حادثة الرافعة في السعودية..

تفريط مزدوج بأرواح الحجاج وبالتراث الإسلامي لمكة

كمال عبيد

2015-09-19 03:41

شهدت مكة المكرمة ارض الله المقدسة أسوأ حادث منذ سنوات، نتيجة سقوط رافعة في المسجد الحرام ما اوقع 107 من الضحايا قبل نحو عشرة ايام من بدء موسم الحج، في حين اكتظ المسجد الحرام بالمصلين غداة الواقعة التي لا يزال التحقيق فيها مستمرا، وقد دللّت هذه الكارثة على اهمال واضح من السلطات السعودية لسلامة حجاج البيت الحرام وانشغالهم بالنمو العمراني السريع والبنايات الشاهقة على حساب امان الحجاج والتراث الاسلامي الاصيل.

وقد أظهرت صور تداولها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي الحجاج مضرجين في دمائهم مع ظهور آثار حطام في الصور بسبب سقوط جزء من الرافعة مخترقة أحد السقوف على ما يبدو.

فيما قال بعض المراقبين واصفاً الجهات المسؤولة في السعودية بأنهم لا يكترثون بالتراث، بأنهم لا يأبهون بالصحة والسلامة، وفي العام الماضي قلصت السعودية الأعداد المسموح بها من الحجاج لأسباب تتعلق بالسلامة مع تنفيذ إنشاءات لتوسيع المسجد الحرام.

ولم تسلم مناسك الحج التي تشهد واحدا من أكبر التجمعات البشرية في العالم من الحوادث في الماضي خاصة تلك التي سببها التدافع حين سعى الحجاج لإكمال المناسك والعودة لأوطانهم. وتوفي مئات الحجاج في تدافع عام 2006. وبعدها أنفقت السلطات السعودية مبالغ كبيرة لتوسيع المواقع الأساسية في الحج وتحسين شبكة النقل في مكة في محاولة لمنع مثل هذه الكوارث، لكن هذه المشاريع باتت مصدرا رئيساً للحوادث التي تفتك بحجاج بيت الله الحرام.

وقال بعض المتابعين لهذا الحدث انه بعد يومين على الحادث سلم أمير منطقة مكة خالد الفيصل تقريرا تضمن "نتائج التحقيق" الذي أمر به العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف.

ولم تشر وكالة الأنباء السعودية الرسمية إلى مضمون التقرير، إلا أن شهودا أكدوا أن سبب سقوط الرافعة هو الرياح القوية التي ضربت المنطقة ساعة وقوع الحادث، والرافعة هي واحدة من عشرات الرافعات الضخمة التي تنتشر في منطقة الحرم حيث تستمر أعمال توسعة عملاقة، وذلك فيما تستعد الأراضي المقدسة لاستضافة موسم الحج هذا الشهر.

فيما يرى بعض المراقبين انه في ظل تصاعد حدة التوتر والاقتتال في العديد من الدول العربية والإسلامية هذا العام وخوض السعودية نفسها حربا شرسة في اليمن حذرت الرياض من استغلال الحج لأغراض سياسية، بعد أن قلصت أعدد الحجيج وطبقت قواعد صارمة.

وينتقد البعض المشاريع العمرانية المحيطة بالحرم ويقولون بأنها تثير الجدل، سيما أنها حولت المدينة المقدسة إلى مدينة تملؤها الأبراج الشاهقة، ويرى كثيرون أن هذا النوع من المشاريع يفقد المدينة طابعها الروحاني ويبعدها عن جذورها الثقافية والتاريخية المرتبطة بالسيرة النبوية.

في حين يرى بعض الباحثين في التراث الإسلامي إن "مكة ليست مدينة مثل سائر المدن"، وأعرب هؤلاء الباحثون عن تخوفهم من أن تكون المدينة قد "تحولت إلى ما يشبه مانهاتن" في نيويورك.

وقال خبير في التراث الاسلامي ان الناس يزورون المسجد الحرام للعبادة والصلاة وللشعور بروحانية الوجود في بيت الله، لكن المكان بات أشبه بمنتجع سياحي" مشيرا بشكل خاص إلى انتشار الفنادق وأحواض السباحة، وأضاف "أن المكان يفقد روحانيته ... لن تجد هذا النوع من الترفيه في أي مكان قريب من الفاتيكان مثلا".

وعليه فمن واجب السلطات أن تتوقف عن حملة تشويه روحانية هذا المكان التراثي الاسلامي، وعليها أيضا اتخاذ الإجراءات الكفيلة بردع المقصرين في الحادثة المروعة (لسقوط الرافعة على حجاج بيت الله الحرام) وان تعمل على سلامتهم، مع توفير كل السبل لأداء حجهم المبارك وحمايتهم لإبقاء شعائر الله في سمو وسلام دائم.

عقوبات على مجموعة بن لادن السعودية

في سياق متصل امر الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بفرض عقوبات على مجموعة بن لادن للبناء المكلفة ورشة توسيع الحرم المكي، وذلك بعد حادث انهيار رافعة خلف اكثر من مئة قتيل، وذكرت وكالة الانباء السعودية الرسمية ان الملك امر "بمنع سفر جميع أعضاء مجلس إدارة مجموعة بن لادن السعودية (...) وإيقاف تصنيفها ومنعها من الدخول في أي منافسات أو مشاريع جديدة الا بعد استكمال التحقيقات وصدور الأحكام القضائية في هذه الحادثة"، على ان "يعاد النظر في التصنيف في ضوء ذلك". بحسب فرانس برس.

وقال الحاج محمد من المغرب بعد نجاته من الحادث لفرانس برس "فجاة، تلبدت السماء بالغيوم وبدات الرياح تعصف بقوة ومن ثم سمعت دويا هائلا ناجما عن سقوط الرافعة"، من جهته، قال المصري احمد "اصيب العديد من الناس بجروح بعضهم توفي ارتعبنا خوفا وانتباتنا موجة من الهستيريا لكننا تمكنا من الخروج"، وخلف الحادث 107 قتلى ونحو 200 جريح.

وقال المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه "هذا لن يؤثر على موسم الحج هذه السنة وسيتم اصلاح القسم المتضرر على الارجح خلال أيام"، ووصل نحو 800 الف حاج من الخارج لاداء فريضة الحج لهذا العام التي تنطلق مناسكها في 21 او 22 ايلول/سبتمبر الحالي، وكان موسم حج 2014 شهد تدفق مليوني حاج على البقاع المقدسة.

وقال شهود ان سعوديين واجانب تجندوا مباشرة عند وقوع الحادث للتبرع بالدم، ونقلت وكالة الانباء السعودية عن احمد بن محمد المنصوري المتحدث باسم الحرمين قوله ان الرافعة سقطت "نتيجة الرياح القوية والامطار الغزيرة".

وبدات لجنة تحقيق عملها في حين صدرت اوامر لمقاول المشروع بتامين باقي الرافعات المنصوبة في المسجد الحرام، وتحيط بالمسجد الحرام عدة رافعات تستخدم في انجاز مشروع ضخم لتوسعة الحرم ب 400 الف متر مربع ما سيتيح استقبال 2,2 مليون شخص في وقت واحد.

وشبه عرفان العلاوي، احد مؤسسي مؤسسة بحوث التراث الاسلامي ومركزها مكة، الكارثة بانفجار قنبلة، ورأى ان السلطات قصرت بسماحها بوجود عدة رافعات على مقربة من المسجد، وقال مهندس يعمل مع شركة المقاولات التي تشترك في تطوير الحرم المكي ان سقوط رافعة البناء ناجم عن "ارادة الله" وليس بسبب خلل فني.

واضاف المهندس العامل مع مجموعة بن لادن السعودية التي تنفذ عملية التوسعة الضخمة لوكالة فرانس برس ان الرافعة، مثل غيرها في المشروع، كانت هناك منذ ثلاث او اربع سنوات دون اي مشكلة. واكد المهندس رافضا الكشف عن اسمه "انها ليست مسألة فنية على الاطلاق". وتابع "أستطيع ان اقول ان ما حدث كان خارج قدرة البشر. انها مشيئة الله، على حد علمي، لم يكن هناك خطأ بشري في ذلك على الاطلاق. انه قضاء وقدر"، ولم تكشف السلطات حتى الان جنسيات الضحايا.

واكد بعض الدول وجود ضحايا منها على غرار اندونيسيا (قتيلان و31 جريحا) وماليزيا (10 جرحى و10 مفقودين) الهند (قتيلان و15 جريحا) وايران (15 جريحا) ومصر (23 جريحا)، وقالت وكالة الانباء السعودية ان الملك سلمان تقدم بتعازيه لاسر الضحايا وزار مستشفى يعالج فيه الجرحى وبينهم ايرانيون واتراك وافغان ومصريون وباكستانيون، ووجه العديد من القادة الاجانب بينهم قادة روسيا وبريطانيا والهند، برقيات تعازي للمملكة السعودية.

أبرز الحوادث التي شهدتها مكة خلال مواسم الحج

ويضاف حادث سقوط رافعة في المسجد الحرام هذا العام، إلى حوادث أخرى شهدتها مكة تزامنا مع موسم الحج، والتي تستقبل سنويا الآلاف من الحجاج. وفيما يلي جرد لأبرز هذه الحوادث:

2015 :

- 11 أيلول/سبتمبر: مقتل 107 أشخاص على الأقل وإصابة 238 آخرين بجروح في سقوط رافعة في المسجد الحرام.

2006 :

- 6 كانون الثاني/يناير : مقتل 76 شخصا في انهيار فندق متداع في وسط مكة.

- 12 كانون الثاني/يناير : مقتل 364 حاجا في تدافع في موقع رجم الجمرات في منى.

2005 :

- 22 كانون الثاني/يناير : مقتل ثلاثة حجاج أثناء رمي الجمرات في منى.

2004 :

- الأول من شباط/فبراير : مقتل 251 حاجا في تدافع بمنى في أول أيام رمي الجمرات.

2003 :

- 11 شباط/فبراير: مقتل 14 حاجا بينهم ست نساء في أول أيام رمي الجمرات بمنى.

2001 :

- 5 آذار/مارس : مقتل 35 حاجا وإصابة عدد كبير بجروح طفيفة أثناء رمي الجمرات.

1998 :

- 9 نيسان/أبريل : مقتل أكثر من 118 حاجا وإصابة أكثر من 180 آخرين في تدافع بمنى أثناء رمي الجمرات.

1997 :

- 15 نيسان/أبريل : مقتل 343 حاجا وإصابة أكثر من 1500 بجروح في حريق بخيام الحجاج بمنى.

1995 :

- 7 أيار/مايو : مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 99 آخرين بجروح في حريق في مخيم للحجاج بمنى.

1994 :

- 24 أيار/مايو : مقتل 270 حاجا في تدافع أثناء رمي الجمرات.

1990 :

- 2 تموز/يوليو : تدافع كبير في نفق بمنى إثر عطل في نظام التهوية على الأرجح يؤدي إلى مقتل 1426 حاجا اختناقا معظمهم من الأسيويين.

1989 :

- 10 تموز/يوليو : اعتداء مزدوج على مشارف المسجد الحرام يوقع قتيلا و16 جريحا. لاحقا في 21 أيلول/سبتمبر تم إعدام 16 شيعيا كويتيا اتهموا بأنهم منفذي الاعتداء.

1987 :

- 31 تموز/يوليو : قوات الأمن السعودية تقمع تظاهرة محظورة للحجاج الإيرانيين. ومقتل 402 حاجا بينهم 275 إيرانيا بحسب حصيلة رسمية سعودية.

1979 :

- 20 تشرين الثاني/نوفمبر : تحصن مئات من المسلحين المعارضين للنظام السعودي لمدة أسبوعين في المسجد الحرام بمكة واحتجاز عشرات الحجاج رهائن. وتمت مهاجمتهم في الرابع من كانون الأول/ديسمبر والحصيلة الرسمية 153 قتيلا و560 جريحا.

1975 :

- كانون الأول/ديسمبر : حريق هائل في مخيمات الحجاج يوقع 200 قتيل.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي