السرقات العلمية ولصوص الشهادات العليا
د. عامر صالح
2021-09-02 01:59
يعاني العراق والتعليم العالي بشكل خاص من ظاهرة خطيرة تضر بسمعة ومكانة التعليم العالي في العراق وهي ظاهرة تزوير الشهادات العليا والسرقات العلمية بكل مظاهرها، وهي جزء من منظومة الفساد العامة في البلاد التي استفحلت ما بعد سقوط الدكتاتورية على يد المحتل الامريكي، ولكن جذورها تمتد الى حقبة النظام المتردي السابق.
حيث الحروب العبثية الطويلة الأمد ثم الحصارات التي ترتبت عليها واستنزاف موارد البلاد في التسليح الى جانب القمع المستديم ومحاصرة الشعب في لقمة عيشه، كل ذلك اسهم في توفير الأسس الاخلاقية السيئة وتدهور المنظومة القيمية والتي وفرت اساسا للتزوير والفساد والرشاوى والاختلاسات والتي اشتدت في منتصف عقد الثمانينات والتسعينات، وكانت سرقة الشهادات وتزويرها انذاك استحوذت على الحصة الأكبر.
وكانت الشهادات المزورة تصدر حتى "بالأختام الأصلية" باستثناء كونها غير مسجلة في الجهة التي تدعي الانتساب أليها، وكان سوق "مريدي" الكائن في مدينة صدام "الصدر حاليا" نار على علم ومعروف لدى الغالبية من العراقيين في اصداره لمختلف الوثائق والشهادات بل وحتى الترقيات العلمية والسير الذاتية المصادق عليها "بأختام الأصل"، وكان يتم استخدامها في الغالب خارج العراق بعد هجرة العراقيين في النصف الثاني من التسعينيات لأغراض الحصول على فرصة عمل بأي ثمن.
في كل بلدان العالم هناك تزوير او محاولات تزوير للشهادات بمختلف المستويات وخاصة العليا " بكالوريوس، ماجستير، دكتوراه" ولكن هناك فرق ان يكون التزوير والسرقات العلمية هامش بسيط في وسط مجتمع يتمتع بدرجات عالية او مقبولة محليا وعالميا من النزاهة والعدالة وقوة القانون ويتصدى للفاسدين من المزورين وسراق الشهادات الدراسية ويعرضهم للمسائلة الشديدة والعقاب، قد تبدأ من ابسطها والمتمثلة بسحب الشهادة المزورة فورا والطرد من المهنة او موقع المسؤولية التي حصل عليها بالتزوير، وتنتهي الى الحبس والغرامة ودفع التعويضات المالية الباهظة جراء ذلك.
الى جانب النبذ المجتمعي للأشخاص مرتكبي جرائم التزوير وقد تصل بصاحبها لاحقا حد تأنيب الضمير ومعاناة من العزلة الاجتماعية وخاصة عندما يرتبط ذلك بإجراءات التعميم والتبليغ لدوائر الدولة والمؤسسات الاجتماعية لتضييق الخناق على المزورين والحد من تماديهم السلوكي.
وقد شهدت دول العالم وخاصة ذات السمعة الطيبة في محاربة الفساد الكثير من حالات سحب الشهادات المزورة والمسروقة والطرد من الوظيفة وقد شمل مسؤولين كبار في الدولة، من وزراء ومدراء عاميين الى جانب موظفين صغار على خلفية التأكد من شهاداتهم المزورة، وفي هذه البلدان يكون الحديث عن النزاهة كسياق عام.
وعن التزوير والفساد والسرقة كحالات شاذة وتمثل فسحة ضئيلة لا تهدد النظام والامن والاستقرار العام للدولة والمجتمع ولكن واجبة التصدي لها وحصرها منعا من تسللها وانتشارها، وهنا يمكن القول ان النزاهة قاعدة في مستويات معينة والفساد استثناء، ولكن الأمر مختلف عندما يكون الفساد والسرقة والتزوير قاعدة والنزاهة استثناء.
الفساد في العراق اليوم هو فساد منظومة الحكم السياسية والحاكمة بمنطق المحاصصة، وبالتالي فأن الحديث عن الاصلاح الجزئي لقطاعات اجتماعية وحكومية هو حديث ليست ذي قيمة تذكر في ظل منظومة سياسية فاسدة، والتعليم العالي والبحث العلمي جزء من الأزمة العامة في البلاد وان الدعوة لإصلاح مؤسسات التعليم العالي وانتشالها من الفساد والتزوير والسرقات هي دعوى غير مستجابة في ظل نظام عام فاسد، وفي هذا السياق أشير الى ابرز ملامح ازمة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق:
* الانتشار الواسع للجامعات الأهلية ذات الطابع الربحي البحت وانعدام تنسيقها مع الجامعات الحكومية والذي يدفع بدوره الى المزيد من الخريجين في مختلف التخصصات وبعيدا عن دراسة سوق العمل والحاجة الى التخصصات" رغم ان العراق لايزال في سبات أو ارض بكر وقد يحتاج الى الجميع لاحقا" ولكنه نذير الى المزيد من البطالة، الى جانب كون هذه الجامعات الأهلية في اغلبها تعود ملكيتها لزعماء احزاب طائفية وأثنية ويعج فيها الفساد اسوة بغيرها، ولا تتمتع مخرجاتها بكفاءة يعهد لها بالجودة والمنافسة مما يجعل منها بيئة طاردة للمعايير والقيم العلمية وارض خصبة لتفشي نمط من الطموحات غير المشروعة التي تنال من قيم البحث العلمي النزيه.
* وفقا لقانون معادلة الشهادات والدرجات العلمية الذي أقره البرلمان في 28 اكتوبر للعام 2020 يقوم القانون بنقل معظم صلاحيات وزارة التعليم العالي وتحجيمها وتوزيعها على جهات عدة غير أكاديمية، ومنها الأمانة العامة لمجلس النواب التي منحت صلاحية معادلة الشهادات التي تصدر من معهد التطوير البرلماني، كما تقوم وزارة التربية بمعادلة شهادات المرحلة الثانوية والدراسات التي تسبقها والشهادات الصادرة من كلية التربية المفتوحة، ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية بمعادلة الشهادات العسكرية والمسلكية.
كما تقوم الجامعات المتنوعة ومجلس الخدمة الاتحادي بمعادلة وتقييم الشهادات التدريبية والفنية، فلم تعد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تملك الرأي الأول والأخير في معادلة الشهادات، كما درجت عليه الأعراف العربية، وبات القرار مرتبطاً بالجهات المذكورة، إضافة إلى خروقات علمية أصابت هذا القانون نتيجة قلة الخبرة وضعف الإرادة وتأثير مجلس النواب وابتزازات كثيرة تكتنف عملية المعادلة والتقييم، كما أكد عديد من الأساتذة، فيمكن اعتماد ومعادلة شهادة الدكتوراه من خارج العراق من دون تقديم أطروحة الدكتوراه والاكتفاء بالأمور الإجرائية فقط، وعدم مطالبة وزارة التعليم بتدقيق أطروحة الدكتوراه كما هو متبع حالياً.
وهذه سابقة لا يمكن أن تحصر نتائجها أو قبولها، كما شجع القانون الجديد على معادلة شهادات الوزراء والبرلمانيين وأصحاب الدرجات الخاصة الحاصلين عليها أثناء فترة تكليفهم استثناءً من القواعد الجامعية والتعليمات الخاصة بالدراسات العليا التي ألزمت الدارسين جميعاً بالتفرغ التام أثناء فترة الدراسة، لكن الأكثر إغاظة للتعليم العالي وكادره الأكاديمي اعتماد القانون الجديد على الاعتراف بالشهادات عن طريق المراسلة، الأمر الذي ترفضه وزارة التعليم العالي ووزراء التعليم العرب بالإجماع.
* حالة الفقر العامة في البلاد، فالفقر بطبيعته التي تجبر الإنسان على التفكير بلقمة العيش فقط، فهي تحصره في ضيق الأفق والتقليل من مساحات الإبداع والحد من استثمار القدرات العقلية.
* هيمنة الفكر السياسي والديني المتعصب في الحياة العامة والذي يرفض جميع أشكال التطور والتقدم العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي، ويتشبث في الماضي لإيجاد الحلول لمشكلات الحاضر، ويرفض ممارسة النقد والنقد الذاتي لفكره وممارساته، فيعتبر ما عنده صالح لكل الأزمان والأمكنة، وبالتالي يشل قدرة العقل على التواصل مع معطيات الحضارة العالمية.
* الاستبداد السياسي المتمثل بفقدان حرية الرأي وغياب الديمقراطية في كل مفاصل الحياة، ابتداء من السلوكيات الفردية والمؤسساتية صعودا إلى قمة النظام السياسي، التي تحاصر الحريات الفردية اللازمة لتطوير شخصية الفرد وعطائه، وتحول الكيان الاجتماعي إلى كتلة هامدة عديمة التمايز والفاعلية، تجيشها متى ما تشاء وتخرسها عند الحاجة وتساوي أفرادها هلاكا، حيث أن التمايز الفعال بين الأفراد في القابليات والقدرات هو احد حقائق الوجود الإنساني وصيرورته.
* ويرتبط بالعوامل المذكورة أعلاه غياب ثقافة أهمية البحث العلمي والاكتشافات العلمية والرغبة في الإبداع والاختراع في الوعي والتفاعل الاجتماعيين، وبالتالي يغيب التفكير والتشجيع والدعم عن المسار البحثي والعلمي وعن العلماء والباحثين والمكتشفين في المجتمع، وترتبط جذور ذلك أصلا في غياب القيمة البحثية في مناهج التعليم بمراحله المختلفة والقائمة أصلا على الحفظ والتلقين والاستذكار التقليدي.
وهذا النظام التعليمي التلقيني لا يحتاج إلى كفاءات عالية ولا إلى مستلزمات تقيم متطور لقياس مهارات الطلاب في الفهم والتفكير وحل المشكلات، إلى جانب كونه نظام يدفع إلى الكسل والاتكالية والخمول العقلي، ولا يستثير في الطالب فكرا أو تساؤلا بل يقتل فيه ملكة التفكير، وتنتفي في هكذا نظم تعليمية القدرة على صناعة الباحثين في الخطط التعليمية عبر التراكم المعرفي في مراحل التعليم المختلفة.
* ضئالة الموارد المالية المخصصة للبحث العلمي وللباحثين في الجامعات العراقية بصورة عامة بسبب من غياب إستراتيجية واضحة في هذا المجال وتخلف النظرة إلى الإنفاق باعتباره إهدارا واستهلاكا للأموال غير مجدي، وليست استثمارا طويل الأمد يأتي أضعاف ما ينفق عليه، الى جانب ما حملته كورونا وأزمة النفط العالمية من شحة في المال والانفاق.
* الفساد الإداري والمالي وضعف معايير الكفاءة والأهلية المهنية والعلمية في انتفاء الكادر القيادي لمؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي، واللجوء إلى معايير الحزبية والمذهبية والطائفية والموالاة في انتقاء الكوادر الإدارية، وغالبا ما تكون هذه القيادات بعيدة كل البعد عن مفهوم الاستقلالية والنزاهة، بل هي أطراف أساسية في صراعات مصلحيه ضيقة مع غيرها، بل هي أطراف في الفساد بمختلف مظاهره، مما يحرم هذه المؤسسات من الاستقرار والنزاهة والحيادية التي هي شروط لازمة للارتقاء بالعلم والبحث العلمي. ويرتبط بذلك ويرافقه سياسات أبعاد الكوادر العلمية عن مواقعها العلمية والبحثية من خلال التهجير ألقسري والإحالة على التقاعد وانتهاء بالتصفيات الجسدية ومسلسل الاغتيالات للكوادر في مختلف التخصصات العلمية.
* الآثار الضارة للمركزية الإدارية الشديدة في التعليم وغياب إستراتيجية إداريةـ علمية معاصرة، حيث ساهمت الإدارة المتخلفة وعلى مر عقود في غياب تصور علمي دقيق وشامل للعمل البحثي، انتفت فيه عمليات التناسق والتناغم والتخطيط لمكونات العملية البحثية ومقوماتها الأساسية (الباحثين، التمويل، التطورات العلمية والتقنية، الأولويات البحثية بما يخدم احتياجات المجتمع وتطوره، المعامل والأجهزة والمعدات العلمية وغيرها)، وبين المراكز البحثية المختلفة، وبين البحث واحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمختلف البحوث.
