أخلاقيات الربح والخسارة: الوعود بين الوفاء والنكوص

علي حسين عبيد

2015-05-02 11:47

قال الله تعالى في كتابه الحكيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)، وقال تعالى أيضا: (قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

عندما يعد الإنسان بشيء عليه أن ينفّذ هذا الوعد، حتى لو كان إنسانا بسيطا، أو مسؤولا كبيرا، لأن تنفيذ الوعود تعد قضية أخلاقية، ينبغي أن يتمسك بها الجميع، لدرجة أن الجميع يتداولون مقولة متوارثة عبر الاجيال تنص على أن (وعد الحر دين)، فالوعود هنا تم ربطها بأصالة الانسان وسجيته، بمعنى اذا كان حرا وأصيلا وانسانا حقاً، فإنه ليس أمامه سوى الالتزام بما يعد به الآخرين، هذا على مستوى الفرد البسيط، فكيف لو كانت الوعود تطلق من اصحاب المراكز الكبيرة في المجتمع ومنهم القادة السياسيون، لاشك أن تطبيق الوعود هنا يحتل مكانة كبيرة من الأهمية، كونه يتعلق بمصداقية الدولة والحكومة والسياسة التي تتبعها الحكومة.

لذلك إذا كان الحكام والمسؤولون الكبار، يطلقون وعودهم ولا يطبقونها، فإن النتائج سوف تتمخض عن طردهم حتما من مراكزهم ومواقعهم، لأنهم في هذه الحالة لم يلتزموا بما وعدوا، وهم في هذه الحالة ليسوا أحرارا، ولا يجوز ان يقود الامة والمجتمع، انسان ليس حرّا، إذن خسائر هؤلاء سوف تكون كبيرة جدا، وحتما ستنتهي بخسارة حاضرهم ومستقبلهم السياسي ايضا، على العكس من الربحية الكبيرة التي يحققها المسؤولون الملتزمون بتنفيذ وعودهم التي اطلقوها سابقا، فهؤلاء سوف يكونوا محط احترام الامة والشعب، وسوف تكون مكافأتهم ذات ربحية كبيرة جدا، تتمثل باحتضان الامة لهم واحترامهم، وضمان مستقبلهم السياسي كقادة للجميع، فضلا عن الربح الأكبر الذي يتمثل بتأريخهم الذي سيبقى ناصعا على مر الأجيال.

على المستوى الاقتصادي ايضا، هناك ارباح وخسائر تنحصر بين تنفيذ الوعود وعدم تنفيذها، فالتجار او صاحب المصنع او الشركة التي تلتزم بما تعلن للزبائن من مواصفات تتعلق بالجودة والاتقان والكمية والنوعية وما شابه، لابد أنها ستكون محط اهتمام الجميع واحترامهم، وهكذا ستكون ربحية الشركة في هذه الحالة كبيرة ومتواصلة، وقد ادرك ذلك ارباب العمل والمصانع والشركات الكبرى، فالتزموا بهذا الشرط (تنفيذ الوعود) كي يحققوا ربحية كبيرة ومتواصلة، وعندما يحدث العكس فإن مكانة الشركة او التاجر وما شابه سوف تهتز أمام الجميع، وسوف تكون الخسائر المادية والمعنوية كبيرة في هذا المجال.

حتى على مستوى التعامل الفردي بين افراد المجتمع، يمكن ان يكون التزام الفرد سببا لتحقيق ربحية عالية، معنوية ومادية ايضا، ويمكن في حالة العكس أن ينتكس الانسان، لدرجة يصبح فيها منبوذا من الجميع بسبب عدم التزامه بتنفيذ وعوده، فهكذا انسان لا احد يعتمد على كلامه، ولا احد يثق بتعهداته ووعوده، وتصبح قيمته في المحيط الذي يعيش فيه، صفرا على الشمال، أي يكون بلا قيمة تُذكَر، أي انه يصبح انسانا فارغا كما ينعته الآخرون، كونه ضعيف وفارغ فعلا من الارادة، لدرجة انه اخفق بتحقيق ما وعد به الآخرين.

لهذا يقول الامام علي عليه السلام.. إن (الدَّاعِي بِلاَ عَمَل كَالقَوْسِ بِلا وَتَر). وهكذا قوس لاشك انه لا يقدم ولا يؤخر في ارض المعركة، كذلك هو حال الانسان الذي يعد ولا ينفذ، فإنه انسان فارغ من الجدوى تماما حتى لنفسه هو، والامر هنا يتعلق بالوعود التي تنتج عنها أعمالا صالحة، فغالبا يكون الوعد بالشيء ايجابي يفيد الاخرين، لاسيما اذا كان مصدره صاحب قرار او سلطة او نفوذ او مال، والموعودون من المعوزين او المحتاجين، هنا لابد أن يسعى الانسان بأقصى ما يتمكن عليه، كي يكون صادقا فيما يعد الناس المحتاجين به، لذلك فإن الّذي يدعو من دون أن يكون له عملٌ صالح كالقوس بدون وتر، أي لا يترتب أثر على يدعو ويعد به، وفي هذه الحالة يكون فارغا من الفعل والفائدة التي ينتظرها الموعودون بها، لذا ينبغي للانسان، ان يفكر بصورة جدية في مساعدة الاخرين وينفذ وعوده لهم ويحفف عنهم أثقالهم وحاجاتهم.

يقول الامام علي عليه السلام حول هذا الجانب: إن (المُؤْمِنُ إِذَا سُئِلَ أَسْعَفَ وَإِذَا سَأَلَ خَفَّفَ). بمعنى اذا سأله الناس شيئا بادر لمساعدتهم، واذا احتاجهم هو عليه أن يخفف عليهم بحاجته أقصى ما يستطيع، ولذلك ترتبط هذه المسؤوليات المتبادلة بين اعضاء المجتمع، بقضية الوعود وتنفيذها، فالانسان المؤمن حتما سوف يبادر لقضاء الحاجة كلّما سئل وطلب منه شيء، وإذا سأل هو خفّف واكتفى بأقلّ ما يحتاج.

علما أننا جميعا نتفق على أن تنفيذ الوعود، تعد من السلوكيات الراقية والجيدة للانسان، وكلما ارتقى مركز صاحب الوعود، كلما استوجب تنفيذها اكثر، كونها تخص مجموعة كبيرة من الناس ينتظرون تنفيذ الوعود بفارغ الصبر، ولاشك أن المكافأة هنا سوف تكون كبيرة لمن يلتزم بوعوده وينفذها، إنها بلا شك ستكون بمثابة ربحية عالية يحققها من يعد بها، سواءً كان فردا او شركة او حكومة، فضلا عن انها تنتسب الى الأعمال الصالحة في نهاية المطاف، والعمل الصالح لن تقتصر ربحيته الكبيرة في الحياة الراهنة، بل تتعدى ذلك الى الحياة الأخرى، حيث الجزاء الإلهي الذي لا يقدَّر بثمن.

وفي هذا الصدد يقول الامام عليه عليه السلام: (العَمَلُ الصَّالِحُ حَرْثُ الآخِرَةِ).

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا