مع تزايد غازات الاحتباس الحراري.. لا حلول سحرية

وكالات

2022-11-03 05:45

قفزت تركيزات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بمعدلات أعلى من المتوسط وسجلت مستويات قياسية جديدة العام الماضي، مع نفاد الوقت أمام إجراء التغييرات اللازمة للحد من ارتفاع درجات الحرارة في العالم.

وارتفعت تركيزات ثاني أكسيد الكربون وهو الغاز الرئيسي المسبب للاحتباس الحراري بمقدار 2.5 جزء في المليون إلى 415.7 وهو مستوى لم يحدث منذ ما لا يقل عن ثلاثة ملايين سنة عندما كانت درجة حرارة الأرض أعلى بكثير. وأشار التقرير إلى أن القفزة في غاز الميثان كانت الأعلى منذ بدء التسجيلات عام 1983. وغاز الميثان هو المسبب الثاني للاحتباس الحراري بعد ثاني أكسيد الكربون.

جاء هذا في التقرير السنوي الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، وهو الأول من بين عدة تقارير تصدر قبل قمة المناخ التي تعقدها الأمم المتحدة الشهر المقبل في مصر وتهدف لتحفيز القادة على اتخاذ إجراءات في هذا الشأن.

وأظهر التقرير أن الزيادات في تركيز غازات الاحتباس الحراري الثلاثة في الغلاف الجوي- ثاني أكسيد الكربون والميثان وأكسيد النيتروز- تجاوزت متوسط الزيادة خلال العقد الماضي، مما يعني أنها وصلت الآن إلى مستويات قياسية جديدة.

وقال بيتيري تالاس أمين عام منظمة الأرصاد "الارتفاع المتواصل في تركيزات الغازات الرئيسية المسببة للاحتباس الحراري، بما في ذلك الصعود القياسي في مستويات الميثان، يظهر أننا نسير في الاتجاه الخاطئ"، داعيا إلى تحولٍ في أنظمة الطاقة والصناعة والنقل.

وتابع قائلا "التغييرات المطلوبة ميسورة التكلفة من الناحية الاقتصادية وممكنة من الناحية التقنية. الوقت ينفد".

وغازات الاحتباس الحراري مسؤولة عن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض مما يؤدي إلى حدوث ظواهر مناخية قاسية مثل موجات الحر والهطول الغزير للأمطار. وعلى خلاف الانبعاثات التي يمكن خفضها، على سبيل المثال عن طريق تقليل السفر والنشاط الصناعي خلال الجائحة، فإن الكثير من ثاني أكسيد الكربون المنبعث منذ عقود لا يزال موجودا في الغلاف الجوي ويتسبب في تغييرات بطيئة مثل ارتفاع مستوى سطح البحر.

الميثان أكثر فتكا

"سي آش 4" CH4 والمعروف باسم الميثان، هو ثاني غاز مسؤول عن ظاهرة الاحتباس الحراري. انبعاثاته أقل من ثاني أكسيد الكربون ولكنها أخطر بكثير. فقد وصل تركيزه في الغلاف الجوي حاليا إلى أعلى مستوياته. وقد حققت انبعاثات الميثان "قفزة غير مسبوقة" في العام 2021، لتصل إلى مستوى قياسي، وفق ما كشفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO).

ووفقا للأمين العام للمنظمة بيتيري تالاس، تؤكد الأرقام "مرة أخرى، التحدي الهائل والحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة من أجل خفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري والحد من ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل على المستوى العالمي".

في الواقع ارتفاع انبعاثات الميثان لا تبشر بالخير، لأنه غاز فائق التلويث ومسؤول بمفرده عن 30٪ من الاحتباس الحراري الذي يعاني منه كوكب الأرض.

وعلى الرغم من أن غاز ثاني أكسيد الكربون يمثل حوالي ثلثي انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، فإن مشكلة الميثان "تبقى على الأقل بنفس أهمية ثاني أكسيد الكربون" وفق إيوان نيسبت، الباحث في رويال هولواي بجامعة لندن وأحد أبرز المتخصصين في مجال تأثير غاز الميثان على المناخ.

