الإحترار المناخي يحول اوربا الغربية وجنوبها الى ما يشبه بالفرن

شبكة النبأ

2025-07-10 03:31

في أنحاء كثيرة من العالم، كان حزيران الماضي ثالث أكثر هذه الشهور حرارة في التاريخ الحديث، إذ عانى أكثر من 790 مليون شخص في 12 دولة درجات حرارة قصوى. 

من حرائق مدمّرة في بعض المناطق في كندا وجنوب أوروبا إلى فيضانات فتاكة في بعض أجزاء جنوب إفريقيا والصين وباكستان، كانت تداعيات الاحترار المناخي شديدة الوطأة الشهر الماضي.

وفي أوروبا، كان حزيران 2025 كان الأكثر حرارة على الإطلاق في جزئها الغربي حيث ضربت موجتان مبكرتان من الحرّ الشديد مناطق واسعة من القارة، ما أدى إلى تسجيل درجات حرارة وُصفت بأنها “متطرفة”.

وخلص علماء إلى أن التغيّر المناخي جعل موجة القيظ في أوروبا الغربية أشدّ حرّا بأربع درجات مئوية في عدّة مدن، ما زاد من عدد الوفيات الناجمة عنها.

وقد تكلف الكوارث المناخية بالوتيرة الحالية من جفاف وحرائق وفيضانات وعواصف، منطقة اليورو نحو 5% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2030، كما حذر البنك المركزي الأوروبي في مذكرة على مدونته نشرت الثلاثاء.

وأعلن صندوق النقد الدولي ومقره فرانكفورت أن مثل هذه الصدمة ستقوض توقعات النمو التي أصدرها للمنطقة الاقتصادية، والتي تشكل اليوم سيناريو مرجعيا.

وللوصول إلى هذه التقديرات اعتمد البنك المركزي الأوروبي على عدة سيناريوهات، من الأسوأ إلى الأفضل، أصدرتها شبكة تخضير النظام المالي NGFS – تحالف يضم أكثر من 140 مصرفا مركزيا وهيئة تنظيمية.

هذه التوقعات ليست تقديرات بالمعنى الدقيق للكلمة، بل تصورات لصدمات قصوى يفترض إحصائيا أن تحدث مرة كل خمسين عاما، لرفع مستوى الوعي بين صناع القرار في القطاعين العام والخاص بشأن التداعيات الاقتصادية المحتملة لتغير المناخ.

وفي ما يتجاوز المحاكاة الطويلة المدى التي كانت متاحة سابقا حتى عام 2050، تهدف هذه السيناريوهات الجديدة حتى عام 2030، إلى ايقاظ الضمائر اعتبارا من الآن.

ولسبب وجيه: يتمثل أسوأ سيناريو – المسمى “الكوارث وركود السياسات” – في موجات حر شديدة وجفاف وحرائق تبدأ عام 2026 تليها فيضانات وعواصف العام التالي.

وينجم عن ذلك تراجع الإنتاجية بسبب الحرارة الشديدة والتدمير الكبير للبنى التحتية – مصانع وطرقات وجسور وما إلى ذلك – وزيادة التضخم وارتفاع تكاليف الائتمان للقطاعات الأكثر تعرضا.

في المقلب الآخر، ثمة سيناريو متفائل يسمى “الطريق السريع إلى باريس”، يفترض انتقالا سريعا ومنسقا نحو الحياد الكربوني بما يتماشى مع اتفاق باريس لعام 2015.

وبفضل الاستثمارات الضخمة في التكنولوجيا الخضراء، قد يعزز النمو قليلا ويتم احتواء التضخم.

تم إنشاء شبكة تخضير النظام المالي عام 2017 بعد مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، وتجمع البنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا وبنك اليابان حول هدف واحد: دمج مخاطر المناخ في التنظيم المالي.

وينبغي الآن أن تغذي البيانات الجديدة اختبارات الإجهاد المناخي المستقبلية التي ينفذها البنك المركزي الأوروبي على أكبر البنوك.

حزيران 2025 الاشد حرارة في أوروبا الغربية

في أنحاء كثيرة من العالم، كان حزيران/يونيو الماضي ثالث أكثر هذه الشهور حرارة في التاريخ الحديث، إذ عانى أكثر من 790 مليون شخص في 12 دولة درجات حرارة قصوى، وفقا لحسابات أجرتها وكالة فرانس برس استنادا إلى بيانات خدمة كوبرنيكوس الأوروبية. 

وكانت اليابان من بين الدول التي سجلت أكثر شهور حزيران/يونيو حرارة إلى جانب كل من كوريا الشمالية والجنوبية وباكستان وطاجيكستان.

وعالميا، كان حزيران/يونيو 2025 ثالث أكثر هذه الشهور حرارة على الإطلاق، بعد حزيران/يونيو 2024 الذي تجاوزه بمقدار 0,2 درجة مئوية، واقترب كثيرا من حزيران/يونيو 2023 بفارق 0,06 درجة مئوية فقط. 

ويواصل الكوكب للعام الثالث على التوالي تسجيل معدلات حرارية غير مسبوقة، نتيجة ارتفاع حرارة الأرض بسبب انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة من النشاط البشري.

وفي أوروبا، أعلنت خدمة كوبرنيكوس الأربعاء أن حزيران/يونيو 2025 كان الأكثر حرارة على الإطلاق في جزئها الغربي حيث ضربت موجتان مبكرتان من الحرّ الشديد مناطق واسعة من القارة، ما أدى إلى تسجيل درجات حرارة وُصفت بأنها “متطرفة”.

وتشهد أوروبا احترارا أسرع وتيرة بمرّتين من المعدّل العالمي.

وسجّلت في حزيران/يونيو 2025 موجتا قيظ، الأولى بين 17 و22 منه والثانية اعتبارا من الثلاثين منه، “استثنائيتان”، بحسب ما قالت سامنتا بورغس عالمة المناخ في كوبرنيكوس في بيان.

وفي ظلّ الاحترار المناخي، “من المرجّح أن تصبح موجات الحرّ هذه أكثر تواترا وشدّة وتؤثّر على عدد أكبر من الأشخاص في أوروبا”، بحسب بورغيس.

وفي دراسة أخرى، خلص علماء إلى أن التغيّر المناخي جعل موجة القيظ في أوروبا الغربية أشدّ حرّا بأربع درجات مئوية في عدّة مدن، ما زاد من عدد الوفيات الناجمة عنها.

وفي أيّام كثيرة من الشهر، تخطّت الحرارة 40 درجة مئوية في عدّة بلدان وبلغت حتّى 46 في إسبانيا أو البرتغال. وكان 30 حزيران/يونيو “من الأيّام الصيفية الأشدّ حرّا على الإطلاق” في القارة.

لكنّ الحرارة المحسوسة، أي تلك التي تقيس الآثار على الجسم مع مراعاة نسبة الرطوبة والرياح، بلغت معدّلات أعلى من ذلك بعد. وهي وصلت مثلا في شمال لشبونة إلى 48 درجة مئوية، بحسب المؤشّر العالمي للمناخ الحراري (UTCI)، بما يوازي “إجهادا حراريا من الحدّ الأقصى”، وفق كوبرنيكوس.

وبسبب الليالي المدارية، أي تلك التي لا تنخفض فيها الحرارة دون العشرين، واجهت الكائنات صعوبات. وشهدت إسبانيا 24 ليلة من هذا النوع، أي أكثر بـ18 مما هي عادة الحال خلال حزيران/يونيو. وفي بعض المناطق الساحلية من المتوسط، سجّلت 10 إلى 15 ليلة مدارية خلال حزيران/يونيو الذي لم تكن فيه عادة أيّ ليلة هكذا، بحسب كوبرنيكوس.

تداعيات شديدة الوطأة

من حرائق مدمّرة في بعض المناطق في كندا وجنوب أوروبا إلى فيضانات فتاكة في بعض أجزاء جنوب إفريقيا والصين وباكستان، كانت تداعيات الاحترار المناخي شديدة الوطأة الشهر الماضي.

وكان شهر حزيران/يونيو أقلّ حرّا من ذاك المسجّل في 2023 و2024 لكنه كان أعلى حرارة بحوالى 1,30 درجة مئوية مما كانت عليه الحال في هذا الشهر من السنة في العصر ما قبل الصناعي (1850-1900)، أي أنه “ثالث شهر من الأشهر الـ24 الماضية كان فيه معدّل الحرارة في العالم أعلى بما دون 1,5 درجة مئوية من مستوى العصر ما قبل الصناعي”، بحسب كوبرنيكوس.

وإذا ما استمرّ الحرّ على هذا النحو، قد يصبح العام 2025 ثالث الأعوام الأكثر دفئا.

وبموجب اتفاق باريس للمناخ، تعهّدت البلدان حصر الاحترار المناخي على المدى الطويل بـ1,5 درجة مئوية، وهو مستوى إذا تمّ تخطّيه يرتفع خطر التغيّرات المناخية والبيئية القصوى.

لكن علماء كثيرين يعتبرون أنه بات من شبه المستحيل احتواء الاحترار بـ1,5 درجة مئوية.

وكانت سامنتا بورغيس قد قالت في تصريحات لوكالة فراس برس في أواخر حزيران/يونيو إن “المناخ هو أكثر دفئا بحوالى 1,35 إلى 1,4 درجة مئوية من العصر ما قبل الصناعي”.

ويتوقّع معهد كوبرنيكوس أن يتمّ تخطّي عتبة 1,5 درجة مئوية في 2029، إذا ما استمرّ الاحترار على هذا المنوال.

وسجّل حزيران/يونيو 2025 أيضا قيظا بحريا في الجزء الغربي من البحر المتوسط. وبلغت حرارة سطح المياه في المنطقة مستوى قياسيا في 30 حزيران/يونيو بحدود 27 درجة مئوية.

ولفت كوبرنيكوس إلى أن “درجات الحرارة الاستثنائية لمياه البحر الأبيض المتوسط خفّضت من الأثر المبرّد للهواء ليلا على امتداد الساحل وزادت من الرطوبة، ما فاقم تداعيات الإجهاد الحراري”.

ولهذه لحرارة الاستثنائية ارتدادات أيضا على التنوّع الحيوي البحري وعلى الصيد وتربية الأحياء المائية.

أربع درجات اضافية

وقال بن كلارك من جامعة إمبريال كوليدج في لندن التي قادت الدراسة مع لندن سكول أوف هايجين أند تروبيكال ساينس “نرى أن الاحترار المناخي فاقم من موجة الحر بدرجتين إلى أربع درجات مئوية تقريبا في غالبية المدن” التي تمت دراستها.

وخلصت هذه “الدراسة السريعة” إلى أن موجة القيظ هذه خلّفت عددا أكبر من الوفيات المرتبطة بالحر مما كان ليحصل لولا الاحترار المناخي. وأجرى هذه الدراسة أكثر من عشرة باحثين من خمس مؤسسات أوروبية بانتظار الحصيلة الرسمية التي لن تصدر قبل أسابيع عدة.

ومن أجل تقييم تأثير التغير المناخي، قام العلماء بمحاكاة شدة موجة الحر في عالم لم يشهد هذا الاستهلاك الكثيف للفحم والنفط والغاز انطلاقا من بيانات الأحوال الجوية المتوافرة.

وخلص العلماء هؤلاء إلى أن موجة الحر “كانت لتكون أقل بدرجتين إلى أربع درجات مئوية” من دون التغير المناخي الحاصل في 11 من المدن ال12 التي تمت دراستها.

وفاقمت هذه الدرجات الإضافية بشكل كبير من الأخطار على صحة سكان المدن المشمولة بالدراسة والبالغ عددهم 30 مليون نسمة، ومنها باريس ولندن ومدريد.

وقال كلارك لصحافيين “هذا الأمر يعرض بعض الفئات لخطر كبر. فللبعض الطقس حار وجميل. لكن بالنسبة إلى جزء كبير من السكان يصبح الوضع خطرا”.

وحاولت الدراسة للمرة الأولى تقدير عدد الوفيات الناجمة عن موجة الحر في 12 مدينة والنسبة منها المنسوبة إلى التغير المناخي.

وبالاستناد إلى وسائل علمية دقق فيها علماء آخرون، ودراسات معروفة حول الحر والوفيات، اعتبرت الدراسة أن موجة الحر تسببت على الأرجح بـ2300 وفاة مبكرة بين 23 حزيران/يونيو والثاني من تموز/يوليو في هذه المدن.

وما كانت 1500 وفاة تقريبا أي ثلثاها لتسجل لولا الدرجات الإضافية الناجمة عن اضطرابات المناخ.

وشدد معدو الدراسة الذين ينتمون إلى مؤسسات في المملكة المتحدة وهولندا والدنمارك وسويسرا، على أن هذا التقدير ليس سوى نبذة قبل ورود الحصيلة الرسمية.

وتشكل موجات الحر خطرا خصوصا على المسنين والمرضى والأطفال الصغار والعمال في الهواء الطلق وأي شخص يتعرض لدرجات حرارة مرتفعة لفترات طويلة من دون أي راحة ولا سيما خلال توالي الليالي الحارة.

وعرفت مناطق واسعة في جنوب أوروبا “ليالي مدارية” متتالية لم تشهد تراجعا في درجات الحرارة تسمح لجسم الإنسان بالتعويض.

وقال غاريفالوس كونستانتينيديس من إمبريال كوليدج في لندن “بالنسبة إلى آلاف الأشخاص تشكل زيادة في الحرارة من درجتين إلى أربع درجات كل الفرق بين الحياة والموت”.

وأضاف “لذا تعتبر موجات الحر قاتلا صامتا. فغالبية الوفيات تسجل في منازل أو مستشفيات بعيدا عن الأنظار ونادرا ما يبلغ بها”.

وتفيد السلطات بأن وضع حصيلة نهائية للضحايا يحتاج إلى أسابيع. وسبق لموجات حر متتالية كهذه أن تسبب بعشرات آلاف الوفيات المبكرة في أوروبا في مواسم صيف سابقة.

موجة حر مبكرة أشبه بالفرن

وضربت موجة الحرّ هذا العام مبكرا غرب أوروبا وجنوبها تتّسع شمالا، معرّضة ملايين الأوروبيين لحرارة قياسية لم يعهدوها.

وأطلقت تنبيهات من الحرّ الشديد الذي وصفته الأمم المتحدة بـ”القاتل الصامت” في البرتغال واليونان وكرواتيا وصولا إلى ألمانيا والنمسا وسويسرا.

وأشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة إلى أنه “نتيجة للتغير المناخي الناجم عن النشاط البشري، أصبحت درجات الحرارة القصوى أكثر تواترا وشدّة. وهذا أمر علينا أن نتعلّم التعايش معه”.

وقالت المتحدثة باسم المنظمة كلير نوليس “كلّ وفاة بسبب الحر لا داعي لها… لدينا المعرفة ولدينا الأدوات ويمكننا إنقاذ الأرواح”.

وكان شهر حزيران/يونيو هذه السنة الذي انتهى للتوّ الأكثر حرّا على الإطلاق منذ بدء تسجيل درجات الحرارة اليومية في حوض البحر الأبيض المتوسط، وأيضا في إنكلترا وفي إسبانيا حيث حطّم الرقم القياسي المسجّل في العام 2017، بحسب ما أعلنت وكالة الأرصاد الجوية الإسبانية.

وباتت باريس المعروفة بكثافتها الحضرية وقلّة المساحات الخضراء فيها في حالة تأهّب قصوى من الدرجة الحمراء، وذلك للمرّة الأولى منذ خمس سنوات. ومع حرارة بحدود 38 درجة، حظر استخدام السيّارات الملوّثة وأغلق الجزء العلوي من برج إيفل وباتت المتنزّهات مفتوحة في الليل أيضا.

ولم تصل بعد الحرارة إلى المستويات القياسية المسجّلة بواقع 42 درجة مئوية لكن موجة الحرّ المبكرة هذه متواصلة منذ قرابة أسبوعين وما يثير القلق هو أن الحرارة لا تنخفض كثيرا ليلا لتلطيف الأجواء.

ولموجة الحرّ هذه ارتدادات على الأسبوع الأخير من العام الدراسي في فرنسا. وقد أغلقت 1900 مدرسة تقريبا أبوابها الثلاثاء، أي حوالى 3 % من المؤسسات التعليمية في البلد.

وفي هولندا، أغلقت المدارس في روتردام وبربنت أبوابها ظهرا، مع بلوغ الحرارة 38 درجة، وهو مستوى غير معهود في البلد.

وتعي جورجيت كيمل في لاهاي مدى تغيّر المناخ. وبدلا من حرارة قصوى تبلغ 25 درجة في تموز/يوليو، “تصل الحرارة أحيانا إلى 30 درجة في أيار/مايو. وهو ليس بالأمر الطبيعي”.

وفي ألمانيا المجاورة، البلد القاري حيث العطلة الصيفية أقصر، يمكن للتلاميذ الاستفادة من عطلة بسبب الحرّ تعرف بـ”هيتسفراي” أقرّت في القرن التاسع عشر. وقد تصل الحرارة في ألمانيا إلى 40 درجة مئوية الأربعاء.

وفي أغلبية البلدان، تراوحت الحرارة القصوى المسجّلة بين 35 وأكثر من 40 درجة مئوية.

وفي بروكسل، أغلق معلم الأتوميوم الشهير بسبب اشتداد حرارة كراته المصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ.

وتقول سامانتا بورغيس عالمة المناخ في مرصد “كوبيرنيكوس” الأوروبي لوكالة فرانس برس إن “هذا الحدث غير اعتيادي… فهو يأتي في فترة مبكرة جدّا من الصيف وفاقمه التغيّر المناخي على الأرجح”.

وتعرّض موجة الحرّ هذه “ملايين الأوروبيين لإجهاد حراري شديد”، بحسب بورغيس التي تقرّ بتكيّف المدن مع هذه الظاهرة لكن بوتيرة بطيئة جدّا.

وفي ليون، في جنوب شرق فرنسا، ندّدت نقابة بسوء الأحوال في مستشفى إدوار إيريو. وقالت إن “المرضى الذين هم في أوضاع هشّة والطاعنين في السنّ في أغلب الأحيان يوضعون في غرف بلا مكيّفات هواء… مع القليل من بخّاخات المياه ومراوح الهواء ونوافير مياه خارجة عن الخدمة في غالبيتها”.

ولا شكّ في أن تقييم تداعيات هذا القيظ سيستغرق أشهرا عدّة لكن هذه الموجة تذكّر بما جرى في 2003 و2022، حين قضى 70 ألف شخص و61 ألفا على التوالي، خصوصا من الطاعنين في السنّ.

وتلفت سامنتا بورغيس إلى أن “الحرارة في أوروبا ترتفع بوتيرة أسرع من المعدّل العالمي” بسبب خصوصا قرب القارة من أركتيكا التي تشتدّ حرارتها بوتيرة أسرع بواقع 3 إلى 4 مرّات، لكن أيضا للمفارقة بسبب تحسّن نوعية الهواء إثر التشريعات البيئية المعتمدة. 

فانخفاض الهباء الجوّي الملوّث الذي يعود بالنفع على الأوروبيين يعني أيضا أن “السماء باتت أكثر انقشاعا”، ما يسفر عن مزيد من الحر بحسب العالمة.

وفي إسبانيا والبرتغال حيث سجّلت حرارة قياسية لشهر حزيران/يونيو بواقع 46 درجة مئوية السبت والأحد، انخفض الحرّ الثلاثاء لكن الحرارة تخطّت الأربعين في بعض المناطق، مثل إشبيلية في الأندلس.

وفي العاصمة الإسبانية مدريد، “الوضع أشبه بالفرن”، على حدّ قول الصحافية دانييلا دافيلا التي أصلها من أليكانتي.

وفي فالس في شمال شرق إسبانيا، توفّي طفل في الثانية من العمر بعد بقائه لساعات طويلة في سيارة مركونة في الشمس، وفق ما أفادت الشرطة وكالة فرانس برس.

درجات قياسية في جنوب أوروبا 

ويرزح جنوب أوروبا تحت وطأة موجة حرّ ضربته لا نهاية قريبة لها في الأفق، مع درجات قياسية في إسبانيا والبرتغال و”ملاجئ مناخية” في إيطاليا وحرارة “لم يشهد مثيل” لنطاقها الجغرافي في فرنسا.

وأفادت الوكالة الوطنية الإسبانية للأرصاد الجوية بأن الحرارة بلغت 46 درجة مئوية السبت في ولبة بجنوب إسبانيا بالقرب من الحدود مع البرتغال، وهي درجة قياسية لحزيران/يونيو، مشيرة إلى أن آخر رقم قياسي تمّ تسجيله لهذا الشهر يعود إلى العام 1965 في إشبيلية، عندما بلغت الحرارة 45,2 درجة مئوية.

وأعلنت الوكالة أيضا أن “الأحد كان يوم 29 حزيران/يونيو الأكثر حرّا في إسبانيا برمّتها منذ العام 1950 على الأقلّ”.

وهي أصدرت إنذارا من “حرارة قياسية” ولكن أيضا من عواصف وزوابع رعدية كتلك التي ضربت البرتغال. ومن المرتقب أن تتخطّى الحرارة 40 درجة مئوية في كلّ من إسبانيا والبرتغال، وخصوصا في المناطق الحدودية بين البلدين.

وفي البرتغال، تخطّت الحرارة الأحد 46,6 درجة مئوية في مورا على بعد حوالى مئة كيلومتر من شرق لشبونة. وبحسب الإعلام المحلّي، فإنها أيضا حرارة قياسية لشهر حزيران/يونيو، في حين يعود الرقم القياسي السابق أيضا إلى العام 1965.

وفي إيطاليا، وضعت وزارة الصحة 17 مدينة في حالة إنذار أحمر، بينها روما وفلورنسا وفيرونا.

وقال الخبير أنتونيو سبانو مؤسس الموقع المتخصص “ilmeteo.it” إن “إيطاليا تشهد إحدى أقوى موجات الحرّ صيفا” وهي تتميّز أيضا بمدّتها الطويلة بشكل خاص.

وفيما يعمل عناصر الإطفاء على إخماد حرائق حرجية في عدّة مناطق، أفادت وسائل الإعلام الإيطالية عن وفاة امرأة في السابعة والسبعين الأحد إثر اختناقها بسبب الدخان المتصاعد من حريق بالقرب من منزلها في بوتينتسا في جنوب البلد.

وفي البرتغال أيضا، خطر الحرائق في أعلى مستوياته في المناطق الحرجية كلّها تقريبا. ويعمل عناصر الإطفاء على إخماد حريق شبّ الأحد بالقرب من كاستيلو برانكو (الوسط).

وفي إسبانيا، بعد مقتل شخصين يعملان في مجال صيانة الطرقات السبت وامرأة في برشلونة (شمال شرق) ورجل في قرطبة (جنوب) على الأرجح من جرّاء ضربة شمس، دعت النقابات الشركات إلى “اعتماد تدابير وقائية لتفادي ارتدادات درجات الحرارة العالية على صحة العمّال، لا سيّما هؤلاء الذين يزاولون أنشطتهم في الخارج”.

يحذّر خبراء من أن موجات الحرّ تشتدّ بفعل تغيّر المناخ، وستزداد تواترا وتبدأ في فترات أبكر من الصيف وتستمرّ لوقت أطول.

وطالت موجة الحرّ بريطانيا أيضا حيث أعلنت السلطات حالة الإنذار البرتقالي في خمس مناطق في إنكلترا، بما فيها لندن.

ووُضعت سيارات إسعاف على أهبة الاستعداد قرب مواقع سياحية، وأصدرت مناطق تحذيرات من اندلاع حرائق.

ويحذّر خبراء من أن موجات الحرّ تشتدّ بفعل تغيّر المناخ، وستزداد تواترا. 

ويُتوقع أن تبلغ الحرارة 43 درجة مئوية في مناطق جنوب إسبانيا والبرتغال، بينما تشهد فرنسا برمتها تقريبا موجة حرّ خانقة من المتوقع أن تستمر عدة أيام. وفي إيطاليا، أعلنت 21 مدينة حالة التأهب القصوى تحسبا لارتفاع الحرارة إلى حد كبير، بينها ميلانو ونابولي والبندقية وفلورنسا وروما. 

وقالت السائحة البريطانية آنا بيكر التي سافرت إلى روما من فيرونا “كان يُفترض أن نزور الكولوسيوم، لكن والدتي كادت أن يُغمى عليها”. 

وأفادت أقسام الطوارئ في مستشفيات في كل أنحاء إيطاليا بارتفاع حالات التعرض لضربات الشمس، بحسب نائب رئيس الجمعية الإيطالية لطب الطوارئ ماريو غارينو.

وقال لوكالة فرانس برس “شهدنا زيادة بنسبة تناهز 10%، لا سيما في المدن التي لا تشهد درجات حرارة مرتفعة فقط بل أيضا معدلات رطوبة أعلى من غيرها. ويعاني معظم كبار السن ومرضى السرطان والمشردين خصوصا الجفاف وضربات الشمس والإرهاق”.

وأفاد غوارينو بأن مستشفيات مثل أوسبيدال دي كولي في نابولي أنشأت مسارات مخصصة للمصابين بضربة شمس لتسريع الوصول إلى العلاجات الضرورية كالغمر بالماء البارد. 

وفي البندقية، قدمت السلطات جولات سياحية مجانية لمن تزيد أعمارهم على 75 عاما في المتاحف والمباني العامة المكيفة. وأنشأت بولونيا سبعة “ملاجئ مناخية” مزودة بتكييف للهواء ومياه شرب. 

ودعت فلورنسا الأطباء إلى إصدار تحذيرات للأشخاص الوحيدين والأكثر ضعفا، بينما وزّعت أنكونا أجهزة لإزالة الرطوبة للمحتاجين، وعرضت روما دخولا مجانيا إلى أحواض السباحة في المدينة لمن تتجاوز أعمارهم 70 عاما. 

ويؤكد علماء أن تغير المناخ يُفاقم موجات الحرّ الشديدة لا سيما في المدن حيث تزداد درجات الحرارة جراء العدد الكبير من المباني. 

وقالت إيمانويلا بيرفيتالي الباحثة في المعهد الإيطالي لحماية البيئة والبحوث “أصبحت موجات الحر في منطقة البحر الأبيض المتوسط أكثر تواترا وشدة في السنوات الأخيرة، وتبلغ ذروتها عند 37 درجة مئوية أو أكثر في المدن” حيث تفاقم زحمة المباني ارتفاع درجات الحرارة.

وأضافت لوكالة فرانس برس “يتوقع أن تزداد الحرارة والظواهر الجوية المتطرفة في المستقبل، لذا سيتعين علينا التعود على درجات تصل ذروتها إلى مستويات أعلى من التي نشهدها حاليا”.

وفي فرنسا، حذر خبراء من أن الحرارة تؤثر بشدة أيضا على التنوع البيولوجي. 

وقال آلان بوغرين دوبورغ رئيس رابطة حماية الطيور “مع هذا الحر الخانق، يمكن أن تتجاوز الحرارة 40 درجة في بعض الأعشاش”. 

وأضاف “نستقبل طيورا تواجه صعوبات في كل مكان، مراكز الرعاية السبعة التابعة لنا مكتظة”. 

كما تجذب هذه الحرارة أنواع أسماك غازية تعيش عادة في مناخ استوائي.

وأطلق معهد حماية البيئة والبحوث في ايطاليا حملة هذا الأسبوع تستهدف الصيادين والسياح لإبلاغهم عن أربعة أنواع بحرية سامة “يحتمل أن تكون خطرة”، وهي سمكة الأسد، وسمكة الضفدع الفضية الخدين، وسمكة الأرنب الداكنة، وسمكة الأرنب الرخامية التي بدأت تظهر في المياه قبالة سواحل جنوب إيطاليا مع ارتفاع الحرارة في البحر الأبيض المتوسط.

وتأتي موجة الحر عقب سلسلة من المستويات القياسية للحرارة الشديدة، بما في ذلك في شهر آذار/مارس الذي كان الأكثر حرا في أوروبا على الإطلاق، وفقا لمرصد كوبرنيكوس الأوروبي.

ووفقا لبعض التقديرات شهد عام 2024، وهو العام الأكثر حرا في التاريخ المسجل حتى الآن، كوارث عالمية بلغت كلفتها أكثر من 300 مليار دولار.

* المصدر: وكالات+فرانس برس

ذات صلة

البشائر النبوية لمقيمي الشعائر الحسينيةمركز المستقبل ناقش.. دور الشعبوية الانتخابية في تغييب الوعي وضياع المستقبلمن المستبد؟ الشعوب أم الأنظمة؟عندما ينتصر الرأي العام للوطنالذكاء العاطفي مقابل الذكاء العقلي