أخلاقيات الربح والخسارة: بين الإخلاص والغش
علي حسين عبيد
2015-05-17 08:36
الغش ببساطة، هو الحصول على شيء ما بطرق لا مشروعة، وهو بهذا المعنى يعد سرقة لجهود وحقوق الآخرين، وربما يكون ذلك على مرأى ومسمع من المسروق، فالإنسان الغشاش يملك كثيرا من الاساليب والطرق التي قد تقنع شخصا ما بجدية وفائدة ما يطرحه عليه من يروم غشه والاحتيال عليه، والغش أو الاحتيال (بالإنجليزية: fraud) يمكن ان يتم في القانون والاقتصاد وهو أن يخدع (الغشاش) شخصا أو يحرم فرداً آخر من حق أو منفعة عن عمد بطرق وأساليب احتيالية، كحصول الشخص على بضائع أو مواد من تاجر مقابل إعطائه شيكاً مزوراً أو غير مغطى برصيد كافٍ لدى المصرف الذي يتعامل معه، وفي القانون المدني يعاقب الشخص الذي يثبت أنه قام بعملية غش، في ورد في الحديث الشريف (من غشنا ليس منا).
والغش من الاعمال الخاطئة في كل مكان، في العمل وفى المدارس والشركات، حتى الطلاب قد يعتمدون الغش في الامتحانات، وهو فعل خاطئ بطبيعة الحال، ويرى علماء النفس وبعض المعنيين أن سبب غش الطلاب في الامتحان، يعود لعدة امور من ابرزها تعليم الطلاب الخاطئ وطريقة المعلمين الخاطئة، والسيئة احيانا والتي تتمثل بإهانة الطلاب وضربهم، ويعد هذا السلوك غير آدمي، مما يجعل من الطلاب يكرهون العلم والتعلم والمثابرة في القراءة، ويعتمدون بدلا من ذلك على أساليب الغش!.
كذلك نلاحظ وجود الغش في السياسة ولدى بعض القادة السياسيين، لاسيما الطغاة منهم، فالحاكم المستبد يلجأ الى سبل الغش والاحتيال كافة لكي يحافظ على سلطته ومنافعه وامتيازاته، ولعل غش الشعوب والآخرين من اهم الادوات التي يعتمد عليها الطغاة في ادارة حكمهم والحفاظ على عروشهم، ليس هؤلاء فحسب من يعتمدون الغش في حياتهم، بل كل الطغاة وفي جميع مجالات الحياة ديدنهم الغش لسرقة الآخرين.
يقول الامام علي عليه السلام: (الْغِشُّ سَجِّيَّةُ الْمَرَدَةِ).
لذا فإن غشّ الناس والإظهار لهم خلاف ما يُبطن الشخص، تعد خصلة اساسية في سلوك الطُّغاة الّذين يرومون التسلّط على الناس بالمكر والحيلة، كوسيلة مهمة من وسائل الدجل والكذب على الاخرين.
ولكن السؤال الأهم في هذا المجال، ما هي نتيجة الغش والاحتيال؟؟، والى اين ينتهي الانسان الغشاش؟، وما هو مصير الطغاة الذي تفننوا في الغش والاحتيال على شعوبهم، إن صفحات التاريخ، وحتى الواقع، يؤكد بأن نهاية الغشاش، حاكما كان او فردا عاديا، ستنتهي عاجلا أم آجلا الى الحضيض، فالخسارة الفادحة التي يتعرض لها هؤلاء على مستوى المادة والمكانة المعنوية، تثبت أن طريق الغش هو طريق الخسران، لذلك برز مثل شعبي شهير بين العراقيين وغيرهم يقول: (اللي يعيش بالحيلة يموت بالفقر).
مقابل الاحتيال، هنالك السبل السليمة والصحيحة والنقية للكسب المادي والمعنوي، عن طريق الاخلاص، فالمخلصون هم الرابحون دائما لأنهم ينتهجون الخطوات الصحيحة في الحصول على حقوقهم ومكاسبهم، فالحقيقة ان كل شيء مشروع، من حق الانسان أن يحصل عليه، ولكن بطريقة شريفة مخلصة للآخرين، ولا تحتال عليهم او تتجاوز على حقوقهم، من هنا دائما نجد الانسان المخلص، حاكما او افردا عاديا، من الفائزين، لأن الربحية التي يحققها المخلصون لا غبار عليها، علما أن الغش دائما يعود على صاحبه بالخسارة، أما الاخلاص فدائما يعود على صاحب بالربح.
والاحتيال يأتي من التحايل، وهو الإتيان بحيلة للاستيلاء على ما يملك الغير برضاهم وخداعهم أو حرمانهم مما هم فيه من نعمة، وهو مختلف عن علم الحيل أو علم الميكانيكا عند العرب، والذي يهدف لحل المشكلات باختراع الآلات، أما الاحتيال فهو مرادف للنصب والغش ويتطلب محتالا أي نصابا ومحتالا عليه، ويتطلب طماعا وموضوع احتيال يمثل الغنيمة.
فالمحتال عليه زكي ورابح وإن كان خاسرا نتيجة لتعرضه للغش، والمحتال طماع خاسر وإن كان رابحا عن طريق الغش والاحتيال والسرقة، لأنه مكشوف للجميع آجلا أم عاجلا، وهذا ما يجعله اضحوكة للجميع ومصدر تهكم وعدم احترام الناس جميعا، وتمتلئ صفحات الحوادث بقضايا النصب والنصابين ويحيط بنا اليوم محتالون من كل صوب وحدب، فهذا يخدعك بالمشاركة في مسابقة بالاتصال وآخر يخدعك بمكسب جائزة اليانصيب للفوز بمبلغ كبير أو تأشيرة، وهناك إعلانات تحيط بنا كلها كذب واحتيال وخداع لإفراغ ما في جيبك، وللاحتيال صور لا حصر لها تختلف من مكان لآخر ومن زمان لآخر، وعلى كل المستويات الثقافية وفي كل الطبقات من الباعة الجائلين للحكام والاقتصاديين.
ويمكن أن نرى في كتاب (الأمير لـ ميكافيلي) تدريبا للحكام على الاحتيال من منطلق الغاية تبرر الوسيلة، وهذا الكتاب على الرغم من شهرته وتداول الساسة والحكام له عبر العالم وعلى مر التاريخ، ولكنه في الحقيقة أظهر الوجه القبيح للسلطة ومريديها، كونه يبرر كل ما يقوم به طلاب السلطة الطغاة من اجل الوصول الى العرش السلطوي والاحتفاظ به، ومن الغريب أن كتابا ينال مثل هذه الشهرة الواسعة، وهو يدفع الجميع الى خسائر فادحة، وأول هؤلاء هم الحكام والعاملين في السياسة، لذلك لا يمكن ان يحقق هذا الكتاب أي ربحية تُذكر، إلا اذا اعتبرنا الغش والاحتيال وغياب الاخلاص امورا جيدة! وهي لا يمكن ان تكون كذلك.
لذلك كل سياسي او قائد او حاكم يعجب بمضامين هذا الكتاب ويعمل بها، فإنه يصطف الى جانب مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة)، وهو عند ذلك لا يتورع عن الاحتيال على شعبه ومرؤوسيه، ولا شك أن كل من يؤمن بهذا النهج فإنه لئيم، لسبب واضح انه يفضّل نفسه على الآخرين من دون وجه حق، فهو يمكن ان يغش الناس من دون شعور بالذنب، والغريب ان هؤلاء لا يشعرون بالخسارة الفادحة التي تنتظرهم، بسبب افعالهم غير المقبولة، لأن الاهداف المشروعة هي تلك التي تراعي حقوق الاخرين ولا تسرقها منهم كما يفعل الافراد والحكام اللئام عندما يغشون الآخرين من اجل أهدافهم ومصالحهم.
لذلك يقول الامام علي عليه السلام: (الغش من أخلاق اللئام).