ولهذا الغاز خواص تجعله مصدرا لقلق أعلى بكثير من ثاني أكسيد الكربون. ويؤكد الباحث إيوان نيسبت "عند مقارنة جزيئاته بنظيراتها في ثاني أكسيد الكربون نستنتج أن الميثان أكثر ضررا من ثاني أكسيد الكربون بكثير"، مضيفا "لأن جسيما واحدا من الميثان يحبس من الحرارة ما يفوق تلك التي يحبسها ثاني أكسيد الكربون بحوالي 80 مرة في غضون عشرين عاما".

وبالنسبة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يبقى سبب هذا الارتفاع الاستثنائي في مستوى الميثان مقارنة بالعام 2020 "غير واضح، ولكن يبدو أنه ناتج عن عمليات بيولوجية وبشرية في نفس الوقت".

ويحذر الباحث البريطاني إيوان نيسبت قائلا إن "الزيادة الشديدة وغير المتوقعة لغاز الميثان في الغلاف الجوي خلال العامين الماضيين مقلقة بشكل خاص"... والباحثون "لا يعرفون جيدا السبب". ويضيف "القضية معقدة للغاية، نعتقد أن السبب الرئيسي يعود لأمور بيولوجية، مثل انبعاث غاز الميثان من المناطق الرطبة أو تلك التي تخلفها الماشية".

وتجد بعض البلدان صعوبات لإيجاد حلول تسمح لها بتقليل انبعاثات غاز الميثان ذي المصدر البيولوجي. ففي نيوزيلندا مثلا تعد بعض الغازات التي تخلفها الحيوانات مثل الأبقار والأغنام من أكبر المشاكل البيئية في البلاد.

الأمر الذي دفع برئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن إلى اتخاذ قرار في الموضوع. وقدمت في 11 أكتوبر/تشرين الأول، مشروع قانون تعلن فيه عن ضريبة على انبعاثات غاز الميثان التي تخلفها الماشية، ما أثار غضب المزارعين النيوزيلنديين.

وبعدها بأسبوع، شهدت المدن النيوزيلندية الرئيسية تدفق قوافل من الآلات الزراعية لمطالبة الحكومة بالتخلي عن المشروع الذي لو تم تطبيقه آنذاك لأصبح سابقة عالمية.

غير أنه يمكن اتخاذ تدابير أقل جدلا من أجل خفض انبعاثات غاز الميثان وبشكل كبير في جميع أنحاء العالم، في نظر الباحث البريطاني إيوان نيسبت، موضحا: "ما يمكننا القيام به بسرعة وبتكلفة زهيدة يكمن مثلا في وقف حرق نفايات المحاصيل أو تقليل انبعاثات الميثان الذي تفرزه مكبات النفايات عن طريق تغطيتها بالتربة... فقد تصبح مصدرا رئيسيا في بعث غاز الميثان الناتج عندما تتحلل...

إذا كان ما يعادل 40٪ من غاز الميثان الموجود في الغلاف الجوي مصدره طبيعي (الماشية والمناطق الرطبة وغيرها...)، يجب ألا ننسى دور البشر في انبعاث هذا الغاز، إذ تم التقليل من شأنه إلى حد كبير ومنذ فترة طويلة. هذا إضافة إلى الدور المهم الذي تلعبه الطاقات الأحفورية أيضا.

رصد انبعاثات الميثان

يعتبر الميثان من الغازات الدفيئة القوية التي تساهم في ربع الاحترار المناخي اليوم على الأقل. وفقا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يجب خفض انبعاثات الميثان العالمية بنسبة 40 إلى 45 في المائة بحلول عام 2030 لتحقيق مسارات فعالة من حيث التكلفة تحد من الاحترار العالمي إلى 1.5 درجة مئوية.

وكشفت مهمة جديدة لوكالة ناسا الأمريكية من الفضاء عن عشرات المواقع المسؤولة عن انبعاثات فائقة من الميثان، في إنجاز يأمل العلماء أن يساهم في الحد من انبعاثات هذا الغاز المساهم بدرجة كبيرة في الاحترار المناخي.

وترتبط هذه "الباعثات الفائقة" بشكل عام بمواقع لإنتاج الوقود الأحفوري أو معالجة النفايات أو حتى بقطاعات الزراعة. وقد أُطلقت مهمة إميت (EMIT) الفضائية في يوليو/تموز وتم تثبيتها على محطة الفضاء الدولية، وكانت تهدف في البداية إلى مراقبة كيفية تأثير حركة الغبار المعدني على المناخ.

إلا أن هذه الأداة أثبتت أيضا فائدتها في مهمة حاسمة أخرى، حيث رصدت أكثر من 50 موقعا يُصدر مستويات انبعاثات فائقة في آسيا الوسطى والشرق الأوسط وجنوب غرب الولايات المتحدة، حسبما ذكرت وكالة الفضاء الأمريكية.

وتمكنت وكالة ناسا من اكتشاف تسرب للميثان واعتبرته "من بين أكبر تسربات الميثان على الإطلاق"، وفق أندرو ثورب الباحث في وكالة ناسا، موضحا "ما وجدناه في وقت وجيز يتعدى ما كنا نتخيل".

ففي تركمانستان مثلا، تم تحديد اثنتي عشر بقعة تسرب الميثان على شكل أعمدة دخان متصاعدة من مصانع لتكرير النفط والغاز شرق مدينة هزار الساحلية، يمتد بعضها على أكثر من 32 كيلومترا، والتي قد ينبثق عنها 50400 كلغ من الميثان في الساعة، بحسب وكالة ناسا.

وفي نيو مكسيكو بالولايات المتحدة، تم اكتشاف بقعة تسرب أخرى شكلت عمودا من دخان الميثان بلغ طوله حوالي ثلاثة كيلومترات، وهي موقع أحد أكبر حقول النفط في العالم إذ يبلغ إنتاجه حوالي 18300 كلغ من الميثان في الساعة. وسيسمح هذا الاكتشاف بتقليل انبعاثات هذا الغاز وبشكل كبير.

من جهته أكد الباحث البريطاني إيوان نيسبت أن "اكتشاف ناسا مفيد للغاية"، مضيفا " القمر الصناعي يثبت أنه ضروري لكشف تسربات غاز الميثان من مناجم الفحم وحقول الغاز، علما أنها تكلف أموالا باهضة لأصحابها، وأنا على يقين من أنهم يفضلون إشعارهم قبل وقوعها. وذلك سيسمح أيضا بمعالجة مشكلة غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تحتويه هذه التسربات".

الانبعاثات تبلغ ذروتها عام 2025

وتوقّعت الوكالة الدولية للطاقة في تقرير أن تبلغ الانبعاثات العالمية لغازات الدفيئة المرتبطة بالطاقة، ذروتها عام 2025، بسبب خصوصًا "إعادة توجيه عميقة" لأسواق الطاقة العالمية منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.

وحذّرت الوكالة في تقريرها السنوي لعام 2022 من "الشروخ" بين الدول الغنية وتلك الفقيرة في مجال الاستثمارات في الطاقات الخالية من الكربون، مطالبةً بـ"جهد دولي كبير لسدّ الفجوة المقلقة".

وأوضحت الوكالة في وثيقة عرض تقريرها أن أزمة الطاقة العالمية التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا أدت إلى تغييرات عميقة وطويلة الأمد بإمكانها تسريع الانتقال إلى نظام طاقة أكثر استدامة وأمانا".

ونقل التقرير عن المدير التنفيذي للوكالة فاتح بيرول قوله "تغيّرت أسواق الطاقة والسياسات العامة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، ليس للوقت الراهن فحسب بل أيضا لعقود مقبلة".

وفيما تسعى بعض البلدان حاليا إلى زيادة أو تنويع إمداداتها من النفط أو الغاز، وهما نوعان من الوقود الأحفوري انبعاثاتهما عالية من ثاني أكسيد الكربون، تدرس العديد من الدول تسريع تحولّها إلى الطاقات النظيفة، كما أكدت الوكالة الدولية للطاقة المنبثقة من منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي.

وفي هذا الإطار، أظهر استطلاع أن حوالى تسعة من كل عشرة أوروبيين (87 %) يرون أن حكومات بلدانهم ليست على مستوى حالة الطوارئ المناخية ويدعون إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة.

وكان هذا التوجه أقل بين الصينيين (76 %) والأميركيين (74 %) لكنه رغم ذلك يبقى الرأي الغالب، وفقا لهذا الاستطلاع الذي أجرته عبر الإنترنت من 8 إلى 31 آب/أغسطس مجموعة "بي في آ" الفرنسية لصالح "مؤسسة جان جوريس" وبنك الاستثمار الأوروبي.

وأشارت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها إلى أن "القطيعة" بين أوروبا والغاز الروسي حدثت بسرعة "لم يعتقد كثر أنها ممكنة" حتى العام الماضي.

كذلك، فإن روسيا "عاجزة" عن إعادة توجيه إنتاجها من الغاز الذي كان يذهب إلى أوروبا في السابق، إلى دول أخرى. وفي كل السيناريوهات الثلاثة التي درستها الوكالة، لن تعود مستويات تصدير الغاز والنفط في روسيا إلى ما كانت عليه في العام 2021، وقد أظهر أحد السيناريوهات أن حصتها من سوق النفط والغاز العالمي ستنخفض إلى النصف بحلول العام 2030.

وللمرة الأولى، تحدد السيناريوهات الثلاثة التي تدرسها سنويا الوكالة التي تتخذ في باريس مقرا والمنبثقة من منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي، ذروة لاستهلاك كل من الوقود الأحفوري (الفحم والغاز والنفط) التي تخنق الكوكب وتتسبب في ارتفاع درجة حرارته.

في السيناريو المركزي الذي يستند إلى الالتزامات التي أعلنتها الحكومات في ما يتعلق بالاستثمارات المناخية، ستبلغ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية ذروتها عند 37 مليار طن عام 2025 ثم تنخفض إلى 32 مليار طن عام 2050.

لكن رغم تلك الجهود، فإن متوسط الحرارة سيرتفع بنحو 2,5 درجة مئوية بحلول العام 2100 وهو "بعيد عن أن يكون كافيا لتجنب عواقب مناخية شديدة.

وأكدت الوكالة الدولية للطاقة مجددا الحاجة إلى استثمارات هائلة في الطاقات النظيفة، سواء كانت خضراء أو منخفضة الكربون مثل الطاقة النووية، وإلى تسريع العمل في مجالات معينة مثل البطاريات الكهربائية (للسيارات) والتكنولوجيا الفلطائية الضوئية والمحلِّلات الكهربائية التي تنتج الهيدروجين الرامي إلى التخلص من الكربون في مجال الصناعة خصوصا.

وبحسب السيناريو المركزي للوكالة، يجب أن تتجاوز هذه الاستثمارات تريليونَي دولار بحلول العام 2030 على أن ترتفع إلى 4 تريليونات للوفاء بشروط السيناريو الذي يتوقع انبعاثات صفرية صافية في العام 2050.

وأضافت الوكالة "يجب بذل جهود دولية كبرى لسد الفجوة المقلقة التي تتسع بين الاقتصادات المتقدمة واقتصادات البلدان الناشئة أو النامية" من حيث الاستثمار في الطاقة النظيفة.

وعلّقت سفيرة المناخ الفرنسية السابقة لورانس توبيانا لوكالة فرانس برس بأن التقرير يظهر بوضوح أن "الاستثمارات في الطاقة النظيفة يجب أن تزداد ثلاث مرات بحلول العام 2030 وأن الغاز طريق مسدود".

من جهته، قال محمد أدو، مؤسس ومدير مركز "باور شيفت آفريكا" للبحوث المناخية "مع وفرة الرياح والشمس والطاقات المتجددة الأخرى، يمكن إفريقيا أن تقود العالم على طريق التحول وأن تمهد الطريق أمام سيادة في مجال الطاقة".

تأثير الطاقة المتجددة

قالت وكالة الطاقة الدولية إنه من المتوقع أن ترتفع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري بنسبة تقل قليلا عن واحد بالمئة هذا العام، نظرا للتوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية بمعدل يفوق الطلب على الفحم.

وأوضحت الوكالة في تقرير أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في طريقها لتسجيل زيادة 300 مليون طن تقريبا لتصل إلى 33.8 مليار طن هذا العام، وهي زيادة تقل كثيرا عن قفزة بنحو ملياري طن سجلتها في 2021.

وتأتي الزيادة هذا العام مدفوعة بتوليد الطاقة وقطاع الطيران مع انتعاش السفر الجوي من المستويات الأدنى التي سجلها بسبب جائحة كورونا.

وفي حين أنه كان يمكن تسجيل زيادة أكبر بكثير في الانبعاثات تصل إلى مليار طن تقريبا مع ارتفاع طلب الدول على الفحم وسط ارتفاع أسعار الغاز بسبب الحرب في أوكرانيا، إلا أن انتشار استخدام الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية ساعد في كبح زيادة الانبعاثات.

وقال فاتح بيرول، المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية "أدت أزمة الطاقة العالمية الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا إلى إقبال العديد من الدول على استخدام مصادر أخرى للطاقة لتعويض إمدادات الغاز الطبيعي التي حجبتها روسيا عن السوق".

وأضاف "الأنباء المشجعة هي أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تملآن جزءا كبيرا من الفجوة، لتبدو الزيادة الطفيفة في استخدام الفحم قليلة نسبيا ومؤقتة".

وعلى الرغم من موجات الجفاف في العديد من المناطق، يزيد إنتاج الطاقة الكهرومائية عالميا على أساس سنوي، مساهما بأكثر من خُمس النمو المتوقع في الطاقة المتجددة.

الانتعاش الاقتصادي بعد جائحة كورونا

بدورها أطلقت وكالة البيئة الأوروبية الأربعاء تحذيرا من تداعيات سلبية لعودة انبعاثات الغازات الدفيئة في أوروبا للارتفاع في 2021، خصوصا بسبب الانتعاش الاقتصادي الذي شهدته المنطقة بعد فترات الإغلاق بسبب جائحة فيروس كورونا.

ودعت الوكالة دول القارة إلى تكثيف جهودها في حال أرادت تحقيق الأهداف التي وضعتها بشأن خفض الانبعاثات. وأظهرت بيانات أولية للدول الأعضاء في الاتحاد أن الانبعاثات ارتفعت بنسبة 5 بالمئة عام 2021 مقارنة بعام 2020، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى الانتعاش الاقتصادي بعد كوفيد، وفق تقرير جديد للوكالة.

رغم ذلك لا تزال الانبعاثات أقل بنسبة 6 بالمئة من المستوى الذي كانت عليه عام 2019 قبل تفشي الوباء.

وصرحت الخبيرة في الوكالة ميلاني سبورير للصحافيين بأن هدف الاتحاد الأوروبي الرامي إلى خفض الانبعاثات الصافية بنسبة 55 بالمئة بحلول 2030 "من غير المتوقع أن يتحقق وفقا للتوقعات الحالية". مضيفة: "سنحتاج إلى مضاعفة جهودنا بشأن انبعاثات الغازات الدفيئة كل عام حتى 2030 مقارنة بالفترة من عام 1990 حتى 2020، وذلك من أجل تحقيق الأهداف المختلفة".

ولاحظت الوكالة أن أكبر الجهود التي بذلت بهذا الصدد كانت في قطاع إمدادات الطاقة، وهي الصناعة ذات الانبعاثات الأعلى. فقد انخفضت الانبعاثات في هذا القطاع بنسبة 43 بالمئة بين عامي 2005 و2020، بينما انخفضت 15 بالمئة في قطاع النقل واثنين بالمئة في قطاع الزراعة.

وظلت النسبة الإجمالية لاستهلاك الطاقة من وسائل متجددة مستقرة في أوروبا عند 22 بالمئة بعد سنوات من التوسع الحاد، وهذا يشكل مصدر قلق في وقت تزداد الحاجة لتسريع التحول إلى الطاقة الخضراء.

وكان الاتحاد الأوروبي أعلن الإثنين عن موقفه من قمة الأمم المتحدة للمناخ "كوب 27" بالدعوة إلى وضع "أهداف طموحة"، دون أن يخوض في تفاصيل المساعدات المالية المخصصة للدول النامية لتعويضها عن أضرار الاحتباس الحراري.

وأقرت دول التكتل الـ27 بأن "الطموح العالمي يجب أن يتعزز بشكل كبير جدا" لعدم التفريط بأهداف اتفاق باريس المتمثلة في الحد من زيادة درجة حرارة الأرض.

وحض الإعلان الدول على "التقدم بأهداف طموحة" قبل قمة المناخ السنوية التي ستعقد في شرم الشيخ الشهر المقبل. وأضاف أن الاتحاد مستعد لتحديث مساهمات الدول الأعضاء "في أقرب وقت ممكن" بعد مباحثات بينها لوضع اللمسات الأخيرة على خطة المناخ الخاصة بها.

وتهدف الخطة لتقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في دول الاتحاد الأوروبي بنسبة 55 بالمئة بحلول عام 2030، مقارنة بمستويات عام 1990. ودعا النص الذي تبناه وزراء البيئة في الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع في لوكسمبورغ جميع الأطراف إلى وضع حد لاستخدام الفحم بشكل نهائي "من خلال خفض تدريجي".

البحث عن حلول ليست سحرية

يبقى غاز الميثان في الغلاف الجوي لمدة أقل من ثاني أكسيد الكربون. وهذا ما أكده الباحث إيوان نيسبت قائلا: "في الأماكن التي يظل فيها ثاني أكسيد الكربون لقرون، يبقى الميثان في الغلاف الجوي لمدة عقد تقريبا"، موضحا أن " التخلص من الميثان قد يؤدي إلى إبطاء الاحتباس الحراري على المدى القصير..."

كما أن خفض انبعاثات غاز الميثان سيصبح أمرا بالغ الأهمية لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ الموقعة في عام 2015.

ولكن هناك دولتان لم تفيا بعد بأي التزام للتقليص من نسبة الميثان وهما الدولتان المتسببتان في أعلى انبعاث غاز الميثان في العالم.

ويشير إيوان نيسبت إلى أرقام تجعل من الصين وإلى حد بعيد أكبر مصدر انبعاث غاز الميثان في العالم بـ"حوالي 89 مليون طن سنويا، معظمها من صناعة الفحم". إلى جانب الهند بـ32 مليون طن سنويا، ناجمة عن تربية المواشي وصناعات الفحم بالإضافة إلى سوء إدارة النفايات.

تليها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بانبعاثات تصل إلى 31 و 35 طنا على التوالي من غاز الميثان في الغلاف الجوي سنويا.

وإذا كانت الولايات المتحدة قد التزمت فعليا بخفض مختلف انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري خلال مؤتمر المناخ 26 COP26، فإن "الصين والهند أكبر الدول المتسببة في الانبعاثات، يمكنهما بذل مزيد من الجهد" بحسب إيوان نيسبت.

مقبرة لثاني أكسيد الكربون

على الشواطئ الجليدية لبحر الشمال، يتمّ بناء "مقبرة" لثاني أكسيد الكربون تحيي أملًا عند خبراء المناخ، إذ سيبدأ الموقع يستقبل قريبًا جزءًا صغيرًا من ثاني أكسيد الكربون الذي ينتجه القطاع الصناعي الأوروبي لتجنيب وصوله إلى الغلاف الجوي.

كان يُنظر إلى "مسار احتجاز الكربون وتخزينه" منذ فترة طويلة على أنه حلّ معقّد ومكلف من الناحية التقنية وذو فائدة بسيطة. غير أنه أصبح رائجًا اليوم على كوكب يكافح من أجل تقليل الانبعاثات وسط حالة طوارئ مناخية.

على جزيرة قريبة من برغين (غرب النروج)، في منطقة أويغاردن، تستقبل محطة قيد الإنشاء في غضون بضع سنوات أطنانًا من ثاني أكسيد الكربون المسال، يتم نقلها من القارة الأوروبية بواسطة سفن بعد التقاطها عند مداخن المصانع.

بعدها، يُضخّ ثاني أكسيد الكربون عبر خطّ أنابيب في تجاويف جيولوجية على عمق 2600 متر تحت قاع البحر، على أمل أن يبقى هناك للأبد.

ويقول مدير المشروع سفيري أوفيرا إنها "المنشأة الأولى المفتوحة في العالم للنقل والتخزين، تسمح لأي مُنِتج لثاني أكسيد الكربون التقط انبعاثاته أن يراها منقولة ومخزّنة بشكل دائم وبطريقة آمنة".

وتملك النروج، وهي المصنّع الرئيسي للهيدروكربونات في أوروبا الغربية، أكبر قدرة لتخزين ثاني أكسيد الكربون على القارّة الأوروبية، خصوصًا في الحقول النفطية المستنفدة.

ومحطة أويغاردن جزء من مشروع "لانغسكيب" (ما يشير باللغة النروجية إلى سفن الفايكينغ). موّلت أوسلو 80% من المنشآت، عبر تقديمها 1,7 مليار يورو من أجل تطوير مسار احتجاز الكربون وتخزينه.

ويتوقّع أن يُرسل موقعان في منطقة أوسلو - هما مصنع اسمنت ومحطة لتحويل النفايات إلى طاقة - ثاني أكسيد الكربون الذي ينتج من نشاطاتهما، إلى محطة أويغاردن.

لكن المشروع فريد أيضًا تجاريًا، إذ يتيح للصناعيين الأجانب فرصة إرسال ثاني أكسيد الكربون الناتج من أعمالهم.

للقيام بذلك، أقامت مجموعات "ايكوينور" Equinor و"توتال انيرجي" TotalEnergies و"شيل" Shell للطاقة شراكة باسم "نورذرن لايتس" Northern Lights ستكون أول خدمة في العالم عابرة للحدود لنقل وتخزين ثاني أكسيد الكربون حين ستبدأ العمليات في العام 2024.

وفي الأيام الأخيرة، تمّ انجاز مرحلتين مهمّتين في عملية تشغيل مسار احتجاز الكربون وتخزينه في النروج.

أعلن أعضاء شراكة "نورذرن لايتس" عن اتفاق تجاري أول عابر للحدود بشأن نقل - عبر سفن خاصة - واحتجاز 800 ألف طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا يتم التقاطها في مصنع هولندي تابع لمصنع الأسمدة "يارا" اعتبارًا من العام 2025.

وفي اليوم التالي، كشفت "ايكوينور" مع الشركة الألمانية "وينترشال ديا" Wintershall Dea عن مشروع لبناء خطّ أنابيب طوله 900 كيلومتر يهدف إلى نقل ثاني أكسيد الكربون من ألمانيا إلى النروج لتخزينه. وهناك مشروع مماثل مع بلجيكا قيد الإعداد.

لكن "مسار احتجاز الكربون وتخزينه" ليس الحلّ السحري في مواجهة الاحتباس الحراري.

في المرحلة الأولى من شراكة "نورذرن لايتس"، سيستوعب المشروع 1,5 مليون طنّ من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، إلى أن يستوعب في وقت لاحق بين خمسة وستة ملايين طنّ.

وبحسب الوكالة الأوروبية للبيئة، سجّل الاتحاد الأوروبي 3,7 مليارات طنّ من انبعاثات غازات الدفيئة في العام 2020 الذي أثرّ خلاله تفشي كوفيد-19 على القطاع الصناعي.

لكن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ ووكالة الطاقة الدولية تعتبران "مسار احتجاز الكربون وتخزينه" ضروريا لوقف ارتفاع درجات الحرارة.

ولا يُجمع الناشطون البيئيون على فاعلية المشروع. فبعضهم يخشى أن يكون بمثابة سبب لتوسيع استغلال الوقود الأحفوري وأن يحوّل الاستثمارات الثمينة عن الطاقات المتجددة أو حتى خطر التسرب.

ويقول هالفارد رافاند ممثلًا منظمة "غرينبيس" في النروج، "لطالما عارضنا مشروع +مسار احتجاز الكربون وتخزينه+، لكن بفعل عدم التحرّك في مواجهة الأزمة المناخية، أصبح من الأصعب أن نتمسّك بهذا الموقف".

ويضيف "يُفضّل أن يتمّ استثمار المال العام في حلول نعلم أنها فعّالة وقد تخفّض التكاليف على الأشخاص العاديين، مثل عزل المنازل أو تركيب ألواح شمسية".

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا