سباق المعادن الحَرِجة يعرض الكوكب للخطر

بروجيكت سنديكيت

2025-12-11 04:25

برلين ــ يوما بعد يوم، تزداد الخسائر البيئية والبشرية الناجمة عن استخراج المعادن وضوحا ــ وإثارة للقلق والانزعاج. ففي غانا، أصبح ما يقرب من 60% من الممرات المائية الآن ملوثة بشدة بسبب التنقيب عن الذهب على طول ضفاف الأنهار. وفي بيرو، فقدت مجتمعات محلية عديدة إمكانية الوصول إلى مياه الشرب الآمنة بعد إضعاف تدابير الحماية البيئية وتعليق الضوابط التنظيمية لتسهيل مشاريع التعدين الجديدة، الأمر الذي أدى إلى تلوث حتى نهر ريماك الذي يمد العاصمة ليما بالمياه.

تتفاقم هذه الأزمات البيئية بسبب تزايد فجوات التفاوت اتساعا وعمقا، فضلا عن الانقسامات الاجتماعية في عدد كبير من البلدان التي تعتمد على التعدين. وقد وثق الأطلس العالمي للعدالة البيئية أكثر من 900 نزاع مرتبط بالتعدين في مختلف أنحاء العالم، حوالي 85% منها ينطوي على استخدام أو تلويث الأنهار، والبحيرات، والمياه الجوفية.

على هذه الخلفية، تعمل اقتصادات كبرى بسرعة على إعادة تشكيل السياسية الجغرافية للموارد. وبينما تحاول الولايات المتحدة تثبيت استقرار الاقتصاد العالمي القائم على الوقود الأحفوري، تسعى جاهدة أيضا لتأمين المعادن التي تحتاج إليها لتصنيع المركبات الكهربائية، وإنتاج الطاقة المتجددة، وأنظمة الأسلحة، وإنشاء البنية الأساسية الرقمية، والبناء، ويحدث كل هذا غالبا من خلال الإكراه وتكتيكات التفاوض العدوانية. وفي إطار سعيها لتقليل الاعتماد على الصين، التي تهيمن على معالجة العناصر الأرضية النادرة، تتجاهل الاعتبارات البيئية والإنسانية على نحو متزايد.

على نحو مماثل، ترسخ المملكة العربية السعودية مكانتها كقوة صاعدة في قطاع المعادن في إطار جهودها الرامية إلى تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط، فتقيم شراكات جديدة ــ بما في ذلك مع الولايات المتحدة ــ وتستضيف مؤتمر تعدين رفيع المستوى. في الوقت ذاته، تعمل المملكة بنشاط على تقويض التقدم في محافل أخرى متعددة الأطراف، بما في ذلك مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ هذا العام في البرازيل (مؤتمر الأطراف الثلاثين) والمفاوضات التمهيدية الجارية تحت إشراف جمعية الأمم المتحدة للبيئة (UNEA7).

في أوروبا، تضغط مجموعات الصناعة من أجل مزيد من التحرر من الضوابط التنظيمية، حيث تستخدم شركات الوقود الأحفوري مثل إكسون موبيل، وتوتال إنرجي، وسيمنز تكتيكات مضللة بهدف تقويض الآليات المنشأة حديثا والمصممة لحماية حقوق المجتمعات المحلية في المناطق المنتجة للموارد. ينبغي لنا أن نشعر بالقلق إزاء المساعي التي تبذلها الآن الشركات والبلدان التي ساعدت في إحداث الانحباس الحراري الكوكبي والتدهور البيئي وانتهكت حقوق الإنسان للهيمنة على قطاع المعادن. فالسماح لهم بذلك سيعرض البشرية جمعاء، وليس فقط الفئات السكانية الضعيفة، للخطر.

يجب أن تكف الحكومات عن اتخاذ مواقف سلبية. يتعين عليها أن تستعيد المسؤولية عن توجيه المحرك الرئيسي للتوسع في التعدين: الطلب. يظل الحد من استهلاك المواد، وخاصة في البلدان المتقدمة، الطريقة الأكثر فعالية لحماية النظم الإيكولوجية الحيوية ومنع الأضرار الطويلة الأمد التي تتسبب في إحداثها أنشطة الاستخراج حتما.

مع ذلك، وعلى الرغم من الأدلة الدامغة التي تؤكد أن تكثيف استخراج الموارد يهدد إمدادات المياه والسلامة العامة، لا تتورع الحكومات في مختلف أنحاء العالم عن إضعاف تدابير الحماية البيئية في محاولة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية، لِتِـعرض بذلك النظم الإيكولوجية التي تحافظ على الحياة على الأرض للخطر. من منظور اقتصادي، يعتبر هذا النهج قصير النظر بدرجة عميقة.

في الواقع، تُظهر أبحاث حديثة أن الممارسات المسؤولة ليست فقط صحيحة أخلاقيا بل هي أيضا سليمة اقتصاديا. ويُظهر تقرير جديد صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، استنادا إلى بيانات من 235 شركة متعددة الجنسيات على مدار خمس سنوات، أن الشركات التي تعزز سجلها في مجال حقوق الإنسان تميل إلى تحقيق أداء أفضل في الأمد البعيد. لذ، ينبغي للحكومات أن تتوخى الحذر من ادعاءات الصناعة بأن الربحية تتطلب التراجع عن الضوابط التنظيمية البيئية أو تجاهل حقوق الإنسان.

عندما يعجز الناس عن الثقة في رغبة القادة السياسيين في حماية حقوقهم، فمن المرجح بدرجة كبيرة أن يقاوموا، مع ما ينتج عن ذلك من صراع اجتماعي يؤدي إلى تعثر الاستثمار. كانت ردة الفعل العنيفة ضد مشروع شركة ريو تينتو لتعدين الليثيوم في صربيا مثالا رئيسيا على ذلك. فقد اعتقد كثيرون من الصرب أن حكومتهم تضع مصالح الشركات في المقام الأول من خلال المضي قدما في المشروع على الرغم من فشله في تلبية حتى معايير الاستدامة الأساسية. وقد أفضى الغضب الشعبي إلى وقف التطوير وترك الشركة تواجه خسائر فادحة.

الواقع أن الأطر القانونية القوية، المدعومة بالإنفاذ الفعّال، هي وحدها القادرة على تهيئة الظروف لتنمية مستقرة تحترم الحقوق. وهذا يعني حماية حقوق السكان الأصليين؛ وضمان الموافقة الحرة والمسبقة والمستنيرة من قِـبَل جميع المجتمعات المتضررة؛ وحماية الموارد المائية؛ والقيام بالتخطيط المكاني، وإنشاء مناطق محظورة؛ وإجراء تقييمات للأثر الاجتماعي والبيئي تتسم بالشفافية والاستقلال والتشارك.

نظرا للتوترات الجيوسياسية المتصاعدة اليوم، تظل المنتديات المتعددة الأطراف مثل مؤتمر الأطراف وجمعية الأمم المتحدة للبيئة ضرورية لمواجهة التجزئة العالمية والنهوض بالحلول المشتركة. وينبغي للدول الغنية بالمعادن أن تعمل معا على رفع معاييرها البيئية، تماما كما تؤثر الدول المنتجة للنفط بشكل مشترك على الأسعار العالمية. ومن خلال العمل الجماعي، يصبح بوسع هذه الدول أن تمنع سباقا مدمرا نحو القاع، وأن تضمن الاستماع إلى المجتمعات المحلية، وخاصة الشعوب الأصلية وغيرها من أصحاب الحقوق.

في وقت حيث تزداد ندرة مياه الشرب النظيفة، وتذوب الأنهار الجليدية، وتتعرض الزراعة للتهديدات على نحو متزايد، لم يعد العمل الدولي المنسق اختياريا. ويمثل القرار الذي تقدمت به كولومبيا وعُمان في ديسمبر/كانون الأول أمام جمعية الأمم المتحدة للبيئة، والذي يدعو إلى معاهدة ملزمة بشأن المعادن، خطوة مهمة نحو معايير عالمية أكثر عدالة.

يدعو الاقتراح، الذي بادرت به كولومبيا وشاركت في رعايته دول مثل زامبيا، التي تدرك جيدا التكاليف المترتبة على الصناعات الاستخراجية، إلى التعاون عبر سلسلة إنتاج المعادن بأكملها للحد من الضرر البيئي وحماية حقوق الشعوب الأصلية وغيرها من المجتمعات المتضررة. بوضع المسؤولية على عاتق البلدان المستهلكة للموارد، يهدف الاقتراح إلى ضمان ألا يقع عبء الإصلاح على الاقتصادات المنتجة للمعادن فقط. ومن الأهمية بمكان أنه يعالج أيضا الأخطار التي تفرضها مخلفات السدود وغير ذلك من نفايات التعدين، والتي أدت إلى إخفاقات مدمرة ومئات الوفيات.

في مجملها، توفر هذه التدابير فرصة نادرة للبدء في تصحيح أوجه التفاوت التي طالما ميّزت استخراج المعادن. ينبغي لكل البلدان، وخاصة تلك التي تنتج المعادن والتي ظلت مستبعدة تاريخيا من طاولة المفاوضات، اغتنام هذه الفرصة. إن جمعية الأمم المتحدة للبيئة (UNEA7) تزودنا بنافذة لتحقيق عدالة الموارد.

* بقلم: جوهانا سيدو هي رئيسة قسم السياسات البيئية الدولية في مؤسسة هاينريش بول.

** نساما تشيكوانكا هي المديرة الوطنية لمنظمة "انشر ما تدفعه" في زامبيا.

https://www.project-syndicate.org/

ذات صلة

الدنيا ظل شجرة سرعان ما يزولفلسفة البقاء والانهيار في الخطاب الفاطميالعراق في سياق الشرق الأوسط والسياسة الأمريكية: قراءة تحليليةيوم النصر من ثمار فتوى الجهاد الكفائيمأساة الاقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار.. إبادة تحت ستار الصمت