هل تغير سياسات ترامب سوق النفط العالمية؟
إيهاب علي النواب
2017-02-12 06:45
مخطىء من كان يرى ان سياسات ترامب تستهدف العلاقات الخارجية وحسب، اذ اظهرت الايام الماضية ان ثمة هناك تحولات وتغيرات طرأت على المشهد الداخلي للاقتصاد الاميركي، اذ بدا الامتعاض والتوجس والقلق على معظم كبريات الشركات الموجود داخل الولايات المتحدة الاميركية، لاسيما شركات صناعات السيارات وشركات النفط، اذ ان التعديلات الضريبية والقوانين المتعلقة بالاستثمار في الخارج والدعم المحلي اثارت حفيظة الجميع، بما في ذلك قطاع النفط الاميركي، وبالتالي نجم عن ذلك ردود افعال متباينة في عما سيكون عليه الوضع مستقبلا في ظل سياسة ترامب مجهولة المستقبل.
فقد صرحت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن مخزونات النفط الخام بالولايات المتحدة ارتفعت الأسبوع الماضي مع قيام مصافي التكرير بخفض الإنتاج في حين هبطت مخزونات البنزين وارتفعت مخزونات نواتج التقطير، وارتفعت مخزونات الخام 13.8 مليون برميل بينما توقع المحللون زيادتها 2.5 مليون برميل، وأضافت إدارة معلومات الطاقة إن مخزونات الخام بنقطة التسليم في كاشينج بولاية أوكلاهوما زادت 1.1 مليون برميل.
وانخفض استهلاك الخام بمصافي التكرير 54 ألف برميل يوميا حسبما أظهرت بيانات الإدارة، وتراجع معدل تشغيل المصافي 0.5 نقطة مئوية، وهبطت مخزونات البنزين 869 ألف برميل في حين توقع المحللون أن ترتفع بمقدار 1.1 مليون برميل، كما ارتفعت مخزونات نواتج التقطير التي تشمل الديزل وزيت التدفئة 29 ألف برميل مقابل توقعات بزيادة قدرها 300 ألف برميل، وارتفعت واردات الولايات المتحدة من الخام 1.1 مليون برميل يوميا.
توقعات بتراجع الطلب على البنزين في ظل زيادة انتاج الغاز والنفط
تواجه المصافي الأمريكية احتمال تراجع الطلب على البنزين لأول مرة في خمسة أعوام ما يؤجج المخاوف من أن أرباح العام الحالي قد تكون أسوأ من مستويات 2016 التي جاءت مخيبة للآمال، وتأتي مؤشرات تراجع الطلب على البنزين في وقت تعاني فيه المصافي الأمريكية من أسوأ عام من حيث الأرباح منذ بدء طفرة النفط الصخري في 2011، فقد تبددت طفرة النفط الصخري في 2014 وجنت المصافي الأمريكية المستقلة ثمار ذلك حيث ساهم انخفاض أسعار البنزين ونمو الاقتصاد في تغذية الطلب على الوقود.
ومع تكوين المصافي احتياطات كبيرة أضرت بهامش الأرباح إلا أن الطلب القياسي على البنزين والصادرات القوية ساهما في الحيلولة دون مزيد من الخسائر، ويواجه القطاع الآن احتمال ارتفاع أسعار النفط الخام عقب تخفيضات الإنتاج العالمي وبيانات اتحادية جديدة تشير إلى احتمال تآكل الشبكة التي تحمي الطلب على البنزين.
وأضافت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن متوسط إمدادات البنزين في الولايات المتحدة في أربعة أسابيع بلغ 8.2 مليون برميل يوميا وهو أدنى مستوى منذ العام 2012، ويراقب التجار الطلب على البنزين في الولايات المتحدة عن كثب إذ أنه يمثل 10 في المئة من إجمالي الاستهلاك العالمي.
من جهة اخرى ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن إنتاج الغاز الطبيعي الجاف في 2017 سيزيد إلى 73.69 مليار قدم مكعبة يوميا من 72.34 مليار قدم مكعبة يوميا في 2016، الا ان توقعات الإدارة لإنتاج 2017 كانت أعلى من ذلك عند 73.78 مليار قدم مكعبة يوميا كما أن أحدث توقعاتها يقل عن المستوى القياسي المرتفع المسجل في 2015 والبالغ 74.14 مليار قدم مكعبة يوميا في المتوسط، وتوقعت الإدارة تراجع استهلاك الولايات المتحدة من الغاز إلى 74.68 مليار قدم مكعبة يوميا في 2017 من مستوى قياسي مرتفع بلغ 75.08 مليار قدم مكعبة يوميا في 2016. ومستوى 2016 هو سابع مستوى قياسي مرتفع للطلب على التوالي، وكانت توقعات إدارة معلومات الطاقة في الشهر الماضي تشير إلى طلب حجمه 75.37 مليار قدم مكعبة يوميا في 2017.
وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ايضاً ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام 300 ألف برميل يوميا على أساس سنوي في 2018 حسبما أظهره تقريرها الشهري لتوقعات قطاع الطاقة في المدى القصير، وبينت الإدارة إن إنتاج الخام سيزيد إلى 9.3 مليون برميل يوميا العام القادم من تسعة ملايين برميل يوميا في 2017. وعدلت رقمها لإنتاج الخام الأمريكي في 2017 إلى زيادة 110 آلاف برميل يوميا في حين كان توقع الشهر السابق لانخفاض سنوي 80 ألف برميل يوميا، ومن المنتظر نمو الطلب الأمريكي على النفط 370 ألف برميل يوميا في 2018 إلى 20.22 مليون برميل يوميا. وبالنسبة لعام 2017 فمن المتوقع نمو الطلب 260 ألف برميل يوميا بينما كان التوقع السابق لنمو قدره 240 ألف برميل يوميا.
تعديل ضريبي أمريكي قد "يغير وجه" سوق النفط العالمية
أفاد المحللون في جولدمان ساكس إن مساعي الجمهوريين في مجلس النواب الأمريكي للتحول إلى نظام لضريبة الشركات يأخذ في الحسبان حركة البضائع عبر الحدود قد يرفع سعر الخام الأمريكي ليتجاوز خام القياس العالمي برنت مما سيؤدي لزيادة الإنتاج المحلي، ويهدف الإجراء الضريبي المقترح إلى تعزيز الصناعة الأمريكية عن طريق فرض ضرائب على الواردات مع إعفاء إيرادات الشركات الأمريكية المصدرة إلى الخارج من ضريبة الشركات.
وبين جولدمان إنه يتوقع قفزة 25 بالمئة في أسعار العقود الآجلة للخام الأمريكي المعروف بغرب تكساس الوسيط والمنتجات المكررة مقارنة مع الأسعار العالمية في حالة تطبيق ذلك التحول، لكن بنك الاستثمار أضاف أن ضبابية كبيرة تكتنف ما إذا كانت تلك السياسة ستمضي قدما بسبب بواعث القلق من عدم الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية ناهيك عن أن أسعار عقود النفط الحالية تنبئ بأن احتمال تنفيذ ذلك التحول قد لا تزيد على تسعة بالمئة، وأضاف جولدمان "في حالة تطبيقه فإن التداعيات على سوق النفط ستكون كبيرة، اذ توقع أن يتحول غرب تكساس الوسيط إلى علاوة سعرية قدرها عشرة دولارات فوق برنت من خصم قدره ثلاثة دولارات - أي حركة نسبية قدرها 13 دولارا (+25 بالمئة) على الفور، وعقود خام برنت متداولة يوم الثلاثاء بعلاوة 2.40 دولار فوق الخام الأمريكي.
كما صرح البنك إن زيادة الأسعار قد تشجع المنتجين على زيادة النشاط محذرا من أن زيادة الإنتاج الأمريكي في سوق بدأت تستعيد توزانها للتو قد تؤدي من جديد إلى تخمة نفطية كبيرة في 2018 مما قد يفضي إلى انخفاض حاد فوري في أسعار النفط العالمية، ويتوقع تراجع أسعار برنت إلى 50 دولارا للبرميل في 2019 بافتراض ارتفاع الدولار الأمريكي 15 بالمئة عند تطبيق التعديل الضريبي وزيادة تكاليف الإنتاج العالمية 30 بالمئة بفعل زيادة تكاليف الإنتاج الأمريكي، وأضاف محللو جولدمان أن أسعار برنت قد تنخفض إلى 40 دولارا للبرميل في 2020 إذا استمرت زيادة التكاليف في المدى الطويل.
عمالقة النفط في أمريكا تقف بالضد من الاصلاح الضريبي لترامب
قد تواجه شركات النفط الكبرى في الولايات المتحدة موقفا فريدا لحماية مصالحهم في مواجهة مقترح للجمهوريين لفرض ضريبة على الواردات بالنظر إلى أن إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب مرصعة بأسماء كبيرة في القطاع حساسة تجاه مخاطر ارتفاع أسعار البنزين، ويتضمن الفريق الانتقالي لترامب الرئيس التنفيذي لإكسون موبيل ركس تيلرسون والذي رشحه الرئيس المنتخب وزيرا للخارجية وريك بيري حاكم ولاية تكساس السابق الذي رشحه وزيرا للطاقة والمدعي العام لأوكلاهوما سكوت برويت الذي رشحه لرئاسة وكالة حماية البيئة.
ويريد الأعضاء الجمهوريون في مجلس النواب تبني إصلاحا ضريبيا سيخفض بشدة معدلات الضريبة على الشركات وينهي الضرائب على أرباح الشركات الأمريكية في الخارج، لكن بندا يعرف باسم تعديل الحدود يثير جدلا. ورغم أنه يهدف لدعم الصناعات التحويلية الأمريكية من خلال إعفاء إيرادات الصادرات من الضرائب إلا أنه يثير قلق بعض الصناعات لأنه سيفرض أيضا ضريبة على الواردات.
ولأن مصافي النفط الأمريكية تستورد نحو نصف كميات الخام الذي تستخدمه لإنتاج البنزين ووقود الديزل ومنتجات أخرى يقول محللون إن التغيير ربما يؤدي إلى ارتفاع أسعار البنزين ومن المحتمل أن يقوض النمو الاقتصادي، وقد تتضرر أيضا شركات النفط المتكاملة مثل إكسون ورويال داتش شل وكونوكو فيليبس ويعتمد ذلك على موقفها كمستورد صاف.
ويتمثل الخطر في أن تلك الخطوة لحماية المصافي النفطية قد تفتح الباب لمساعدة قطاعات أخرى من بينها شركات التجزئة وشركات صناعة السيارات التي ستواجه أيضا ارتفاعا في النفقات إذا لم تتمكن من خصم تكلفة الواردات من دخلها الخاضع للضريبة، وقد يحرم ذلك تعديل الحدود من جمع إيرادات متوقعة بقيمة تريليون دولار للمساهمة في تمويل خفض الضرائب على مدى السنوات العشر القادمة، ورغم ذلك يستبعد بعض الخبراء الاقتصاديين في القطاع زيادة نفقات الواردات ويقولون إن قيمة الدولار سترتفع استجابة لمثل تلك التغييرات الضريبية الشاملة مما يخفض في نهاية المطاف تكلفة الواردات. وهم يتوقعون أن تتكيف أسواق العملة مع ارتفاع أسعار النفط بخفض القيمة الدولارية للخام.
الجيش الأمريكي على مد خط أنابيب مثير للجدل
يعتزم الجيش الأمريكي إعطاء الموافقة النهائية على خط أنابيب النفط داكوتا أكسيس المثير للجدل بعد أمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالإسراع في تنفيذ المشروع رغم معارضة قبائل من الأمريكيين الأصليين وناشطين في مجال حماية البيئة، وذكر الجيش في وثائق مقدمة للمحكمة إنه سيسمح بمرور القسم الأخير من خط الأنابيب أسفل بحيرة أواهي في نورث داكوتا وهي بحيرة شكلها سد على نهر ميزوري، وقد يفسح ذلك المجال أمام بدء تشغيل خط الأنابيب البالغة قيمته 3.8 مليار دولار.
وتتولى انرجي ترانسفير بارتنرز بناء خط الأنابيب البالغ طوله 1885 كيلومترا للمساعدة في نقل الخام من حقول النفط الصخري في نورث داكوتا إلى إلينوي متجها إلى خليج المكسيك حيث يوجد الكثير من المصافي الأمريكية، وجذبت احتجاجات على المشروع العام الماضي آلاف الأشخاص إلى سهول نورث داكوتا ومن بينهم السكان الأمريكيون الأصليون وناشطو حماية البيئة.
وكانت الموافقة آخر عقبة بيروقراطية تحول دون استكمال خط الأنابيب ولقي القرار إشادة من مؤيدي المشروع ورد فعل غاضب من النشطاء تضمن تعهدات من قبيلة ستاندنج روك سيوكس بالطعن أمام القضاء، وتقول القبيلة إن خط الأنابيب ينتهك حرمة أماكن مقدسة وقد يلوث مواردها المائية وتعهدت بإغلاق عملياته إذا جرى استكمال بنائه لكنها لم توضح كيف ستقوم بذلك. ودعت القبيلة أنصارها إلى الاحتجاج في واشنطن.
وكانت حكومة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أرجأت العام الماضي استكمال خط الأنابيب انتظارا لإعادة النظر في المخاوف القبلية وأمرت في ديسمبر كانون الأول بإجراء دراسة بيئية، وقبل مرور أقل من أسبوعين على إصدار ترامب أمرا بمراجعة طلب الموافقة بين الجيش في الوثائق المقدمة إلى المحكمة الجزئية في واشنطن إنه سيلغي هذه الدراسة، وأشارت الوثائق إلى أن الموافقة النهائية ستأتي في غضون يوم، ويرى مؤيدو المشروع إن خط الأنابيب أكثر أمانا من استخدام السكك الحديدية أو الشاحنات في نقل النفط.
سياسات ترامب والاقتصاد الاميركي
يبدو ان ترامب يريد من خلال سياسته وكما اعلن هو اعادة الهيبة المفقودة لامريكا، الا ان هناك ثمة فرق بين الهيبة السياسية والهيبة الاقتصادية، وفي كلا الامرين فأن السياسة الامريكية والاقتصاد الامريكي متفوقان على الجميع؟! اذ وعلى صعيد الاقتصاد مازالت امريكا تملك اكبر ناتج محلي اجمالي (GDP)، في العام يصل الى 18 تريليون دولار لعام 2015، بحسب بيانات البنك الدولي، الى انه يبدو ان ترامب يسعى الى شيء اخر اكبر من اعادة هيمنة اميركا، وكما هو معلوم ان الامر لايقتصر على اجراء تغييرات في اميركا سواء على المستوى السياسي والاقتصادي.
بل يتعدى الامر الى اكثر من ذلك من خلال اعادة هيكلة التجارة الدولية ورسم خارطة الاقتصاد العالمي، والانتقال من العولمة العالمية الى المحلية، اي بمعنى اخر التحول من الاستفادة عالميا من مزايا التجار التي هي اصلا تصب في صالح الدول المتقدمة الى ان تكون هذه المزايا محصورة بااميركا وحسب، وهنا يرى البعض ان ترامب قد لاينجح في خططه هذه لاستحالتها على الاقل ضمن دورته الانتخابية هذه، الا انه يرون انها قد تكون بداية لمن سيأتي فيما بعد من أجل خلق توازنات جديدة على المستويين السياسي والاقتصادي قائمة على فكرة التقسيم الجغرافي وبناء خارطة جديدة سياسية واقتصادية.