الحاج باسم الكربلائي: أسطورة العشق الحسيني الأصيل
مروة حسن الجبوري
2017-03-15 04:50
نسائم الليل تأتي سريعة اليوم، تسرق النوم من جفوني، انظر الى اوراقي المعلقة فوق الحائط، أتأملها وقسمات وجهي ذابلة ناعسة، لست من عادتي أن أغفو قبل أن أعانق حروفي وأرتبها في سطوري، تذكرت ان لجسدي عليَّ حق، هبطت في عالم النوم كورقة شجر خاوية، شعرت تلك اللحظة بثقل حجر عماد ترمى على ظهري، بينما عقلي كان يرسم لوحة من الكلمات التي كانت تطلقها روحي بإشارات حتى لا تزعج جسدي البالي، لم اشارك في تلوين هذه لوحة، فقد دخلت في عالم الاحلام، ويا له من عالم جميل، يقرب البعيد، ويجعلك تعيش في لحظات تُحسد عليها، رفرفت روحي كحمامة في سماء الاحلام لا احد يقف في طريقها، تحلق وتحلق لا قيد يمنعها، رأيت ضوء مبهراً يلمع في السماء يقترب مني، يقترب أكثر، هبطت سريعا الى الارض وبين العالمين، ثمة ثلاثة انوار تسير، ظننت انهم انوار تضيء بهم المدينة، لكن عندما اقتربوا، رأيتهم ثلاثة رجال من اهل العلم والورع السادة الشيرازيين، ابتعدت مسافة، لخجلي منهم، فانا اعرف من يكونوا، ومن هم، وأية مرتبة وصلوا ليها، تقدم لي السيد الاكبر وأومأ بيده نحوي بالسلام وقال:
لما لم تكتبي عن (المله باسم)، انتم تذكرون كل علماء الشيعة وخدام المنبر الحسيني، لما لا تكبتون عن هذا الخادم؟.
لا املك ما اقول، شعرت انني أمية لا أجيد حرفا واحداً من العربية، للإجابة عن ما قاله السيد؟ فأغمضتُ عيني خجلة منه، اكمل السيد طريقه، (مله باسم)، اكتب عن مله باسم!! انه لشرف عظيم، ان اخط حرفا عن خادم الحسين، والاكثر شرفا عندما يطلبه مني ان اكتب عنه؟ كدت احسد نفسي، فمن انا، وكيف يمكنني ان اكتب عن صوت أبكى الملايين، عن حضور، كيف لي ان اجمع بين جمال الصوت والصورة، حلقت روحي مرة اخرى ليست للسماء هذه لمرة، الى جسدي، رجعت إليه بقوة، انتهى العقل من رسم لوحته، ونسجهُ القلب، تلون باللون الأحمر، بقايا الخطوط، بين النوم واليقظة، تمنيت لو كان الحلم زر اضغط عليه، فتحت عيني وعبراتي تنهمر، من عادتي لا اتذكر الاحلام وإن كانت طويلة، فقليلا ما استحضر الرؤيا، إلا هذه بقيت راسخة واول كلمة نطقتُ بها، (مله باسم) ، يروقني أن اسجل تلك التفاصيل على ذاكرة من ورق لا تنسى ما ترى، كانت ابتسامتي تعلو ثغري، من يراني لا يصدق أنني صاحية لتلو من الحلم، بل يجزم انني لم أنم قط، والاكثر اهمية عندي، وقت الرؤيا كان في يوم المجلس الشهري الذي يقام في دارنا، تعددت الاسباب والحلم واحد!!.
أضع على طاولتي، مجموعة من الكتب والصحف، التي كُتب فيها عن الرادود الحسيني، الحلقة مازالت مفقودة عندي فمازال الكثير الذي لم نعرفه عنه بعد، فكان باسم الكربلائي يزخرف اوراقي البيضاء بسيرته العطرة، صوت ممتزج بين بحريّ الماضي والحاضر، فكان صوت باسم إسماعيل محمد الكربلائي، وُلد في عام( 1967) في كربلاء المقدسة، عاش فيها طفولته حتى سنة (1980)، شارك في المواكب الحسينية، وممن كان يتابع ويسمع الى الرادود (حمزة الصغير رضوان الله عليه)، حيث كان يبلغ سبع سنوات، كمعلم يقتدي به ويسير على خطاه، ومنذ صغر سنه كان يتذوق لحن القصيدة وأناقة الصوت، وأصالة الكلمات .
أصفهان تحتضن الصوت الكربلائي الاصيل
في عام (1980) كان باسم الكربلائي مع والده في محل بكربلاء المقدسة وكان عمره ( 1 سنة)، فجاء رجال النظام السابق وطلبوا منهم المغادرة من العراق في زمن الهجرة التي طالت العراقيين الى ايران، بذريعة أن جده كان فارسيا، حيث مسقط رأس جده في منطقة أصفهان، وفي ليلة ذلك اليوم سجن مع الأخوة في زنزانة ثم هاجر إلى إيران، وسكن في أصفهان، كانت انطلاقته من هذا المكان، فأول ما ابتدأ فيه هو تعلم تلاوة القرآن وقراءته، واستمر على ذلك لمدة خمس سنوات، مما ساعد أداءه وتحسين صوته، أخوال المله هم من اخذوا بيده نحو القراءة الحسينية، فكان الرادود (ملا تقي الكربلائي) المعلم لباسم الكربلائي، وبعد التعليم ونجاح المله في القراءة كان صوته يدل على مستقبله، وقف معه خادم الحسين (عليه السلام) الحاج رسول التكمجي في رحلته الإبداعية، قرأ أول قصيدة (حماي الدخل) للشاعر الشيخ باقر الحلي في موكب عزاء الزنجبيل في مدينة قم المقدسة.
متزوج من امرأة عمانية وأب لأربعة أطفال هم (فاطمة، وريحانة، وعلي، ورقية)، وتتكون عائلته أيضا من والدته وأربعة أخوة وثلاث أخوات، مقيم في سلطنة عمان، يصدح صوته بلغات عده منها اللغة الفارسية واللغة الأوردية والتي تشمل (الأفغاني والباكستاني والهندي) الإنكليزية والتركية، لهذا الصوت رنين خاص يميزه من بين الرواديد، صغيرنا يعرفه وكبرينا يرتل قصائده فأصبح أسطورة ومدرسة للأجيال القادمة، الشهرة لا تأتي على طبق من ذهب، ما لم تقدم الكثير، الحاج باسم اعطى الكثير من الوقت والارادة والاخلاص في خدمة الحسين، فأعطاه الحسين كل شيء، المحبة في قلوب الناس، والتوفيق في العمل، والتسديد في الخدمة، فهناك القصائد التي قرأها أوصلت رسالة ما لم تصل من قبل، عرفت أن لديه الكثير من الصفات التي تجعله موفقا في عمله، فجميعنا ينتظر قدوم محرم ليسمع صوته، ويسكب دمعه، حزنا على ما جرى على آل الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)، لست في سرد سيرته الذاتية لأنني أدري أن الجميع يعرفها، ولكن اردت ان اقص عليكم رؤيتي، وما لهذا الرجل من منزلة عند الحسين عليه السلام، لذلك من يود أن يعرف الكثير عنه يراجع المواقع الإلكترونية، فهناك الكثير من اللقاءات والقصص التي نشرت عنه.
بعدما انتهيت من قراءة الكتاب الذي يضم قصائد وأشعارا للحاج باسم الكربلائي والشاعر جابر الكاظمي، عرفت قيمة الحلم، ولماذا سلمت روحي لبارئها تلك الليلة بكل هدوء، بعدما انتهيت من القراءة، تذكرت ان عقلي وأنسجة قلبي رسمت لوحة فنية!.
أخرجتها من جعبة جسدي مرسومة عليها أسطورة العشق الحسيني، عجيب أنت أيها العقل حيث تعرف أن تختار عنوان لوحتك الفنية وكيف ترسم.