الدراسات العليا عن بعد: لنوقف الاستجداء العلمي

مسلم عباس

2021-03-20 04:35

من الضروري أن يحصل العراقي على فرصة للدراسة في الجامعات المحلية، ومن حقه السفر خارج الوطن بحثاً عن شهادة علمية يطمح إليها لتحقيق أهدافه والارتقاء في المستويين المهني والأكاديمي، لكن ليس من حقه استخدام الشهادة الجامعية العليا من أجل الزيادة في الراتب فقط بدون أي فائدة علمية أو مهنية، والأسوأ أنه يستجدي الدرجات من الأساتذة بالخارج.

كيف يحدث ذلك؟ وصلتني رسائل من طلبة يدرسون الماجستير عن بعد خارج العراق، بأن نسبة كبيرة من الطلبة يقومون بعملية استجداء، للتهرب من الدراسة، عبر ابتكار حجج وأعذار غير منطقية تنتقص من صورة العراق، فهم يتحججون بغياب الكهرباء والإنترنت ويتباكون أمام الأستاذ الأجنبي ويمزقون صورة بلدهم لتحقيق أهداف ذاتية وهي عدم دخول المحاضرات العلمية.

يقول أحد الدارسين عن بعد (أونلاين) في لبنان، أن الطلبة العراقيون يفتحون مجموعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يتفقون فيها على عذر محدد، يقولون للأستاذ أن الكهرباء غير متوافرة والإنترنت غير متوافر، وحال البلد أسود، والتظاهرات لا تسمح بأي نشاط خارج المنزل، والأحوال لا تطاق.

ومن يعترض على هذه الأكاذيب يتهم بأنه لا يملك "الغيرة العراقية" فهو لا يناصرهم على كذبتهم التي اتفقوا عليها، ومن شيمة العراقيين مناصرة إخوانهم بغض النظر إن كانوا يكذبون أو لا.

أما إذا رفض الطالب المشاركة في أكذوبة الاستجداء التوافقية، يتم طرده من المجموعة أو تُشكل مجموعة جديدة لا يسمحون له بالدخول فيها، ومن الغريب أن من يقومون بهذه الأفعال يملكون المال ومرتباتهم أكثر من مليون ونصف المليون دينار ويستطيعون شراء جهاز شحن قيمته 30 الف دينار فقط (ما يعادل 22 دولار تقريباً)، ويستطيعون تفعيل اشتراك بسعر أعلى من الإشتراك العادي الرديء، كما يستطيعون شراء مولد كهربائي منزلي لأن بعضهم يزيد راتبه عن مليوني دينار.

وهناك الأسوأ، الغالبية العظمي يملكون الأدوات التي ذركرناها، يملكون بطارية الانترنت، ويملكون المولد المنزلي، ولديهم اشتراك انترنت منزلي واخر على الهاتف، وهناك المولد الأهلي (مولد الشارع) وهناك الكهرباء الوطنية ما يجعل خدمة الإنترنت مستمرة طوال اليوم.

نحن لا نريد الدفاع عن سوء الخدمات في العراق، ولسنا بصدد التبرير للحكومة على تقصيرها، لكن الحديث بهذه الأمور، واستغلالها بهذه الطريقة يعكس صورة سلبية عن العراق نحن لسنا بحاجة لها، فصورتنا مشوهة أصلاً بسبب فساد المنظومة الحاكمة، ولا نريد تشويه صورة المواطن العراقي على أنه "ذلك المواطن المحتال الذي يصنع أعذار كاذبة ليستدر عطفهم"، فهل هذه دراسة من أجل العلم، أم من أجل شهادة ورقية يزيد فيها الراتب، لأن أغلب الدارسين عن بعد في الخارج هم من الموظفين، ونسبة كبيرة منهم لا يريدون التعلم والتقدم المهني والأكاديمي بقدر رغبتهم في زيادة الراتب.

هذه الحالة نضعها أمام وزارة التعليم العالي، فهي المسؤول الأول عن نوعية الطلبة الذين تسمح لهم بالدراسة، فلا يمكن أن تبقى الأمور بهذه العشوائية والفوضى، ونستغرب موافقة وزارة التعليم على فتح الدراسات العليا عن بعد (اونلاين)، بحجة انتشار وباء كورونا، فقد كان الأفضل أن لا تعطي أي موافقة للدراسات العليا إلا إذا حصل الطالب على جامعة تدرس صفياً وليس عن بعد.

لكن نعرف أن الموافقة جاءت لأهداف سياسية، فضلاً عن أمور تتعلق بسوء الإدارة في وزارة التعليم، وهذا ليس موضوعنا الآن.

إذا كانت الوزارة قد وافقت على الدراسة عن بعد (اونلاين) فعليها أن تعرف ماذا يتحدث الطلبة عن بلدهم، فكل واحد منهم سفير يعكس صورة عن العراق، إيجابية أو سلبية، يعكسها بالتزامه وتفوقه العلمي، ورغبته في التميز، وعدم نقل أي تصورات سلبية عن بلده للخارج، لأنها ستنعكس على شكل أفكار وقناعات لدى النخب في الخارج.

ولا تقتصر المسؤولية على وزارة التعليم، فوزارة الخارجية لديها مسؤولية أساسية أيضا لأن ما يقوم به الطلاب الذين يدرسون بالخارج يعد جزءاً من الدبلوماسية الشعبية، وإذا لم يكن لها دور في هذا الشأن فستبدد جهود سنوات من الدبلوماسية بسبب "اتفاقات استجداء مزورة" يقوم بها بعض الطلاب ليعكسوا صورة العراقي الكذاب، وصورة الوطن المحتال.

حلول ومعالجات

1- تفعيل التنسيق بين وزراتي التعليم والخارجية لتحديد نوعية الطلبة الذين يحق لهم الدراسة في الخارج.

2- اصدار قرار سريع يوزع داخلياً بين الطلبة يوضح لهم القضايا التي يمنع عليهم الحديث فيها، فهم ذهبوا للدراسة وليست لاستعراض مشكلات العراق وهذه ليست وظيفتهم.

3- استحداث شهادة نطلق عليها "كفاءة الدبلوماسية" يتدرب الطالب فيها لمدة معينة ويتعلم فيها كيفية الحديث عن بلده في الخارج ليكون سفيراً شعبياً مفيداً لبلاده.

4- التنسيق بين الطلبة المتميزين ووزارة التعليم لإعطاء موقف شهري عن مدى التزام الطلبة الدارسين في الخارج بسياقات الحديث على المستوى الخارجي، وعدم خروجهم عن الأهداف العلمية التي ذهبوا اليها.

5- إيقاف جميع الدراسات العليا عن بعد فورياً لأنها غير منطقية بالمطلق ولا تحقق أهدافاً علمية إلا لفئات قليلة، وإذا كانت الوزارة حريصة على الفئات المتميزة فيمكنها فتح منافذ أخرى للدراسة أفضل من الدراسات عن بعد.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا