العمر والعمل ومعادلة الربح والخسارة في ملتقى النبأ الاسبوعي
عصام حاكم
2016-02-10 03:34
صبيحة يوم السبت الموافق 30/1 استضافت مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وعبر ملتقى النبأ الاسبوعي سماحة حجة الاسلام والمسلمين السيد مهدي الشيرازي (حفظة الله) نجل المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي (قدس سره) وكانت له هذه الاطلالة المباركة ليستعرض من خلالها تفاصيل الربح والخسارة في عمر الانسان وعمله، وكيف يمكن ان يقلب الانسان المعادلة من اجل ان يحظى بشرف الدنيا والاخرة وان لا يكون في عداد الخاسرين.
ولبيان تلك الحقيقة واهم القرائن العقلية التي ساقها الينا قال سماحته: في هذه الحياة الدنيا نحن نعيش في المرحلة الوسطى، وهناك مراحل سابقة وهناك ايضا مراحل لاحقة، الان نحن بالمرحلة الوسطى اما المراحل السابقة ربما مكثنا فيها، ملايين السنوات ولا نتذكر منها حتى لحظة واحدة، مرحلة من هذه المراحل السابقة عالم الذر. الله تبارك وتعالى اشار الى هذا العالم بالقران الكريم، كما يقول بعض المفسرين (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم)، هذه الآية كما يفسرها بعض المفسرين تشير الى عالم الذر، ولا نعلم كم سنة كنا في هذا العالم، العوالم اللاحقة التي تبدأ بالموت بالبرزخ عالم القبر عالم الصراط عالم الميزان عالم تطاير الكتب عالم الحشر عالم الحساب عالم الكتاب والى ان يصل الانسان الى الجنة او نعوذ بالله الى النار.
كل العوالم السابقة واللاحقة بما فيها عالم الارحام حسب الظاهر معظمها او كلها الاختيار مسلوب من عندنا فنحن غير مختارين مسيرين. اضف الى ذلك نحن في عالم الدنيا، ايضا نسير بذات الاتجاه ونحن بمعظم الامور التي في هذا العالم نحن غير مختارين، بما فيها ان يولد الانسان ذكرا او انثى، ابيضا او اسود، ذكيا او غبيا، من ابوين مسلمين او كافرين، في هذه المنطقة او في تلك المنطقة، كم نعمر متى نولد!
وأضاف سماحته: يمكن ان نقول معظم ما يجري في هذه المرحلة ايضا كالمراحل السابقة واللاحقة القضية ليست باختيارنا، نسبة قليلة جدا جعلت باختيارنا، الله تبارك وتعالى يشير الى ذلك بالقران الكريم لينظر كيف تعملون، هذه المرحلة القصيرة لا تشكل من حياة الانسان الا جزءا يسيرا، مرحلة العمل ماذا تعمل كيف تستثمر هذه الفترة القصيرة، بالقياس الى وجودك في هذا العالم اللامتناهي من البداية الى ان تصل الى الجنة أو النار التي لا نهاية لهما، هذه الفترة القصيرة هي في حقيقة الامر لا تمثل الا بضع ساعات او ربما يوم او نصف يوم، هذه المرحلة جعلت باختيارنا لذا لابد ان ننظر اليها بمنظار دقيق. ذكر احد المؤمنين انه ذهب الى مدينة فوجد في بداية تلك المدينة مقبرة ففكر في زيارة تلك المقبرة ليقرأ الفاتحة على الاموات، الا انه اثناء تجوله في تلك المقبرة تابع على شاهد تلك القبور كتابة حيث وجد بان فلان ابن فلان مدة العمر ستة اشهر، القبر الثاني اربعة اشهر القبر الرابع سنتين،، فوجد الاعمار في المقبرة كلها لا تتجاوز خمسة او ستة سنوات، فقرر ان يخرج من تلك المقبرة باحثا عن مقبرة للكبار، عندها وجد مارا فسأله عن مقبرة المدينة فقال له هذه هي مقبرة المدينة، وليس لدينا مقبرة للصغار واخرى للكبار، ونحن لا نكتب العمر الحقيقي للإنسان المتوفي بل نكتب العمر الذي انتفع به ونفع به الاخرين، فحينما تقرأ فلان عمره ستة اشهر هو في حقيقة الامر عمره الحقيقي سبعين سنة لكن انتفع فقط او نفع الاخرين بستة اشهر.
