حرب الغاز: محرك استراتيجي لعلاقات الدول في المستقبل

إيهاب علي النواب

2019-02-18 04:34

أصبح موضوع الطاقة عامة والاستحواذ على مصادر الطاقة من أهم الموضوعات التي تحدد طبيعة السياسات الستراتيجية لدول العالم، فمثلا يسعى الاتحاد الاوروبي للتخلص من الهيمنة الروسية النفطية، سيما مع تزايد الطلب العالمي على مصادر الطاقة، وهو ماتحاول الولايات المتحدة من أجله التخفيف من وطأة وسيطرة روسيا على الطاقة في اوروبا والعالم خصوصاً الغاز الطبيعي، الذي تخشى منه الولايات المتحدة ان يكون ورقة ضغط سياسي بيد روسيا في المستقبل. لذلك نجد ان هناك المزيد من الضغوط والتحالفات من اجل الحيلولة في استمرار روسا في الهيمنة على اوروبا.

قطر تدخل المنافسة مع الغاز الروسي على أوروبا

ذكر مسؤول في الإدارة الأمريكية إن الولايات المتحدة تريد من قطر، أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال في العالم، أن تتحدى هيمنة الغاز الروسي في أوروبا. وأبلغ دان بروليت نائب وزير الطاقة الأمريكي بأن الولايات المتحدة تتباحث مع الدوحة بشأن تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي المسال، حيث تريد من ألمانيا ودول أخرى أن تستورد الغاز الأمريكي والقطري بدلا من الروسي. وتساهم روسيا حاليا بنحو 60 بالمئة من واردات ألمانيا من الغاز، وحذرت الولايات المتحدة الشركات الألمانية من عقوبات محتملة بشأن خط أنابيب (نورد ستريم 2) الجاري بناؤه، والذي سيزيد إلى المثلين الطاقة التصديرية الروسية لألمانيا عبر بحر البلطيق.

وأضاف بروليت في الدوحة إنه ناقش الموضوع مع وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة سعد الكعبي، الذي يشغل أيضاً منصب الرئيس التنفيذي لقطر للبترول. مبيناً إن خط أنابيب الغاز (نورد ستريم 2) سيزيد اعتماد ألمانيا وأوروبا على الغاز الروسي، لكنه أشار إلى أن ألمانيا قررت في الآونة الأخيرة المساعدة في تمويل منشآت استيراد الغاز الطبيعي المسال التي يمكنها أن تقلص هذا الاعتماد. وأبلغ الكعبي بأن قطر للبترول تتطلع إلى استثمار ما لا يقل عن 20 مليار دولار في الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة القادمة وتوقع اتخاذ القرار النهائي بشأن استثمار الشركة بمرفأ الغاز الطبيعي المسال جولدن باس في تكساس قريبا. وتملك قطر للبترول حصة أغلبية في مرفأ جولدن باس للغاز الطبيعي المسال، بينما تملك إكسون موبيل وكونوكو فيليبس حصصا أقل.

واتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألمانيا في يوليو تموز بأنها ”رهينة“ لروسيا بسبب اعتمادها عليها في توفير الطاقة، وحثها على وقف العمل في خط أنابيب الغاز (نورد ستريم 2) البالغة استثماراته 11 مليار دولار، وترفض ألمانيا هذا الاتهام وتقول إنها منفتحة على تنويع مصادرها من الطاقة، لكنها تشير إلى أن المبيعات ستتحدد في النهاية في ضوء الأسس الاقتصادية، وأقر بروليت بأن الغاز الطبيعي المسال سيتكلف أكثر من الغاز المنقول عبر خطوط أنابيب، لكنه ذكر إن إمدادات الغاز الطبيعي المسال من قطر ودول أخرى ستساعد في تنويع مصادر الإمدادات المتجهة إلى أوروبا، يذكر انه قد أوقفت البلدان العضوان في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) الإنتاج المشترك من حقلي الخفجي والوفرة بالمنطقة المقسومة قبل أكثر من ثلاث سنوات، وهو ما منع إمدادات بنحو 500 ألف برميل يوميا، أو ما يعادل 0.5 بالمئة من الإنتاج العالمي.

إيران : تفوقنا على قطر في إنتاج الغاز

أعلن وزير النفط الإيراني بيجن نامدار زنغنة، عن ارتفاع إنتاج بلاده من الغاز بنسبة 35% ، مضيفا أن "إيران تفوقت على قطر في مجال إنتاج الغاز". وجاء ذلك خلال مراسم تدشين مشروع توصيل الغاز إلى مدينة جيرُفت التابعة لمحافظة كرمان (جنوب شرقي البلاد)، وبحضور النائب الأول لرئيس الجمهورية إسحاق جهانغيري. واضاف زنغنة، إن طهران تمكنت من إدخال 14 مرحلة من حقل بارس الجنوبي للغاز إلى دائرة الإنتاج، ليصل إجمالي الإنتاج حاليا إلى مستوى 610 ملايين متر مكعب يوميا، وقد تفوقنا على قطر في هذا المجال. وتتقاسم قطر وإيران حقل الغاز البحري، الذي تسميه طهران بارس الجنوبي، بينما تطلق عليه الدوحة اسم حقل الشمال.

وأوضح، أن الحكومة الحالية خصصت 17 تريليون تومان (نحو 4 مليارات دولار)، لإنجاز الخدمات ذات الصلة بإيصال الغاز إلى المناطق الحضرية والريفية علي يد مقاولين إيرانيين، مشيرا إلى أن 80% من إجمالي سكان المناطق القروية في البلاد يتمتعون بالغاز حاليا. من جانبه، بين النائب الأول للرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، إن بلاده سوف تقوم ببيع الكميات المطلوبة من النفط، وستستخدم أساليب مألوفة لتحويل الأموال، رغم كافة الخطط الأمريكية لمنع مبيعات النفط الإيراني ونقل عائداتها إلى البلاد، والحيلولة دون استيراد البضائع الأساسية بما في ذلك الأدوية، ولفت إلى أن عمليات إنتاج الغاز في حقل بارس، شهدت ارتفاعا من 285 مليون متر مكعب إلى أكثر من 600 مليون متر مكعب، كما يتم استثمار عدة مليارات من الدولارات في مرحلة تتم تدشينها.

كما بين إن إنتاج بلاده من الغاز في حقل بارس الجنوبي يبلغ 610 ملايين متر مكعب يوميا، والحقل البحري، الذي تطلق عليه إيران بارس الجنوبي بينما تسميه قطر حقل الشمال، هو حقل مشترك بين الدولتين. وجمدت توتال الفرنسية وسي.إن.بي.سي الصينية الاستثمار في مشروع بارس الجنوبي العام الماضي، بعدما هددت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على الشركات التي تمارس أنشطة أعمال في إيران. وأعادت واشنطن فرض عقوبات على قطاعي الطاقة والبنوك في إيران، بعدما انسحبت من الاتفاقية النووية المبرمة في 2015 بين طهران وقوى عالمية.

امريكا: يجب عدم السماح لروسيا باستخدام الطاقة كسلاح

صرح وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري خلال زيارة لبودابست إن روسيا سبق لها وأن استخدمت الطاقة كسلاح قسري وإن هذا مستمر، وأبلغ بيري مؤتمرا صحفيا في بودابست قائلا ”يجب علينا ألا نسمح بعد الآن للكرملين باستخدام الطاقة كسلاح“ مؤكدا على أهمية تنويع إمدادات الطاقة في المنطقة، كان بيري يتحدث خلال زيارة إلى دول شرق أوروبا مع سعي إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتشجيع شراء الغاز من الولايات المتحدة أو من موردين آخرين بدلا من زيادة المشتريات من روسيا. وتعد روسيا أكبر مصدر إمداد للنفط والغاز إلى أوروبا إذ يسعى الغرب إلى الإفلات من قبضتها الخانقة في إطار التوتر الجيوسياسي بين خصمي الحرب الباردة السابقين، وخلال الألفية الحالية، ترك نزاع بين روسيا وأوكرانيا الأوروبيين يرتجفون من البرد في عز الشتاء عندما قطعت شركة "غازبروم" الروسية العملاقة الإمدادات عن الغرب، وفي مسعى للاستفادة من ذلك، بدأت السلطات العمل على امتداد لأنبوب غاز يبلغ طوله 479 كلم تموله المفوضية الأوروبية جزئيا. وسيعبر بلغاريا والمجر والنمسا وينقل الغاز من بحري قزوين والبحر الأسود إلى أوروبا الوسطى.

من جهة اخرى وعد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أوكرانيا بمحاربة إقامة مشروع أنابيب الغاز الألماني الروسي "نورث ستريم 2" الذي يقوّض بحسب قوله الأمن الأوروبي، وصرّح بومبيو خلال لقاء مع وزير الخارجية الأوكراني بافلو كليمكين في واشنطن أن أوكرانيا "ليس لديها صديق أعظم من الولايات المتحدة". وأكد بومبيو "أننا سنواصل العمل معاً لوقف مشروع نورث ستريم 2 الذي يستخفّ بأمن أوكرانيا الاستراتيجي والاقتصادي ويهدد بالمساس أكثر بسيادة الأمم الأوروبية التي تعتمد على الغاز الروسي"، ومن المفترض أن يضاعف مشروع أنابيب "نورث ستريم 2" قدرات تسليم الغاز بين روسيا وألمانيا عبر بحر البلطيق من دون المرور ببولندا وأوكرانيا، اللتين يمرّ عبرهما حالياً الغاز الروسي.

الا ان الكثير من المتابعين ان مستقبل هذا الصراع على منابع الطاقة يتوقف وبشكل كبير على التحول الرقمي القائم على التكنولوجيا التي تعمل على ايجاد بدائل وانواع اخرى من الطاقة التقليدية سيما المستدامة منها، الا انه وكخلاصة لكل ما تم ذكره يمكن القول بأن هناك ثلاثة عوامل تحدد عملية امداد الطاقة ومستقبلها وهي العوامل الديموغرافية والاقتصادية والتكنولوجيا، كما يذهب البعض سيما مثل روسيا الى استمرار سيطرتها من خلال سعيها ان يكون الغاز الطبيعي هو البديل للنفط بسسب انخفاض تكاليفه وموائمته للبيئة اكثر من النفط، الا ان السؤال القادم الذي من الممكن ان يكون هو مثار الجدل، ما هي المسارات التي من الممكن التي تجعل من الغاز الطبيعي وغيره المصدر الرئيس للطاقة والبديل القادم للطاقة، في ظل الصراع التجاري والصراع على الطاقة وتباطؤ الاقتصاد العالمي.

ذات صلة

بين موت الغرب ونهضة الشرقالبنية الحجاجية.. خطبة الزهراء (ع) مثالامتى يحق للمواطن المشاركة في القرارات الحكومية؟الإدارة الأمريكية الجديدة وتصوّرات الصدام والتوتر والوفاقالحياة المشتركة في الشرق الأوسط