من وحي وصايا الامام علي (ع) لمن يتولى أمر الناس
القاضي سالم روضان الموسوي
2024-01-27 05:51
ونحن في رحاب ذكرى ولادة امير المؤمنين علي (ع) لابد من استنشاق عطرها الفواح وان ننهل من مشربها الصافي، عبر استذكار وصايا الامام (ع) لنا من اجل الارتقاء بأنفسنا ومجتمعاتنا الى مصاف العدالة والإنسانية، التي كانت وما زالت غاية الأديان السماوية، التي ختمها الله عزوجل بالإسلام، وبهذه المناسبة انقل بعض من درر وحكم امام الكلام وسيد البلغاء، وعلى وفق الآتي:
يقول الامام علي (ع) في العدل والانصاف: قولا حاسما بان صورة العدل هي صورة واحدة لا تقبل التأويل ولا التحريف ولا التسويف، فان العدلُ عدلاً ليس له بديل او نظير او مشابه، اما الجورُ فله صورٌ متعددة، ويقول في ذلك (ان العدل صورة واحدة، والجور صور كثيرة، ولهذا سَهُلَ ارتكاب الجور وصُعُبَ تحرى العدل، وهما يشبهان الإصابة في الرماية والخطأ فيها، وإن الإصابة تحتاج إلى ارتياض وتعهد، والخطأ لا يحتاج إلى شيء من ذلك).
لذلك فان الخطأ من أصحاب القرار هو جَورٌ واضح، ولابد من تقويمه، ويمكن لنا القول بان صاحب القرار الخاطئ جائراً وان كان سلطاناً او رئيساً او مسؤولاً، ولا يعفيه عن اثم الجائر في الدنيا والاخرة ان اخطأ في تصوره وتفكيره عند اتخاذ القرار الحاسم في من يسوسهم ويرعاهم.
كما يقول الامام علي (ع) في بان هؤلاء حكمهم زائل وبأقصر الازمان بقوة (زمان الجائر من السلاطين والولاة أقصر من زمان العادل، لان الجائر مفسد، والعادل مصلح).
كما يصف الامام علي (ع) بعض مناصب هؤلاء برياسة السفلة، ويرى ان موت الرؤساء وان كانوا صالحين وان بقي المنصب شاغراً، هو أفضل من رياسة هؤلاء بقوله (موت الرؤساء أسهل من رياسة السفلة)، والأخطر من ذلك قوله بان (زوال الدول باصطناع السفل) بمعنى تربية النشء على التسافل وتوجيه المرؤوسين الى الفساد، فإنها من أسباب زوال الدول، بل ينبه الامام علي (ع) الى بث القنوط وخيبة الامل لدى الشعوب اذا ما ساد على رئاستها السفلة، بقوله (اذا ساد السفل خاب الامل).
لكن امير المؤمنين لم ينبه ويكتفي بل اعطى الأسباب التي تؤدي الى التسافل في إدارة الحكم حيث يقول ان من هذه الأسباب مصاحبة أصحاب السوء المشهور عنهم الفساد ووضعهم في عناوين الاستشارة والاستيضاح حيث يقول (لا تقبلن في استعمال عمالك وأمرائك شفاعة إلا شفاعة الكفاية والأمانة) ويؤكد على حسن اختيارهم بقوله (لا تصحب الجاهل، فإن فيه خصالاً فاعرفوه بها: يغضب من غير غضب، ويتكلم في غير نفع، ويعطى في غير موضع الاعطاء، ولا يعرف صديقه من عدوه، ويفشي سره إلى كل أحد).
ثم يوصي عليه السلام بمراعاة بعض الامور التي تحفظ مسارهم من الانحراف بقوله (ينبغي لمن ولى أمر قوم أن يبدأ بتقويم نفسه قبل أن يشرع في تقويم رعيته، وإلا كان بمنزلة من رام استقامة ظل العود قبل أن يستقيم ذلك العود)، وأن يتحلوا بمكارم الاخلاق التي وصفها بقوله (مكارم الأخلاق عشر خصال: السخاء، والحياء، والصدق، وأداء الأمانة، والتواضع، والغيرة، والشجاعة، الحلم، والصبر، والشكر).
كما يوصي بمراقبة الاصحاب وفحص مدحهم وقدحهم بقوله (إذا أعجبك ما يتواصفه الناس من محاسنك، فانظر فيما بطن من مساويك، ولتكن معرفتك بنفسك أوثق عندك من مدح المادحين لك).
ويوضح الامام (ع) علامات الجور والفساد في الحاكم بقوله (إذا بلغ المرء من الدنيا فوق قدره تنكرت للناس أخلاقه)، وان هذه الاخلاق التي ستظهر في طباعه وسلوكه من تجبر وطغيان، انما هي تعبير عن طبيعة اخلاقه وسلوكه الشائن وعلى وفق قوله (ع) (إذا قوى الوالي في عمله حركته ولايته على حسب ما هو مركوز في طبعه من الخير والشر).
كما يوصي بان يختار الرئيس او الوالي او السلطان واي كان في مقام التسلط على امر الناس ان يهتم بمصاحبة اهل العلم من الصالحين ويقول الامام علي (ع) في من يجالس ويعمل مع العلماء، حيث يوصيه بالآتي (ولا تضجرن من صحبته، فإنما هو بمنزلة النخلة ينتظر متى يسقط عليك منها منفعة. وخصه بالتحية، واحفظ شاهده وغائبه) وان يختار للفصل في شجر بينهم افضل رعيته بقوله (اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك، في نفسك ممن لا تضيق به الأمور، ولا تمحكه الخصوم، ولا يتمادى في الزلة، ولا يحصر من الفيء إلى الحق إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشبهات، وآخذهم بالحجج، وأقلهم تبرما بمراجعة الخصم، وأصبرهم على تكشف الأمور، وأصرمهم عند اتضاح الحكم. ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء. وأولئك قليل).
ثم يوصي هؤلاء بقوله (استعمل العدل، واحذر العسف والحيف، فإن العسف يعود بالجلاء والحيف يدعو الى السيف) ويقصد به ان التعسف يؤدي الى التفرق والتشتت، والحيف هو الميل عن العدل إلى الظلم الذي ينزع بالمظلومين إلى القتال لإنقاذ أنفسهم.
وفي الختام اسأل الله تعالى ان يجعلنا من الثابتين على نهج الامام علي وان يصح حال الامة وان يعيد اليها صوابها، ويمن عليها باهل الصلاح والاصلاح، ويولي عليها من يعتلي رأس الحكمة بمخافة الله، وان يعمل بصلح الاعمال واولها الامتناع عن اكل المال الحرام باكتناز الاموال من منافع الوظيفة، على خلاف المساواة والعدل بين الرعية، وان يجعل اغنياء العلم في مواقع العمل، لان العلم غنى، وبقاء حيث يقول الامام (ع) (ما مات من أحيا علماً ولا افتقر من ملك فهماً)