* أن غياب استراتيجية شاملة للبحث العلمي في العراق تتضح آثاره جليا في ما يسمى بالفوضى البحثية، والتي تتضح أبرز معالمها في العمل البحثي الفردي لأغراض فردية وذاتية بحتة، سواء لأغراض الترقية العلمية فقط أو للحصول على المال في أمكنة النشر، وعدم وجود فرق بحثية تتكامل بين أفرادها، وهو سمة مهمة من سمات تطور وارتقاء البحوث في عالمنا المعاصر، وعدم التنسيق بين المراكز البحثية المنتشرة في البلد الواحد، وانفصال البحوث عن المشكلات الاجتماعية واحتياجات المجتمع، مما أدى بدوره إلى تكرار واجترار البحوث السابقة، فهي لا تخدم في معظمها قطاعات صناعية أو زراعية ولا تواكب حاجات المجتمع في ميادينه الناشئة الحديثة كتقنية المعلومات والتكنولوجيا المتطورة، وكان ذلك سببا في إنتاج كم هائل من المجلات والدوريات ذات الموضوعات المتكررة في البلد الواحد بل وفي القسم و الكلية والجامعة الواحدة في البلد المعني، واغلب هذه الدوريات غير معروف عالميا ولا يضيف قيمة علمية للبحوث العالمية.
* عدم وضوح فكرة أن الجامعات هي جزء من آليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي يجب أن تكون بحوثها على تماس مع مشكلات المجتمع بمختلف قطاعاته، وبسبب غياب الرؤى في هذا المجال نرى أن اغلب بحوث الماجستير والدكتوراه تستهدف تهيئة وتدريب الكادر على طرائق ومنهجية البحث العلمي، وهي بهذا بعيدة كل البعد عن المساهمة في البحث عن الحلول للمشكلات الاجتماعية المختلفة، وبسبب من ذلك تأتي اغلب الأبحاث سواء الأساسية منها أو التطبيقية تكرارا لسابقتها، إن لم يكن تكرارا مملا فهو تكرارا بحلية شكلية ترضي المشرف عليها، وقد تبدو لصاحبها أصيلة وهي بعيدة كل البعد عن الأصالة.
* لا يشكل البحث العلمي إلا قدرا هامشيا أو ضئيلا من عمل الأستاذ الجامعي فهو مغرق بالساعات التدريسية مما يشغل جل وقته في التهيئة للمحاضرات النظرية أو أعمال المختبر التقليدية، كما أن الكثير منهم تضعف علاقاته بالبحث العلمي بعد حصولهم على الدكتوراه أو بعد نيل درجة الأستاذية أو الأستاذ مساعد أو أستاذ مشارك، وينصب اهتمامهم في الإشراف على الأبحاث فقط أو أعمال روتينية إدارية كإدارة قسم أو كلية أو جامعة، رغم أن دور الأستاذ يجب أن يكون مستمرا في إنتاج أفضل البحوث المفيدة سواء للمجتمع أم للعملية التعليمية في أروقة الجامعات.
* ضعف البنية التحتية للأبحاث النظرية والتطبيقية من مختبرات وأجهزة ومكتبات علمية، فالمختبرات وأجهزتها وصيانتها ونقص المواد الأساسية لها بمختلف التخصصات ونقص الكادر الفني ذات الصلة بذلك هو سمة بارزة لأغلب ما تعانيه الجامعات العراقية وتشكو منه، إلى جانب ضعف قاعدة المعلومات الحديثة، سواء من مطبوعات ودوريات علمية عالمية أو غياب المكتبات الرقمية أو الالكترونية وقواعد البيانات البحثية وغبرها من أدوات التعليم الالكتروني للتواصل مع العالم البحثي.
* التدهور الأمني المستمر لمؤسسات التعليم العالي وتدخل رجالات الأحزاب والمليشيات الطائفية في شؤون التعليم العالي مما يضع طرفي العملية التعليمية: الطالب ـ الأستاذ والعملية التعليمية برمتها في دوامة عدم الاستقرار والخوف من المستقبل، مما يترك أثره الواضح في تسرب الطلاب وهجرهم لمقاعد الدراسة وهجرة الكادر التدريسي.
* الإجراءات التعسفية في إقالة أو إحالة الكادر التدريسي الجامعي ومن درجات علمية متقدمة "أستاذ وأستاذ مساعد" على التقاعد بذرائع ومبررات واهية، منها كبر السن أو بتهمة عدم الكفاءة، وهي إجراءات تنفذ في الخفاء بواجهات سياسية أو انتماءات طائفية، وتحرم هذه المؤسسات من خيرة كادرها المتمرس في التدريس والبحث العلمي.
* تدهور البنية التحتية اللازمة لتطوير التعليم العالي من مكتبات علمية ومختبرات وشبكة انترنيت ومصادر المعلومات المختلفة، وقد تعرض الكثير منها إلى الحرق والإتلاف الكامل والى التخريب والسرقات المقصودة لإفراغ الجامعات من محتواها المتمثل بالمراجع والكتب والأبحاث والمقررات الدراسية بمختلف التخصصات، وغلق أقساما للدراسات العليا بكاملها تحت ذريعة عدم توفر الكادر التدريسي اللازم لها.
* تدهور المستوى العلمي والتحصيلي للطلاب جراء تدهور الوضع الأمني والانقطاع عن الدراسة، أو النجاح بأي ثمن تحت وطأة تهديد الأستاذ الجامعي من قبل مليشيات الأحزاب السياسية ـ الطائفية وفرض معايير مشوه للتفوق الدراسي لا تعبر عن إمكانيات الطلاب الفعلية، بل تعبر عن أولويات الانتماء السياسي أو المذهبي أو الطائفي، وهي تذكرنا بممارسات التبعيث لفرض النتائج الدراسية وانتقاء الطلبة على أساس الولاء للحزب الحاكم.
* تغييب الكليات الإنسانية والتضييق على دورها المهم في الحياة الثقافية العامة عبر الحد وعرقلة أنشطتها المختلفة التي يفترض لها أن تسهم بإشاعة ونشر قيم التسامح والعدل والحق ومكافحة الإرهاب، وقد شهدت هذه الكليات حرق العديد من مكتباتها بالكامل، وعرقلة إصدار دورياتها الثقافية الشهرية أو الفصلية أو السنوية، وانعدام الأجهزة اللازمة لاستمرار عملها كأجهزة الاستنساخ والطباعة وغيرها، إضافة إلى محاصرة العديد من مبدعي وكتاب هذه الكليات ومنعهم من الظهور العلني للحديث عن نشاطاتهم ونتاجاتهم الثقافية والأدبية المختلفة.
* استشراء الفساد بمختلف مظاهرة الإدارية والمالية، من محسوبية ومنسوبيه وسرقة الأموال المخصصة لهذا القطاع وتزوير للشهادات والتلاعب بسجلات الدرجات من خلال ممارسة الضغط والابتزاز على إدارات الأقسام الدراسية وعمادة الكليات لمنح ضعاف التحصيل ما لا يستحقوه أو إضعاف المتفوقين دراسيا والعبث بدرجاتهم بدوافع الانتقام والثأر بواجهات مختلفة، سياسية ومذهبية وطائفية وغيرها.
* عدم السماح وعرقلة جهود المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وأجهزتها المعنية بشؤون التعليم العالي على الإشراف والتأكد من ظروف عمل هذه المؤسسات بما يستجيب لشروط الجودة العالمية لهذه المؤسسات وحماية خريجها من عدم الاعتراف بالشهادة، وكذلك عرقلة جهود اللجنة الدولية للتضامن مع أساتذة الجامعات.
* في ظروف العراق الحالية والذي توقفت فيه التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الشاملة، تضعف فيه كنتيجة منطقية قدرة ودور الجامعات والمؤسسات البحثية في المجتمع وبالتالي تضعف روابط التعليم العالي ودوره الأساسي في التخطيط والاستجابة لظروف التنمية البشرية الشاملة وحاجتها الفعلية لمختلف القيادات والكوادر في مختلف التخصصات العلمية والأدبية والمهنية والتقنية وغيرها.
* رغم وضوح شروط الانتساب الى الدراسات العليا من حيث العمر والمعدل والخبرة الوظيفية "في الماجستير لا يتجاوز المتقدم عن 45 عام، والدكتوراه عن 50 عاما "، إلا انه جرت استثناءات من شروط " العمر، والمعدل، والخبرة الوظيفية لذوي الشهداء والمعتقلين في زمن النظام السابق وما بعد 2003 وحدد لهم نسبة 10% من مجموع المقاعد، ولكن الفساد لم يترك تلك الاستحقاقات تسير وفقا لمنطق العدالة، حيث استغلت اشد الاستغلال في تزوير مستندات تؤكد اعتقال المتقدم للدراسة سابقا او مستندات تؤكد استشهاد ذوي المتقدم وغيرها من مظاهر الفساد وبهذا تحولت تلك الاستثناءات الى فرص للبزنزه والفساد، ويذكرنا ذلك بما كان يفعله النظام السابق.
* غياب إستراتيجية واضحة للبحث العلمي في ضوء احتياجات المجتمع المحلي لها، حيث أن المبادرة الفردية للباحث والأستاذ تلعب دورا كبيرا في تقرير ذلك، ومعظمها يجري لأغراض الترقية العلمية أو لأغراض المتعة العقلية الخالصة للبحث، ويجري ذلك في ظل انعدام صناديق متخصصة لدعم وتمويل البحوث، وضعف القاعدة المعلوماتية، وعدم وجود مراكز أو هيئات للتنسيق بين المؤسسات البحثية، وضعف الحرية الأكاديمية كتلك التي يتمتع بها الباحث في بلدان العالم الديمقراطي، وعدم تفهم أو انعدام دور القطاع الخاص ومشاركته في الأنشطة العلمية حيث لا يزال قطاعا متخلفا يركز على الربحية السريعة والسهلة ولا يعي حقيقة وأهمية البحث العلمي في تطويره.
ولا نستغرب من كل هذا ولتلك الأسباب حصرا عدم تبوء الجامعات العراقية لمكانتها العلمية بين الجامعات العالمية رغم الجهود المبذولة من قبل مختلف الجامعات العراقية، فالطموح لتبوء مكانة لائقة في وسط الجامعات العالمية شيء ويبقى طموح مجرد، وفهم أسباب التخلف العلمي والقدرة على تجاوزه شيء آخر.
في تلك البيئة القاتمة أشتد ساعد التزوير والسرقات العلمية ما بعد 2003 فأنتقل من تزوير لأغراض العمل في الخارج الى تزوير من الداخل والخارج لأغراض العمل في الداخل وتبوء المناصب العلمية والسياسية والادارية والمهنية في ظل نظام سياسي فاسد يلغي المنافسة على اساس الكفاءة الفردية والذكاء المتميز ويبقيها على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية والتعامل مع مؤسسات الدولة والقطاعات الاجتماعية على اساس غنائم يجب الاستحواذ عليها وتشويه ادائها.
ومع استخدام الأنترنيت ومواقع التواصل الاجتماعي وفي ظل الانفجار المعرفي والمعلوماتي انتشرت مواقع للتزوير والسرقات العلمية على قدم وساق وبدأت السوق السوداء تفعل فعلها في تلويث سمعة البحث العلمي والشهادة العلمية، وبات كل شيء بتسعيرة محددة "وبالدفاتر" والدفتر بالعراقي يعني ألف دولار، وقد شاع التزوير وانتحال الشهادات الجامعية والعليا منتشرا في كل مواقع الدولة ومؤسساتها " في البرلمان والحكومة وفي كل المناصب من اسفلها الى اعاليها، بل واقترن ذلك بحملات الدفاع عن المزورين والاعفاء عنهم واعتبارهم مساكين واصحاب عوائل ويجب ان يعيشوا وعفى الله عن ما سلف.
ومن ابرز مظاهر التزوير والسرقات العلمية ما يأتي:
* شراء شهادة باختصاص ما " بكالوريوس، ماجستير ودكتوراه " جاهزة وبالأختام الاصلية دون الحاجة لكتابة اطروحة او رسالة او مشروع بحث دون الحاجة الى الانتظام في الدراسات العليا.
* وعند الانتظام في الدراسة اللجوء الى السرقات العلمية بمختلف اشكالها، كسرقة اطروحة جاهزة اجريت عراقيا او عربيا وعالميا والعبث بمتغيرات الدراسة واحداث بعض التغيرات على المحتوى بما يوحي اصالتها، وقد يساهم بعض من الاساتذة من ضعاف النفوس والعلمية المتدنية بمساعدة الطالب على اعادة تنظيم شغله المزور.
* أنتشر في الآوانة الاخيرة ما يسمى بالمناقشة الصامتة للأطروحة تجنبا لضعف الطالب واخفاء لسرقاته حيث تتم المناقشة في اجواء شبه سرية لايتم فيها تسجيل ما يتحدث فيه " الباحث " ويكتفي بصور ثابتة غير ناطقة.
* السرقة عن طريق الترجمة الكاملة مع التواطؤ مع المشرف واعادة صياغة محتوى الرسالة بطريقة ما قد تتسم بالغموض مما يترك انطباعا مزيفا ان " الباحث " متمكنا بطريقة خاصة تفوق المحيطين به.
* سرقات لتحليلات وتفسيرات الاخرين دون ذكر اسمائهم وقد يستخدمها في التعليق والاستنتاج على الدراسات السابقة او في تفسير النتائج.
* الاقتباس من دراسات اخرى دون ذكر مرجعيتها في محاولة من الباحث لأبراز مقدرته عبر سرقته لجهد الاخرين ولصقها به.
* تكليف استاذ ما قد يكون "المشرف " لكتابة بحث كاملا مقابل مبلغ من المال ثم يدرب الطالب في الدفاع عنه في عدة لقاءات مصغرة اشبه بجلسات المناقشة.
* تضليل القارئ بذكر قائمة مراجع في نهاية العمل دون ان يستخدمها في محاولة لترك انطباع ان " الباحث " مستفيض في علمه من خلال ما يذكره من مراجع.
* شراء اطروحة جاهزة من مكاتب التزوير تجرى عليها بعض من الحذف والاضافة والتغير لإخفاء جوهر العمل باعتبار المالك ليست هو وبالتالي تقديمها كأطروحة " أصيلة " لم تبحث من قبل.
القانون العراقي للعقوبات والمرقم 111لسنة 1969 والساري المفعول مع تعديلاته تناول جريمة التزوير في المواد 286إلى 298 منه، ويقصد بالتزوير هو تغيير الحقيقة بقصد الغش ماديا ومعنويا وان يؤدي ذلك إلى الأضرار بالمصلحة العامة أو شخص من الأشخاص، ومثاله بصمة الابهام أو ختم مزور أو تغيير واضافة بالحذف والتعديل في المحررات الرسمية أو العادية”.
وقد “عاقبت المواد 289و 298 بالسجن لمدة ١٥ سنة على التزوير، وسبب هذه العقوبات المرتفعة لهذه الجريمة هو اقتران هذه الجرائم بالاحتيال وايضا تؤدي إلى فقدان الثقة في التعامل بين الناس”. وأن “استشراء هذه الجريمة سيؤدي إلى فقدان الثقة وعدم الاطمئنان في التعامل، وبالتالي توقف التعامل بين الناس وتعرقل التعاملات”. وأن “هذه الجريمة تكتشف عن طريق إرسال كتب صحة الصدور من الوزرات إلى الجامعات للتأكد من صحة الشهادات الدراسية المتنوعة”.
المشكلة هنا ليست في حالات متفرقة من الغش والتزوير والسرقة يتم اكتشافها بل المشكلة مع منظومة فساد كاملة ترتضي لنفسها ممارسة الغش والتزوير كثقافة يومية امام ضعف الدولة والقانون والقضاء وبالتالي فأن الغش والتزوير اصبح ثقافة مجتمعية بديلة للصدق والأئتمان، وبالتالي لا تجدي نفعا هنا الحديث عن تقنيات الكشف عن التزوير والسرقة، فهناك الكثير من المواقع المتخصصة لفضح السرقات والتزوير، ولكن تلك الأدوات مهمة عندما يكون الفساد فسحة ضيقة في ظل نظام عادل ونزيه، ولكن في العراق الأمر مختلف حيث الاصلاح السياسي اولا والبقية تأتي. وفي ختام مقالي فأني أحيي الاساتذة المخلصين الشرفاء والطلبة المبدعين الذين يحصدون شرف التفوق بعرق جبينهم.