منتدى دافوس الاقتصادي: صناعة توازن ام خلل في الاقتصاد العالمي؟
إيهاب علي النواب
2017-01-19 07:58
يسعى المجتمعون في منتدى دافوس الى اعادة التوازن والتغلب على التحديات لاسيما بعد التغيرات الاخيرة ابتداءاً من تدهور اسعار النفط وصعود ترامب وارتفاع مستوى الدولار الى مسائل اخرة متعلقة بالتجارة والحمائية، اذ عرض الرئيس الصيني شي جينبينغ في دافوس رؤيته للعولمة على نخب اقتصادية تواجه ريبة متزايدة من الشعوب الغربية وعداء متزايدا للانفتاح على التبادل الحر، خلال المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يعقد في دافوس بسويسرا، وشي جينبينغ أول رئيس صيني يعتلي منبر منتدى دافوس ليخاطب ثلاثة آلاف من القادة الاقتصاديين والسياسيين المجتمعين في منتجع التزلج الذي تحول إلى موقع محصن حتى انتهاء المنتدى.
ومن أبرز التحديات الجديدة فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية وانتقاله إلى البيت الأبيض، بعد حملة انتخابية ركزها على التنديد بالتبادل الحر الذي يدعو إليه المشاركون في منتدى دافوس، وينعقد المنتدى هذه السنة في ظل العداء المتزايد من جانب شريحة كبيرة من الشعوب الغربية حيال العولمة، ولا سيما بين طبقات وسطى تعاني من تراجع أوضاعها، وقد صوتت لصالح ترامب وخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وتهدد ببلبلة اللعبة السياسية في فرنسا وألمانيا ودول أخرى.
دافوس يواجه مسألة انعدام الثقة
تراجعت الثقة في الحكومات والشركات والإعلام العام الماضي عندما هزت انتخابات أجريت في عدة دول من الولايات المتحدة إلى الفلبين المؤسسات السياسية ووصمت الفضائح العديد من الشركات، وأظهر مقياس إيدلمان السنوي للثقة الذي صدرت نتائجه قبيل بدء اجتماعات المنتدى الاقتصادي العالمي أن غالبية الشعوب تعتقد الآن أن النظم الاقتصادية والسياسية خذلتها.
ويجد نحو ثلاثة آلاف من مسؤولي الشركات والساسة والأكاديميين الذين يحضرون اجتماعات المنتدى في منتجع دافوس السويسري أنفسهم على مسافة أبعد بشكل متزايد من الناخبين والزعماء الشعبويين في مختلف أنحاء العالم والذين لا يثقون في الصفوة.
وبلغت نسبة ثقة الناس في الحكومات 41 بالمئة فقط وفي الإعلام 43 بالمئة وانخفضت الثقة في منافذ الأخبار بشكل خاص بعد عام أصبحت فيه عبارة "مرحلة ما بعد الحقيقة" كلمة العام في قواميس أكسفورد، وجاءت الثقة في الشركات أعلى قليلا عند 52 بالمئة لكنها انخفضت كذلك وسط فضائح منها تزوير فولكسفاجن لاختبارات انبعاثات الوقود وبطاريات أجهزة هواتف سامسونج القابلة للاشتعال، وتراجعت مصداقية مسؤولي الشركات في جميع الدول التي شملتها الدراسة وبلغت أدنى مستوياتها عند 18 بالمئة في اليابان وبلغت 28 بالمئة في ألمانيا و38 بالمئة في الولايات المتحدة.
وتراجعت الثقة في الحكومات في 14 من الدول التي شملتها الدراسة فانخفضت في جنوب افريقيا إلى 15 بالمئة بعد أن واجه رئيسها جاكوب زوما المعتاد على حضور المنتدي مزاعم فساد.
الرؤساء في دافوس أكثر تفاؤلا في المدى القصير
بدا الرؤساء التنفيذيون للشركات العالمية أكثر تفاؤلا بخصوص الاقتصاد ومستقبل شركاتهم في المدى القصير عنهم في العام الماضي لكن تداعيات الاضطرابات السياسية الأخيرة تصدرت بواعث القلق لديهم في الأجل الطويل، وأظهر مسح لبرايس ووتر هاوس كوبرز شمل نحو 1400 رئيس تنفيذي عشية المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي في منتجع دافوس السويسري أن 29 بالمئة يتوقعون تسارع نمو الاقتصاد العالمي في 2017 ارتفاعا من 27 بالمئة العام الماضي.
وتبين من المسح أن 38 بالمئة من الرؤساء أبدوا ثقة كبيرة في أنهم سيتمكنون من زيادة نمو الإيرادات العام القادم ارتفاعا من 35 بالمئة في نفس الوقت من العام الماضي، وذكر بوب موريتز الرئيس العالمي لبرايس ووتر هاوس كوبرز إن توقعات العام الماضي كانت قاتمة بشكل عام بفعل عامين من هبوط أسعار النفط وتباطؤ النمو في الصين إضافة إلى الغموض بشأن الرئيس القادم للولايات المتحدة.
ورغم أن انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة شكل تحولا جذريا فإن بعض الرؤساء التنفيذيين يتوقعون سياسات داعمة لأنشطة الشركات مثل خفض ضريبة الشركات وتخفيف القواعد التنظيمية وأبدوا مزيدا من التفاؤل، اذ رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة في 2017 و2018 بناء على خطط ترامب التي تتضمن خفض الضرائب وزيادة الإنفاق لكن الصندوق قال إن ذلك سيقابله ضعف في النمو بعدة أسواق ناشئة رئيسية.
وفي تحديث لتوقعاته عن الاقتصاد العالمي أبقى صندوق النقد على إجمالي توقعاته للنمو العالمي دون تغيير عن أكتوبر تشرين الأول عند 3.4 بالمئة لعام 2017 و3.6 بالمئة لعام 2018 ارتفاعا من 3.1 بالمئة 2016 وهو أضعف عام للنمو منذ الأزمة المالية في 2008 و2009.
مخاطر العملة وارتفاع الدولار
قام مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) برفع أسعار الفائدة للمرة الثانية فقط في عشر سنوات وهو ما يشير إلى أن الفترة الطويلة للسياسة النقدية الشديدة التيسير التي أعقبت الأزمة المالية العالمية ربما تبلغ نهايتها.
وصرح البنك الدولي إنه يتوقع أن يتسارع النمو العالمي إلى 2.7 في المئة هذا العام ارتفاعا من 2.3 في المئة في 2016 بفضل تسارع النمو في الولايات المتحدة وتعافي الأسواق الناشئة بفعل صعود أسعار السلع الأولية، ومنذ عام في دافوس أطلق راجان وويبر تحذيرا بشأن حدود السياسة النقدية التيسيرية. لكن الآن ومع تشديد المركزي الأمريكي للسياسة برزت مجموعة جديدة من المخاطر.
ومن بين تلك المخاطر اكتساب الدولار مزيدا من القوة حيث تحوم العملة الأمريكية بالفعل قرب أعلى مستوياتها في 14 عاما مقابل اليورو، وربما يوسع استمرار صعود الدولار العجز التجاري للولايات المتحدة بما يزيد الضغوط على ترامب للجوء إلى سياسات الحماية التجارية. وقد يضعف ذلك أيضا الميزانيات العمومية للمقترضين خارج الولايات المتحدة الذين اقترضوا بالدولار لكنهم يحوزون أصولا بالعملة المحلية، وعلى النقيض في أوروبا فإن صعود الدولار قد يعزز التعافي الاقتصادي وهو ما يتيح للبنك المركزي الأوروبي إنهاء سياسات التيسير التي تتضمن شراء السندات أو برنامج التيسير الكمي الذي تم تمديده حتى نهاية 2017.
الشركات ستعمل على توفير فرص بقيمة 12 تريليون دولار
ذكرت دراسة صادرة عن مجموعة تتضمن عددا من قادة الأعمال ومسؤولين ماليين عالميين إن بإمكان الشركات فتح الباب أمام فرص سوقية بقيمة 12 تريليون دولار على الأقل بحلول عام 2030 وخلق ما يصل إلى 380 مليون فرصة عمل عبر تطبيق بضع أهداف رئيسية للتنمية.
وأفاد التقرير الذي نشرته لجنة الأعمال والتنمية المستدامة إن من المرجح أن يتصاعد الضغط على الشركات للاضطلاع بدور اجتماعي يتسم بالمسوؤلية، وجرى تدشين المجموعة في المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس 2016" لتشجيع الشركات على تولي زمام المبادرة في الحد من الفقر وتحقيق التنمية المستدامة.
وتضم المجموعة في عضويتها رؤساء تنفيذيين من شركات متعددة الجنسيات مثل ادلمان وبيرسون وانفستك وميرك وسفاري كوم وأبراج وعلي بابا وأفيفا بجانب أكاديميين ومختصين في البيئة وقادة نقابات تجارية وناشطين من شركات استثمار في مجال الأعمال الخيرية.
وأوضحت الدراسة إن الشركات لها دور رئيسي في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة المتمثلة في القضاء على الفقر وحماية الكوكب.
وذكرت ايضاً ان تحقيق الأهداف العالمية يفتح فرصة اقتصادية بقيمة 12 تريليون دولار على الأقل بحلول 2030 للقطاع الخاص وربما أكثر من ذلك بمثلين أو ثلاثة أمثال، مضيفة أن هذا يمكن تحقيقه عبر العمل في أربعة مجالات تتمثل في الطاقة والمدن والزراعة والصحة، وتعادل القيمة البالغة 12 تريليون دولار – الناتجة عن وفورات الشركات وزيادة الإيرادات – 0.1 في المئة من الناتج الاقتصادي العالمي المتوقع بينما ستتركز 90 في المئة من الوظائف الجديدة في العالم المتقدم.
ثروة أغنى 8 أشخاص في العالم تعادل ما تملكه نصف البشرية
أفادت مؤسسة الإغاثة العالمية (أوكسفام) في تقرير لها إن ثمانية أفراد فقط جميعهم رجال يمتلكون ثروة تعادل ما يملكه النصف الأفقر من سكان العالم وطالبت المؤسسة بالعمل على تقليص دخل أولئك الذين يتصدرون القائمة، ومع تجمع صناع القرار وعدد من أثرى أثرياء العالم في المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي في دافوس أشار تقرير أوكسفام إلى أن التفاوت في الثروات أصبح أكثر اتساعا من ذي قبل مع وجود بيانات من الصين والهند تشير إلى أن النصف الأكثر فقرا من سكان العالم يمتلكون أقل مما كان مقدرا سابقا.
وبينت أوكسفام التي وصفت الفجوة بأنها "فاحشة" إنه إذا كانت البيانات الجديدة متاحة فإنها كانت ستوضح أنه في 2016 كان مجموع ما يمتلكه تسعة أشخاص يعادل ما يمتلكه 3.6 مليار شخص يشكلون النصف الأفقر من البشرية وليس 62 شخصا كما أشارت التقديرات حينئذ.
وطبقا لأحدث الحسابات فإنه في 2010 على سبيل المقارنة كانت الأصول المجمعة لأغنى 43 شخصا تساوي ثروة أفقر 50 بالمئة من سكان الأرض، وألقى تقرير المخاطر العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الضوء على القضية وما تثيره من أسباب القلق.
وذكر ماكس لاوسون رئيس قسم السياسات في أوكسفام توجد سبل مختلفة لإدارة الرأسمالية قد تكون أكثر فائدة بكثير لأغلبية الناس، وطالبت أوكسفام في تقريرها بكبح التهرب الضريبي والتحول بعيدا عن الرأسمالية التي تحابي الأثرياء بشكل غير متناسب.
وتبني أوكسفام حساباتها على بيانات بنك كريدي سويس السويسري ومجلة فوربز، والأشخاص الثمانية التي وردت أسماؤهم في التقرير هم بيل جيتس أغنى رجل في العالم ومؤسس شركة مايكروسوفت وأمانسيو أورتيجا مؤسس مجموعة إنديتيكس والمستثمر المخضرم وارين بافيت والمكسيكي كارلوس سليم وجيف بيزوس مؤسس شركة أمازون ورئيسها التنفيذي ومارك زوكربيرج مؤسس موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي ولاري اليسون مؤسس شركة أوراكل ورئيس بلدية نيويورك السابق مايكل بلومبرج.
هل ينجح المجتمعون في دافوس من تحقيق أهدافهم؟
يرى البعض في منتدى دافوس وعلى الرغم من أنه منظمة غير ربحية تهدف الى خلق التوازن والاستدامة وتحسين الاوضاع الاقتصادي من خلال اجتماع القادة والساسة والاقتصاديين لحل الاشكالات والخلافات والى بناء تصور جديد عن الاوضاع الحالية، انه مجرد ضجة اعلامية وحسب بل وانه اصبح منبر للتحشيد الاعلامي وتحقيق اهداف اخرى غير معلنة، وأنه شأنه شأن العديد من المؤتمرات والمنتديات الاخرى التي هدفها الانتشار والشهرة.
وبالتالي بات منتدى دافوس مجرد عشاء عمل او لقاء ودي لتبادل وجهات النظر التي لاتفضي الى اية حلول للواقع الاقتصادي والمتغيرات الحاصلة على مستوى العالم، وانما هو مجرد دعاية لتلك الشركات التجارية والصناعية الكبيرة والتي تسعى الى تعظيم أرباحها، عبر بوابة منتدى دافوس ومن خلال اللقاء بالقادة والسياسيين، ومانراه من شعارات وأهداف هي في الحقيقة مجرد دعاية وكلام مستهلك وماخلف الكواليس هو مغاير وبشكل كبير لما هو معلن امام الاعلام.