من يوقف وباء الحر.. 2024 الأكثر غليانا على الإطلاق؟

شبكة النبأ

2024-08-10 05:28

كان تموز/يوليو 2024 أقل حرّاً بقليل من الشهر نفسه في 2023، لكنّ هذا المعطى غير مطمئن، إذ بحسب مرصد كوبرنيكوس المناخي الأوروبي، من “المحتمل بشكل متزايد” أن يكون 2024 العام الأكثر حرّاً على الإطلاق.

وأكّدت نائبة رئيس خدمة التغير المناخي (C3S) في كوبرنيكوس سامانثا بيرجس، في بيان، أنّ 13 تسجيلاً شهرياً متتالياً للحرارة على سطح الأرض “انتهت، ولكنّ الفارق بينها كات ضئيلاً”.

وخلال الشهر الفائت الذي شهد درجات حرارة قياسية في اليونان واليابان وتجاوزت الحرارة خلاله 48 درجة مئوية في المغرب متسببة بـ21 حالة وفاة خلال 24 ساعة، بلغ متوسط درجة الحرارة على الأرض 16,91 درجة مئوية، أي أدنى بـ0,04 درجة فقط من الرقم القياسي السابق المسجّل في تموز/يوليو 2023، بحسب تقرير كوبرنيكوس الشهري.

وكانت الحرارة مرتفعة بشكل خاص في غرب الولايات المتحدة وكندا، وفي معظم دول إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، وكذلك شرق القارة القطبية الجنوبية، وفي أوروبا التي شهدت ثاني أكثر تموز/يوليو حرّاً بعد الشهر نفسه عام 2010.

على المستوى العالمي، يبقى تموز/يوليو أكثر حرّاً بمقدار 1,48 درجة مئوية من الشهر نفسه في الأعوام 1850 و1900، قبل أن يبدأ البشر في التسبب بإطلاق غازات الدفيئة.

وهذا الرقم أقل بقليل من الحدّ البالغ 1,5 درجة مئوية والذي يتم تجاوزه كل شهر منذ عام.

لكنّ تموز/يوليو 2024 يظل ثاني أكثر الأشهر حرّاً على الإطلاق ضمن كل الفصول مجتمعة، بحسب كوبرنيكوس.

وأكدت بيرجس أن “السياق العام لم يتغير، فالمناخ يواصل الاحترار”، مضيفة “الآثار المدمرة للتغير المناخي بدأت قبل العام 2023 بفترة طويلة وستستمر حتى تصل انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية إلى الحياد الكربوني”.

وقالت الأمينة العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية سيليستي ساولو “يصبح العالم حارّاً جداً لدرجة عدم القدرة على التحمّل”.

ولم يسلم تموز/يوليو من العواقب المدمّرة الناجمة عن التغير المناخي.

وقد شهد هذا الشهر موجات حرّ عدة، خصوصاً في أوروبا الوسطى ومنطقة البحر الأبيض المتوسط. وسُجّلت فيضانات غير مسبوقة في باكستان والصين، وضربت أعاصير منطقة البحر الكاريبي والولايات المتحدة، وطالت انهيارات أرضية كبيرة ولاية كيرالا في الهند، واجتاحت حرائق ضخمة ولاية كاليفورنيا.

كذلك، حطّم يومان متتاليان في تموز/يوليو الرقم القياسي لأكثر يوم حارّ على الإطلاق، كانا 22 و23 تموز/يوليو.

وتستمر المحيطات التي تمتص 90% من الحرارة الزائدة الناتجة عن الأنشطة البشرية، في الاحترار. وكان متوسط درجة حرارة المحيطات في تموز/يوليو 20,88 درجة مئوية، ثاني أعلى درجة حرارة للمحيطات في تموز/يوليو، وتمثل أقل بـ0,01 درجة مئوية فقط من الرقم القياسي المسجّل في العام الفائت، بعد 15 تسجيلاً شهرياً متتالياً.

وتبقى هذه الأرقام مثيرة للقلق لأنّ انخفاضاً أكبر في درجات الحرارة كان متوقعاً مع انتهاء ظاهرة ال نينيو المناخية المتمثلة في ارتفاع درجات حرارة المحيطات

ويتمثل الدليل على ذلك في بدء انخفاض درجات الحرارة في منطقة المحيط الهادئ الاستوائية، حيث تحدث ظاهرة ال نينيو خصوصاً، “ما يشير إلى بدء ظاهرة ال نينيا” المعاكسة لـ”ال نينيو” والتي عادة ما تساهم في تبريد الأرض.

وعلى الرغم من هذا التطور، يتوقع خبراء كثيرون أنّ 2024 سيكون أكثر حرّاً من العام 2023، الذي كان أصلاً عاماً قياسياً.

منذ كانون الثاني/يناير، أصبحت درجة الحرارة العالمية أكثر حرّاً بمقدار 0,27 درجة مئوية مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، بحسب كوبرنيكوس. وستكون هناك حاجة إلى تسجيل انخفاض حادّ في نهاية العام، حتى يكون 2024 أقلّ حراً من 2023.

لكنّ كوبرنيكوس يؤكد أنّ “ذلك نادراً ما يحدث” منذ بدء عمليات تسجيل درجات الحرارة، “مما يزيد من احتمال أن يكون 2024 العام الأكثر حرّاً على الإطلاق”.

كما أكد مرصد كوبرنيكوس المناخي الأوروبي الثلاثاء أن يوم 21 تموز/يوليو كان اليوم الأكثر سخونة على الإطلاق على مستوى العالم. وتفوق درجات الحرارة الشهرية منذ حزيران/يونيو 2023 مستوياتها القياسية السابقة، ويأتي تسجيل المستوى القياسي اليومي فيما تضرب موجات حرّ أجزاء من الولايات المتحدة وأوروبا.

وقالت خدمة تغير المناخ التابعة للمرصد (سي 3 إس) إن متوسط درجة حرارة الهواء السطحي العالمي البالغ 17,09 درجة مئوية الأحد كان الأكثر دفئا في سجلاته القياسية التي تعود إلى 1940. وأضاف في بيان "شهدت الأرض للتو اليوم الأكثر دفئا".

ودرجة الحرارة القياسية الجديدة أعلى بمقدار 0,01 درجة مئوية فقط من سابقتها البالغة 17,08 درجة مئوية والمسجلة في 6 تموز/يوليو 2023.

وقال كارلو بونتيمبو، مدير خدمة تغير المناخ، في بيان "في 21 تموز/يوليو، سجلت +سي 3 إس+ رقما قياسيا جديدا لمتوسط درجة الحرارة العالمية اليومية".

وأضاف: "نحن الآن في منطقة مجهولة حقا، ومع استمرار ارتفاع درجة الحرارة، من المتوقع أن نشهد تحطيم أرقام قياسية جديدة في الأشهر والسنوات المقبلة".

وقال مرصد كوبرنيكوس إن الرقم القياسي اليومي قد يتم تجاوزه مجددا في الأيام المقبلة قبل انخفاض متوقع في درجات الحرارة، بالرغم من احتمال حدوث تقلبات في الأسابيع المقبلة.

تفوق درجات الحرارة الشهرية منذ حزيران/يونيو 2023 مستوياتها القياسية السابقة، ويأتي تسجيل المستوى القياسي اليومي فيما تضرب موجات حرّ أجزاء من الولايات المتحدة وأوروبا.

آثار مناخية مدمرة

بموجب اتفاق باريس، وافقت البلدان على إبقاء متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية على المدى الطويل إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، وبذل جهود للحد منها إلى 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية هذا القرن. 

وقد حذرت الأوساط العلمية مرارا وتكرارا من أن ارتفاع درجة الحرارة بأكثر من 1.5 درجة مئوية قد يؤدي إلى إطلاق العنان لتأثيرات أشد خطورة لتغير المناخ والطقس المتطرف.

حتى عند مستويات الاحترار العالمي الحالية، توجد بالفعل آثار مناخية مدمرة. وتشمل هذه موجات حر وهطول أمطار وفيضانات وجفاف أكثر شدة، وانخفاض الصفائح الجليدية والجليد البحري والأنهار الجليدية، وتسارع ارتفاع مستوى سطح البحر وتسخين المحيطات.

وأضافت سيليست سولو بالقول: "شهد شهر حزيران/يونيو موجات حر واسعة النطاق وطويلة الأمد في العديد من البلدان، مع تأثيرات كبيرة على جميع جوانب حياة الناس. وكان ذلك حتى قبل الذروة التقليدية لفصل الصيف في نصف الكرة الشمالي، والتي ستشهد بلا شك المزيد من الحرارة الشديدة. وتثير درجات حرارة سطح البحر القياسية قلقا كبيرا على النظم البيئية البحرية الحيوية، كما أنها توفر الطاقة لتغذية الأعاصير المدارية - كما رأينا مع إعصار بيريل".

وقال كارلو بونتيمبو: "حتى لو انتهت هذه السلسلة المحددة من الظواهر المتطرفة في وقت ما، فمن المؤكد أننا نشهد تحطيم أرقام قياسية جديدة مع استمرار ارتفاع درجة حرارة المناخ. هذا أمر لا مفر منه، ما لم نتوقف عن إضافة غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي والمحيطات".

ارتفاع ناجم عن النشاط البشري

كما حذّر عشرات من أبرز الباحثين في دراسة نشرت نتائجها من أن ارتفاع حرارة الارض الناجم عن النشاط البشري بلغ “مستوى غير مسبوق” والفترة الزمنية المتاحة للحد من ارتفاع الحرارة إلى 1,5 درجة مئوية تضيق.

وذكر العلماء أن “ارتفاع حرارة الأرض الذي يسببه الإنسان زاد بمعدل غير مسبوق في القياسات التي أجريت باستخدام أدوات علمية ليبلغ 0,26 درجة مئوية في الفترة بين 2014-2023”.

هذه الوقائع التي نشرت في مجلة بيانات نظام الأرض العلمية (إرث سيستم ساينس داتا) ثمرة عمل نحو ستين باحثا معروفا يعتمدون على أساليب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، خبراء المناخ المفوضين من قبل الأمم المتحدة.

واهمية الدراسة في أنها توفر مؤشرات محدثة بناء على تقرير الخبراء من دون انتظار الدورة القادمة بعد سنوات.

بالنسبة الى حقبة ما قبل الصناعة، بلغ هذا الاحترار الذي سببه الإنسان 1,19 درجة مئوية خلال العقد الحالي، وهو ما يظهر زيادة واضحة مقارنة بالأرقام الواردة في التقرير الأخير الذي نشر قبل عام (+ 1,14 درجة مئوية خلال الفترة 2013-2022).

بالنسبة للعام 2023 وحده، بلغ الاحترار الناجم عن النشاط البشري 1,31 درجة مئوية. وبلغ إجمالي الاحترار المسجل 1,43 درجة مئوية، لأن التقلب الطبيعي للمناخ لعب دورا أيضا بدءا من ظاهرة النينيو.

وظاهرة الاحترار ناجمة عن انبعاثات غازات الدفيئة – الناتجة بشكل رئيسي عن الاستخدام المكثف للوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم) – والذي بلغ مستويات قياسية: حوالي 53 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا خلال الفترة 2013-2022. وبلغت 55 مليار طن لعام 2022 وحده.

ويشير العلماء إلى تأثير آخر لعب دورا أيضا وهو انخفاض التبريد بسبب الجزيئات الملوثة العالقة في الهواء التي تعكس الشمس وتسمح بتكوين بعض السحب.

وقال غلين بيترز من مركز اوسلو لأبحاث المناخ الدولية إن “السبب الرئيسي هو السيطرة على تلوث الهواء أولا في أوروبا والولايات المتحدة وأخيرا في آسيا وخاصة في الصين”.

يسلط باحثون الضوء على دور الضوابط الأخيرة الأكثر صرامة للنقل البحري. لكن خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت وخاصة في قطاع الفحم، بدأ في الثمانينات كما يقول غلين بيترز.

اما ميزانية الكربون المتبقية فهي آخذة في التراجع. وهي تشير إلى هامش المناورة وهو االكمية الإجمالية من ثاني أكسيد الكربون التي لا يزال من الممكن انبعاثها مع الحفاظ على فرص بنسبة 50% للحد من احترار الارض بما لا يتجاوز 1,5 درجة مئوية.ـ

وتبلغ هذه “الموازنة” حوالي 200 مليار طن فقط، أي ما يعادل حوالي خمس سنوات من الانبعاثات بالمعدل الحالي، مقارنة بـ 250 مليارا في النسخة الأخيرة من الدراسة قبل عام.

وكتب العلماء “انه عقد حاسم”. وأضافوا “من المتوقع أن يتم الوصول إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1,5 درجة مئوية أو تجاوزه في العقد المقبل” في ظل غياب تبريد يمكن أن ينجم عن ثوران بركاني كبير.

وأكدوا أنه “أيضا العقد الذي نتوقع فيه أن تصل الانبعاثات العالمية إلى ذروتها قبل أن تبدأ في الانخفاض بشكل كبير”.

وصرح بيير فردلنغشتاين من جامعة إكستر لفرانس برس أن “سرعة زيادة انبعاثات غازات الدفيئة أقل مما كانت عليه في عام 2000 لكنها لا تزال تتزايد” بالتالي “تستمر كثافتها في الازدياد وكذلك الاحترار” المناخي.

وشدد على أنه “لا بد من أن تنخفض لانبعاثات إلى الصفر”.

الأمم المتحدة تطلق دعوة عالمية

من جهته أطلق الأمين العام للأمم المتحدة، الخميس دعوة عالمية للعمل من أجل الحد من ارتفاع درجات الحرارة، مشيرا إلى أن الأسابيع الماضية شهدت تسجيل أعلى درجات حرارة على الأطلاق.

ونبّه أنطونيو غوتيريش إلى أن درجات الحرارة القصوى أصبحت الآن قضية عالمية مستمرة وليست حوادث معزولة. وقد أدت موجة الحر إلى عواقب وخيمة شملت وفاة 1,300 شخص أثناء موسم الحج (في المملكة العربية السعودية)، وإغلاق مناطق الجذب السياحي في أوروبا، وإغلاق المدارس في آسيا وأفريقيا مما أثر على أكثر من 80 مليون طفل.

كما تطرق الأمين العام إلى موجة الحر القاتلة التي تضرب منطقة الساحل، مع ارتفاع حالات دخول المستشفيات والوفيات. وفي الولايات المتحدة تم تحطيم الأرقام القياسية لدرجات الحرارة في جميع أنحاء البلاد، مما وضع 120 مليون شخص تحت تحذيرات استشارية بشأن الحر.

وأضاف الأمين العام أن الحرارة الشديدة تمزق الاقتصادات وتوسع عدم المساواة وتقوض أهـداف التنمية المستدامة وتقتل الناس. ومضى قائلا: "الأرض تصبح أكثر سخونة وخطورة على الجميع، في كل مكان. يواجه مليارات الأشخاص وباء من الحرارة الشديدة - حيث يذبلون تحت موجات حر مميتة بشكل متزايد، مع درجات حرارة تتجاوز 50 درجة مئوية في جميع أنحاء العالم. هذا يعادل 122 درجة فهرنهايت. ونصف درجة الغليان (100 درجة مئوية)".

وأشار الأمين العام إلى أن الحرارة الشديدة تتفاقم بسبب تغير المناخ الناجم عن أنشطة بشرية، حيث تقدر الوفيات المرتبطة بالحرارة بنحو نصف مليون سنويا، وهو ما يتجاوز بكثير تأثير الأعاصير المدارية.

وتركز دعوة الأمين العام العالمية بشأن الحرارة الشديدة على أربعة مجالات رئيسية: حماية الفئات السكانية الأكثر ضعفا، وتعزيز سلامة العمال ضد المخاطر المرتبطة بالحرارة، وتعزيز القدرة على الصمود من خلال خطط العمل المتعلقة بالحرارة القائمة على البيانات، والحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية عن طريق التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري وزيادة الاستثمار في الطاقة المتجددة.

أولا، بشأن حماية الفئات الأكثر ضعفا، قال الأمين العام للأمم المتحدة إن زيادة الوصول إلى حلول التبريد وأنظمة الإنذار المبكر والمساعدات المالية أمر بالغ الأهمية لحماية الفئات الأكثر عرضة للخطر.

أما بخصوص حماية العمال، فأكد الأمين العام على ضرورة تطبيق القوانين واللوائح لحماية العمال المعرضين للحرارة الشديدة، نظرا لتأثيرها الضار على إنتاجية العمل والصحة.

وفي الصدد، أشار الأمين العام إلى تقرير جديد أصدرته منظمة العمل الدولية، حذر من أن أكثر من 70 في المائة من القوى العاملة العالمية - أي 2.4 مليار شخص - معرضون الآن لخطر كبير من الحرارة الشديدة.

وخلص تقرير المنظمة إلى أن مناطق أفريقيا والدول العربية وآسيا والمحيط الهادئ بها معدل أعلى من المتوسط العالمي فيما يتعلق بالقوى العاملة المعرضة للحرارة المفرطة (71.0 في المائة)، حيث بلغت النسبة 92.9 في المائة و83.6 في المائة و74.7 في المائة على التوالي.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة إن الحرارة المفرطة هي سبب ما يقارب 23 مليون إصابة في أماكن العمل حول العالم. وعندما ترتفع درجات الحرارة اليومية فوق 34 درجة مئوية – أي 93.2 درجة فهرنهايت – تنخفض إنتاجية العمل بنسبة 50 في المائة. ومن المتوقع أن يكلف الإجهاد الحراري في العمل الاقتصاد العالمي 2.4 تريليون دولار بحلول عام 2030، بزيادة قدرها 280 مليار دولار عن منتصف التسعينيات.

وحول تعزيز قدرة الاقتصادات والمجتمعات على الصمود، قال الأمين العام إن خطط العمل المتعلقة بالحرارة القائمة على البيانات، وتأمين البنية التحتية ضد تغير المناخ تعتبر أمرا ضروريا للتخفيف من الآثار الاقتصادية والاجتماعية للحرارة الشديدة.

وأخيرا شدد الأمين العام على ضرورة مكافحة السبب الجذري الذي يتسبب في ارتفاع درجات الحرارة: تكمن المشكلة الأساسية في الاعتماد على الوقود الأحفوري. ودعا القادة إلى الالتزام بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة، وتحقيق الأهداف العالمية المتفق عليها في مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين حول المناخ، لمضاعفة قدرة العالم على إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرات، وإنهاء إزالة الغابات بحلول عام 2030.

175 ألف شخص يموتون سنوياً في أوروبا

هذا وتودي موجات الحر بأكثر من 175 ألف شخص سنوياً في أوروبا، حيث تسجل معدلات الحرارة ارتفاعاً بسرعة أكبر من بقية العالم، على ما قالت منظمة الصحة العالمية في أوروبا.

وقالت المنظمة إن من أصل نحو 489 ألف حالة وفاة مرتبطة بالحرارة سجلتها منظمة الصحة العالمية سنوياً بين عامي 2000 و2019، شهدت المنطقة الأوروبية 36 بالمئة منها، أو 176 ألفاً و40 حالة وفاة في المعدل.

وأشارت المنظمة إلى أن درجات الحرارة في المنطقة “ترتفع بنحو ضعف المعدل العالمي المتوسط”.

وتضم المنطقة الأوروبية لمنظمة الصحة العالمية 53 دولة، بينها دول عدة في آسيا الوسطى.

وقال المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا هانز كلوغه في بيان “الناس يدفعون الثمن في نهاية المطاف”.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، سُجلت زيادة بنسبة 30 بالمئة في الوفيات المرتبطة بالحرارة في المنطقة على مدى العقدين الماضيين.

ولفت كلوغه إلى أن “درجات الحرارة القصوى تؤدي إلى تفاقم الأمراض المزمنة، بما يشمل أمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي والأوعية الدموية الدماغية والصحة العقلية والحالات المرتبطة بمرض السكري”.

وأضاف المدير الإقليمي أن الحرارة الشديدة يمكن أن تشكل مشكلة خصوصاً لكبار السن، كما تمثّل “عبئاً إضافياً” على النساء الحوامل.

وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن “الإجهاد الحراري” – الذي يحدث عندما لا يتمكن جسم الإنسان من الحفاظ على درجة حرارته – “هو السبب الرئيسي للوفيات المرتبطة بالمناخ” في المنطقة.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، من المتوقع أن “يرتفع” عدد الوفيات المرتبطة بالحرارة في السنوات المقبلة نتيجة للاحترار المناخي.

وقال كلوغه “سُجلت السنوات الثلاث الأكثر دفئاً على الإطلاق” في المنطقة “كلها منذ عام 2020، كما أن السنوات العشر الأكثر دفئاً سُجلت كلها منذ عام 2007”.

في 25 تموز/يوليو، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من أن البشرية تعاني “وباء من الحرارة الشديدة”، داعياً إلى اتخاذ إجراءات للحد من آثار موجات الحر التي اشتدت بسبب تغير المناخ.

كما أودت درجات الحرارة المرتفعة في أوروبا وآسيا الوسطى بحياة ما يقدر بنحو 377 طفلا عام 2021 - وفقا لتقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) واشتمل على بيانات من 23 دولة.

حمل التقرير عنوان: "التغلب على الحر: صحة الطفل وسط موجات الحر في أوروبا وآسيا الوسطى". وخلص إلى أن نصف هؤلاء الأطفال ماتوا بسبب أمراض مرتبطة بالحرارة في عامهم الأول من العمر. وتوفي معظم الأطفال خلال أشهر الصيف.

وقالت ريجينا دي دومينيسيس، المديرة الإقليمية لليونيسف في أوروبا وآسيا الوسطى إن حوالي نصف الأطفال في جميع أنحاء أوروبا وآسيا الوسطى - أي 92 مليون طفل – يتعرضون بالفعل لموجات حر متكررة في منطقة ترتفع فيها درجات الحرارة بأسرع معدل عالميا.

ونبهت إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن تكون لها مضاعفات صحية خطيرة على الأطفال، وخاصة الأطفال الصغار، حتى في فترة قصيرة من الزمن، مشيرة إلى أن هذه المضاعفات يمكن أن تكون مهددة للحياة في حال عدم توفر الرعاية.

والتعرض للحرارة له آثار حادة على الأطفال، حتى قبل ولادتهم، ويمكن أن يؤدي إلى الولادة المبكرة، وانخفاض الوزن عند الولادة، والإملاص، والتشوهات الخلقية، وفقا لليونيسف.

ويعد الإجهاد الحراري سببا مباشرا لوفيات الرضع، ويمكن أن يؤثر على نموهم ويسبب مجموعة من الأمراض لدى الأطفال. كما تسببت الحرارة الشديدة في فقدان أكثر من 32 ألف عام من الحياة الصحية بين الأطفال والمراهقين في المنطقة.

مع استمرار ارتفاع درجات الحرارة، حثت اليونيسف الحكومات في جميع أنحاء أوروبا وآسيا الوسطى على الآتي:

دمج استراتيجيات الحد من تأثير موجات الحر بما في ذلك من خلال المساهمات المحددة وطنيا، وخطط التكيف الوطنية، وسياسات الحد من مخاطر الكوارث وإدارة الكوارث مع وضع الأطفال في مركز هذه الخطط.

الاستثمار في خطط عمل الصحة الحرارية والرعاية الصحية الأولية لدعم الأمراض المرتبطة بالحرارة بشكل أكثر ملاءمة بين الأطفال.

الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر، بما في ذلك أنظمة التنبيه الحراري.

تكييف المرافق التعليمية لخفض درجات الحرارة في المناطق التي يلعب فيها الأطفال وتزويد المعلمين بالمهارات اللازمة للاستجابة للإجهاد الحراري.

تكييف التصميم الحضري والبنية التحتية بما في ذلك ضمان تجهيز المباني، وخاصة تلك التي تضم المجتمعات الأكثر ضعفا، لتقليل التعرض للحرارة.

ضمان توفير المياه الآمنة، لا سيما في البلدان التي تتدهور فيها جودة المياه وتوافرها.

وأوضحت منظمة اليونيسف أنها تعمل مع الحكومات والشركاء والمجتمعات في جميع أنحاء المنطقة لبناء القدرة على الصمود في وجه موجات الحر. ويشمل ذلك تزويد المعلمين والعاملين الصحيين في المجتمع والأسر بالمهارات والمعارف اللازمة للاستجابة للإجهاد الحراري.

وفي سياق متصل توفي 21 شخصا غالبيتهم مسنون أو يعانون أمراضا مزمنة بسبب موجة حرّ في المغرب، وفق ما أفادت وزارة الصحة.

وقالت الوزارة في بيان إن المركز الاستشفائي الجهوي بني ملال (وسط) سجل “21 حالة وفاة، منها 4 حالات وفاة خارج أسوار المستشفى و17 حالة وفاة استشفائية”. 

واضافت الوزارة “كانت غالبية الوفيات بين أشخاص يعانون من أمراض مزمنة وكبار السن، حيث ساهم الارتفاع الكبير في درجات الحرارة في تدهور حالتهم الصحية وأدى إلى وفاتهم”. 

وإقليم بني ملال واحد من عدة مناطق في جهات مختلفة، عانت من موجة حر راوحت فيها الحرارة بين 38 و48 مئوية.

وبلغ معدل الحرارة في هذا الإقليم، الواقع وسط البلاد على سفح جبال الأطلس، 47,1 درجة فيما ارتفع الثلاثاء إلى 48,3 درجات في إقيلم قصبة تادلة المجاور، وفق ما أفادت مديرية الأرصاد الجوية وكالة فرانس برس. 

وأوضح مصدر في المديرية أن هذا الارتفاع في درجات الحرارة يعزى إلى “نشاط منخفض صحراوي وامتداده نحو جنوب البلاد، مما يؤدي إلى وصول كتل هوائية حارة وجافة، وهي الظاهرة المعروفة باسم +الشرقي+”.

وأوضح أن درجات الحرارة استمرت في مستوى مرتفع الخميس في المناطق الداخلية وسط البلاد وفي الجنوب والجنوب الشرقي مراوحة بين 42 و48 مئوية، بينما تراجعت في المناطق الشمالية على أن يسجل انخفاض اضافي الجمعة.

وسبق لمديرية الأرصاد أن أعلنت موجات حرارة مماثلة منذ بداية الصيف. 

فضلا عن التداعيات الصحية، يشكل ارتفاع درجات الحرارة تهديدا لمخزون السدود في ظل جفاف حاد للسنة السادسة على التوالي، فاقمته وتيرة تبخر المياه إلى “مليون ونصف مليون متر مكعب في اليوم”، بحسب ما أوضح وزير التجهيز والماء نزار بركة أواخر حزيران/يونيو.

وسجل أعلى معدل حرارة في المغرب يوم 11 آب/أغسطس العام الماضي في مدينة أغادير الساحلية، جنوب المملكة، وبلغ 50,4 درجة.

يتسبب تغير المناخ في أحداث مناخية قصوى أطول وأقوى وأكثر تواترا مثل موجات الحر والفيضانات التي يشهدها عام 2024.

حماية العمّال المهاجرين من الحرّ الشديد

بدورها طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” دول الخليج بحماية العمّال المهاجرين من الحرّ خلال فصل الصيف مشيرةً إلى “المخاطر الصحية الشديدة” التي يتعرّضون لها في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة المرتبط بالتغيّر المناخي.

وقالت المنظمة الحقوقية غير الحكومية في بيان إن “على السلطات الخليجية أن تتبنى فورًا تدابير حماية من الحر على أساس المخاطر” و”على أصحاب العمل أيضًا توفير مناطق للراحة في الظل وماء الشرب”.

وأكدت المنظمة، بناءً على شهادات أكثر من مئة عامل في السعودية والإمارات وقطر جمعتها بين أيار/مايو 2023 وتموز/يوليو 2024، أن سلطات هذه الدول “تتقاعس عن حماية العمال الوافدين الذين يعملون في الهواء الطلق ويتعرضون لمخاطر صحية شديدة مرتبطة بالحر، وسط موجات الحر التي يغذيها الاحتباس الحراري العالمي”.

وأوضحت المنظمة أن “يشيع بين العمال نزيف الأنف، والحمى، والصداع، والغثيان، والإغماء” مضيفةً “للحرّ أيضًا آثار صحية دائمة مثل الفشل الكلوي في المرحلة النهائية وحتى الموت”. 

ونقلت المنظمة عن عامل مقيم في السعودية قوله: “كل يوم، يفقد عامل أو عاملان الوعي، في أوقات تشمل الصباح والمساء. أحيانًا في الطريق إلى العمل، وفي بعض الأحيان أثناء العمل”.

وبين حزيران/يونيو وأيلول/سبتمبر، تمنع دول الخليج العمل تحت أشعة الشمس بين الظهر والساعة الثالثة عصرًا، في إطار سياسة “حظر العمل وقت الظهيرة”. لكنّ ذلك لا يشمل مثلًا عمّال توصيل الطلبات المنزلية.

واعتبرت المنظمة تدابير الحظر هذه “غير كافية” موضحةً أنها تُطبّق فقط على “العمل في الهواء الطلق خلال ساعات محددة مسبقًا في أشهر الصيف بدلًا من استخدام +مؤشر الحرارة للبُصيلة الرّطبة الكرويّة+” الذي “يقيس الإجهاد الحراري المرتبط بالعمل على أساس درجة حرارة الهواء والرطوبة النسبية”.

وقال عامل مقيم في الإمارات: “الراحة ثلاث ساعات لا تجعل الحر يزول. بعد الثالثة عصرًا أيضًا، يصبح الجو حارًا جدًا… تبدأ بالشعور بالدوار. جسمك يصبح ضعيفًا. تفقد مهاراتك المعرفية الحركية”.

وأكد أربعة عمال تحدثت إليهم المنظمة هذا الصيف أن المياه ليست متاحة دائمًا في موقع العمل. 

وتواجه المنطقة الصحراوية وهي واحدة من المناطق الأكثر حرًا في العالم، تهديدات متزايدة بارتفاع درجات الحرارة في ظاهرة مرتبطة بالتغيّر المناخي.

وأعلنت دول الخليج الغنية بالنفط، خططها لتحقيق الحياد الكربوني على المدى الطويل كما أنها تعمل على تطوير مصادر للطاقات المتجددة. لكنّها تواصل تصدير الوقود الأحفوري الذي يساهم استهلاكه بشكل أساسي في مفاقمة الاحترار المناخي.

* المصدر: وكالات +فرانس برس+موقع اخبار الأمم المتحدة

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي