عالم الحيوان.. ضفادع بأنياب حادة وثدييات معمّرة
عبد الامير رويح
2015-01-13 11:03
على الرغم من الاكتشافات والدراسات المهمة التي حققها العلماء في السنوات الأخيرة حول عالم الحيوان، إلا أن هذا العالم لا يزال مليئا بالإسرار والغرائب الباهرة، التي أودعها الله تعالى في هذه المخلوقات التي حيرت عقول العلماء والباحثين بما تمتلكه من مهارات وقدرات خاصة مكنتها من العيش والاستمرار، وتشمل مملكة الحيوان ملايين الأنواع التي تختلف في تركيبها وشكلها وحجمها وتعيش في مختلف أنحاء العالم، وهو ما ذكره القران الكريم في الآية 45 من سورة النور في قوله تعالى : (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم).
وبحسب بعض الخبراء فإن التقدم العلمي والتكنولوجي الكبير قد مكن العلماء من الوصول الى معلومات واكتشافات جديدة، أسهمت بشكل واضح في تغيير العديد من النظريات والنتائج السابقة التي تخص مملكة الحيوان، هذا العالم الاعجازي الذي لا يزال مبهما بشكل كبير لدى الكثير من العلماء والباحثين، وقد أكد خبراء آخرون ان هذه الأسرار والغرائب المهمة التي تعد اليوم انجازا فريدا ومميزا، قد أشار إليها الإمام علي بن أبي طالب (ع) في خطب خاصة لبيان عظمة الله عز وجل.
ومن خطبة له عليه السلام يصف فيها عجيب خلق أصناف من الحيوان يقول: ( وَلَوْ فَكَّروا فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ، وَجَسِيمِ النِّعْمَةِ، لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ، وَخَافُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ، وَلكِنَّ الْقُلُوبَ عَلِيلَةٌ، وَالْأَبْصَارَ مَدْخُولَةٌ! ألاَ تَنْظُرُونَ إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ اللهُ، كَيْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ، وَأَتْقَنَ تَرْكِيبَهُ، وَفَلَقَ لَهُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ، وَسَوَّى لَهُ الْعَظْمَ وَالْبَشَرَ! انْظُرُوا إِلَى الَّنمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا، وَلَطَافَةِ هَيْئَتِهَا، لاَ تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ، وَلاَ بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ، كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا، وَصَبَتْ عَلَى رِزْقِهَا، تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا، وَتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا. تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا، وَفِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا، مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا، مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا،لاَ يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ، وَلاَ يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ، وَلَوْ فِي الصَّفَا الْيَابِسِ، وَالْحَجَرِ الْجَامِسِ! وَلَوْ فَكَّرْتَ فِي مَجَارِي أُكْلِهَا، وَفِي عُلْوهَا وَسُفْلِهَا، وَمَا فِي الجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا، وَمَا فِي الرَّأسِ مِنْ عَيْنِهَا وَأُذُنِهَا، لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً، وَلَقِيتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً! فَتَعَالَى الَّذِي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا، وَبَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا! لَمْ يَشْرَكْهُ فِي فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ. وَلَمْ يُعِنْهُ عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ. وَلَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِهِ، مَا دَلَّتْكَ الدَّلاَلَةُ إِلاَّ عَلَى أَنَّ فَاطِرَ الَّنمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ، لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْءٍ، وَغَامِضِ اخْتِلاَفِ كُلِّ حَيٍّ. وَمَا الْجَلِيلُ وَاللَّطِيفُ، وَالثَّقِيلُ والخَفِيفُ، وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ، فِي خَلْقِهِ إِلاَّ سَوَاءٌ).
الروبيان مراقب النجوم
وفي هذا الشأن فقد قالت جامعة كيب تاون إنها اكتشفت روبيانا (قريدس) بالغ الصغر ذو عينين كبيرتين ملونتين بخطوط طولية لدرء الحيوانات المفترسة ويعيش في مياه جنوب أفريقيا. وأطلق على الحيوان القشري الجديد والذي يتراوح طوله ما بين 10 إلى 15 ملليمترا إسم "الروبيان مراقب النجوم" حيث تبدو عيناه وكأنهما تحدقان دائما لأعلى. وتشبه عينا (الروبيان مراقب النجوم) عينا الحشرات وتنظر كل منهما في اتجاه مختلف.
وقالت الجامعة إن وجود هذه الألوان الزاهية في العينين تجعل الروبيان يبدو وكأنه مخلوق أكبر لإخافة الحيوانات المفترسة. وأطلق على الروبيان المكتشف حديثا رسميا اسم "ميسدوبسيس تسيلافيتش" تيمنا بمكتشفه جيدو تسيلافيتش الذي يعمل مصورا تحت الماء. ولم يتمكن عالم الأحياء البحرية الكبير بالجامعة تشارلز جريفيث تحديد نوع الروبيان عندما أحضره تسيلافيتش ومن ثم أرسلت عينات إلى خبير في فيينا. بحسب رويترز.
وعثر تسيلافيتش أيضا على نوع جديد من سبيكة البحر ذات الجسد الناعم عارية الخياشيم في منطقة حول كيب تاون التي تقع عند تلاقي المحيطين الهندي والأطلسي. وقال جريفيث "شيء رائع أننا مازلنا نعثر على أنواع جديدة عديدة في المياه العميقة مثل خليج فولس بالقرب منا."
ضفادع فريدة من نوعها
الى جانب ذلك فليست الأنياب هي التي جعلت من الضفدعة الاندونيسية التي -تم اكتشافها حديثا- هي الجنس الفريد من نوعه على وجه الأرض.. بل يضاف الى ذلك الطريقة التي تنجب بها صغارها. وقال العلماء إن هذه الضفدعة البرمائية الصغيرة القادمة من الغابات المطيرة بجزيرة سولاويزي الاندونيسية من جنس (ليمنونيكتس لارفابارتوس) هي الوحيدة من بين 6455 نوعا من الضفادع في العالم التي تلد مباشرة فرخا يسمى ابو ذنيبة (الشرغوف) ولا تتبع الطور المعهود لدورة حياة الضفادع وهو وضع البيض أولا.
وقال جيمي ماكجواير استاذ علم الزواحف والبرمائيات بجامعة كاليفورنيا في بيركلي الذي وردت نتائج بحثه في دورية (بلوس وان) "PLOS ONE" العلمية "التكاثر في معظم الضفادع لا يختلف كثيرا عن مثيله لدى البشر. وفي هذه الحالة الفريدة فان الأمر المثير للغاية -ومن قبيل المفارقة- هو ان نمط التكاثر أكثر شبها بالانسان". وعادة ما يكون لون هذه الضفدعة الاندونيسية بنيا او رماديا ويبلغ طولها نحو 40 ملليمترا وتزن أقل من خمسة جرامات وتنتمي للمجموعة الآسيوية من الضفادع ذات الانياب. وللذكور من هذه الضفادع بروزان يشبهان الأنياب على الفك السفلي تستخدمها الضفادع في القتال.
وتعيش هذه الضفادع على حواف الجداول المائية الصغيرة والبرك الضحلة في أماكن معيشتها بالغابات المطيرة وتبذل قصارى جهدها كي تتجنب ان تقع فريسة لأنواع اخرى أكبر من الضفادع ذات الانياب وأيضا الثعابين والطيور التي تتغذى على الضفادع الصغيرة. ونمط تكاثر هذه الضفادع جعلها تختلف كلية عن أقاربها. وقال ماكجواير "السواد الأعظم من الضفادع يتم الاخصاب فيه خارجيا.
وأثناء عملية التزاوج يحكم الذكر الامساك بالأنثى من وسطها بأطرافه ثم يفرز المني خارجيا فيما تبدأ الانثى في وضع البيض". يمر هذا البيض بعد اخصابه بعدة مراحل منها مرحلة اليرقات في صورة ابو ذنيبة الذي يسبح في الماء وتكون هذه اليرقات بلا أطراف لكنها ذات ذيل يمكنها من السباحة في الماء.
ويقول ماكجواير إن هناك زهاء عشرة أنواع من الضفادع تعتمد على الاخصاب الداخلي. وجميع الضفادع -باستثناء النوع المكتشف حديثا في اندونيسيا- اما تحافظ على البيض المخصب واما تنجب ضفادع دقيقة الحجم تمثل نماذج مصغرة من البرمائيات اليافعة بعد ان مرت بالفعل بمرحلة ابو ذنيبة المعدلة عندما كانت في كبسولة البيضة داخل جسم الانثى. أما انثى جنس (ليمنونيكتس لارفابارتوس) المكتشف حديثا والذي يعني اسمه اللاتيني "سابحات المستنقعات التي تنجب اليرقات" فانها تضع ابو ذنيبة بدلا من المرور بالاطوار الاخرى لمعظم الضفادع. بحسب رويترز.
وقال ماكجواير "ولم يتضح البتة لماذا لم ينشأ هذا النسق من التكاثر بصورة متكررة". وأضاف "عندما يتعلق الأمر بنشوء الضفادع وتنوعها فان تفسيري الأثير هو حدوث تباين مذهل في أنماط التكاثر. تبدي الضفادع جميع أنواع التباديل والتوافيق المثيرة". ومضى يقول إنه توجد أنواع من الضفادع التي تبتلع بيضها وتحتضنه في امعائها حتى يفقس كما توجد أنواع أخرى يحتفظ فيها الذكر بالبيض في كيسه الصوتي وهناك أيضا الكثير من الانواع التي تحمل البيض وابو ذنيبة في جراب على الظهر او الجنب.
شجرة لعائلة الطيور
من جانب آخر كشف علماء عن أشمل "شجرة عائلة" للطيور حتى الآن استنادا إلى البيانات الجينية لثمانية وأربعين نوعا ليعرفوا كيف عادت ذرية الطيور إلى الظهور والترعرع بعد الانقراض الجماعي الذي قضى على الديناصورات. وشارك في وضع "شجرة العائلة" باحثون من 20 دولة وهي تساعد على شرح تطور مجموعات الطيور المعاصرة وتكشف عن الأسباب الجينية وراء سمات أصيلة لدى الطيور منها الغناء والريش الملون ورؤية الألوان وغياب الأسنان.
وفك العلماء شفرة الخريطة الجينية لخمسة وأربعين نوعا من الطيور وحللوها بالإضافة إلى ثلاث خرائط أخرى سبق وضعها. وغطت القائمة تقريبا كل مجموعات الطيور الموجودة حاليا. وشملت الأنواع البطريق والصقر والنسر ونقار الخشب والبوم والبجع والكركي والغراب والبوقير وطائر الغاق المائي والطائر الطنان والحمام والبط والدجاج والديك الرومي والنعام وعصفور الحسون والطائر الغواص والفلامنجو وغيرها. بحسب رويترز.
وقال جيوجي تشانغ أخصائي علم الوراثة في مركز أبحاث الخريطة الجينية (بي.جي.آي) في شينتشين بالصين وجامعة كوبنهاجن "لقد وضعنا شجرة عائلة للطيور مؤكدة بدرجة كبيرة وقدمنا صورة واضحة عن كيفية نشأة الطيور وتطورها." ويعتقد العلماء أن الطيور نشأت وتطورت من ديناصورات صغيرة ذوات ريش. وأول طائر معروف هو طائر أركيوبتريكس الذي عاش منذ 150 مليون عام.
بعض الثدييات معمرة
من جهة أخرى وحتى يتسنى لك الوقوف على السر وراء طول العمر فربما يتعين عليك ان تدرس حياة الحوت المقوس الرأس وهو الحيوان المعمر المهيب الذي يقطن مياه القطب الشمالي ويمتد به العمر الى 200 عام. وأزاح العلماء الستار عن الخريطة الجينية (الجينوم) للحوت المقوس الرأس التي تحفل بالأسرار الكامنة وراء طول العمر الاستثنائي لهذا المخلوق ومقاومته المشهودة للأمراض.
وعندما أجرى العلماء مقارنة بجينوم هذا الحوت والثدييات الأخرى وجدوا اختلافات في جينات هذا الكائن تتعلق بطريقة اصلاح الحمض النووي (دي.ان.ايه) ودورة حياة خلاياه ومقاومته للاورام وهي العوامل التي قد تفسر لغز طول عمره وحيويته. وقال خواو بيدرو دي ماجالايس استاذ الوراثة بجامعة ليفربول الذي أشرف على هذه الدراسة التي أوردتها دورية (سيل ريبورتس) العلمية الخاصة بابحاث علوم الخلية "إنه اضخم حيوان جرى بحث تسلسل الجينوم الخاص به ليصبح بذلك أول حوت يخضع تسلسله الجيني للدراسة".
وقال "نأمل ان نتعرف من خلال تحديد الآليات المبتكرة لتجديد الخلايا وصيانتها على لغز طول عمره ونضارة صحته وربما أمكن لنا تطبيق هذه المعرفة لتحسين صحة البشر وحماية حياة الانسان". والحوت المقوس الرأس -الذي يتميز بطول العمر عن أي ثدييات أخرى- من بين أضخم المخلوقات على وجه الأرض إذ يصل طوله الى 18 مترا وهو ثاني أثقل حوت بعد الحوت الازرق. ويغلب اللون الاسود على لونه فيما يكون الجزء الامامي من فكه الاسفل المقوس أبيض.
ويتغذى الحوت المقوس الرأس بطريقة ترشيح الماء ويقتات باسلوب تصفية العوالق الحيوانية. وقال مادس بيتر هايدي يورجنسن أستاذ الاحياء بمعهد جرينلاند للموارد الطبيعية وبجامعة كوبنهاجن "يتراوح وزن الحوت المقوس الرأس بين 50 ومئة طن في طوره اليافع وربما يزيد عدد خلاياه عن البشر بواقع ألف مرة إلا انه يتميز بطبيعته المضادة للأورام على مستوى الخلية وهو نموذج أكثر كفاءة بكثير عما يوجد لدى الانسان".
وقال العلماء إن فك شفرة جينوم هذا الحوت ربما تفسر التكيفات الفسيولوجية المتعلقة بالحجم. وقال ماجالايس إن خلايا الحوت أقل فيما يختص بمعدلات التمثيل الغذائي عن الثدييات الأصغر حجما. وقال إن دراسة الجينوم رصدت تغيرات في جين معين يتحكم في درجة حرارة الجسم وهو ما قد يتعلق بالاختلافات الخاصة بالتمثيل الغذائي في خلايا الحوت. بحسب رويترز.
والجينوم الخاص بهذا الحوت أصغر قليلا من جينوم الانسان وجينوم الثدييات المعروفة الاخرى. وأضاف ماجالايس "عموما فان الانواع الاكثر تعقيدا تميل الى ان تكون ذات جينوم أكبر وجينات أكثر لكنني لا اعتقد انه فيما يتعلق بالثدييات هناك ثمة علاقة تربط بين حجم الجسم وحجم الجينوم".
ثعبان الماء الرعاش
في السياق ذاته فبمقدور ثعبان الماء الرعاش ذلك الكائن المفترس الذي يعيش في أمريكا الجنوبية إطلاق شحنة كهربية قوية تجهز على فريسته البائسة إلا ان هذه الصاعقة لا يستخدمها هذه الحيوان المائي المخيف لمجرد مباغتة الاسماك الأخرى. فقد أظهرت نتائج دراسة جديدة ان ثعابين الماء الرعاشة تستعين بهذه الصدمة الكهربية لممارسة نوع من الهيمنة من على بعد على فرائسها ما يلقي الرعب في نفوس الاسماك التي قد تكون مختبئة في محيط المكان لتكشف عن مخابئها فيما تفرض مظهرا من استعراض القوة الاجباري لتعجيز الفرائس.
وقال كينيث كاتانيا عالم الأحياء بجامعة فاندربيلت في ناشفيل بولاية تينيسي الذي أشرف على هذه الدراسة التي أوردتها دورية (ساينس Science) "يبدو ان ثعابين الماء الرعاشة ابتكرت هذا الجهاز الصاعق قبل البشر بوقت طويل". وكشفت الدراسة على نحو تفصيلي كيف تؤثر هذه الشحنة الكهربية الصاعقة في الضحية. وبين كاتانيا من خلال التجارب المعملية كيف تنشط هذه الشحنات الكهربية من على بعد الخلايا العصبية للضحية التي تتحكم في عضلاتها.
ووجدت الدراسة ان ثعابين الماء الرعاشة عادة ما تطلق اثناء عملية الصيد نبضتين كهربيتين ذات جهد عال تفصل بين كل منهما اثنان مللي ثانية مما يبعث بصاعقة اجبارية شديدة موجهة للفريسة المختبئة في محيط المكان. وبمقدور ثعابين الماء -التي تتمتع بحساسية فائقة بحركة المياه حولها- رصد التحركات الناجمة عن هذه الصدمة الكهربية لتتعرف بذلك على موقع الفريسة بدقة.
وسرعان ما تطلق ثعابين الماء صدمة كهربية شديدة وطويلة ذات جهد عال لشل حركة الفريسة من خلال أحداث موجة انقباضية لاإرادية في عضلاتها مثلما تفعل أجهزة الصواعق الكهربية ما يمكن الثعابين من اقتناص فرائسها بسهولة. وقال كاتانيا "أمضيت قسطا كبيرا من حياتي العملية في دراسة تحورات وقدرات الحيوان في الظروف المتطرفة. ولقد رصدت جوانب في غاية الاثارة بيد ان امكانات ثعبان الماء مذهلة وربما تكون من أكثر الامور التي مررت بها اعجازا".
واضاف "ورغم كل شيء فان بإمكانها اطلاق شحنات تصل الى عدة مئات من الفولتات وهو أمر معجز في حد ذاته. لكن استخدام هذه القدرة كي تؤثر بصفة اساسية على الجهاز العصبي لحيوان آخر واثارة عضلاته يمثل حيلة في منتهى الذكاء". وتستطيع ثعابين الماء -ذات الاجسام الافعوانية المرنة والرؤوس المفلطحة- الغوص لأعماق تصل من 1.8 الى 2.5 متر وهي تجوب مياه وقيعان نهري الامازون واورينوكو. ولدى هذه الثعابين اجهزة لإطلاق شحنات كهربية ذات خلايا متخصصة تعمل كبطاريات خلوية يمكنها توليد شحنة كهربية تصل الى 600 فولت لشل حركة فرائسها او الدفاع عن نفسها في مواجهة كائنات مفترسة. بحسب رويترز.
وقال كاتانيا "ورغم ان من غير الشائع انها تقتل البشر بشحناتها الكهربية الا ان بمقدورها شل حركة الانسان والخيول وبالطبع الاسماك". ومضى يقول إن هذه الثعابين تستخدم شحناتها الكهربية بطريقة ثالثة إذ تطلق صعقات ذات جهد منخفض وعلى دفعات مثلما يفعل جهاز الرادار وذلك كي تتمكن من السباحة في مناطق المياه المظلمة او تلك الغائمة.
سيل لعاب الكلاب
على صعيد متصل فالقطط تتحكم في لعابها لكن لعاب الكلاب يسيل".. مقولة تمكن الفيزيائيون أخيرا من حل شفرتها. فالقطط تشرب برقة تجعلها تستفيد من كل قطرة ماء تدخل فمها.. أما الكلاب فتتعامل مع الماء بعنف يجعله يتناثر من فيها ومن حولها. جاء هذا في دراسة عرضت نتائجها خلال اجتماع عقدته الجمعية الفيزيائية الأمريكية في سان فرانسيسكو ركزت على الكلاب واستندت إلى نتائج دراسة سابقة عن الطريقة التي تشرب بها القطط. وقد تبين أن لا الكلاب ولا القطط تغلق صدوغها بإحكام يمنع خروج قطرات الماء كما هو الحال مع البشر لذا ظلت دائما كيفية شربها لغزا محيرا.
ففي عام 2010 اكتشف باحثون في جامعة برينستون ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجهات أخرى كيف تلعق القطط الماء. فالقطة تلمس بلسانها سطح الماء دون أن تغمسه فيه وتشفط عمودا من السائل بسرعة متر في الثانية. وقبل أن تسحب الجاذبية الأرضية الماء لأسفل تغلق القطة فاها على آخر كمية ماء في العمود بسرعة أربع مرات في الثانية ثم تبلع الكمية وتكرر الفعلة.
وحين بدأت الدراسة المعنية بالكلاب كان العلماء يظنون أن الكلب يشرب بنفس الطريقة التي تشرب بها القطة. لكن صني جونغ الباحث في معهد فرجينيا تك وعضو الفريق المعني بدراسة طريقة شرب القطط والذي قاد أيضا البحث المعني بالكلاب قال إنه تبين أن الأمر مختلف. فبينما يلمس لسان القطة سطح الماء برقة يخبط الكلب لسانه في الماء بقوة كما أظهرت الكاميرات الموضوعة تحت حوض للماء. وقال جونغ "الكلاب تحدث طرطشة كبيرة.. لا تحدثها القطط أبدا." بحسب رويترز.
كما أن القطة تسحب عمود الماء بلسانها بقوة تصل إلى مثلي قوة الجاذبية. أما الكلب فيرفع الماء بقوة قد تزيد ثماني مرات عن قوة الجاذبية. وفي حين أن القطة تلمس بلسانها سطح الماء يغمس الكلب جزءا كبيرا من لسانه في الماء مما يجعل السوائل تحيط بفمه. وكذلك فإن كمية الماء التي يمكن أن يحركها الكلب بلسانه تزيد أضعافا مضاعفة بزيادة حجم جسده وهو ما يجعل مثلا الكلاب من نوع سانت برنارد الكبيرة الحجم -لا الكلاب من فصيلة داكشند الصغيرة نسبيا- تحيل أرضيات المطابخ لبحيرات.
الشمبانزي و القرد العنكبوت
الى جانب ذلك قال علماء في دراسة أجريت على حيوانات الشمبانزي في تنزانيا استمرت نحو 17 عاما إن ذكور الشمبانزي الذين تعاملوا بعدوانية اشتملت احيانا على التعدي لفترة طويلة على الإناث كانت لديها فرصة أفضل للإنجاب منها. وقال ايان جيلبي أحد الباحثين وعالم تطور السلالات البشرية في جامعة ولاية أريزونا "إنها حقا رسالة لا تبعث على السعادة." وخلص الباحثون إلى هذه النتيجة التي نشرت في دورية "كارنت بيولوجي Current Biology" من خلال الملاحظات التفصيلية على المدى الطويل لمجتمع الشمبانزي في متنزه جومبي الوطني في تنزانيا حيث تزاوجت حيوانات الشمبانزي وأنجبت 31 رضيعا خلال فترة الدراسة التي امتدت ما بين عامي 1995 حتى 2011 وذلك من خلال دراسة الحمض النووي (دي.إن.إيه) الذي تم جمعه من هذه الحيوانات.
وقالت آن بوسي عالمة تطور السلالات البشرية بجامعة ديوك التي شاركت في البحث "الفرضية تقول إن إناث الشمبانزي تتعرض للترهيب على المدى الطويل من الذكور لذلك يذعن أو حتى يلتمسن التزاوج من الذكور في فترة خصوبتهن ويتجنبن التزاوج من ذكور آخرين في ظل وجودها خوفا من التعرض لمزيد من العدوانية."
ويشتمل السلوك العدواني للذكور على هجمات جسدية عنيفة من بينها القضم والضرب ينتج عنهما في بعض الأحيان إصابات بالإضافة إلى مطاردة الإناث والانخراط في نوبات اندفاع وهجمات على أوراق الشجر القريبة. ووجد الباحثون أن الإناث في وقت ذروة خصوبتهن يسعين للتزاوج من الذكور الذين استأسدوا عليهن.
من جهة اخرى فقتل المواليد الذكور بين الثدييات هو أمر شائع جداً، ويمكن أن يقتل الرضع من كلا الجنسين. لكن دراسة جديدة توصلت إلى أن القرد العنكبوت يقتل الذكور فقط. والأكثر من ذلك، هو أن القردة الرضع ينتمون جميعاً الى نفس عائلات وأقارب القرود التي تقتلها. ويعرف أن أكثر من 119 نوعاً من الثدييات تقتل أطفالها، بما في ذلك 35 من الرئيسيات. لكن قتل الأطفال في حالة القرد العنكبوت لم يسجل إلا خمس مرات في السابق.
وقد تمكن مشروع ميداني طويل الأجل من رصد هذا السلوك مرة أخرى في ثلاث حوادث منفصلة مشتبه فيها، مما دفع الباحثين للاعتقاد بأن حالات قتل الرضع من سلالة القرد العنكبوت أكثر شيوعا مما كان يعتقد في السابق. وأوضحت الدراسة التي نشرت في دورية "برايميت جورنال" أن الذكور تقدم على قتل الرضع بسبب المنافسة الجنسية بين الذكور داخل المجموعة، وأنه إذا كان عدد الذكور كبيراً فإن المنافسة تكون أشد ضراوة.
وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن الملاحظات التي سجلها الباحثون يمكن أن تفسر ارتفاع نسب الإناث مقابل الذكور لدى مجموعات القرد العنكبوت. ومن الصعب رصد الأمثلة على قتل الثدييات لأطفالها الرضع، ويتطلب الأمر إجراء دراسات مفصلة وطويلة الأمد. يحتاج الباحثون الى معرفة علاقة كل فرد بالمجموعة للوقوف على دلالة العلاقات العائلية.
وتناولت الدراسة التب أجرتها سارة ألفاريز من جامعة "كومبلوتنسي" في مدريد بأسبانيا وزملاؤها ثلاثة أنواع مختلفة للقرد العنكبوت في الاكوادور وكولومبيا وبليز. وخلال هذه الدراسة، اعتادت هذه الأنواع من القرود على وجود الباحثين، وتعرف الباحثون أيضا على هذه القرود وعلاقة بعضها ببعض.
في إحدى الحالات، لوحظ أن أحد الذكور يتصرف بعنف تجاه واحدة من الأمهات ومعها قرد رضيع وأطلق عليها اسم "كيواو". وعلى الرغم عدم ملاحظة الباحثين وقوع اعتداء على الرضيع في ذلك الوقت، فإنه وبعد مرور سبعة أيام عثر عليه يصرخ على أرض الغابة وهو يعاني من العديد من الجروح. وقد فارق الحياة بعد ذلك بيوم واحد. ولم يجر التعرف على القاتل.
بعد تسعة أشهر، لوحظت كيواو ومعها رضيع جديد، مما يعني أنها حملت بعد قتل الرضيع الأول بوقت قصير. وفي مثال آخر، ترك رضيع من فصيلة القرد العنكبوت ليلقى حتفه بعد هجوم عنيف. وقد أصيبت الأم وأحد الذكور بجروح مختلفة، مما يوحي بأن عراكا قد وقع. وقد شوهدت أنثى أخرى وهي تحتضن طفلاً فقد أمه. وفي وقت لاحق تمكن فريق الباحثين من انقاذ القرد الرضيع وإعادته إلى أمه. ولولا تدخلهم، لفارق الحياة بسبب جروحه العميقة، حسبما ذكر الباحثون.
ويقول الباحثون إن الاعتداءات التي تنفذها الحيوانات المفترسة الأخرى "لا يمكن استبعادها" ، لكن الجروح التي لاحظوها كانت متطابقة مع جروح أخرى ناجمة عن هجمات أخرى نفذها القرد العنكبوت. ويفسح قتل الرضع المجال أمام الإناث لإقامة علاقة جديدة مع الذكور. والمعروف أن أنثى القرد العنكبوت تلد كل ثلاث سنوات، لكن هذه المدة تصبح ما بين تسعة إلى عشرة أشهر إذا مات طفلها الصغير. بحسب بي بي سي.
ويتوافق هذا الاعتقاد مع النظريات السائدة عن قتل الثدييات لأطفالها. ففي دراسة حديثة أخرى نشرتها مجلة "ساينس" العلمية، درس الباحثون الأسباب المتعلقة بالنشوء والتطور التي تدفع الذكور لقتل الرضع. وقد أجرى الباحثون دراسات شملت 260 نوعاً من الثدييات ، بما في ذلك 119 من الثدييات التي تشهد مثل هذا السلوك. وقد توصل فريق الباحثين إلى أنه في معظم الحالات فإن الذكور يقبلون على قتل الأطفال عندما تضطر للمنافسة للفوز بالاناث وإحداث التكاثر.
القردة والتعرف على الذات
في السياق ذاته عندما يبلغ الطفل عامه الثاني تقريبا يصبح بمقدوره التعرف على انعكاسات مشاعره من خلال النظر الى المرآة كما ينطبق هذا المؤشر الرئيسي للذكاء ايضا على القردة العليا ومنها الشمبانزي وانسان الغابة والغوريلا.. إلا ان القردة العادية دون هذا المستوى. واخفقت القردة باستمرار في معرفة انطباعاتها الذاتية امام المرآة خلال التجارب إلا ان البحث الحديث الذي أجراه علماء صينيون للوقوف على قدرات القردة في مجال التعلم اثبت ان القرد الريسوسي يمكن تدريبه وبالتالي تعليمه للتعرف على ان هذا هو وجهه وذلك من خلال الحملقة في المرآة.
وخلال تجربة معيارية وضعت نقطة صبغة على وجه القرد بحيث لا يمكن ان يراها الا اذا نظر في المرآة. ويجتاز القرد هذا الاختبار اذا لامس هذه البقعة بعد ان يرى نفسه في المرآة بما يعني انه يدرك ان هذا الانعكاس الشرطي خاص به. وقال نينج جونج عالم الاعصاب بالاكاديمية الصينية للعلوم في شنغهاي الذي أشرف على هذه الدراسة التي اوردتها دورية (كارانت بيولوجي) "التعرف على الذات في المرآة مؤشر على ادراك النفس وهي سمة مميزة للذكاء الاكثر تطورا لدى البشر".
وأضاف جونج "عادة لا تستطيع القردة التعرف على انفسها في المرآة ويفترض ان السبب هو انعدام القدرة على ادراك الذات". ومضى يقول "هنا اثبتنا ان بوسع القردة ان تتعلم بالفعل اكتساب هذه القدرة من خلال التدريب مما ينم عن ان لدى مخ القردة مكونات اساسية للفهم لكنها تحتاج الى التدريب الملائم لاكتساب برامج عقلية وصولا الى التعرف على الذات".
وضعت القردة امام مرآة ثم سلطت بقعة ضوء حمراء مرئية على عدة مواضع بالوجه بالاستعانة بجهاز ليزر قوي لدرجة انه يسبب احساسا بالتهيج لهذه القردة. ولامست القردة على نحو كاد يكون ثابتا لا يتغير الموضع الذي ظهرت فيه البقعة الحمراء فيما سبب شعاع الليزر تهيجا وكوفئت القردة بالطعام لأنها فعلت ذلك. ثم جرى تكرار هذه العملية بالاستعانة بالليزر منخفض القدرة الذي لا يحدث إثارة او تهيجا لكنه يحدث بقعة حمراء وعندما لامست القردة البقعة اثناء النظر في المرآة -رغم عدم احساسها بالتهيج- كوفئت بإعطائها طعاما. بحسب رويترز.
وبعد فترة تدريب امتدت من اسبوعين الى خمسة أسابيع بات بمقدور القردة اكتساب خبرة معرفية من خلال لمس بقعة من الليزر أو علامة من الصبغة على الوجه اثناء النظر الى المرآة مما يشير الى قدرتها على التعرف على الذات. وأشار جونج الى ان التعرف على الذات ينعدم لدى بعض الاشخاص ممن يعانون من اضطرابات عقلية منها أمراض التوحد وانفصام الشخصية والزهايمر والتخلف العقلي. وأضاف جونج "وعلى الرغم من ان القصور الخاص بالتعرف على الذات الذي يلازم المرضى ينم عن وجود اختلالات معرفية وعصبية في آليات المخ الخاصة بالمعالجة الذاتية للموجودات إلا ان اكتشافنا يثير احتمال معالجة أوجه العجز هذه من خلال التدريب".