تدهور التعليم العراقي: بين سوء الإدارة والتبعات المكلفة
مصطفى ملا هذال
2019-08-05 06:23
كعادتي اخرج يوميا الى عملي الذي يبعد بضعة كيلو مترات عن مكان سكني، ولم يختلف يومي من حيث قيامي بأشاحة النظر ذات اليمين وذات الشمال، فوقع نظري على احدى المدارس الابتدائية الواقعة بمحاذاة الطريق المؤدي صوب مركز مدينة كربلاء فوجدت بعض التلاميذ متجمعين في بابها الرئيسي حينها عادت الى ذاكرتي نسبة النجاح المتدنية التي اعلنتها وزارة التربية في الايام الماضية.
وزارة التربية اعلنت ان نسبة النجاح للعام الدراسي 2018 – 2019 بلغت 34%، للمرحلتين المتوسطة والاعدادية المنتهيتين لم يكن من الغريب ان تظهر النسبة المئوية بهذا التدني ذلك لما تعانيه العلمية التربوية من صعوبات ادارية وتعقيدات في بيئتها بصورة عامة.
بعض المراقبين يعتقدون ان نسب النجاح لهذا الموسم الدراسي منخفضة جدا، بينما هنالك من يعدها مرتفعة وفق ما تمر به العملية التربوية من تدن واضح قد يوصلها الى مراحل معقدة نتيجة الخلل الذي اصاب الابنية المدرسية وكذلك التجهيزات الدراسية بما فيها رحلات الجلوس وغيرها.
يعاني قطاع التربية والتعليم في البلاد من مشاكل كبيرة، والتي اذا اردنا تشخيصها ووضع حلول مناسبة لها يتطلب الامر الى دراسات عميقة بالاعتماد على مستشاريين متمرسين في المجال التربوي، لضمان العودة بالقطاع الى سابق عهده في السنين القليلة الماضية.
هذا الانخفاض بنسب النجاح يضع اولياء الامور في مواجهة مع شبح التكلفة المالية القادمة من خلال ارسال ابنائهم الى مدرسين خصوصين وبالنتيجة فأن هذه الخطوة ترهق كواهلهم وما يحتم عليهم مواجهة الظروف القاسية التي سوف تعترض المسيرة الدراسية لابنهم.
في مثل هذه الحالات وكما عودتنا وزارة التربية وللخروج بالوجه الابيض كما يقال امام اولياء الامور وغيرهم من الجهات فهي تعمد الى السماح للطلبة بأجراء دور ثالث للامتحانات سعيا منها لرفع نسبة النجاح التي تتحمل مسؤولية كبيرة من وراء تدنيها.
لا يمكن ان نضع اللوم على الطالب بصورة كاملة في التدني لان ذلك غير منصف تماما، لو تمعنا بنسب بعض المدارس لوجدنا ان نسب النجاح فيها 100% مقارنة بغيرها التي قد تصل الى 20% او اقل من ذلك والسبب يعود بذلك للبيئة الدراسية الصحية المتوفرة بالنوع الاول من المدارس ذات النسبة المرتفعة، فهي تتوفر فيها المختبرات والصفوف الكافية لاعداد الطلاب فمن الطبيعي ان تجد الطلبة يجتهدون ويبدعون بمثل هذه البيئة، في حين نجد بعض التلاميذ لا يزالون يتلقون دروسهم في مدارس طينية تفتقر لابسط مقومات التدريس وهنا وضع السبب الذي يقف وراء التدني.
يضاف الى ما سبق ذكره من عوامل هو التباين الشديد في اساليب الادارة المدرسية فهنالك مدارس تعتمد في تعليمها على الكفاءات العلمية، وتوجد اخرى في مناطق نائية يصعب على تلك الطاقات العلمية الذهاب اليها لاسباب كثيرة يؤدي بالنتيجة الى اختلاف كبير في النتائج النهائية لكلا المدرستين الحكوميتين.
وزارة التربية من الوزارات الحيوية والمهمة بذات الوقت، ومن سوء الحظ انها تدار بالوكالة من قبل وزير التعليم العالي والبحث العلمي منذ تشكيل حكومة عادل عبد المهدي ولغاية الآن، وهذا بحد ذاته يمكن ان يسهم وبشكل جلي بتراجع مخرجات العلمية التربوية، اذ لا يوجد الوقت الكافي للوكيل لوضع الخطط والقارارات التي من شأنها النهوض بأداء الطواقم التدريسية بمختلف المراحل الدراسية.
التعليم في العراق يعاني ومنذ سنوات من تراكم الاخطاء وتركات بعض الوزراء الذين غاب عن مخيلتهم الاستفادة من التجارب العلمية الناجحة في بعض الدول الجارة من بينها التجربة القطرية وكذلك بعض دول الخليج العربي التي بادرت باستقدام مستشارين في المجال من دول اوربية لاعادة التجربة التعليمية في بلدانهم امل منهم في النهوض بذلك القطاع الذي اصبح التراجع السمة الملاصقة له، وهذا يتجسد في خروج البلدان العربية من اغلب التصنيفات العالمية على مستوى المدارس الابتدائية والجامعات على حد سواء.
ايضا هنالك مسألة ربما لم يتم التطرق اليها ولكنها من الاسباب الرئيسة في التراجع العلمي، وهي مسألة الدوام المزدوج الذي يعد مرض عضال اصاب العلمية التربوية، ففي احصائية اخيرة لمديرية تربية كربلاء كشفت ان تسعين مدرسة في كربلاء تستغل بثلاث دوامات والمتبقي منها ثنائي مع وجود ندرة في المدراس التي تستغل بدوام واحد فقط، ما ينذر بمدى الخطورة التي تداهم التعليم كون لا يتعدى الوقت المخصص لكل دوام ثلاث ساعات يتخللها الاستراحات وغيرها من التوقفات التي تحصل بصورة لا ارادية ووفق هذه المدة الزمنية لا يستطيع المدرس اعطاء المادة العلمية بصورة كافية ووافية.
الكثير من الدول تضع في مقدمة حساباتها التنموية هو بناء النظام التعليمي وفق رؤوية صحيحة قائمة على التخطيط الذي يراعي التطورات الحاصلة في البلاد من الزيادة السكانية الى نمو القطاع الاقتصادي، فضلا عن وضع خطة لمعرفة مدى حاجة الابنية المدرسية لاستيعاب اعداد الطلبة المتزايد سنة بعد اخرى.
ما يحصل في العراق هو اهمال واضح وقد يكون متعمد يضاف الى قائمة التقصير الحكومي الذي ارهق القطاعات الاخرى وليس التعليم فحسب، ما يحتم على الجهات التي تتمتع بمقبولية وقدرة على احداث تأثير في الرأي العام الالتفات وانقاذ الجانب التربوي والتعليمي في العراق من الغرق في بحر المحاصصات السياسية التي لم تجلب سوى الدمار والخراب والتخلف.