الاقتصاد المصري ولعنة تعويم الجنيه
إيهاب علي النواب
2017-01-15 06:00
تواجه مصر أزمة خانقة هذه الفترة، اذ يعاني اقتصادها جملة من الاختلالات ابرزها العجز في الموازنة العامة، والذي دفعها ذلك الى الاقتراض من الخارج، الامر الذي اضطرها كشرط لذلك، هو ان تعوم عملتها المحلية وان ترفع الدعم عن كثير من السلع الاساسية، الامر الذي أدى الى ارتفاع اسعار هذه السلع، وفي ظل تفاقم مستويات الفقر والتضخم، فأن الوضع قد يزداد سوءاً في الايام المقبلة، حيث ذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر إن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن ارتفع إلى أعلى مستوياته في ثمانية أعوام مسجلا 23.3 بالمئة بفعل قرار الحكومة تحرير سعر صرف الجنيه، وبين البنك المركزي المصري إن معدل التضخم الأساسي قفز إلى 25.86 بالمئة بعد ان كان 20.73 بالمئة.
وكان تضخم أسعار المستهلكين في المدن المصرية بلغ أعلى مستوياته في ثماني سنوات عند 19.4 بالمئة الذي تخلت فيه مصر عن ربط عملتها بالدولار عند نحو 8.8 جنيه للدولار في خطوة أدت لانخفاض قيمة العملة للنصف تقريبا، وصاحب التعويم في رفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس لمواجهة الضغوط التضخمية.
ورغم رفع الفائدة سجل التضخم ارتفاعا حادا ومن المتوقع أن يواصل صعوده هذا العام مع مضي الحكومة في تنفيذ إصلاحات اقتصادية تشمل تخفيض دعم الوقود وتطبيق ضريبة القيمة المضافة وهي خطوات كانت مطلوبة للحصول قرض بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وفي المدن لامس تضخم أسعار الأغذية والمشروبات 28.3 بالمئة في حين سجل التضخم في قطاع الرعاية الصحية 32.9 بالمئة وبلغ معدل التضخم في قطاع النقل 23.2 بالمئة، وبينت أرقام كابيتال في مذكرة بحثية ان مصر الآن في بؤرة دائرة إعادة هيكلة السياسات والثمن هو ارتفاع التضخم وعجز كلي بالموازنة ينتظر تغييرا هيكليا في الإنفاق الحكومي وإعادة تسعير السلع والخدمات بصفة عامة، وأضافت ان إلغاء دعم حكومي شامل استمر أكثر من 50 عاما سيستغرق وقتا متوقعة أن يظل التضخم مرتفعا في النصف الأول من العام ليبلغ متوسطه 20 بالمئة في السنة المالية 2016-2017 قبل أن يتراجع إلى 18 بالمئة في 2017-2018.
ويتعرض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لضغوط متزايدة لإنعاش الاقتصاد والسيطرة على الأسعار وخلق فرص عمل لتجنب أي احتجاجات من المواطنين، وتوقع السيسي ارتفاع الجنيه المصري في الايام القادمة ووعد بضمان توفر السلع الأساسية بأسعار معقولة، ووسعت الحكومة شبكة الضمان الاجتماعي ويحصل نحو 70 مليون مصري على الخبز المدعم من الحكومة.
الا ان الأنشطة غير النفطية في مصر انكمشت حيث أدى التضخم إلى ارتفاع تكلفة الشراء بوتيرة تقترب من المستويات القياسية.
ويرى خبراء اقتصاد إن ارتفاع التضخم سيؤدي إلى تراجع القوة الشرائية وسيضر بالنمو الاقتصادي ويقود إلى زيادة أكبر في أسعار الفائدة التي وصلت بالفعل إلى 15.75 بالمئة.
وأبقى البنك المركزي على أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعي لجنة السياسات النقدية اللذين عقدا بعد تحرير سعر صرف الجنيه ويتوقع بعض خبراء الاقتصاد رفع أسعار الفائدة أكثر هذا العام، ومن المنتظر أن تجتمع لجنة السياسات النقدية مجددا من أجل وضع سياسات واجراءات جديدة.
حجم مشاركة القوات المسلحة في الاقتصاد المصري بين 1.5 و2%
صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إن حجم مشاركة القوات المسلحة في الاقتصاد الوطني لا يتجاوز اثنين في المئة رافضا ما يردده البعض من أن الجيش ربما يكون يسيطر على ما يصل إلى 50 في المئة من الاقتصاد.
وأضاف السيسي خلال افتتاح مصنع جديد في شركة كيماوية تابعة للقوات المسلحة أن الجيش يشارك بنسبة من 1.5 إلى 2 في المئة من حجم الاقتصاد المصري الذي يتراوح بين ثلاثة وأربعة تريليون جنيه (بين 160 مليارا و213 مليار دولار).
وهذا يعني أن حجم حصة الجيش في النشاط الاقتصادي يتراوح بين 2.39 مليار إلى 4.26 مليار دولار، وكان السيسي قائدا عاما للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع، وقد وعد خلال انتخابه رئيسا لمصر في 2014 بتعزيز الاقتصاد الذي تضرر بعد انتفاضة 2011 إذ ابتعد السائحون والمستثمرون وهم من أكبر مصادر العملة الأجنبية لمصر.
ودعا السيسي القوات المسلحة للمساعدة في مشروعات البنية التحتية وتوزيع السلع التموينية على الفقراء في مواجهة غلاء الأسعار الناتج عن تخفيض قيمة الجنيه ونقص العملات الأجنبية، وحجم دور القوات المسلحة - التي تنتج منتجات شتى من زجاجات المياه المعدنية والمعكرونة إلى الأجهزة المنزلية - في الاقتصاد موضع تكهنات منذ وقت طويل لكن نادرا ما يصدر تعقيب رسمي بشأن نطاق أنشطتها الاقتصادية.
التضخم السنوي يرتفع الى 24,3% بعد تحرير صرف الجنيه المصري
بعد قرابة شهرين من تحرير سعر صرف الجنيه المصري الذي ادى الى ارتفاع سعر الدولار بنسبة تزيد عن 100%، ارتفع معدل التضخم السنوي الى 24،3%، بحسب ارقام رسمية اعلنت، ويواجه المستهلكون ارتفاعا كبيرا في الاسعار منذ ان قررت الحكومة المصرية تحرير سعر صرف العملة الوطنية ورفع اسعار المحروقات في اطار خطة اصلاح اقتصادي مرتبطة بقرض من صدوق النقد الدولي قيمته 12 مليار دولار على ثلاث سنوات.
وكان الدولار يباع في المصارف باكثر من 18 جنيها، اي انه ارتفع بنسبة 103% مقارنة مع 8,8 جنيهات قبل شهرين، واعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء الحكومي ان معدل التضخم السنوي بلغ 24،3% 2016.
وكان معدل التضخم السنوي قفز الى 20،2%، وفقا للمصدر نفسه، وبحسب الجهاز، بلغ المعدل السنوي لارتفاع اسعار الخبز والحبوب نسبة 54،1 % والأرز 77% والدقيق بنسبة 52،7%، كما بلغ المعدل السنوي لارتفاع اسعار اللحوم والدواجن 25،6% وارتفعت اسعار الاسماك والمأكولات البحرية بنسبة 24،7% ، وارتفعت اسعار السكر والاغذية السكرية بنسبة 56،8% كما زادت اسعار البن والشاي والكاكاو بنسبة 60،7%.
وارتفعت اسعار الزيوت والدهون بنسبة 47،6% مع زيادة اسعار زيوت الطعام بنسبة 68،9% بينما ارتفعت اسعار منتجات الالبان والبيض بنسبة 17،1%، وارتفعت اسعار الفواكه بنسبة 24% والخضروات بنسبة 19،4%، واضافة الى تحرير سعر صرف الجنيه، اعلنت الحكومة المصرية في كانون الاول/ديسمبر الماضي زيادة في التعريفة الجمركية لمئات من المنتجات المستوردة لتصل على بعض السلع الى 60%.
هبوط حاد وسريع للجنيه وطلب كثيف على الدولار
شهد الجنيه هبوطا حادا وسريعا مقابل الدولار في بنوك مصر مع اشتداد الطلب على العملة الصعبة من المستوردين والشركات الأجنبية، وغيرت بنوك مصر والأهلي والقاهرة أسعار شراء الدولار في ثانية واحدة بحلول الساعة 0930 بتوقيت جرينتش من 18.15 جنيه إلى 18.75 جنيه دفعة واحدة.
واقتفت باقي البنوك أثر البنوك الحكومية في رفع أسعار الشراء إلى أن وصل السعر بحلول إلى 18.91 جنيه للدولار في بعض البنوك، ويبيع بنك مصر والبنك الأهلي الدولار بسعر 18.95 جنيه وهما أكبر بنكين عاملين في السوق المصري، ويلعب البنكان دور صانع السوق في العملة عندما تخلت مصر عن ربط الجنيه بالدولار الأمريكي في إجراء يهدف لجذب تدفقات رأسمالية والقضاء على السوق السوداء التي كادت تحل محل البنوك.
وبين مصرفي بقطاع الخزانة في أحد البنوك الخاصة ان هناك طلبات للشراء بأي سعر وخاصة في البنوك التي لديها عملاء أجانب لتحويل أرباحهم للخارج قبل موسم العطلات ولذا كانت القفزة الكبيرة في السعر الآن، وعاشت مصر في السنوات القليلة الماضية حالة تدهور اقتصادي وسط تفاقم عجز الموازنة وارتفاع التضخم وتراجع إنتاج الشركات والمصانع وشح شديد في العملة الصعبة في ظل غياب السائحين والمستثمرين الأجانب وتراجع إيرادات قناة السويس.
وأفاد رئيس قطاع الخزانة في أحد البنوك ان هناك طلب مرتفع على العملة وسط قلق بشأن تطورات سعر الصرف وتحسبا لأي ارتفاعات مقبلة في أسعار السلع والخدمات، وأظهرت بيانات نشرها البنك المركزي المصري أن التضخم الأساسي في البلاد قفز إلى أعلى مستوى في ثماني سنوات عند 20.73 بالمئة مقارنة مع 15.72 .
ومن شأن تحرير العملة تشجيع الاستثمارات الأجنبية وقد يعزز الصادرات ويتيح للشركات الحصول على الدولار من البنوك بأسعار السوق بما يعيدها للإنتاج الكامل من جديد بعد خفض العمليات الإنتاجية خلال الفترة الماضية بسبب عدم توافر الدولار اللازم لشراء المواد الخام.
رفع أسعار بعض الأدوية بعد هبوط العملة
صرح وزير الصحة المصري أحمد راضي إن مصر سترفع أسعار بعض الأدوية بعد أشهر من المفاوضات مع شركات الأدوية التي تضررت جراء نقص الدولار وانخفاض قيمة العملة المحلية.
وذكر راضي أن الزيادة تتراوح بين 30 و50 بالمئة من الفرق في الزيادة في سعر الدولار" مضيفا أن الزيادات ستنطبق على "25 بالمئة من الأدوية المتداولة.
وتسبب هبوط الجنيه المصري وأزمة العملة الأجنبية في زيادة صعوبة استيراد شركات الأدوية المصرية للمواد الفعالة التي تحتاجها لصناعة أدوية يعتمد عليها الملايين من المصريين الفقراء.
وبين وزير الصحة إن الأدوية المحلية ستزيد بنسبة تتراوح بين 30 بالمئة و50 بالمئة من فرق الزيادة في سعر الدولار بينما ستتراوح الزيادة في أسعار الأدوية المستوردة بين 40 و50 بالمئة.
وأشار إلى أن الزيادة ستطبق على الأدوية "التي سيتم إنتاجها أو استيرادها ودخولها البلاد بعد تاريخ العمل من هذا القرار".
وفي الوقت الذي تسبب فيه انخفاض العملة في زيادة تكلفة استيراد المواد الخام تفرض وزارة الصحة أسعارا ثابتة على الأدوية، ودفع ذلك الشركات إلى وقف تصنيع بعض الأدوية الرخيصة للحد من خسائرها المالية المتزايدة بما نتج عنه نقص في السوق المحلية، وحذر وزير الصحة من أن المخالف لقانون التسعيرة الجبرية سيعاقب إما بالسجن خمس سنوات أو بغرامة تتراوح بين 30 ألفا و10 ملايين جنيه مع مصادرة جميع المضبوطات.
مشروع قانون جديد لجذب الاستثمار الأجنبي
ذكر وزيرة الاستثمار المصرية داليا خورشيد إن مجلس الوزراء وافق بالإجماع على مشروع قانون جديد للاستثمار يهدف إلى جذب أكبر قدر من الاستثمارات خلال الفترة المقبلة في خطوة من شأنها أن تدعم النمو الاقتصادي البطيء.
وأضافت الوزيرة إن القانون الجديد سيكون ضمن حزمة إجراءات إدارية وتشريعية لجذب الاستثمارات ويشمل برامج حوافز وضمانات قوية للتأكد من حل أبرز المشكلات وإزالة المعوقات والتخلص من البيروقراطية بالأساليب القانونية، وأن الحكومة ستحيل مشروع القانون الجديد إلى مجلس الدولة للمراجعة القانونية تمهيدا لعرضه على مجلس النواب (البرلمان) بحيث تكون اللائحة التنفيذية جاهزة في أسرع وقت للعمل بالقانون الجديد في بداية العام القادم.
كانت الحكومة وافقت في مارس آذار 2015 على قانون استثمار بهدف تعزيز ثقة المستثمرين والقضاء على البيروقراطية وتسهيل الإجراءات للحصول على تراخيص المشاريع وجذب الاستثمار الأجنبي، وأجرت الحكومة تعديلا على القانون قبل عام، وتحاول مصر إنعاش اقتصادها بعد أن أدت انتفاضة شعبية في 2011 إلى عزوف السائحين والمستثمرين الأجانب وهما مصدران رئيسيان للعملة الصعبة، ونما اقتصاد أكبر بلد عربي من حيث عدد السكان بنسبة 4.3 بالمئة في السنة المالية 2015-2016 وتستهدف الحكومة تحقيق نمو نسبته 5.5 بالمئة والنزول بالتضخم عن عشرة بالمئة بحلول 2018-2019، ويتزايد الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر تدريجيا ووصل في السنة المالية 2015-2016 إلى نحو 6.84 مليار دولار ارتفاعا من 6.38 مليار دولار في العام السابق.
هل يفشل الاقتصاد المصري
يرى البعض ان الازمة الاقتصادية التي تمر بها مصر في الوقت الحالي، تنذر بفشل الاقتصاد المصري، ومعنى هذا ان الاقتصاد المصري قد يواجة كارثة او أزمة قد لايوجد لها حلول في الوقت الراهن، وبهذا فأن الاقتصاد المصري سيدخل في دورة تجارية تبدأ بأزمة التي قد تطول حتى تبدأ مرحلة الانتعاش التي يرى فيها الاخرين انها قد لاتبدأ وان الازمة ستطول حتى تكون ظاهرة او سمة هيكلية للاقتصاد المصري.
وهنا نسأل كيف ستعالج مصر هذه الاوضاع المتردية؟ يجيب البعض ان الاثار التي تعاني منها مصر حالياً ماهي الا بداية لعصر جديد، وان التحسن قادم لامحالة، وما هذه الا فترة تباطؤ، اي هي مرحلة علاج تحتاج لوقت حتى يتم شفاء الاقتصاد من هذه الأزمة. اما البعض فيرى ان الخطوات التي اتخذتها مصر كمحاولة لتحقيق الاصلاح الاقتصادي، كانت متسرعة وغير دقيقة في هذا الوقت، وانه كان من الافضل ان يتم التوجه للداخل في حلحلة الازمة بدل التوجه للخارج والاستدانة من الاخرين لان ذلك قد يزيد الوضع سوءاً.
اما البعض الاخر فيرى ان المسألة مرتبطة بالوضع السياسي اكثر مما هي اقتصادية، وبالتالي يجب على مصر تحسين وضعها السياسي في الداخل والخارج، اذا ماارأدت الخروج من هذه الأزمة.