معجزة ارتفاع المتواضع
من المحفزات الأخلاقية
محمد علي جواد تقي
2023-03-15 05:24
"من تواضع لله رفعه".
رسول الله، صلى الله عليه وآله
في كل الأحوال؛ العلو، والظهور المتميز نزعة متأصلة، وفي احيان كثيرة، مشروعة وطبيعية، ولكن! بشرطها وشروطها، وقد أكد هذا الحق؛ القرآن الكريم في الآية المباركة من سورة آل عمران: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، فالإيمان هو السُلّم الوحيد الآمن للارتقاء عالياً في المجالات كافة.
فالذي يجعل حب الخير للآخرين، والعمل على إحياء قيم الحق والفضيلة بين افراد المجتمع، يكون علو شأنه مستداماً آمناً من السقوط مهما حصل، لأن ببساطة؛ ما أخذ بيده الى الأعلى هو الذي يحفظ له مكانته الاجتماعية، وهذا ما كان عليه علماؤنا العاملين في الازمان الماضية، فقد كرسوا حياتهم وقدراتهم وحتى سمعتهم لتحقيق اهداف سامية، فكان من الطبيعي ان يسموا بهذه الاهداف حتى وإن توافيهم المنية وهم لم يحققوا تلك الاهداف، وربما ينهض الشباب من بعد الآباء والأجداد المعاصرين لأولئك العلماء المجاهدين، لاقتفاء أثرهم في نشر الوعي والثقافة.
وفي الوجه الآخر للقضية، لنلاحظ من جعل ارتقائه سُلم الشهرة والتميّز؛ التواضع لمن بيده القوة السياسية، او العسكرية، او المالية، كيف تكون أحواله وهو يوحي لنفسه بأنه أفضل الناس حالاً بامتلاكه البيت الضخم، والسيارة الفاخرة، والأرصدة المالية، والمنصب المرموق؟ وهل يفكر الوزير او المدير او التاجر بمصير شخص مصلحي ونفعي اذا ما وقع محذور او مكروه؟ ربما يكون هذا أول الضحايا للحفاظ على المصالح العليا!
هنا؛ فانه لن يخسر مصالحه البسيطة، وإنما يخسر الأهم والأكبر، وهو احترام الناس له، لأنه استبدلهم بالاحترام والتواضع بمن هو متهم في كثير من الاحيان بالظلم والفساد انتهاك حقوق الناس.
وعندما نتحدث عن العمل لإحياء قيم الحق والفضيلة، فلا يعني الجلوس بانتظار التصفيق والتبجيل والتكريم، واحياناً تقبيل الأيدي، فربما يأتي –في بعض الاحيان- ما هو عكس ذلك، "فالناس معادن كمعادن الذهب والفضة"، يقول الامام الصادق، عليه السلام. إنما العمل المتصل مباشرة بالسماء هو الذي يرفع صاحبه عالياً، إن في حياته أو بعد مماته.
ولنا أمثلة عديدة من تاريخنا المعاصر، وأجدني ملزماً بحكم الإنصاف، استذكار شخصية المرجع الديني الراحل السيد محمد الشيرازي الذي طبعت شخصيته بالتواضع كأبرز سمة له عرفه الناس بها في كل مكان بالعالم. عرفه الطفل الصغير، والمرأة، والعالم والجاهل، وجميع فئات المجتمع، كان ينهض من مكانه لاستقبال من يدخل الغرفة الصغيرة والمتواضعة في بيته، وإن كان طفلاً صغيراً، وعليه تلك الابتسامة المشرقة وبشاشة الوجه البهيّة، كما حدثني أحد الاصدقاء عن تجربته في أول لقاء به –طاب ثراه- وكان حينها يبلغ من العمر حوالي 14سنة.
وتبدو القضية عقلية ومنطقية، بيد أن البعض يستعجل الأمور متجاوزاً حدود الأخلاق والآداب ليكسب الأكثر، فما فائدة احترام الطفل الصغير والمرأة، وجموع من الكسبة والعمال والموظفين؟! فهذا النوع من الاحترام ربما لا يفيد صاحبه بترقية مستوى عيشه وسمعته وتأثيره، وربما يفسر البعض التواضع الى هذه المرتبة مدعاة للضعف، بينما التواضع للرؤساء والزعماء يكسب صاحبه القوة والجاه والمهابة.
ولعل هذا يفسر لنا قول أمير المؤمنين، عليه السلام: "العاقل يضع نفسه فيرتفع، الجاهل يرفع نفسه فيتضع"، فالإنسان الذكي هو الذي يتواضع لله بربط أعماله وسلوكه بما يرضيه –تعالى- ويطبق أحكامه وقيمه في الحياة.