الإذاعة والتنشئة الاجتماعية للطفل
د. منير طبي
2017-05-18 07:49
تحتل برامج الأطفال في الإذاعة مكانة كبيرة في كل إذاعات حكومات ودول العالم، وهو اهتمام له ما يفسره على أساسين، الأول أن الطفولة هي مستقبل الشعوب والأمم، والثاني أن الإذاعة يمكنها أن تقوم بدور كبير ومهم، جنبا إلى جنب مع باقي المؤسسات المجتمعية المعنية بالتنشئة الاجتماعية للطفل، كالأسرة والمسجد والجمعية والمدرسة ووسائل الإعلام الاتصال، والجماعات المرجعية الأخرى كالأصدقاء والزملاء، وعلى هذا الأساس فالإذاعات المختلفة محلية كانت أو وطنية تخصص مجموعة من البرامج الموجهة للأطفال، والتي تعنى بالتنشئة الاجتماعية، حيث يتم التفكير فيها والتخطيط لها وتنفيذها وتقييمها وفق معايير علمية وأخلاقية وتربوية ونفسية، تصب كلها في تحقيق هدف واحد، وهو التنشئة الاجتماعية الحسنة للطفل بكل أبعادها وأشكالها ومستوياتها.
الدور الاجتماعي للإذاعة
يتحدث عيسى الشماس في مقال له حول وسائل الإعلام والتنشئة الاجتماعية، على أن الإذاعة تؤدي بخصائصها المميّزة دورا هاما بين وسائل التنشئة الاجتماعية، بمالها من تأثيرات فعّالة في شخصيات الأفراد/المستمعين، ولاسيما تزويدهم بالمعارف والخبرات المختلفة، وتعزيز أنماط السلوك المرغوبة والقيم السائدة في المجتمع، أما بالنسبة للطفل، فإن الإذاعة وعبر برامجها المختلفة تقدّم للطفل مواقف وعلاقات اجتماعية معينة، وتعلّمه كيف يمكنه أن يواجه تلك المواقف في حياته الواقعية، الحالية والمستقبلية.
وإذا كان البعض يعتقد أن انعدام الصورة في الوسيلة الإذاعية تمثّل أحد أوجه النقص بالمقارنة مع التلفاز أو السينما، فإنه من ناحية أخرى يمكننا أن نعتبر ذلك إحدى الميزات التي يتفوّق بها المذياع على الوسائل السمعية والبصرية الأخرى في مجال التثقيف بصفة خاصة، وذلك لأن انعدام الصورة يساعد الطفل المستمع على تركيز انتباهه على الكلمة وعلى النص المذاع، ممّا يؤدي إلى زيادة استفادته وتعميق تحصيله في هذا المجال، لكن هذا لا يدفعنا إلى غضّ النظر عمّا ينبغي أن تتميّز به المادة الثقافية المذاعة، من وضوح العبارات والأفكار، وتبسيط المفردات وبطء الإلقاء بحيث يتناسب مع القدرة النسبية للأطفال على الاستيعاب والمتابعة، ولاسيَّما أن المستمع لا يتمكن من إيقاف المتحدث أو مراجعته بقصد الاستفسار والفهم.
ويضيف عيسى الشماس واعتماداً على المعلومات وأساسيات العلم التي يتلقاها الأطفال في المدرسة، تهدف برامج الأطفال الإذاعية إلى تنمية المزيد من المعلومات المعرفية وإلى ترقية الاهتمامات بالعلم وتطبيقاته، وتهيئة الأطفال لمزيد من القراءة والاطلاع، ويمكننا تنظيم برامج بعنوان (جولات في عالم المعرفة) يحقّق هذا الهدف ويستضيف شخصيات معروفة في مجال العلم والفن، كما يمكن أن تنظّم برامج يجري فيها الأطفال أحاديث مع أطفال يسبقونهم سنّاً وتعليماً حول موضوعات حيوية هامة تتناول: حقيقة المواطن الصالح، حب الوطن، مغزى الحياة، التفاعل الاجتماعي السليم، أحلام المستقبل، محاربة كل ما يهدر طاقات الإنسان من تواكل ولا مبالاة وغير ذلك.
وفي هذا الإطار تخصص برامج الإذاعات في العالم برامج خاصة للأطفال سواء التعليمية منها أو الترفيهية أو التربوية، التي تسعى إلى إكساب الطفل القيم والمعايير الاجتماعية الإيجابية، ويعود هذا الاعتبار إلى أن الطفولة هي المستقبل، فيمكن للإذاعة أن تؤدي دورا أساسيا إلى جانب الأسرة والمدرسة، ووسائل الإعلام الأخرى، في التربية الشاملة، والتنشئة الاجتماعية وتساهم هذه البرامج في بناء شخصية الطفل وزيادة قدرته اللغوية وثقافته، وتوسيع مداركه وتزيد من علاقاته الاجتماعية بفتحها آفاق اجتماعية جديدة أمامه، وذلك من خلال عرض خبرات متنوعة، وسلوكيات متعدّدة لشخصيات مختلفة، إيجابية وسلبية، تكون بصفاتها ومواقفها متناسبة مع عمر الطفل ومستوى نضجه العقلي والنفسي، فيتلقاها ويستمع إليها ويتابعها بعناية، ويستوعب دلالاتها الفكرية والسلوكية.
ويتّضح دور الإذاعة – بصفة جلّية- في العملية التربوية والتعليمية، حسب دليلة عامر في دراسة أكاديمية حول البعد التربوي والتعليمي في البرامج الإذاعية الموجهة للطفل، عندما يتناول المنهج الدراسي بأسلوب متطور يجعل الحقائق العلمية سهلة التصور، بفضل استخدامها طرقا مختلفة عن تلك التي تُستخدم في الفصل، وبإمكان الإذاعة أن تؤدي دورها التربوي عندما تتيح للتلاميذ الفرصة للمساهمة في العمل الإذاعي وتقديم برامجها وحرية نقدها، وتعمل الإذاعة بفضل برامجها التربوية على ترسيخ المفاهيم الدينية والأخلاقية في أذهان الأطفال، وتصحيح سلوكياتهم، وتوطيد صلتهم بوطنهم، وتمتين روابطهم بمحيطهم الاجتماعي والبيئة، والحث على المحافظة عليه، ولما كانت الإذاعة تتميز بالخصائص التي تؤهلها لمساعدة التلاميذ في المدرسة، أنشئت إذاعات مدرسية في العديد من المدارس الغربية والعربية.
وقد قام عدد كبير من الباحثين والعلماء بوضع تصنيفات لتأثير وسائل الإعلام وأهدافها، حسب ما يؤكده الطاهر علي موهوب إبراهيم، عندما تحدث عن وسائل الإعلام ودورها في عملية التنشئة الاجتماعية، وفي هذا الإطار يعرض الطاهر علي أهم التصنيفات التي وضعها الباحث الأمريكي \"جوزيف كلابر\" Joseph T. Klapper والذي أشار إلى أن اتجاهات تأثير وسائل الإعلام محدودة بالنسبة لأي موضوع، فأي رسالة تهدف إلى التأثير قد:
- تخلق آراء أو اتجاهات بين الأفراد الذين لم يكن عندهم أي اتجاهات أو آراء حول الموضوع.
- تدعيم (تزيد أو تؤيد) اتجاهات موجودة فعلاً.
- تقلل من شدة الاتجاهات الموجودة بدون أن تحقق تحولاً بالفعل.
- تجعل من الأفراد يتغيرون لناحية عكس تلك التي كانوا يعتنقونها.
- لا يكون لها أي تأثير على الإطلاق على الأقل من الناحية النظرية.
ويشير الطاهر علي إلى أهم الأساليب النفسية والاجتماعية التي تتبعها وسائل الإعلام في عملية التنشئة كما يلي:
التكرار: حيث تعتمد وسائل إعلام الطفل، شأنها شأن وسائل الإعلام العامة إلى إحداث تأثير معين عن طريق تكرار أنواع معينة من العلاقات والشخصيات والأفكار والصور، ومثل هذا التكرار يعرف الأطفال أشياء كثيرة عن الحياة، وعن مجتمعهم.
الجاذبية: ومما يضاعف أثر التكرار تنوع الأساليب التي تشد الأطفال إلى وسائل الإعلام العامة.
الدعوة إلى المشاركة: قد يلجأ موجهو بعض وسائل الإعلام إلى دعوة الأطفال إلى المشاركة الفعلية، وذلك إما بالكتابة أو الرسم لإبداء رأي أو حل مشكلة في موضوع معين، وهذا الأسلوب قد يرتبط مع الطفل بإعطائه مكافأة أو تحقيق أمنية له، ولو بذكر اسمه أو نشر صورة له.
عرض النماذج: وهذه النماذج قد تكون نماذج شخصية يتمثل فيها سلوك معين، لشخص يشغل مكانة مرموقة في المجتمع مما يخلق القدوة الحسنة لدى الطفل.
ومن هنا يتبين مدى أهمية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في عملية التنشئة الاجتماعية للأفراد حسب الطاهر علي، والتي يمكن اعتبارها من أهم المؤسسات الاجتماعية بعد الأسرة، تأثيراً في حياة الفرد، حيث أنها قد تكون أداة فعالة وقوية في نشر وترسيخ القيم والقواعد الخلقية والإنسانية، أو قد تكون أداة لهدم بناء المجتمع بكل قواعده القيمية والأخلاقية، وهو ما يتفق مع ما يشير إليه البعض من أن وسائل الإعلام لها أثرها في تربية وسلوك النشء، فإذا كانت وسائل الإعلام رديئة المستوى فإن لها أثرها الضار بالمستوى العام والأخلاق.
مواصفات البرامج الإذاعية الموجهة للطفل وأهدافها
تقول أمل حمدي دكاك في معرض حديثها عن البرامج الإذاعية الموجهة إلى الطفل وأشكالها الفنية، أنه عندما نضع المعلومة والطرفة والخبر والحكاية والمسابقة، ضمن خط فكري متكامل ولغة بسيطة سهلة، يتكون برنامج إذاعي يشد انتباه الطفل، يؤثر فيه كما أن القدرة الأدبية والذوق العام واستخدام قوالب فنية مقبولة، عوامل هامة لنجاح البرنامج الإذاعي الموجه للطفل، والذي يتسم بوجود صفات هي:
الوضوح والإيجاز: حتى لا يصيب الطفل التعب الذهني والنفسي، فعندما يستمع إلى مادة إعلامية صعبة الفهم وطويلة يتعب ذهنه.
استخدام موسيقى مميزة ومثيرة لا سيما في مقدمة البرنامج (الشارة)، وأغنيات تخص الأطفال بمضمونها الهادف وقالبها البسيط.
وحدة البرنامج وتناسق فقراته.
التناسب بين مضمون البرنامج وشكله، وحصيلة الطفل اللغوية ومستوى نموه العقلي والعاطفي والنفسي والاجتماعي.
تقديم معلومات دقيقة وصحيحة بإمكانات فنية قادرة على بعث الحياة في النص، وتقديمها في أوقات مناسبة لأكبر عدد من الأطفال.
استخدام شخصيات صادقة ومعبرة وواقعية لأن الطفل شديد القدرة على التمييز.
تقديم المتعة والترفيه إضافة إلى العلم والفكر والتجربة في صورة مقنعة وجذابة.
ومهما بلغت قيمة البرنامج الإذاعي الموجه للطفل وجودته، تضيف أمل حمدي دكاك فلا ينبغي له الوقوف عند شكل أو قالب ما...يجب التطوير بشكل مستمر في المضمون والشكل، لمرافقة التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية التي تجري في المجتمع، وتسعى برامج الأطفال الإذاعية إلى تحقيق أهداف تربوية هي:
• الأهداف اللغوية: وهي تسعى إلى تنمية المهارات والثروة اللغوية وإثراء خيال الطفل، ومعرفة الأجناس الأدبية وإنماء القدرة التعبيرية والطلاقة والسلاسة في الكلام.
• الأهداف المعرفية العقلية: تسعى هذه البرامج إلى تنمية المعارف والمعلومات والقدرات العقلية المختلفة، من إدراك للعلاقات ونقد وتحليل وربط الأسباب بالمسببات، وتنمية حب الاستطلاع والرغبة في البحث والاستكشاف وتنمية ملكة الحفظ وتوسيع الوعاء الثقافي للطفل، مما يجعله قادرا على الحوار ونقد آراء الآخرين واكتشاف ما بها من قوة أو خلل.
• الأهداف الخلقية والاجتماعية: هدف برامج الأطفال إمدادهم بالقيم النافعة وتخليصهم من القيم السلبية، وغرس الفضائل في نفوسهم وتهذيب السلوك لديهم، وتوجيههم إلى تبني الاتجاهات المختلفة التي يقبلها المجتمع ويرتضيها.
• الأهداف النفسية والوجدانية: تسعى هذه البرامج إلى تمكين الطفل من التعبير عن نفسه، وشحذ عواطفه واكتشاف الميول والمواهب الأدبية وتوجيهها وتنميتها، وتنمية الميل إلى القراءة وحب الاطلاع والوقوف على المادة القرائية الجيدة، وذلك من خلال توجيه الطفل لاستغلال وقت الفراغ واستثماره لقراءة الأعمال الأدبية الجيدة.
• الأهداف التعليمية: تعد وسائل الإعلام بمختلف أنواعها أداة توصيل جيدة للأفكار والمعلومات، ويمكن لهذه الوسائل أن تجد في الموضوعات الدراسية معينا لها، بحيث تختار من هذه الموضوعات مواد معينة تقدمها للطفل المستمع. لكن هذا لا يعني أن تتحول الإذاعة وبرامجها المخصصة للأطفال إلى كتب مدرسية، وإنما يمكن أن تحول بعض موضوعاتها إلى قصص ومسرحيات، وخصوصا تلك الموضوعات التي تمثل الحوادث التاريخية وتعرف الطفل بالعلم والعلماء.
• الأهداف الجمالية: تتمثل هذه الأهداف في تنمية الذوق الفني الجمالي القادر على التمييز ما بين الجيد والرديء، ورعاية الموهبة وتطويرها واستثمارها وتهذيب نفس الطفل، بحيث يصبح قادرا على التعامل بشكل إيجابي مع الآخرين.
• الأهداف الترفيهية: تتمثل هذه الأهداف باستبعاد فكرة حشو ذهن الطفل بالمعلومات الجامدة وإبعاده عن جو الملل، من خلال تزيين المادة الإذاعية بقالب ترفيهي خفيف، يحوي الضحكة والابتسامة والتسلية.
وتضيف ليلى كرم الدين في مقال لها حول برامج الأطفال وتحقيق الحاجات النفسية وتنميتها، مجموعة من العناصر التي تساهم في تحقيق الحاجات النفسية وتنميتها من خلال برامج الأطفال وهي:
- ضرورة مراعاة خصائص الأطفال ومرحلة نموهم اللغوي والعقلي والاجتماعي والانفعالي، وحاجاتهم وميولهم عند مختلف المراحل والأعمار.
- ضرورة الحرص على إمتاع الطفل وإسعاده وإدخال البهجة على قلبه وتعليمه وتثقيفه كلما أمكن، عن طريق اللعب والمرح والفكاهة والبعد عن الوعظ المباشر.
- ضرورة الحرص على أن يكون للطفل دور فعال وأن يشارك بنشاط فيما يقدم له من برامج، وألا يقتصر دوره فيما يقدم له من مواد على دور المتلقي السلبي إلا في أضيق الحدود.
- ضرورة أن تساعد البرامج التي تعد وتقدم للأطفال على الاستثارة والاستفادة من حب الاستطلاع الفطري الطبيعي لدى الأطفال.
- ضرورة مراعاة الجوانب الشكلية والجمالية عند إعداد برامج الأطفال، بحيث تقدم لهم الألوان الجذابة الجميلة والأصوات المبهجة الراقية، التي تساعد على تنمية الحس الجمالي والتذوق الفني لدى الأطفال.
- ضرورة الحرص على ألا تساعد البرامج التي تقدم للأطفال على زيادة عدوانيتهم وإفراطهم في النشاط.
- ضرورة الحرص على إعداد برامج خارجية تخرج بالطفل للبيئة المحيطة به ولمجتمعه بشكل عام، لتزيد من خبراته وتوسع مداركه.
- ضرورة الحرص على إعداد برامج ومواد تمس حاجات ومشكلات وقضايا الأطفال في مختلف البيئات الحضارية والطبقات الاجتماعية والاقتصادية بالمجتمع العربي.
- ضرورة الاهتمام بمعرفة آراء الأطفال فيما يقدم لهم من برامج، وأخذها في الاعتبار عند تخطيط وإعداد وتقديم البرامج لهم.
- ضرورة الاهتمام عند إعداد برامج الأطفال على أن تساعد هذه البرامج على إعداد الأطفال لعالم الغد وللتعامل مع تكنولوجيا العصر.
- ضرورة الحرص الشديد على أن تساعد هذه البرامج على تحقيق انتمائهم لأوطانهم وقوميتهم وحضارتهم، بالإضافة لما تحققه لهم من متعة وبهجة وتعليم وتنشئة وتنمية وإعداد للتعامل مع عالم الغد.