هل أدمنت أوروبا الغاز الروسي؟ تقرير يجيب

موقع الطاقة

2024-10-01 05:40

لا تزال أوروبا غير قادرة على فك ارتباطها بإمدادات الغاز الروسي على الرغم من تعهدات دول القارة بفطم نفسها عن الوقود الذي تعول موسكو على إيراداته لتمويل آلة الحرب في أوكرانيا، وعلى الرغم من نجاح أوروبا -إلى حدٍ كبير- في تدبير طاقة بديلة ممثلةً في المصادر المتجددة؛ فإن الطبيعة المتقطعة لتلك المصادر لا تضمن للقارة العجوز إمدادات طاقة موثوقة ومستدامة، تُغنيها عن الوقود الأحفوري الروسي، كما أن ارتباط العديد من البلدان الأوروبية بعقود غاز طويلة الأجل مع روسيا، يجعل من الصعب على الأولى التملص منها لارتفاع فاتورة تلك المغامرة؛ نظرًا إلى القيود المفروضة على سوق الغاز العالمية.

ووفق متابعات لمنصة الطاقة المتخصة (مقرها واشنطن)، يتعذر على أوروبا -حتى الآن على الأقل- العثور على بديل قادر على تعويض إمدادات الغاز الروسي التي تلبي قرابة 40% من احتياجات دول من الغاز.

نقطة التحول

قبل 3 سنوات كانت روسيا أكبر مُصدر للغاز الطبيعي، وتصدرت أوروبا قائمة عملائها الكبار، ولم تكن بلدان القارة لديها شكوك في استمرار وصولها إلى إمدادت الغاز الروسي رخيصة التكلفة، وفق ما قالته الكاتبتان إيلينا مازنيفا وآنا شيرييفسكايا في مقالة نشرتها بلومبرغ.

وأوضحت مازنيفا وشيرييفسكايا أن روسيا أطلقت بعد ذلك حربها الواسعة على أوكرانيا، وسرعان ما تحول الاعتماد الكلي على مورد واحد إلى تهديد للأمن الاقتصادي والسياسي في المنطقة.

وأضافتا أن الهلع من احتمالية أن يقطع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إمدادات الغاز والفحم والنفط عن البلدان الأوروبية، عقابًا لها على دعمها أوكرانيا، قد نتج عنه اندفاع محموم للبحث عن مصادر طاقة بديلة.

وأخذ هذا التحول الأوروبي عن إمدادات الطاقة الروسية، طابعًا رسميًا عبر فرض عقويات على موسكو بهدف وقف تمويل آلة الحرب التي يديرها الكرملين دون هوداةٍ في أوكرانيا منذ أكثر من عامين ونصف العام، وفق الكاتبتين.

وأردفتا: "المستهلكون وجدوا طرقًا لخفض استهلاك الطاقة، وتقليص الطلب؛ وفي النهاية ظلت الأنوار في أوروبا مضاءة، وواصلت معظم المصانع أعمالها دون انقطاع، حتى ولو كان الكثير من الأوروبيين يدفعون -حاليًا- أسعارًا أعلى نظير حصولهم على الطاقة".

هدف عصي

قالت الكاتبتان إيلينا مازنيفا وآنا شيرييفسكايا إن ما قد يجهله الكثيرون هو أن روسيا لا تزال أحد أهم موردي الطاقة في أوروبا، موضحتين أن هدف الاتحاد الأوروبي لإنهاء اعتماده على إمدادات الغاز الروسي بحلول عام 2027، سيتعذر تحقيقه".

ثم فسرت مازنيفا وشيرييفسكايا الأسباب التي أدت إلى أن تصبح أوروبا مرتبطة جدًا بإمدادت الطاقة الروسية، إلى الحد الذي لا يمكن معه فك هذا الارتباط.

وأوضحت الكاتبتان أن القصة بدأت قبل أكثر من نصف قرن، حينما كان الاتحاد السوفيتي يحتاج إلى الأموال والمعدات لتطوير حقول غاز عملاقة مكتَشفة حديثًا في سيبيريا وسط توترات مع الصين والولايات المتحدة الأميركية.

وكانت ألمانيا الغربية تبحث عن إمدادت الطاقة الرخيصة لدعم قطاع التصنيع سريع النمو.

وفي عام 1970 وقع الاتحاد السوفيتي وألمانيا الغربية اتفاقية "أنابيب الغاز"، وفرت بموجبها المصانع الألمانية خطوط أنابيب تمتد لمئات الآلاف من الأميال لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا الغربية.

ونمت تدفقات الطاقة بقوة خلال العقود التالية حتى تفاجأت ألمانيا بأنها تشتري ما يزيد على نصف احتياجاتها من الغاز من روسيا، إلى جانب قرابة ثُلث احتياجاتها من النفط الخام، بحسب المقالة، التي طالعتها منصة الطاقة المتخصصة.

ثم بدأت ألمانيا ودول أوروبية أخرى في التحول إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية خلال السنوات الأخيرة، بديلًا عن إمدادات الطاقة الروسية.

غير أن الغاز الروسي المنقول عبر الأنابيب ظل خيارًا ملائمًا وبأسعار ميسورة لتوليد الطاقة الأساسية اللازمة عندما يتعذر هبوب الرياح أو لا تكون هناك وفرة في السطوع الشمسي.

إمدادات الطاقة الروسية

لامست واردات الاتحاد الأوروبي من الوقود الأحفوري الروسي قرابة مليار دولار شهريًا في نهاية العام الماضي (2023)، تراجعًا من 16 مليار دولار شهريًا في أوائل عام 2022، يحسب بيانات صادرة عن مركز بروغل (Bruegel) البحثي ومقره بلجيكا.

واستحوذ الغاز الطبيعي على معظم تلك الواردات المتبقية، ولا تزال روسيا تمثل 15% من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز في عام 2023، خلف النرويج والولايات المتحدة الأميركية اللتين تستحوذان على 30% و 19% على الترتيب، وقبل البلدان الواقعة شمال أفريقيا (14%)، بحسب بيانات المفوضية الأوروبية.

وتصل حصة كبيرة من هذا الغاز الروسي عبر خطوط الأنابيب التي تمر عبر أوكرانيا وتركيا، وتبرز النمسا وسلوفاكيا والمجر من بين أكبر المشترين؛ إذ تعتمد اقتصاداتها بقوة على الوقود.

ولا تزال الدول المستهلكة الرئيسة للطاقة، بما في ذلك إسبانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا، تستورد الغاز المسال الروسي على متن الناقلات؛ ويُخلط بعض هذا الغاز في النهاية بمصادر غاز أخرى في شبكة خطوط الأنابيب الأوروبية،؛ ما يعني أنه قد يصل إلى ألمانيا، على الرغم من تعهد برلين بتجنب الوقود الروسي.

عقود الغاز الروسي.. لماذا لم تُلغَ؟

ظل العملاء الأوروبيون لروسيا مقيدين بعقود طويلة الأجل، ولم يكن من السهل التخلص منها، وفق ما قالته كاتبتا المقال، وتابعته منصة الطاقة المتخصصة.

وبناءً عليه فإن محاولة أوروبا فك ارتباطها عن تلك العقود قد تكون مكلفةً جدًا؛ إذ إن الإمدادات المتاحة في سوق الغاز العالمية يُتوقع أن تظل مقيدة خلال العامين المقبلين، حتى تظهر موجة جديدة من الإمدادات من بلدان مُصدرة مثل الولايات المتحدة وقطر، بحسب المقال.

واختتمت الكاتبتان إيلينا مازنيفا وآنا شيرييفسكايا مقالتهما بالإشارة إلى أن بعض الشركات الأوروبية الكبرى لديها استثمارات طويلة الأمد في الطاقة الروسية، موضحتين أن تلك الكيانات مترددة في التخلي عنها.

وضربت الكاتبتان مثالًا بشركة توتال إنرجي الفرنسية المساهمة في مشروع يامال (Yamal LNG) العملاق للغاز المسال في القطب الشمالي الروسي، وكذلك شركة الطاقة الإسبانية ناتورجي إنرجي غروب (Naturgy Energy Group) المرتبطة بعقد قوامه 20 عامًا لشراء الغاز المسال من محطة يامال حتى عام 2038.

ذات صلة

فن صناعة النسيج الاجتماعي الرصينالصراط المستقيم بين المنهج والنموذجالشرق الاوسط على موعد ساخن متجدد مع ترامبالتعداد السكاني: لبنة أساسية لبناء مستقبل العراق وتحقيق رفاهية المواطنالايدلوجيا اللّيبرالية الأمريكية والمسار الشعبوي