ثورة الكهرباء اليوم تفتقر إلى مكون رئيسي

بروجيكت سنديكيت

2025-11-19 04:01

بقلم: فاتح بيرول، ناندان نيلكاني

باريس ــ في مختلف أنحاء العالم، تشهد أنظمة الطاقة تحولات عميقة وسريعة من شأنها أن تجعلها تبدو مختلفة تمام الاختلاف بعد عقد من الآن. يتمثل أحد المحركات الرئيسية في كهربة الاقتصاد العالمي على نحو متزايد. لا يقتصر الأمر على اعتماد مزيد من الناس على المركبات الكهربائية، والمضخات الحرارية، والأجهزة الذكية (المترابطة رقميا)، بل نشهد أيضا نموا هائلا في بناء مراكز البيانات المتعطشة للكهرباء، وكثير منها يستخدم لتشغيل الذكاء الاصطناعي. بسبب هذه الاتجاهات، توقعت وكالة الطاقة الدولية أن ينمو الطلب على الكهرباء بما يعادل ستة أضعاف الطلب الكلي على الطاقة بحلول عام 2035.

يشهد جانب العرض في قطاع الطاقة أيضا تطورا سريعا. فمن المنتظر أن تضطلع مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية، بأدوار متزايدة الأهمية في أنظمة الطاقة على مستوى العالم. هذه الاتجاهات والتكنولوجيات من الممكن أن تحقق قدرا أعظم من الاستقلالية لقطاع الطاقة وتنجح في خفض الانبعاثات بالاستعانة بالسياسات والبنية الأساسية المناسبة. لكنها تضيف أيضا طبقة من التعقيد إلى إدارة الشبكات، لأن المشغلين يجب أن يضعوا في الحسبان تدفقات الكهرباء المتغيرة وأن يضمنوا للمستهلكين في الوقت ذاته القدرة على التعويل على الإمدادات وتحمل تكاليفها.

ينبغي للشبكات أيضا أن تعمل على تزويد أماكن وأشياء أخرى إضافية بالطاقة. بحلول عام 2030، سوف تحتوي المنازل والشركات على أكثر من 30 مليار جهاز متصل رقميا، أي ضعف العدد الحالي. لمواكبة هذه الزيادة، يجب أن تزداد مرونة أنظمة الطاقة ــ أي قدرتها على الاستجابة في الوقت المناسب للتقلبات في المعروض من الكهرباء والطلب عليها ــ بسرعة أكبر كثيرا من المتوقع حاليا.

قد يكون التحول الرقمي هو المفتاح لسد هذه الفجوة، حتى وإن كان يجلب معه عقبات جديدة. من الممكن أن تعمل أدوات رقمية على تحسين أنظمة الطاقة، وتعزيز كفاءتها، ودعم القدرة على تحمل تكاليفها، فضلا عن تعزيز أمن الطاقة. ينطوي الذكاء الاصطناعي، على وجه الخصوص، على إمكانات هائلة لتعزيز أنظمة الكهرباء وتبسيطها. وكما توضح دراسات حالة حديثة، بوسع النماذج والأدوات المتاحة بالفعل أن تتنبأ بشكل أفضل بناتج مصادر التوليد الحساسة للطقس، وأن تساعد في مواءمة العرض والطلب على مدار اليوم، وأن تساعد أيضا في اكتشاف وتصحيح أوجه الخلل في البنية الأساسية عند ظهورها.

ولكن لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الفرص، يجب التعامل مع بعض التحديات. فحتى عندما تكون حصة الأسد من التكنولوجيات الجديدة على جانبي العرض والطلب مُـمَكَّنة رقميا ــ وهذا يعني ضمنا إمكانية توصيلها بأنظمة رقمية أخرى ــ فإنها تميل إلى العمل بمعزل عن بعضها بعضا. وفي كثير من الأحيان، تتميز بتصاميم مخصصة، وتفتقر إلى واجهات موحدة، ولا تملك الوظائف اللازمة للتفاعل ديناميكيا مع الشبكة. مثل هذا التجزؤ يخلق أوجه قصور غير ضرورية، ويرفع التكاليف، ويخنق الإبداع، ويزيد من صعوبة تحقيق فوائد التحول الرقمي في عموم الأمر.

لهذا السبب، لا يكفي أن تكون أنظمة الطاقة مجهزة بالقدرات الرقمية. بل يجب أيضا أن تصبح قابلة للتشغيل البيني بحيث يمكن إدخال ودمج تكنولوجيات جديدة بسلاسة. عندما تتمكن كل عقدة على الشبكة من التواصل بفعالية، يصبح بوسع القائمين على إدارة النظام تحقيق النتائج المرجوة بسرعة أكبر.

إذا جرى تنفيذها بشكل جيد، فإن زيادة قابلية التشغيل البيني بين التكنولوجيات الرقمية على جانبي الطلب والعرض في قطاع الطاقة كفيلة بجلب مكاسب حقيقية. من الممكن تصميم شواحن المركبات الكهربائية الذكية بحيث تحول الشحن إلى الأوقات التي يكون فيها توليد الطاقة المتجددة مرتفعا. ومن الممكن أن تستجيب منظمات الحرارة والأجهزة الحديثة لإشارات الأسعار لحظيا، على النحو الذي يساعد على تقليل استهلاك الكهرباء في أوقات الذروة. ومن الممكن تجميع أنظمة الطاقة الشمسية على الأسطح لتوفير الطاقة للشبكات عند الحاجة. وبالاستعانة بالأطر الصحيحة، يصبح من الممكن أن تعمل هذه الموارد معا، فتدفع التقدم نحو تحقيق أهداف الطاقة التي حددتها البلدان والمجتمعات.

ما لم نبذل مزيدا من الجهد لضمان قابلية التشغيل البيني، فإننا نخاطر بمستقبل من الإمكانات المهدرة، والفرص الضائعة، والاستثمارات العالقة، والتهديدات المتزايدة لأمن الطاقة. الواقع أن الهجمات السيبرانية على مرافق الطاقة تضاعفت بالفعل إلى أكثر من ثلاثة أمثالها على مدار السنوات الأربع الأخيرة، والآن يعمل الذكاء الاصطناعي على زيادة هذه الهجمات تعقيدا ودقة. ومع ذلك، نحن نعلم أن الأنظمة القابلة للتشغيل البيني المبنية على معايير مشتركة قد تكون أكثر مرونة في مواجهة مثل هذه التهديدات.

لهذا السبب، ندعو الحكومات والصناعة إلى التعاون والعمل نحو إنتاج أنظمة طاقة رقمية قوية وآمنة. لقد أصبحنا، أكثر من أي وقت مضى، في احتياج إلى رؤية مشتركة وتخطيط طويل الأجل. تهدف المقترحات الأخيرة بشأن بناء شبكة طاقة رقمية إلى إنشاء عمود فقري رقمي موحد لمنظومة الطاقة من خلال إدخال الهوية العالمية، وقابلية القراءة الآلية، وإمكانية التحقق. وبما أن هذه الميزات ستتيح إجراء معاملات طاقة شفافة، ويمكن التعويل عليها، وقابلة للتشغيل البيني، فمن الأهمية بمكان أن تؤخذ على محمل الجد.

استنادا إلى هذه الأفكار، تتخذ الهند بالفعل خطوة محسوبة إلى الأمام مع إطلاق "حزمة الطاقة الهندية". تهدف حزمة الطاقة الهندية إلى إنشاء بنية أساسية رقمية عامة تتيح تحديد الهوية وتبادل القيمة عبر عدد كبير من الجهات الفاعلة والأصول من خلال مواصفات ومعايير موحدة.

سوف تستمر أنظمة الطاقة في التحول بطريقة أو بأخرى. ويتعين علينا أن نعمل الآن لضمان قدرة الأنظمة التي ستنشأ عن ذلك التحول على عكس خيارات تصميم مدروسة. وهذا يعني تعزيز أواصر التعاون العالمي وإنشاء أشكال مشتركة من البنية الأساسية التي ستعمل لصالح الجميع.

* فاتح بيرول هو المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية.

ناندان نيلكاني، المؤسس المشارك ورئيس مجلس إدارة شركة إنفوسيس، هو الرئيس المؤسس لهيئة الهوية الهندية (أدهار).

https://www.project-syndicate.org/

ذات صلة

مركز المستقبل ناقش.. الانتخابات في العراق والاغتراب الوطنيقراءة في المخاطبات الحكومية: منظمات المجتمع المدني في العراق بين الحوكمة والقيودمن يقود الوعي الانتخابي؟كيف تهزم المعصية بخمس كلمات؟انتخابات غير عادية في العراق تتيح للولايات المتحدة فرصة غير عادية