فالعمر الحقيقي للانسان، بعد حذف مدة النوم والعمل للدنيا وماقضاه خلف شاشة التلفزيون وعلى موائد الطعام، وفي الجلسات وفي السهرات، هو ثمان اشهر او ستة اشهر او شهر واحد او عشرة اشهر، وهنا نتسائل ورغم قصر تلك الفترة كيف يستثمر الانسان حياته، وما هو افضل عمل نقوم به في هذه الفترة البسيطة. من افضل الاعمال التي نقوم بها هو الفكر والتفكر والوعي والتثقيف ورفع الجهل عن النفس وعن الغير وهذه هي من افضل الاعمال، فكل كل تخلف في الامة اساسه الجهل، وكل تقدم أساسه العلم، ولا يمكن الوصول الى التقدم الا بالعلم والوعي والتثقيف والتفكر.
وأضاف: الامام الحسين عليه السلام سيد شباب اهل الجنة استشهد في كربلاء لأجل كلمة واحدة ذكرت في زيارة الاربعين "وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الظلالة"، فبذل المهجة تعني دم القلب او بمعنى ادق تعني الحياة، والغاية هي استنقاذ عباد الرحمن من الجهالة او من الغرق الذي يجر الانسان الى القاع او في الوحل.
الامام الرضا صلوات الله وسلامه عليه يقول (احيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا)، يقولون له يابن رسول الله وكيف يحيوا امركم، فقال لهم يتعلموا علومنا ويعلموها للناس علوم اهل البيت في كافة الابعاد الفقهية والحياتية، ان صح التعبير الحيوية في مختلف الابعاد سياسة تربية اجتماع اقتصاد ادارة، فنحن بعيدون كل البعد عن تعاليم اهل البيت التي يمكن ان تنقذنا كفرد وتنقذنا كأمة. وقد كان ابوذر الغفاري(رض) كانت اكثر عبادة يمارسها في حياته هي التفكر والاعتبار، وفي الروايات الشريفة هناك تجذر لحالة التفكر والعلم، فـ "تفكر ساعة خير من قيام ليلة"
ويقول الامام الصادق(ع) "تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة"، وفي رواية أخرى "تفكر ساعة خير من عبادة الف سنة". ويمكن ان يكون اختلاف الروايات لاجل اختلاف الافكار والافراد ومتعلقات الفهم، بعض الاحيان يفكر الانسان في نفسه فهذا خير من قيام ليلة، شخص اخر يفكر بإنقاذ الامة هذا خير من قيام الف سنة لأنك تنقذ الاخرين.
وأضاف السيد مهدي الشيرازي: هذه الفترة القصيرة التي نريد ان نستثمرها للآخرة، يجب أولا:
ان نحاول حقيقة ان تكون لله تبارك وتعالى وهو ما يعبر عنه بالإخلاص، فما كان لله ينمو، أما لغير الله فلا ينمو الله، وفي حديث قدسي يقول "ياموسى اخلص العمل فان الناقد بصير بصير".
وثانيا فان من الامور المهمة جدا التي تبعدنا عن العمل وعن النتائج، وربما معظم التخلف يرتبط بهذه النقطة هو النزاعات، والسيد المرجع العم "آية العظمى السيد صادق الشيرازي دام ظله" دائما ما يؤكد على ثقافة التعايش، فنحن غرقى بالنزاعات التي تسبب عدم تقدم الانسان، فحالة النزاع امست ثقافة منذ البداية في مجتمعاتنا، هناك قضية لطيفة حول كيفية ايجاد النزاع في مدارسنا على عكس مدارس اليابان التي تسعى لخلق ثقافة التعايش منذ الصف الاول الابتدائي. فهناك مسابقة تمارس في بعض الدول العربية والاسلامية حيث يضعون في الصف تسعة كراسي ويطلبون من عشرة تلاميذ الجلوس على الكراسي التلميذ الذي يجد كرسي للجلوس عليه هو خاسر، وعند ذاك من الطبيعي ان يتدافع التلاميذ للجلوس على الكراسي، وهكذا تستمر المسابقة وفي كل محاولة يتم إنقاص كرسي من الكراسي حتى تصل المسابقة الى كرسي واحد، وهو سر من اسرار تشبث الحاكم عندنا بالكرسي، فهذه ثقافة الصف الاول والكل يحرص على التدافع من اجل الحصول على الكرسي. نفس المسابقة تمارس في اليابان ولكن بتغيير بسيط يأتون بتسعة كراسي ويطلبون من التلاميذ العشرة الجلوس على الكراسي، اذا بقى واحد الكل خاسر فيضطرون حينذاك ان يفسحوا المجال لبعضهم البعض الاخر، وهم من خلال ذلك يجذرون لدى الطلبة ثقافة التعايش، وهي ثقافة اسلامية تفسحوا في المجالس ففسحوا يفسح الله لك، من هذا يعلم الطالب اصول العمل الجمعي، وان يشد بعضهم البعض الاخر، وهكذا يتم تنمية هذه الثقافة.
مجتمعنا سوف ينعم بعد ان تسوده ثقافة التعايش والفكر والعلم والوعي والتثقيف والمطالعة بالإضافة الى الاخلاص واذا تمكنا ان ننميها في انفسنا وفي عوائلنا ومجتمعنا نسئل الله تبارك وتعالى ان يأخذ بأيدينا "ان الله لا يغير ما بقوما حتى يغيروا ما بأنفسهم".
المداخلات
يرى الاستاذ احمد جويد/مدير مركز ادم للدفاع عن الحقوق والحريات، ان هذا الملتقي ليس ككل الملتقيات خاصة وانه يحمل بصمات ايمانية ودلالات حياتية تدعو الى استثمار الوقت واستغلاله بالعمل النافع سواء كان هذا العمل يقصدون به حوائج دنيوية واخروية، دائما العمل النافع ينتج ثماره في الدنيا والاخرة،
ويرى الدكتور قحطان حسين باحث في مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية ان السلوكيات التي تشاع او تنتشر في المجتمعات هي التي تحدد درجة التعلم أو العلم والمعرفة من سواها، فالتنشئة هي التي تخلق من المجتمع متعلما متنورا او جاهلا، وكل هذه الوسائل والسبل المتبعة سواء في المدارس سواء في البيوت وحتى في المؤسسات العامة، هذه التنشئة وهذه الوسائل في التنشئة تحتاج الى اعادة نظر بها، وهذه المسؤولية تقع على المؤسسات التربوية والدينية والجهات ذات العلاقة بهذا الموضوع، هذه الفكرة غائبة تماما من الحكومات من المؤسسات والسبب مجهول، واضاف نأمل ان توسع الحوزات وتفتح فروع لها لتدريس العلوم الصرفة، لان تقدم المجتمع والابتكارات الحديثة وما سواها من امور تتعلق بحياة الانسان ومرتبطة ايضا بعلوم الدين بشكل وباخر.
الدكتور علاء الحسيني، باحث في مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات أشار الى قول الامام علي(ع) في نهج البلاغة خففوا تلحقوا. حيث ان مفتاح الحب الروحي والاخلاص لله رب العالمين هو التخفيف من حب الدنيا حتى على مستوى العائلة، وعلى مستوى حب الدنيا، وذلك لان كلها زائلة نحن نحتاج ان ننشط علاقتنا مع الله سبحانه وتعالى.
الدكتور خالد العرداوي مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية/ أشار الى ان اليوم في الدين والدنيا نحتاج الى ان نتشارك في الرأي ونتشارك في المشورة وان ينتفع بعضنا من البعض الاخر، ولا يمكن لاحد ان يقول انه قد استغنى او وصل الى غاية المنتهي مما يريده في الدين والدنيا. ولكن دائما هناك اشياء كثيرة يحتاج ان يسمعها من الاخر ويفهمها ويدركها اكثر، وقديما عندما تكلم كونفوشيوس عن بناء الامة الصالحة قال ان تكون هنالك اسرة صالحة، اذا وجدت الاسرة الصالحة سوف تكون هناك امة الصالحة وربط بين الاسرة الصالحة وبين الامير الصالح.
الاديب علي حسين عبيد/مؤسسة النبا للثقافة والاعلام، أشار الى وجوب ان تمتد القراءة الى عامة الناس، والحقيقة نحن نحتاج الى الية عمل لنشر هذا الجانب.
الاستاذ عدنان الصالحي/مدير مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية، أشار الى ان هناك ثمة ازمة حقيقة في العالم الاسلامي وفي العراق بصورة خاص، فالعراق لا يعيش ازمة مالية أو امنية بل يعاني من ازمة في الاخلاق. فلو كان السياسيون لديهم اخلاق لتدافعوا وتسابقوا للخدمة، ولكن السباق على الكراسي يوشر الى وجود ازمة في الاخلاق، وهذا المعنى ايضا افشل مشروع الايثار لدى العقلية السياسية.
الاستاذ محمد الصافي/باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث: أشار الى ان الدين الاسلامي دائما يحرص على ان يكون لكل انسان مهمة أو مشروع واهم تلك المشاريع هي بناء الانسان، لكن في ظل تلك الفوضى الحالية المهمة في غاية الصعوبة، واذا ما اردنا بناء الانسان بناء صحيح يجب ان نعمل كي نصل الى عالم الافكار.
الشيخ مرتضى معاش الى قول للامام علي(ع) بركة العمر في حسن العمل فحسن العمل يجعل في العمر بركة وفائدة ومنفعة، وهذه البركة تتحقق في ثلاثية هي "الفكر والاخلاص والتعايش وعدم النزاع". فالفكر يجعل الانسان امام حقيقة اختيار الافضل والاحسن، الاخلاص هو ايضا عمل سامي يبعد الانسان عن الدنيا وعن مشكلاتها ويقود نحن تحقيق الأهداف الأهم، والابتعاد عن النزاع لانه يستنزف الانسان وطاقاته ويستنزف وقت الانسان وقدرتها الاقتصادية والجسمانية لذا فان هذه الثلاثية تحقق البركة في العمر والعمل المجدي.
الدكتور احمد المسعودي باحث في مركز الفرات دعا الى تفعيل مراكز الشباب فالشباب المسلم اليوم تائه بين متاهات الحداثة او ما يسمى بالحداثة، الشباب هذه القوة الفاعلة وهي قلب المجتمع وهي تمتلك الفاعلية على تحريك الأمم.
في الختام علق سماحة السيد مهدي الشيرازي (حفظة الله) على مداخلات الاخوة الحضور، وخاصة السؤال القائل هل امتنا امة فاشلة الجواب لا الامة، ليست فاشلة الا انها مصابة بعارض مرضي، فعندما يمرض اي الفرد يتعالج فيشفى، كذلك الامة تمرض فلابد من معالجتها كي تشفى، ولابد ان نوكد بان هناك امراض قصيرة المدى اي تحتاج الى اسبوع او اسبوعين وهناك امراض تحتاج الى سنتين او ثلاثة او اربعة وهذا الفرض يمكن ان يكبر ليستوعب نهضة الامة ومعالجتها فاقل تقدير هي تحتاج الى نصف قرن لبناء جيل جديد معافي من الامراض.