ما مدى خطورة بحيرة كيفو القابلة للانفجار في أفريقيا؟

دورية Nature

2022-02-13 06:32

بقلم: نيكولا جونز

بحيرةٌ غير عادية في وسط أفريقيا يمكن أن تُطلِق يومًا ما سحابةً ضخمة من غازات الدفيئة التي قد تُصيب ملايين البشر بالاختناق، غير أن الباحثين ليس بمقدورهم الاتفاق بشأن ما إذا كان هذا الخطر يتفاقم، أم لا.

في الثاني والعشرين من شهر مايو الماضي، بدأ بركان جبل نيراجونجو، الذي يعدّ أحد أكثر البراكين نشاطًا في أفريقيا، يقذف حممه باتجاه مدينة جوما المكتظة بالسكان في جمهورية الكونغو الديمقراطية. وقد أسفر اندلاع البركان عن تدمير عدَّة قرى ومقتل عشرات الأشخاص، كما أجبر نحو 450 ألف شخص على الفرار من منازلهم.

هدأت ثورة البركان منذ ذلك الحين وخفَّت حدة الأزمة الإنسانية المباشرة، لكن كان هناك باعثٌ آخر على القلق شغل تفكير المسؤولين الحكوميين والعلماء، تمثل في تهديدٌ من نوع جديد يُحتمل أن يكون أكثر خطورة حتى من بركان جبل نيراجونجو.

تقع مدينة جوما على شاطئ بحيرة كيفو، وهذه البحيرة تعد إحدى الظواهر الجيولوجية الغريبة؛ إذ تحتوي على 300 كيلومتر مكعب من ثاني أكسيد الكربون الذائب و60 كيلومترًا مكعبًا من الميثان، ممزوجين بكبريتيد الهيدروجين السام. وهذه البحيرة الخلابة، التي تقع بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا، لديها القدرة على إطلاق هذه الغازات على هيئة انفجارات في ظاهرةٍ نادرة تُعرف باسم انفجار البحيرات. وقد يُسفر هذا عن إرسال سحابة ضخمة من الغازات الحابسة للحرارة في الغلاف الجوي، إذ تحتوي البحيرة على ما يعادل 2.6 جيجا طن من غاز ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يعادل نحو 5% من الانبعاثات السنوية من غازات الدفيئة. بل والأسوأ من ذلك، أن مثل هذه الكارثة يمكن أن تملأ الوادي المحيط بالبحيرة بالغاز الخانق والسام، مما قد يؤدي إلى مصرع ملايين الأشخاص. فيليب موركل، يعمل مهندسًا ويشغل في الوقت ذاته منصب مؤسس شركة «هايدراجاس إنرجي» Hydragas Energy، التي يقع مقرها شمال فانكوفر بكندا. ويسعى حاليًا إلى الحصول على تمويل لمشروعٍ يهدف إلى نزع الغاز من البحيرة واستغلاله. وفي ذلك الصدد، يقول: "بإمكان هذه الظاهرة أن تُسفر عن واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية الطبيعية على مرِّ التاريخ، إن لم يكن أسوأها على الإطلاق".

لم يُؤدِ الثوران البركاني الذي وقع في عام 2021 إلى إطلاق كمياتٍ كبيرة من الغازات من البحيرة. وفي الأول من يونيو الماضي، صرَّحت هيئة إدارة البيئة في رواندا (REMA) بأنه لا يوجد خطر وشيك، لكن السلطات تكاد تجزم بأن الحمم البركانية تدفقت عبر شقوق تحت الأرض إلى أسفل مدينة جوما وبحيرة كيفو ذاتها. وقد وقعت هزةٌ أرضية على ما يبدو بعد يوم من ثوران البركان، أسفرت عن انهيار جزء من الحاجز الرملي المتاخم للبحيرة؛ وهو الأمر الذي ربما يكون قد أدى إلى إطلاق كمياتٍ صغيرة من الغازات في تلك البقعة. إذ أفاد بعض الأشخاص أن المياه داخل البحيرة بدت من أحد الفنادق العالية كما لو كانت في حالة غليان.

تتمتع البحيرة في الوقت الحاليّ بالاستقرار. فعلى الرغم من احتوائها على كمياتٍ كبيرة من الغاز، لكي يصل ذلك الغاز إلى نقطة التشبّع لا بدّ أن يتضاعف تركيزه في المنطقة التي تحتوي على أكبر كميةٍ منه. لكن حدوث زلزال قوي أو ثوران بركاني قد يؤدي إلى إطلاق الغاز عن طريق زعزعة البنية الطبقية للبحيرة أو من خلال زيادة معدلات تركيز الغاز. ويساور بعض الباحثين القلق من احتمالية حدوث كارثة جرَّاء النشاط البشري أيضًا.

ويجري حاليًا بالفعل ضخ غاز الميثان من أعماق البحيرة وحرقه لتوليد الكهرباء التي تشتدّ الحاجة إليها في تلك المنطقة، ويُجمع أغلب الأفراد على أن ذلك يُشكِّل نوعًا من الاستفادة الواعية من الموارد الطبيعية المحلية ووسيلةً لجعل البحيرة أكثر أمانًا عن طريق التخلص من بعض كميات الغاز المتراكمة بداخلها. ولا شك أن درجة المجازفة كبيرة؛ فوفقًا لتقديرات الباحثين، يمكن أن تصل قيمة غاز الميثان في بحيرة كيفو إلى 42 مليار دولار أمريكي على مدار 50 عامًا.

غير أن ثمة خلافًا بين الباحثين بخصوص الطريقة المُثلى لاستخراج الغاز، وما إذا كان من شأن تلك الجهود أن تُثير اضطرابات في البحيرة في نهاية المطاف، على نحو يزيد من المخاطر بدلًا من إخضاعها للسيطرة. بل إن ذلك الجدل يحتدم حتى في الوقت الراهن الذي تشهد فيه الجهود الرامية إلى حصاد الميثان توسعًا كبيرًا، إذ يجري حاليًا تنفيذ خطط تهدف إلى زيادة توليد الكهرباء بمعدلاتٍ تزيد على خمسة أضعاف على مدار السنوات أو العقود القادمة.

ويقول إريك روهاناميريندي موداكيكوا، اختصاصي الكيمياء الحيوية، والذي يشغل في الوقت ذاته منصب رئيس برنامج رصد بحيرة كيفو (LKMP) التابع للحكومة الرواندية: "كثيرٌ من العلماء لا يتفقون مع هذا الرأي. ما نسعى إلى القيام به في البحيرة حاليًا جديد تمامًا، ولا ندري كيف سيكون رد فعلها إزاءه".

تحت وطأة ضغوط

بحيرة كيفو هي الأكبر من بين عدد قليل من البحيرات على مستوى العالم، يُعتقد أنها عُرضةٌ لحدوث انفجار بها. تقع بحيرتان، أصغر حجمًا بكثير، على بعد آلاف الكيلومترات غربًا في دولة الكاميرون، كما تقع بحيرةٌ ثالثة في إيطاليا، هي بحيرة ألبانو.

وتقع هذه البحيرات جميعها فوق مناطق نشطة تكتونيًّا، إذ تتسرَّب الغازات البركانية مثل غاز ثاني أكسيد الكربون من باطن الأرض إلى أعلى. وتتميّز تلك البحيرات بأنها عميقة وبأن مياهها لا تختلط من أعلاها إلى أسفلها مع التقلبات الموسمية في درجات الحرارة. وبدلًا من ذلك، يتراكم الغاز الذائب في طبقات القاع الأكثر كثافة، ويظل محتجزًا بفعل "غطاء" من الضغط الناتج عن المياه الواقعة أعلاه. فإذا تراكمت الغازات إلى حد تكوين فقاعاتٍ، فهذه البحيرات قد تنفجر حرفيًا مثل زجاجة المياه الغازية. كما يمكن في حال وجود مؤثر خارجي أن "يُفتَح الغطاء"، فمثلًا، يمكن أن يؤدِّي الجفاف إلى انخفاض منسوب المياه في البحيرة وتقليل الضغط على المياه المشبعة بالغازات في الأسفل، كما يمكن أن يؤدي حدوث انهيار أرضي أو زلزال أو تدفق حمم بركانية في قاع البحيرة إلى تحريك طبقات المياه أو إضافة قدرٍ من الحرارة يكفي لخروج الغاز إلى سطح الماء.

وقد تجلَّت الإمكانات العنيفة لهذه البحيرات في شهر أغسطس من عام 1986، عندما وقع انفجار في بحيرة نيوس في الكاميرون، جعل بعض السكان المحليين يظنون خطأً أنه ناتج عن تجربة أحد الأسلحة النووية. وغمرت المناطقَ المنخفضة كمياتٌ تُقدَّر بما يصل إلى كيلومتر مكعب واحد من ثاني أكسيد الكربون الذي كان أثقل وزنًا من الهواء، مما أدَّى إلى اختناق أكثر من 1700 شخص ونفوق 3500 رأس من الماشية.

بعد ذلك الانفجار، بدأ العمل في مشروع لضمان ألا يتكرر وقوع مثل هذا الحادث في بحيرة نيوس. ففي عام 2001، أدخل الفيزيائي والمهندس ميشيل هالبفاكس، الذي كان يعمل حينذاك في جامعة سافوي في شامبيري بفرنسا، وأعضاء فريقه، أنبوبًا في البحيرة من رصيف عائم وسحبوا من خلاله عيناتٍ من المياه العميقة المشبعة بالغاز. وأثمر ذلك عن نافورة ذاتية الدفع، مما سمح بتنفيس الغاز في ما يشبه نسخةً مصغرة، لكنها خاضعة للسيطرة، من انفجارات البحيرات. وأضاف الفريق أنبوبين آخرين في عام 2011، وبحلول عام 2019، اعتبر هالبفاكس وزملاؤه بحيرة نيوس "خالية تمامًا من الكميات الخطرة من غاز ثاني أكسيد الكربون الذائب"1.

ثم انتقل هالبفاكس إلى التعامل مع شقيقة نيوس الصغيرة، بحيرة مونون، التي شهدت ثورانًا أصغر بكثير في عام 1984. وبعد تركيب أنابيب التنفيس، عدَّ العلماء البحيرة منزوعة الغاز بحلول عام 2009.

وحصلت شركة هالبفاكس، وتدعى «ليمنولوجيكال إنجنيرينج» Limnological Engineering، مؤخرًا على عقد بقيمة خمسة ملايين دولار لتفريغ غاز ثاني أكسيد الكربون من خليج كابونو، وهو رافد صغير يقع في الطرف الشمالي لبحيرة كيفو، التي تحتوي في أعماقها الضحلة على تركيزات عالية من غاز ثاني أكسيد الكربون. وقد بدأت الشركة مشروعًا تجريبيًا لا يزال قيد التنفيذ منذ عام 2017.

لكن بحيرة كيفو الأكبر حجمًا بكثير، تطرح نوعًا مختلفًا من المشكلات، فالبحيرة من الناحية الجيولوجية أقدم من بحيرة نيوس، والتربة المحيطة بها أغنى بالمواد العضوية. ويقول جورج كلينج، عالم الكيمياء الجيولوجية الحيوية من جامعة ميشيجان في آن أربور، والذي يدرس انفجارات البحيرات، إنه على عكس الوضع في بحيرة نيوس، أدت هذه العوامل إلى وجود كميات كبيرة من غاز الميثان في بحيرة كيفو. إذ تُنتج الكائنات الحية الدقيقة التي تهضم المواد العضوية غاز الميثان، وكذلك من الممكن أن يتسرَّب الميثان أو الهيدروجين الناتج من البركان مباشرة إلى داخل البحيرة من الصخور الموجودة في الأسفل. ويتميز الميثان بأنه أقل قابلية للذوبان بكثير من غاز ثاني أكسيد الكربون، ومن ثمَّ يكون أقرب بكثيرٍ إلى الخروج إلى السطح. من هنا، يقول ألفريد جوني فوست، اختصاصي فيزياء البحيرات بالمعهد الفيدرالي السويسري للعلوم والتكنولوجيا المائية (EAWAG) في كاستانينباوم: "أساس المشكلة هو غاز الميثان؛ فالوضع هنا يختلف عن الوضع في بحيرة نيوس".

كما تحتوي البحيرة على قدرٍ كبير من غاز ثاني أكسيد الكربون، ومع ذلك فهي قادرةً على استيعاب كمياتٍ أكبر من ذلك بكثير وفي أمانٍ تام، لولا أن الميثان يفرض ضغطًا إضافيًا على الغاز. ويقول العلماء إنه لو جرى استخراج الميثان لاستخدامه كوقود، فإن ذلك من شأنه أن يضع حلًا نهائيًا لمشكلة غاز ثاني أكسيد الكربون.

ألغاز الغاز

على الرغم من التهديد المحتمل الذي تمثّله بحيرة كيفو، ثمة خلافٌ كبير بشأن بعض المسائل الأساسية، ومن بينها مصدر الغازات في البحيرة، وما إذا كانت كمياتها في تزايد، بل وأيضًا ما إذا كانت بحيرة كيفو قد شهدت ثورانًا بركانيًا من قبل. حول ذلك، يقول روبرت هيكي، اختصاصي إيكولوجيا البحيرات المتقاعد من جامعة مينيسوتا دولوث، والذي درس بحيرة كيفو، إنه على الرغم من وجود 9 طبقات بنيّة اللون في الرواسب، مما يبرهن على وقوع أحداث تضمنت اختلاط الطبقات على مدى 2000 عامٍ مضت، فإنه لم يعثر على أي أدلة تشير إلى وقوع أي أحداث على مدى 12 ألف عام مضت يمكن وصفها بأنها كانت عنيفة بما يكفي لتسميتها بانفجار البحيرات2. ويفسِّر علماء آخرون الأدلة على أنها تُبرهن على أن انفجارًا واحدًا على الأقل قد وقع قبل أربعة آلاف عام3.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك بعض الحقائق الواضحة، فمثلًا تتميَّز المياه السطحية للبحيرة بأنها عذبة ومليئة بالأسماك. غير أنه عند الهبوط إلى عمق يبلغ نحو 260 مترًا، نشهد تحولًا دراماتيكيًا إذ تصبح المياه أكثر دفئًا وملوحة بفضل ينابيع المياه الحارة. وتعدّ تلك هي "مياه الموارد" العميقة التي تفيض بكمياتٍ كبيرة من الغاز الذائب (انظر الشكل: "غازات الأعماق").

وفي عام 2005، أُجريت دراسةٌ4 أعدها مارتن شميد، اختصاصي الإيكولوجيا بالمعهد الفيدرالي السويسري للعلوم والتكنولوجيا المائية، وفريقه البحثي، الذين كان من بينهم هالبفاكس. وقد عقدت مقارنةً بين نسب الغاز في تلك الطبقة العميقة والقياسات التي أُجرِيت عام 1975، أشارت إلى أن تركيزات الميثان قد زادت بنسبة 15%. وإذا استمر هذا الاتجاه الصعودي، فستصل الطبقات الأعمق إلى مرحلة التشبع بحلول عام 2090، ما من شأنه أن يؤدي إلى حدوث انفجار. لكن في عام 2020، أشارت البيانات الواردة في دراسةٍ أخرى5 -شارك شميد في إعدادها- إلى أن نسب الغاز لم تشهد أي زيادة على الإطلاق.

بثَّ ذلك الاكتشاف الطمأنينة في نفوس عديد من الباحثين، لكن النتائج لا تزال مثار جدلٍ. فمن ناحية، جرى تغيير تقنية قياس الغاز من مجموعة بيانات إلى أخرى. ويقول كلينج: "من وجهة نظر منهجية، يبدو في الأغلب كما لو كانوا يقارنون التفاح بالبرتقال". ويضيف أن الأخطاء في مثل هذه الإجراءات من الممكن أن تكون كبيرة. ويرى كلينج أن الدراسة المنشورة عام 2020 لا تثبت أنه لم يكن هناك تغيير بمرور الوقت، بل تبرهن على أنه لم يمكن رصد تغييرٍ بطريقةٍ أو بأخرى، و"هذا مختلف تمام الاختلاف"، بحسب قوله.

وسواء كانت نسب الغاز قد ارتفعت أم ظلت على حالها، فإن الغموض يحيط أيضًا بوضعها في المستقبل، ولا يزال من الممكن أن تشهد تركيزات الغاز ارتفاعًا كبيرًا دون سابق إنذار. فيقول كلينج: "ثمة قصورٌ في فهم البنية السفلية للنظام البركاني للصدع المحيط ببحيرة كيفو. فمن المحتمل جدًا أن تشهد التغيرات في مدخلات الغاز زيادة دراماتيكية، نتيجة زيادة النشاط البركاني أو الجيولوجي في باطن الأرض".

ومن الممكن أيضًا من الناحية النظرية أن تؤدي تلك الانفجارات البركانية والزلازل إلى حدوث انفجار لهذه البحيرات. وعن ذلك، يقول هيكي: "لديك بحيرةٌ غنية بالغاز تقبع بجوار بركان، ومن ثم هناك إمكانية لظهور عديد من العوامل المحفِّزة لحدوث انفجار". لذا، فالسؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن يختصّ بالحجم المتوقع لمثل تلك الانفجارات. ويضيف هيكي قائلًا: "تتمتع البحيرة الآن بالاستقرار التام إلى حد استثنائي، لذا سوف تتطلب زعزعة ذلك الاستقرار قدرًا هائلًا من الطاقة". أما داريو تيديسكو، عالِم البراكين من جامعة كامبانيا لويجي فانفيتيلي في إيطاليا، والذي يعمل في رواندا، فيقول إن البيانات التي في حوزته تُظهر أن الانفجار البركاني الذي حدث عام 2021 لم يتسبب في إطلاق غازاتٍ من الشقوق المحيطة بمدينة جوما أو بالبحيرة. كانت الصهارة، بحسب قوله، إما غير موجودة في باطن الأرض، أو كانت تدفقاتها محدودة للغاية أو عميقة لم ينتج عنها أي تأثير.

ومع ذلك، لا يزال معظم العلماء الذين تواصلت معهم دورية Nature، والذين يزيد عددهم على 10 أو نحو ذلك، يشعرون بالقلق إزاء نسب غاز الميثان في البحيرة، استنادًا إلى النشاط الجيولوجي للمنطقة. ويرى موركل أن استخراج 90% من الميثان على نحو يتّسم بالكفاءة على مدار ما يقرب من 50 عامًا يمكن أن يقلل من احتمالية حدوث انفجار بالبحيرة بنسبة 90% في السنوات العشر الأولى. كما يضيف قائلًا: "في أفضل الأحوال، لن يحدث انفجار على الإطلاق".

استغلال الميثان

ظل الناس يضخُّون الميثان من بحيرة كيفو على نطاق محدود لعقودٍ من الزمن، لاستخدامه كمصدر للطاقة. غير أن تلك الجهود تزايدت بشكل جدّي عندما دخل مشروع «كيفو وات» KivuWatt -الذي تديره شركة «كونتور جلوبال» ContourGlobal ومقرها لندن- حيز التشغيل عام 2016. هذا المشروع، الذي يبلغ رأسماله 200 مليون دولار أمريكي، يوفِّر حاليًا 26 ميجاوات من الطاقة الكهربائية. ووفقًا للعقد المبرم يمكن زيادة تلك الكمية إلى 100 ميجاوات. وسيمثل ذلك إضافةً كبيرة إلى قدرة الشبكة الأساسية المُثبَّتة في رواندا التي تبلغ نحو 200 ميجاوات.

الكميات المسحوبة ضمن مشروع «كيفو وات» في الوقت الحاليّ ضئيلةٌ إذا قورنت بالمخزون الضخم الذي تحويه البحيرة. فوفقًا لمعدلات الاستخراج الحالية، ستسحب الشركة كمية تقل عن 5% من غاز الميثان الموجود في البحيرة على مدار 25 عامًا. ويقول فرانسوا سارشامبو، عالم البحيرات بمشروع «كيفو وات»: "بالتأكيد، لا يمكن عد هذه السرعة كافية للتقليل فعليًا من خطر انفجار البحيرة. لذا، نحن بحاجة إلى التوسع بهدف تحقيق طاقة إنتاجية أكبر". لكن خطط التوسع تلك لا تزال مُعلَّقة، حسبما تقول الشركة، إلى أن يتحقق نوعٌ من التوازن بين الطلب على الكهرباء وإمدادات الطاقة المتاحة. وتدرس الشركة المسؤولة عن مشروع «كيفو وات» كذلك الخيارات المتاحة لإزالة غاز ثاني أكسيد الكربون من البحيرة وبيعه في صورة منتج تجاري.

في الوقت ذاته، اشترت الشركة الرواندية «شيما باور ليك كيفو» Shema Power Lake Kivu منشأةً تجريبية صغيرة باسم «كي بي-1» KP-1. وقد بدأت هذه المنشأة سحب غاز الميثان من البحيرة في عام 2006. وتعكف الشركة حاليًا على بناء منشأة أخرى من المخطط لها توليد 56 ميجاوات. ويقول الموقع الإلكتروني للشركة إنها تتوقع الانتهاء من أعمال البناء أوائل عام 2022، لكن توني دي لا موت، مدير مشروع «شيما باور»، اعتذر عن عدم الإجابة عن أسئلة دورية Nature بشأن الجدول الزمني للمحطة أو أي تفاصيل تتعلق بتشغيلها.

ويتلخَّص المبدأ العام الذي ترتكز عليه جميع هذه المشروعات في سحب المياه العميقة ليخرج غاز الميثان إلى السطح ويمكن تنقيته وضخه إلى إحدى محطات توليد الكهرباء. وتُعاد في ما بعد المياه منزوعة الغاز إلى البحيرة. لكن هناك استفسارات عديدة تتعلق بالنهج الأمثل للقيام بذلك، فالخطط تختلف وتتباين باختلاف الشركة والمقترح.

ويقول بعض الباحثين إن المياه منزوعة الغاز تظل تحتوي على نسبٍ عالية من العناصر الغذائية وكبريتيد الهيدروجين السام، لذا فإن إعادتها على مقربة شديدة من السطح يمكن أن تؤدِّي إلى قتل الأسماك وتكاثر الطحالب الضارة وانتشارها. كذلك تتميز تلك المياه بالملوحة وتكون مُشبَّعة بغاز ثاني أكسيد الكربون، مما يجعلها كثيفةً نسبيًا. لذلك، إذا أُطلقت المياه منزوعة الغاز في البحيرة على عمقٍ ضحل للغاية، فإنها ستغوص إلى الأعماق، ما من شأنه أن يؤدي إلى اضطراب التدرج الرئيسي للكثافة، على عمق 260 مترًا، وهذا التدرج هو المسؤول عن إبقاء المياه المشبعة بالغازات لمنطقة الموارد حبيسة في أسفل البحيرة. وفي ذلك الصدد، يقول موركل: "لن تنفجر البحيرة بالضرورة، لكنها ستكون أكثر عُرضةً للانفجار".

وقد يمثّل دفع التدرج الرئيسي للغازات بالبحيرة إلى أعلى مصدرًا للمشكلات أيضًا، لأن من شأنه تقليل الضغط على المياه المشبعة بالغاز. وربما يؤدي تخفيف طبقة الموارد بالمياه منزوعة الغاز إلى خفض تركيزات الغاز على نحوٍ يكفي لوقف استخراجه للأغراض التجارية. ولو حدث ذلك، فسوف يترك وراءه كثيرًا من الغازات الخطرة في البحيرة، ولن تكون هناك طريقةٌ فعَّالة للتخلّص منها، بخلاف تنفيسها إلى السطح، وهو نهجٌ يمكن أن يطلق غازات دفيئة نشطة ويؤدي إلى تلوث المياه السطحية على حد سواء.

وفي عام 2009، نشرت مجموعةٌ دولية من الباحثين، من بينهم موركل وفوست وشميد، "وصفاتٍ إدارية" تحدد أفضل الممارسات لاستخراج غاز الميثان من البحيرة. ويفضل غالبية الخبراء استراتيجية تسمى طريقة الحفاظ على مناطق الكثافة. الطريقة المذكورة تتضمَّن التحكم في كثافة المياه منزوعة الغاز من خلال إدارة كمية غاز ثاني أكسيد الكربون التي تحتوي عليها تلك المياه، ليمكن إعادتها بحرص إلى البحيرة دون التسبب في حدوث اختلاط. ويصعب القيام بذلك من الناحية الفنية، لكن من شأنه أن يحافظ إلى حدٍ كبير على البنية الحالية للبحيرة.

اختار مشروع «كيفو وات» تطبيق استراتيجية بديلة تتمثل في إطلاق المياه منزوعة الغاز فوق التدرج الرئيسي مباشرةً، وهذا أسهل في تنفيذه ويُفترَض أن يتفادى تخفيف طبقة الموارد، لكن يُتوقع أن يغير بنية البحيرة.

ويشير سارشامبو إلى أن مشروع «كيفو وات» يتولَّى رصد المياه السطحية بصفةٍ يومية، وإجراء عملية تشخيص أسبوعية للحصول على مجموعة بيانات فعَّالة في ما يتعلَّق باستقرار البحيرة. ويضيف أنه بعد خمس سنواتٍ من التشغيل، بدأت الشركة بالفعل، كما كان متوقعًا، ترى تراجعًا في استقرار البحيرة، ولكن ليس بدرجة كبيرة. ويقول: "إذا واصلنا استخراج الغاز بنفس الوتيرة الحالية، فسوف ينخفض مستوى استقرار البحيرة خلال 50 عامًا بنسبة 1%". وهذه النسبة أقل بكثيرٍ مما توجه إليه الإرشادات المنبثقة عن الوصفات الإدارية، والتي تُفيد بأنه لا ينبغي خفض مستوى الاستقرار -الذي تعبر عنه الطاقة اللازمة لاختلاط البحيرة بالكامل- بنسبة تزيد على 25%.

ويرى بعضهم، رغم ذلك، أن نهج مشروع «كيفو وات» لا يخلو من الإشكاليات. فيقول فين هيرسلوند، الذي يعمل مهندسًا لدى شركة «كووي» COWI الاستشارية، ومقرّها لينجبي في الدنمارك، والذي كان عضوًا في المجموعة التي كتبت الوصفات الإدارية، كما أنه نشر أوراقًا بحثية خضعت لمراجعة أقران بخصوص بحيرة كيفو: "هذا هو الطريق الذي سيقودنا نحو الكارثة"، إذ يرى أن المشروع "سيدمر التدرّج الرئيسي"، ويعبِّر عن قلقه من أن تسفر عمليات استخراج الغاز المستمرة والمتزايدة باستخدام منهجيات مماثلة عن عواقب طويلة المدى لن تتضح إلا بعد مرور عدة عقود.

وينتقد موركل أيضًا النهج المستخدم في مشروع «كيفو وات»، إذ يرى أن المياه منزوعة الغاز التي تستخدمها الشركة تحتوي على كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، كما تتميز بالكثافة الشديدة، وهو الأمر الذي يُعتقَد أنه سيُحدِث خللًا في التدرج الرئيسي. ويدعو موركل إلى رفع المياه ثم إعادتها إلى أعماق مختلفة عن تلك التي اختارتها الشركة المنفِّذة لمشروع «كيفو وات»، ويعتقد أن هذه العملية من شأنها أن تحفظ طبقات البحيرة على نحوٍ أفضل مع استمرار عمليات استخراج الغاز لاستخدامه كمصدر للطاقة. ولا يزال موركل يحاول الحصول على التمويل اللازم لنهجه.

ورغم كل هذا الجدل المثار، ثمة باحثون آخرون لا يلقون بالًا لهذه الإشكالية. فيقول فوست، وهو أيضًا عضو في فريق الخبراء الاستشاريين المستقل بمشروع «كيفو وات»: "لديّ ثقةٌ عمياء في ما يتعلق بمسألة السلامة". كذلك يقول بِرترام بوهرر، عالم الفيزياء بمركز هيلمهولتس للأبحاث البيئية في ماجديبورج بألمانيا، والذي سبق له العمل في البحيرة: "لديّ وجهةٌ نظر إيجابية حقًا بشأن الأمر برمته. وفي حال حدوث شيء غير متوقع، سيكون أمامنا وقتٌ كافٍ للتصرف".

توقعات مستقبلية

لعل الطريقة الوحيدة لحسم الجدل الدائر بخصوص التأثيرات المحتملة لتلك العمليات على البحيرة تكمن في تتبع ما إذا كان ثمة تغييرٌ قد طرأ على طبقات الكثافة ورصد كيفية حدوث ذلك التغيير. ويتولى برنامج رصد بحيرة كيفو مسح الأعماق وتقصى عمل شركات استخراج الغاز. ويُشير موداكيكوا إلى أن عمليات التشخيص الأسبوعية التي يجريها البرنامج تُظهِر أن البحيرة لا تزال تتمتع بالاستقرار في الوقت الحاليّ. ويقول موداكيكوا: "لا يوجد تغيير في التدرج الرئيسي لطبقات الغاز بالبحيرة حاليًا. وإذا طرأت حالة من عدم الاستقرار على البحيرة، فسنكون أول المهتمين بذلك".

ويقول القائمون على «كيفو وات» إن المشروع مُطالَبٌ بالامتثال للمبادئ التوجيهية التي حددها برنامج رصد بحيرة كيفو وأنه ملتزم بها بالفعل، كما أن فريق الخبراء الاستشاريين المستقل التابع للشركة (الذي يضم بين أعضائه هيكي وفوست) يمتلك إمكانية الوصول إلى بيانات الشركة ويراجع تقريرها السنوي الذي ترفعه إلى حكومة رواندا.

ويقول سارشامبو: "نرحِّب بشدة بالآراء العلمية"، على الرغم من أن بعض المعلومات -مثل تصميم مستشعرات تركيز الغاز المُعدَّة خصيصًا لمشروع «كيفو وات»- تظل ملكية خاصة. ويقول بريشام نوندا، مدير مشروع «كيفو وات»: "الجميع يريدون الحصول على البيانات الخاصة بالمشروع، لكن ثمة بيانات لا يمكنني أن أمنحها للمنافسين. فنحن ملتزمون تمامًا بما يُفترض أن نقدمه [إلى برنامج رصد بحيرة كيفو] بحسب التعاقد وبناءً على التزامنا بذلك".

وقد أعرب بعض الباحثين الذين تواصلت معهم دورية Nature عن شكواهم من أنهم لا يزالون يواجهون صعوبة في الوصول إلى تلك البيانات. فيقول فوست: "لقد ذكرنا بوضوحٍ شديد في مبادئنا التوجيهية المنبثقة من الوصفات الإدارية أن تلك البيانات يجب أن تكون متاحة بشكلٍ علني. ولكن على حد علمي، لم تلتزم الحكومة الرواندية بذلك مطلقًا". من جانبه، يقول موداكيكوا إن البيانات المتعلقة بشركات استخراج الغاز سرية، ولكن يستطيع الباحثون الحصول على ملف البيانات التعريفية الخاصة بالبحيرة إذا أرسلوا خطابًا إلى المدير العام لهيئة إدارة البيئة في رواندا يشرحون فيه ما يحتاجون إليه من بيانات ويوضِّحون الأسباب التي يحتاجون تلك البيانات لأجلها.

انتقل برنامج الرصد مؤخرًا ليصبح ضمن اختصاص هيئة إدارة البيئة في رواندا. فحتى إبريل الماضي، كان البرنامج يخضع لإشراف مجموعة رواندا للطاقة، التي تمثِّل في الوقت ذاته شركة مرافق الطاقة الوطنية في البلاد، ولم يُنشأ بعد الموقع الإلكتروني الجديد للبرنامج. ويقول موداكيكوا إن الهيئة تعكف حاليًا على مراجعة الوصفات الإدارية، ويعود ذلك في جانبٍ منه إلى رغبتها في توضيح سياساتها الخاصة بمشاركة البيانات على نحوٍ أفضل.

وقد عبَّرت أوجاستا أوموتوني، التي توَّلت رئاسة برنامج رصد بحيرة كيفو حتى شهر إبريل من العام الحاليّ، عن فخرها بالفريق الفني الذي أسهمت في تشكيله، وقالت إنها تعتقد أن الحكومة الرواندية ملتزمة بمواصلة جهود الرصد والمراقبة، ولكنها تستدرك قائلة إن الحكومات تعاني أحيانًا من عجزٍ في ميزانياتها، أو تغرق في دهاليز البيروقراطية. وتشدّد أوموتوني على أن "الحكومات والمسؤولين القائمين على التشغيل لا بدّ أن يعملا معًا"، كذلك أوصت الوصفات الإدارية بإنشاء هيئة رقابية ثنائية مشتركة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن موداكيكوا يؤكد أن تلك التوصية لم تدخل حيز التنفيذ إلى الآن.

ومما لا شك فيه أن الجمع بين القيمة المالية لبحيرة كيفو، وقدرتها المحتملة على إحداث انفجار، وذلك الطيف الواسع من الآراء بشأن الطريقة المُثلى للتعامل معها، يؤجِّج مشاعر العلماء العاملين في تلك المنطقة. فيقول هيرسلوند: "لقد أصبح فهم ما يجري في هذه البحيرة هاجسًا يُسيطر على تفكيري". وتوافقه أوموتوني الرأي إذ تقول: "عندما تبدأ العمل مع بحيرة كيفو، يستحوذ عليك شعور بالشغف".

ويقول موداكيكوا إن تفريغ الغاز من البحيرة من المفترض أن يجعلها أكثر أمانًا، بيْد أن هناك بعض الأمور -مثل حدوث ثوران بركاني- لا يستطيع أي عالم أو شركة أو هيئة رقابية مواجهتها أو منع وقوعها. فإذا كانت تلك إرادة الطبيعة الأم، فمن يستطيع الوقوف في وجهها؟"

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي