كيف يستفيد العالم من نماذج تحول الطاقة عبر التاريخ؟
النرويج نموذجًا ناجحًا
موقع الطاقة
2024-06-24 04:42
تتطلع دول العالم إلى تحقيق تقدم واضح في مسار تحول الطاقة؛ من أجل الوصول إلى المستهدف من خفض الانبعاثات والحياد الكربوني بحلول 2050، ومع السعي العالمي الراهن للتحول الأخضر والاستفادة من مصادر منخفضة الكربون في توليد الكهرباء، فإن من ينظر إلى التاريخ سيجد أن هذه ليست المحاولة البشرية الأولى عالميًا للتحول في مجال الطاقة، بحسب تقرير حديث اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن).
ولدعم الجهود الرامية نحو التوسع في استعمالات المصادر المتجددة وتحسين كفاءة الطاقة، فإنه من الضروري التأمل في نموذج تحول الطاقة التاريخي وأخذ الدروس منه.
ويمكن من خلال الاستفادة من التحولات السابقة في الطاقة التي حدثت عبر التاريخ، التخطيط لمسارات ناجحة في طريق خفض الانبعاثات بشكل مستقر وآمن.
تحول الطاقة عبر التاريخ
تاريخيًا، كانت هناك تجارب سابقة في تحول الطاقة بالانتقال من سيطرة مصدر طاقة إلى استعمال مصدر آخر، وفقًا لما جاء في تقرير صادر عن منتدى الطاقة الدولي.
فقد كان العالم يستعمل الأخشاب وطواحين الرياح والطواحين المائية، ولكن كان التطور بالتحول إلى مصدر آخر، وهو الفحم، بشكل جزئي، مدفوعًا بارتفاع أسعار الخشب بسبب ندرته على خلفية تزايد عمليات إزالة الغابات.
في الوقت نفسه، ومن خلال الابتكارات التقنية استُغِلَّ حرق الفحم في إنتاج البخار الذي استُعمل في العديد من المراحل الجديدة للصناعة، وأيضًا لدفع مكابس المحركات البخارية التي تعمل بالفحم، مثل آلات النسيج والقطارات.
تطور وليس ثورة
ما شهده العالم من تحول الطاقة باستعمال الفحم بدلًا من الخشب، جرى بشكل أقرب إلى أن يكون تطورًا تدريجيًا، واستمر لأجيال متعددة، ولم يحدث بشكل ثوري أو مفاجئ.
ولم تشهد أميركا الشمالية في ثمانينيات القرن الـ19 تفوق الفحم على الخشب -على سبيل المثال-، بل إن مناطق كثيرة في العالم في القرن الـ20 كانت ما تزال تسير مع هذا التحول، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
وتداخَل مع تحول الطاقة من الخشب إلى الفحم، وبشكل جزئي، تحولات أخرى من الفحم إلى النفط والغاز والمصادر المتجددة والطاقة النووية.
وظهرت مع هذا التحول -أيضًا- تقنيات جديدة استفادت منها البشرية صناعيًا، مثل المحركات البخارية؛ وهو ما أدى إلى حدوث تكيّف اقتصادي واجتماعي بشكل تدريجي وغير مفاجئ مع التحول الجديد.
وهذا يعني أنه من الممكن أن يحدث تحول الطاقة، دون أن تكون هناك آثار سلبية بالمجتمع أو الاقتصاد، مثل التسبب في ارتفاع معدلات البطالة بقطاع الوقود الأحفوري، في حالة تطوير البنية التحتية للفحم أو إيقاف استعماله.
النرويج نموذجًا للتحول
رغم أنها ما تزال من المنتجين الرؤساء للنفط والغاز، فإن النرويج مثال بارز في تحول الطاقة التدريجي السلس؛ بسبب التقدم الواضح في استعمالات مصادر الطاقة المتجددة بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
وأقدمت النرويج على العديد من الإجراءات التي أنجحت جهودها في التحول، إذ إن 92% من احتياجات النرويج من الكهرباء تأتي عبر الطاقة المائية فقط.
ووضعت الحكومة النرويجية العديد من الحوافز التي شجعت الاستثمار في الطاقة المتجددة، مقترحة خطة للمناخ تضمنت تقديم دعم مالي للابتكار التقني في المشروعات الخضراء، وإجراءات أخرى مهّدت لعملية تحول الطاقة، كما فرضت ضريبة الكربون في عام 1991.
وجرى التحول لمصادر متجددة بديلة في النرويج على مدار سنوات، من خلال إجراءات وخطة طويلة المدى، كان لها فوائد اقتصادية واجتماعية.
وأفاد تقرير توظيف الطاقة العالمي، الصادر عن وكالة الطاقة الدولية، أن العاملين في قطاع الفحم والقطاعات الأخرى ذات الكثافة الكربونية العالية لديهم مرونة أكبر للتحول للعمل بمشروعات مصادر منخفضة الكربون في حالة دعمهم.
المُستفاد من تاريخ تحول الطاقة
إن أكبر درس يمكن الاستفادة منه من تاريخ تحول الطاقة والنماذج السابقة له هو أن تحدث العملية بشكل تدريجي سلس ومستدام، متسلحة بالابتكار التقني مع الأخذ في الحسبان الأثر الاقتصادي والمجتمعي.
وإذا كانت عملية التحول الحالية مدفوعة بأسباب بيئية ضرورية، فإنه لا بد من التفكير مليًا في طريقة استبدال مصادر الطاقة الحالية بحيث لا يحدث ذلك بشكل جذري ومفاجئ، وأن تؤدي السياسات الحكومية دورها في هذا التحول، من خلال إجراءات تحفيزية للمستثمرين، وتدريب العمالة على التحول الجديد.
فضلًا عن ذلك، فإن التعاون مع المنظمات الدولية والمجتمعات المحلية والقائمين على الصناعة من شأنه أن يزيل الكثير من العقبات في طريق تحول الطاقة، مثل نقص البنية التحتية ومقاومة التغيير من جانب المجتمع وقلق المستثمرين.