إغواء الاستبداد

بروجيكت سنديكيت

2015-10-30 11:21

آنا بالاسيو

 

مدريد ــ عندم سُئِل الرئيس الأميركي فرانكلين د. روزفلت عن الدعم الأميركي للطاغية السيئ السمعة أناستاسيو سوموزا في نيكاراجوا، قال "ربما يكون ابن زنا ولكنه ابننا من ذلك الزنا". وسواء كان هذا التعليق الساخر الذي جاء على لسانه ملفقاً أو لم يكن، فإنه يلخص نهجاً غربياً قديماً في قسم كبير من العالم ــ وهو النهج الذي ارتكزت إليه السياسة الخارجية الأميركية طوال فترة الحرب الباردة.

ولكن يبدو أن ميلاً جديداً أكثر إزعاجاً ظهر مؤخرا، مع استعداد زعماء الغرب ليس فقط للرضا بأبناء الزنا الذين تولدهم ممارساتنا نحن، بل بأي ابن زنا قادر على فرض الاستقرار، بأي ثمن. وهي عقلية مغرية ولكنها خطيرة.

كان المفترض أن تكون التجربة سبباً في دفع زعماء الغرب في الاتجاه المعاكس. فمع مرور الوقت، أثبتت المحسوبية الواقعية ظاهرياً خلال الحرب الباردة أنها بعيدة كل البعد عن المثالية. بل وفي العديد من الحالات ــ شاه إيران، ولون نول في كمبوديا، وأوجستو بينوشيه في تشيلي، وموبوتو سيسيه سيكو، على سبيل المثال لا الحصر ــ أدى ذلك النهج إلى انعدام الأمن وتفشي الفوضى في الأمد البعيد.

ولكنها أوقات عصيبة يائسة. فمع عجزهم عن احتواء العنف، والمعاناة، والفوضى التي تجتاح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ــ والتي باتت عواقبها محسوسة على نحو متزايد في أوروبا ــ عاد زعماء الغرب إلى السقوط في فخ الحرب الباردة. فكل ما يريدونه هو شخص ــ والآن أي شخص تقريبا ــ قادر على فرض النظام.

ولعل هذه الحالة اليائسة تتجلى بوضوح في سوريا. فبعد سنوات من الإصرار على أن الرئيس السوري بشار الأسد هو المشكلة، يقترح عدد متزايد من صناع السياسات والمنظرين الاستراتيجيين في الغرب الآن أنه ربما يكون في واقع الأمر جزءاً من الحل ــ أو على الأقل العملية الانتقالية.

في الشهر الماضي، أشارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى ضرورة إشراك الأسد في المحادثات بشأن مستقبل سوريا. وعلى نحو مماثل، يعترف الآن كل من وزير الخارجية الأميركي جون كيري ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بدور للأسد في الانتقال الافتراضي. وذهب رئيس الوزراء الأسباني ماريانو راجوي إلى حد الزعم بأن العالم لابد أن "يعتمد على الأسد في المعركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية".

وسواء كان هذا التحول مدفوعاً بحس واقعي أو استسلام، فإنه يعكس رغبة واضحة في تحقيق الاستقرار ــ وهي الرغبة التي تتعزز في أوروبا بشكل خاص بسبب وجود ثقب أسود آخر في الحكم في ليبيا. وكانت نفس الرغبة هي التي دفعت الغرب إلى دعم نظام عبد الفتاح السيسي في مصر ــ برغم أصوله المريبة والقمع المستمر ــ مع أقل قدر من الضغط لحمله على الإصلاح.

في مواجهة الفوضى، يُصبِح هذا الحرص على تأمين الاستقرار بأي وسيلة مفهوما. ولكنه منحدر زلق، والواقع أنه يستند إلى انقسام زائف بين الاستبداد وعدم الاستقرار.

بطبيعة الحال، سوف نجد أن شخصيات استبدادية مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتن لها مصلحة قوية في تعزيز هذا الانقسام. فكما أشار المحلل السياسي البلغاري إيفان كراستيف، يبذل بوتن ــ حليف الأسد منذ فترة طويلة ــ قصارى جهده للترويج لفكرة مفادها أن الجهود الغربية لتشجيع الحكم الرشيد لا تفضي إلا إلى التقلبات. وقد أعلن بوتن في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أن "التدخل الغربي العنيف أسفر عن... العنف والفقر والكارثة الاجتماعية بدلاً من جلب الإصلاح". ووفقاً لهذا المنطق فإن وجود حكومة قوية بقيادة الأسد من شأنه أن يؤدي إلى التأثير العكسي ــ وهي النقطة التي تحاول روسيا الآن إثباتها على الأرض في سوريا.

ولكن برغم أن هذه الفكرة قد تكون مقنعة وبرغم أن الغرب بات منهكاً ضجرا، فإن الحقيقة الثابتة بشكل صارخ خلال الحرب الباردة، وما أعقبها من أحداث دموية، هي أن الطغيان ليس حالة مستقرة على الإطلاق ــ ليس في الأمد البعيد بكل تأكيد. فمن غير الممكن أن ينجح أحد في قمع الرغبة في الكرامة الإنسانية والاحترام ــ حجر الزاوية للحكم الرشيد ــ وخاصة في وقت حين أصبح الناس يتمتعون بقدرة غير مسبوقة على الوصول إلى المعلومات من خلال شبكة الإنترنت والتكنولوجيات المحمولة.

ومن هنا فإن الحكم الرشيد هو المفتاح إلى الاستقرار في الأمد البعيد. ولكن مثله كمثل الاستقرار، لا يستطيع أحد أن يفرض الحكم الرشيد من الخارج؛ بل لابد أن يتطور عضويا، بدعم من جذور قوية داخل المجتمع.

ولكن هذا لا يعني أن الحكومات الغربية لا تستطيع أن تفعل أي شيء. بل الأمر هو العكس تماما. فمن خلال المساعدة في رعاية مجتمع مدني قوي على المستويين المحلي والوطني، تستطيع القوى الخارجية أن تلعب دوراً مهماً في خلق قاعدة قوية للحكم الرشيد في البلدان المثقلة بالأزمات.

وقد أظهرت اللجنة الرباعية للحوار الوطني في تونس ــ وهي مجموعة من منظمات المجتمع المدني التي منحت جائزة نوبل للسلام هذا العام عن "مساهمتها المتميزة" في تعزيز الديمقراطية بعد الثورة التي شهدتها البلاد في عام 2011 ــ إلى أي مدى من الممكن أن يخلف المجتمع المدني القوي تأثيراً في دعم الاستقرار. ولإحداث فارق حقيقي في دعم الاستقرار في أكثر المناطق اضطراباً اليوم، يتعين على المجتمع الدولي أن يعتبر تونس نموذجا (وأن يظل ملتزماً بضمان استمرارها على المسار نحو الديمقراطية المستقرة)، بدلاً من الوقوع فريسة لخرافات بوتن التحذيرية حول سوريا وليبيا.

ولكن من المؤسف أن زعماء الغرب أظهروا مراراً وتكراراً أنهم يفتقرون إلى القدر الكافي من الصبر والإخلاص للمشاركة بشكل مستمر وثابت ومتواضع مع المجتمعات في البلدان المبتلاة بالأزمات أو توفير مساعدات الحكم المتزايدة والمطولة التي يمكن التعويل عليها لمنع انهيار الدولة. ولكن مع فترات انتباههم القصيرة وشعورهم المتضخم بأهميتهم، فإنهم يفضلون ببساطة الخيار المتمثل في تثبيت طاغية قادر على التعامل مع الأمر. والآن ينبغي لهم أن يتغلبوا على أنفسهم ــ لصالح الجميع.

* وزيرة الخارجية الاسباني السابقة ونائبة الرئيس السابقة للبنك الدولي

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا