلونهم ولايعدونهم سوى أن يكونوا قطعان ماشية لاتعي من الحياة سوى أن تأكل وتشرب وتستسلم لسكين الجزار.

ما فائدة مسؤول في دولة عاطلة

عاطلة ولعلها فاشلة ومعطلة ومنقوصة عند الولادة، ولاأمل فيها فهي هكذا والسبب إنها تنتهي الى العدم بعد أن يستهلكها دعاة الحماية لها والبناء والإدارة من المحتالين والنصابين والسراق العبثيين الذين لايشبعون مهما سرقوا ونهبوا وإحتالوا على القانون والمجتمع وإستخدموا نفوذهم غير الشرعي وقدراتهم التي سلبوها من أهلها ومستحقيها من المهنيين المحترمين وذوي الكفاءة.

كنت أقف في موضع رسمي يمثل دولة أجنبية، ووصل نداء الى الحارس إن ثلاثة وكلاء وزارات قادمون الى السفارة بغية تحصيل الفيزا وإجراء المقابلة، ثم جاء بعد ذلك ففتح الطريق، وقيل فيما بعد إن القنصل سمح بدخولهم، بينما سمح لهم بالطبع إدخال هواتفهم النقالة لكنني منعت من ذلك.

كان أحدهم نائبا في البرلمان كما عرفت، وأقسمت في سري إنني أكثر أهمية وفائدة للوطن منه، فهو يسرق من قوت الشعب راتبه السحت ويحصل على إمتيازات وتسهيلات مختلفة من هذه الوزارة وتلك وهذا الوزير وذاك ويستخدم نفوذه وسلطته البرلمانية ليفعل مايريد في بلد تاه وضاع ونهب ولم يتبق منه شيء على الإطلاق سوى الأكاذيب عن الوطنية والتحدي والقتال بشراسة والقيام بالواجب كما يجب.

ماهو الفعل والدور الذي يقوم به النواب والسياسيون سوى أنهم يثيرون الفتن ويقلبون الأشياء رأسا على عقب ويضيعون الفرص وتضييع القوانين فيختلفون على مصالحهم ويضيعون حقوق العامة ولكنهم يضمنون لأنفسهم الحصول على كامل الإمتيازات دون تأخير ويمارسون مايشاءون من رغبات تقضى لهم على الفور ويتشاركون في أموال الشعب المسكين المظلوم المسروق وهو في غاية الغفلة والتيه.

أنا حزين لأن كثر من الناس الذين لايجدر بنا أن نقيم لهم وزنا لأنهم لايملكون القدرة على صناعة المنفعة ويكسبون بدلا من ذلك الأموال ويتسلطون علينا بالقانون والحكم والسلطة وهو مايبعث فينا شعورا باليأس لايوازيه شعور سوى شعور الهزيمة في مواجهة التحديات الصعبة التي تجتمع رويدا فتكبر وتلتقي ببعضها وتصير جبلا لايهتز ويسيطر على البيئة المحيطة به ويتملك الأفق والهواء والسحاب.

لاأعرف الى أين تتجه الأمور في العراق مع وجود كم هائل من الفاشلين واللصوص والقتلة والحرامية الذين إستساغوا كل ذلك وماعاد مهما لديهم ردود فعل الناس ومعاناتهم وطريقة حياتهم البائسة وعيشهم الحقير بسبب هذه النماذج.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا