مركز الإمام الشيرازي يناقش مفهوم الجهاد في مدرسة أهل البيت (ع)
انتصار السعداوي
2015-03-28 04:15
بمناسبة الذكرى السنوية لاستشهاد الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي والفقيه آية الله السيد محمد رضا الشيرازي، أقام مركز الشيرازي للدراسات والبحوث في كربلاء حلقته النقاشية الشهرية تحت عنوان (الجهاد في مدرسة أهل البيت عليهم السلام.. آل الشيرازي مثالاً)، على قاعة جمعية المودة والازدهار في يوم الخميس المصادف 2015/3/26، وبحضور عدد من الباحثين والمفكرين وعلماء الدين.
وافتتح الجلسة الدكتور خالد العرداوي/مدير مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية بتلاوة سورة الفاتحة على أرواح شهداء الحشد الشعبي والقوات المسلحة في العراق وشهداء الأمة الإسلامية وشهداء آل الشيرازي.
وإستشهد بالحديث النبوي الشريف "مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك". ومن خلال هذه السفينة التي نحاول إن نركب فيها جميعاً لنسلم من الآفات والمخاطر التي تهدد مجتمعاتنا الإسلامية تارة بإسم الجهاد وتارة باسم الشريعة الإسلامية. ونحاول أن نسلط الأمر في هذه الحلقة النقاشية على موضوع الجهاد حيث أصبح الجهاد اليوم وسيلة تقتل بها الإنسانية ووسيلة يشوه بها الإسلام وكلها تستند لآيات ونصوص مقدسة.
ونتطرق اليوم إلى مفهوم الجهاد في مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) والغصن المتفرع منها ألا وهو الغصن الذي تمثله الأسرة الشيرازية، حيث جسدت مفهوم الجهاد في العهود الأخيرة من خلال الحركة التغييرية التي قادتها.
الجهاد عند آل الشيرازي
وقال حيدر الجراح، مدير مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث في كلمته عن الجهاد عند آل الشيرازي: غاب الجهاد الأكبر وحضر الجهاد الأصغر، وهو غياب لافت وحاضر على إمتداد بلداننا ومجتمعاتنا المسلمة.
وبين الجراح كيف مارس ونظَّر الإمام الشيرازي الراحل (قدس سره) للجهاد وقدم فعل الممارسة على التنظير بعد أن وعى دوره ومسؤوليته في مجتمعه. وهو تنظير، وتأصيل، وتأسيس بعد أن وعى دوره ومسؤوليته في مجتمعه المسلم الأوسع، بكافة تلويناته المذهبية ومجتمعه الشيعي بكافة مرجعياته.
وأطَّر المرجع الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره) من خلال معظم ما كتبه الأسس والمنطلقات العامة للجهاد الأكبر وهو جهاد النفس وميدانه عقل الإنسان وروحه.
وأضاف الجراح أن جهاد النفس عملية صعبة في حد ذاتها لأنها تتطلب بذل جهد كبير لمخالفة الرغبات والشهوات وقسرها على تحمل المشقات والتضحيات وهو خلاف ما تميل إليه النفس البشرية بطبعها.
وأشار إلى ما كتبه الفقيه المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي حول جهاد النفس من كتابه ( وسائل الشيعة ) في باب وجوب هذا النوع من الجهاد.
وأوضح الجراح أن الجهاد الأكبر لدى الإمام الراحل (قدس سره) ينطلق من النفس في عملية تغيير واسعة جعلها مدار كتابه (ممارسة التغيير لإنقاذ المسلمين) وهو نفس المنطلق للتجديد، في كتابه (لنبدأ من جديد) فانه إذ لم يصلح الإنسان نفسه لا يمكنه اصلاح غيره من بني نوعه أو المحيط المتعلق به.
ويطالبنا الإمام الراحل (قدس سره) وعبر مشروعه الثقافي والحضاري والأخلاقي والذي واضب على العمل عليه طيلة سنوات حياته يطالبنا بصياغة (الفهم الصحيح للحياة) من خلال فهمها كما هي والمواظبة على هذا الفهم ممن يفهمها هامشياً أو مقلوبا.
وناقشت الحلقة محورين مهمين عن الجهاد وهما:
الجهاد في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)
قدمها الباحث حكمت البخاتي رئيس تحرير مجلة مقابسات حيث قال: إقترنت في الفترة الأخيرة صفة الجهادية بالإسلام وقد تسللت بصورتها السلبية ورهنت الإسلام في التصورات لدى الآخر الغربي غير المسلم، وقد انتقلت هذه التصورات ايضاً إلى مجتمعاتنا الإسلامية حيث أصبحت الجهادية بصورتها السلبية تعبر عن صورة الإسلام.
وأوضح أن هذا التصور قد نتج عن تراكمات هائلة منها ما يعود إلى حوادث تاريخية تعود إلى الحروب الرومانية والصراع بين الرومان والمسلمين على إحتلال الأراضي وعلى توسيع المماليك. إلى أن أصبح المسلم انتحارياً باحثا عن إحدى حسناوات حور العين هكذا تكون غايته التي يرسمها لنفسه منذ تكليفه الشرعي وقد نتج هذا التصور في الحقيقة إلى هذه الحركة الجهادية الواسعة التي تمولها دول الخليج الحائر في هويته.
وبين البخاتي أن هناك 48 آية تتحدث عن الجهاد وهي أكثر من الآيات التي تتكلم عن الصوم والعبادات الأخرى وقد إستدل بعض الكتاب والباحثين الاسلامين على أهمية الجهاد في الدين الإسلامي على ضوء هذه الآيات.
الجهاد عند آل الشيرازي
والمبحث الثاني قدمه المفكر والنائب السابق في البرلمان العراقي جواد العطار عن الجهاد عند آل الشيرازي وابتدأها بتعزية الحضور والعالم الإسلامي بذكرى إستشهاد آية الله السيد حسن الشيرازي وفقيد العلم والتقوى آية الله السيد محمد رضا الشيرازي رحمهم الله.
وقال في مبحثه أنه من الصعوبة أن نحيط بكل الجوانب المشرقة والمسيرة الجهادية للإعلام من آل الشيرازي الكرام ولكن (مالا يدرك كله لا يترك جله). وسلط الضوء على جوانب من حياتهم الزاخرة بالعطاء. وأوضح أن آل الشيرازي نشأ اغلبهم في وسط عائلي قائم على ركيزة العلم والعمل والجهاد. وبين أن جدهم الأكبر المرجع المجدد محمد حسن الشيرازي طارده الانكليز في إيران بسبب فتواه الشهيرة بتحريم التبغ، وخالهم الشيخ محمد تقي الشيرازي قائد ثورة العشرين في العراق وأرغم الانكليز على التراجع من الانتداب إلى تشكيل حكومة عراقية عام 1921.
وتابع جواد العطار أن لكربلاء المقدسة ونفحات الإمام الحسين(ع) وإشعاعات ثورته لها الأثر الكبير في صياغة معالم شخصية السادة من آل الشيرازي خاصة وهم حسينيو النسب فضلا عن ذلك الفضاء الرحب والمنفتح في كربلاء بفعل تلاقي وتلاقح الأفكار في أجوائها، والزيارات والحج إليها من كل بقاع العالم، حيث كانت كربلاء مركز ثورة العشرين والمرجعية المتمثلة بالشيخ محمد تقي الشيرازي.
وأضاف العطار أن عائلة الشيرازي هي مدرسة تمتلك مشروعاً متكاملا للأسرة ويمكن الرجوع إلى كتاب كلمة الإسلام الذي ألفه الشهيد السيد حسن الشيرازي في الستينات، والذي أكد على عناصر النهضة التي تتمثل بوجود قيادة حكيمة وإيمان الأمة بهذا المبدأ وعنصر آخر هو ثقة الأمة بنهضتها وأن تكون الأمة بمستوى التضحية من اجل هذا المبدأ.
وبين العطار أن الجهاد عن آل الشيرازي هو ليس في الحرب فقط بل وإنما هناك الجهاد الأكبر وهو التغلب على النفس والعمل في سبيل الله.
وأشار إلى تعدد الهيئات الإسلامية في كربلاء بفضل آل الشيرازي ومن خلال هذه الهيئات والتي تحولت إلى مؤسسات ومشاريع فكرية وثقافية وخيرية تطوعية. فضلا عن الاهتمام بالثقافة الإسلامية وكسب القدرات الشابة وتنمية قدراتها على الكتابة. وبالتالي كان لهذه المؤسسات الدور الكبير في توعية الشباب.
المداخلات:
قال الدكتور بشير جياد حسين/دائرة صحة كربلاء: رغم السلبيات التي وضعها الخط الوهابي للتشويه على الجهاد إلا أن الملاحم والقصص الجميلة التي سطرها أبناء الحشد الشعبي وضعت الجهاد في مكانه الصحيح. وأضاف أن الخط الوهابي بدأ بتحريف الكتب الأساسية بالنسبة للمذاهب الأربعة.
وبين اهمية الدور الكبير للمؤسسات الاجتماعية التابعة للمرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله).
من جهته قال الصحفي علي الطالقاني/مدير مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام أن أبرز النظريات في الفكر السياسي الإسلامي حول العلاقة مع الآخر المخالف هي نظرية الحرب والجهاد وأن السلم والصلح هما إستثناء. والنظرية الثانية أن السلم هو الأصل وأن الحرب هي لحفظ السلم. وبيَّن أن لكل من هذه النظريتين الأثر على الواقع السياسي المعاصر في الإسلام.
وأوضح أن مرجعية آل الشيرازي ينظرون للسلم انه هو الأصل، وأن آل الشيرازي عبر مسيرتهم يؤكدون على عدة مفاهيم لمنطلق الجهاد ومنها الوعي السياسي، تنمية الطاقات والقدرات، التنمية الروحية، وبُعد النظر. وأشار إلى أن الجهاد الأكبر الذي تركز عليه مرجعية آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) هو تزكية النفس والصبر وحسن الإدارة وسعة الصدر.
وقال الباحث احمد جويد/مدير مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات: أن مفهوم الجهاد كغيره من المفاهيم الأخرى الإسلامية تم تزويره وتحريفه من قبل السلطات المتعاقبة التي همها الأول هو الاستئثار بالسلطة وبدأ هذا المفهوم لكل سلطة تأتي إلى الحكم أو شخص يبدأ باستخدام هذا المفهوم بما يليق به بعيدا عن المعايير والضوابط الإسلامية.
وبين الاستغلال الواضح لهذا المفهوم من قبل الإعلام لإستقطاب الشباب وحتى النساء لقضايا التطرف والإرهاب. وتسائل جويد: هل يوجد في الإسلام ما يسمى بالجهاد الدفاعي وهل هناك دفاع هجومي؟
وقال عدنان الصالحي/مدير مركز المستقبل للدراسات والبحوث: أن مرجعية آل الشيرازي تمتلك شيء أخر بالإضافة إلى الجهاد وهو بث روح الأمل بين الناس، وأن مفهوم الجهاد الحقيقي هو من يبني ويعمر الإنسانية.
في ذات السياق قال ياسين خضر/مدير منتدى الفكر للشباب: كنت أتمنى لو كنا نتطرق للجهاد لغةَ واصطلاحاَ عند أهل البيت عليهم السلام وعند الإمام الشيرازي مثالاَ. حيث أن الجهاد لغة: هو بذل واستفراغ ما في الوسع والطاقة من قول وفعل، أما شرعا فهو بذل الجهد من قبل المسلمين في مقارعة أهل الكفر والباغين لإعلاء كلمة الله.
وقال الأستاذ احمد المسعودي الباحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية أنه علينا اليوم أن نبرز الفكر الجهادي والاحاديث الشريفة لمدرسة أهل البيت عليهم السلام وأن نفرزها عن بقية المدارس الاسلامية بتوجهها، وأن نأخذ سيرة كل إمام على حده وحسب الازمنة التي عاصروها وماهي الاساليب التي كانوا يتبعونها في مواجهة الظلم، والاعتداءات على الدين الاسلامي الحنيف، وأيضاً أن ندرس السيرة الجهادية النيّرة للسادة من آل الشيرازي وخاصة السيد حسن الشيرازي (قدس سره) والجهود التي بذلها في جهاد الكلمة والنفس على حد سواء.
وقال الشيخ مرتضى معاش/رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، أن من أكثر المفاهيم الإسلامية تعرضا للظلم هو مفهوم الجهاد حيث ظلم هذا المفهوم ظلماً كبيرا من المسلمين وغير المسلمين، حين تم حصره بالجهاد الحربي، وبالنسبة لغير المسلمين فأن وسائل الاعلام الغربية عبر زعمها المهني تستخدم بشكل متعمد أو غير متعمد مصطلح الجهاد او الجهاديين وتنسبه الى الإرهابيين القتلة من أمثال داعش.
وبين أن الحروب التي تحدث في العالم هي حروب فكرية اولا قبل أن تكون حروب عسكرية أي يجب أن نكون مستعدين فكرياً قبل أن نكون مستعدين عسكرياً، وان من أفضل الجهاد اليوم هو جهاد الكلمة. وأوضح أن مفهوم الجهاد هو مفهوم كبير جداً يساعد الأمم على التقدم عندما يستخدم بصيغته الصحيحة.
لمحات
والجدير بالذكر ان الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي ولد في مدينة النجف الأشرف بالعراق في عام 1354هـ، هاجر السيد الشهيد من العراق إلى لبنان بعد خروجه من السجن الذي تعرض فيه للتعذيب بسبب مواقفه السياسية، من اهم مؤلفاته، الاقتصاد، موسوعة الكلمة، العمل الادبي، الادب الموجه، خواطري عن القرآن. أسس الحوزة العلمية الزينبية في السيدة زينب (عليها السلام) بدمشق فأصبحت رمزا علميا وحضاريا شامخا يتألق بالعلم والثورة والجهاد.
استشهد في بيروت في عام 1980عندما اطلق عليه ازلام نظام البعث في العراق ثلاثون طلقة اخترقت جسده الطاهر. كانت اشعاره ثورة مدوية في الآفاق، ومما قاله:
إسلامنا شرع الحياة، ونهجها نهج البلاغة منهل الأحكام
فعراقنا مهد الحضارة والتقى والعلم والأمجاد والإسلام
إسلامنا فوق الميول فلم تجد خير المبادئ موطئ الأقدام
اما العالم الرباني الفقيه الورع آية الله السيد محمد رضا الحسيني الشيرازي رضوان الله عليه فهو النجل الأكبر للمرجع الديني الراحل الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي أعلى الله درجاته.
ولد في كربلاء المقدسة سنة 1379 هـجرية، نشأ وترعرع بجوار المولى أبي عبد الله الحسين عليه أفضل الصلاة والسلام فتعلم منه درس الولاء والتضحية والفداء في سبيل الله عزوجل. تربى في ظل والده الإمام الشيرازي الراحل فتهذب بأدبه وتعلم من أخلاقه وعلمه.
كان من أساطين الأساتذة في حوزة قم المقدسة كان قمة في الأخلاق والتواضع والبسمة على وجهه وحزنه في قلبه كما ورد في صفات المؤمنين. كما ترك المئات من المحاضرات العلمية والأخلاقية التي تبث عبر عدد من الفضائيات الدينية، كان لها التأثير الثقافي والاجتماعي الكبير على الكثير من الشرائح الاجتماعية.
انتقل إلى رحمة الله تعالى بقم المقدسة في ظروف غامضة في صبيحة يوم الأحد 26 جمادى الأولى من سنة 1429 هجرية الموافق 1/6/2008م.