مستقبل الاقتصاد الايراني بعد فوز ترامب: انفراجة أم تعثر؟
إيهاب علي النواب
2016-12-17 08:26
تسعى ايران منذ فترة لاسيما بعد رفع العقوبات عنها، العودة من الجديدة وتحسين مستوى نشاطها الاقتصادي، والاستفادة من ذلك لزيادة النمو الاقتصادي واقامة العديد من العلاقات التجارية مع مختلف دول العالم، خاصة بعد الهزة التي عانت منها ايران في الفترة السابقة وتمثلت في تدهور قيمة العملة المحلية، ومن اجل الحيلولة دون ذلك بدأت إيران تخطط للعودة إلى استخدام عملتها القديمة (التومان) وستكون قيمتها عشرة أمثال العملة الحالية (الريال) بحسب مشروع قانون وافقت عليه حكومة الرئيس حسن روحاني، وكانت عملة إيران تسمى التومان حتى عقد الثلاثينات من القرن الماضي ولا يزال معظم الإيرانيين يشيرون إليها بذلك الاسم.
وبموجب مشروع القانون - الذي يجب أن يوافق عليه البرلمان ومجلس صيانة الدستور لكي يصبح نافذا - فإن قيمة العملة ستبلغ نحو 3200 تومان مقابل الدولار بسعر الصرف الرسمي و3900 تومان بالسعر غير الرسمي، ويدقق مجلس صيانة الدستور - المكون من ستة من رجال دين يعينهم الزعيم الأعلى وستة محامين ينتخبهم البرلمان - في جميع التشريعات الجديدة للتأكد من أنها لا تتعارض مع القواعد الدينية والدستور، وقد هبطت العملة الإيرانية نحو 90 ريالا مقابل الدولار بعد اعلان التغيير لكنها تعافت في وقت لاحق.
زيادة الميزانية لدعم النمو بعد فوز ترامب
اقترح الرئيس الإيراني حسن روحاني ميزانية الدولة للعام المقبل بحجم يبلغ نحو 100 مليار دولار وبما يتضمن زيادة الإنفاق لدعم النمو في الوقت الذي يهدد فيه انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة بعودة الضغوط على طهران.
وكان الرئيس الامريكي المنتخب صرح خلال حملته الانتخابية بأنه سيلغي الاتفاق النووي المبرم العام الماضي بين إيران والقوى العالمية مما يوجه ضربة قوية لاقتصاد إيران الذي بدأ يتعافى من عقوبات استمرت لسنوات.
وأعلن روحاني مسودة ميزانية السنة الفارسية الجديدة التي تبدأ في 21 مارس آذار بقيمة 3200 تريليون ريال (99.7 مليار دولار حسب سعر الصرف الرسمي) بعد استبعاد مؤسسات الدولة. وتزيد الميزانية تسعة بالمئة عن ميزانية العام الحالي.
وبعد معاناة على مدار سنوات بسبب العقوبات بدأ الاقتصاد يتحسن بعد إلغاء معظم العقوبات بموجب الاتفاق النووي مع القوى الكبرى. وقدر صندوق النقد الدولي معدل النمو عند 4.5 بالمئة في العام الحاري ارتفاعا من 0.4 بالمئة فقط في العام الماضي، ويتعرض روحاني لضغوط للحفاظ على النمو الاقتصادي ويرى معارضوه الذين رفضوا الاتفاق النووي إنه فشل في تحسين مستوى المعيشة كما كان يأمل بعد رفع العقوبات، ومن المقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية المقبلة في منتصف 2017.
ويخفف مشروع الميزانية جزئيا السياسة المالية المتحفظة التي تبناها روحاني منذ توليه السلطة في 2013. وعند وضع معدل التضخم الذي يبلغ نحو تسعة بالمئة في الاعتبار فإن وتيرة نمو الإنفاق في مسودة الميزانية تقترب من الصفر.
وميزانية العام الحالي التي أعدت حين كان معدل التضخم أعلى كثيرا تزيد أكثر من سبعة بالمئة بقليل مقارنة بالعام السابق، وكما هو الحال في السنوات السابقة فإن مشروع الميزانية يشير لتوازن بين الإنفاق والإيرادات رغم أن النتيجة الفعلية تتوقف على تذبذب أسعار النفط وينبغي أن يقر البرلمان مسودة الميزانية وكذلك مجلس صيانة الدستور الذي يفحص التشريعات قبل أن تصبح قوانين سارية.
توتال أول شركة أجنبية توقع اتفاق مع إيران بعد رفع العقوبات
وقعت شركة توتال الفرنسية اتفاقا مبدئيا مع إيران بخصوص تطوير حقل بارس الجنوبي أكبر حقل غاز في العالم لتصبح أول شركة طاقة غربية تبرم صفقة مهمة مع طهران منذ رفع العقوبات الدولية عنها في وقت سابق من العام، وأكدت توتال أنها وقعت الاتفاق المبدئي مع شركة النفط الوطنية الإيرانية لتطوير المرحلة الحادية عشرة من الحقل الذي يمتد للمياه الإقليمية في قطر التي يعرف فيها باسم حقل الشمال.
وإن مشروع تطوير المرحلة الحادية عشرة من الحقل سينفذ على مرحلتين وتقدر تكلفة الأولى بملياري دولار. ومن المقرر ضخ الغاز المنتج في شبكة الغاز الإيرانية، وسبق أن لعبت الشركة دورا رئيسيا في قطاع الطاقة في إيران بما في ذلك تطوير المرحلتين الثانية والثالثة في نفس الحقل في العقد الأول من القرن الحالي قبل أن تنسحب من البلاد إثر فرض عقوبات دولية في 2010.
وأفادت توتال إنها ستكون مسؤولة عن إدارة هذه المرحلة وتتملك حصة 50.1 في المئة فيها في حين تمتلك بتروبارس التابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية حصة 19.9 في المئة بينما تملك شركة البترول الوطنية الصينية حصة 30 في المئة، وتبلغ طاقة إنتاج المرحلة 1.8 مليار قدم مكعبة يوميا أو 370 ألف برميل من المكافيء النفطي ويضخ الإنتاج في شبكة الغاز الإيرانية.
إيران تتفوق على السعودية كأكبر مورد للنفط إلى الهند
أظهرت بيانات شحن أن إيران تجاوزت منافستها السياسية السعودية لتصبح أكبر مورد للنفط إلى الهند قبيل اجتماع المنتجين هذا الشهر للاتفاق على تفاصيل خفض الإنتاج للحد من تخمة المعروض العالمي.
وكانت إيران ثاني أكبر مورد للنفط إلى الهند ثم فقدت هذه المرتبة لصالح العراق بعد فرض عقوبات غربية صارمة عليها بسبب برنامجها النووي وهو ما قلص صادرات طهران وحد من قدرتها على تدبير التمويل.
لكن واردات النفط الهندية من إيران قفزت هذا العام بعد رفع تلك العقوبات في يناير كانون الثاني، وزادت إلى أكثر من ثلاثة أمثالها مقارنة بها قبل عام لتصل إلى 789 ألف برميل يوميا، وبالمقارنة وردت السعودية 697 ألف برميل يوميا، لكن على مدى الفترة من يناير كانون الثاني إلى أكتوبر تشرين الأول احتفظت السعودية بالمركز الأول عند 830 ألف برميل يوميا مقابل 784 ألف برميل يوميا للعراق و456 ألف برميل يوميا لإيران.
ويرجع صعود إيران إلى المرتبة الأولى لأسباب منها انخفاض إمدادات الخام المتاحة من السعودية التي رفعت طاقتها لتكرير النفط بدلا من تصدير المزيد من الخام، وترجع الزيادة أيضا إلى خصومات الأسعار الإيرانية التي تجذب مشتريات من برنامج الهند لبناء احتياطي استراتيجي من النفط. وفي الشهر الماضي حصلت الهند على مليوني برميل من الخام الإيراني لتخزينها ضمن احتياطي النفط الاستراتيجي ومن المتوقع أن يجري شحن أربعة ملايين برميل أخرى في نوفمبر تشرين الثاني.
وفي الأشهر السبعة الأولي من السنة المالية في الفترة بين أبريل نيسان وأكتوبر تشرين الأول استوردت الهند 523 ألفا و200 برميل يوميا من إيران مقارنة مع 249 ألفا و 100 برميل يوميا في نفس الفترة قبل عام، وعادت مصافي النفط الهندية لشراء النفط الإيراني بما في ذلك ريلاينس إندستريز التي تدير أكبر مجمع تكرير في العالم في جامناجار والتي أوقفت الاستيراد من إيران خلال فترة العقوبات.
وتنتج إيران نحو أربعة ملايين برميل يوميا من النفط وتصدر 2.4 مليون برميل يوميا، وانخفض صادرات طهران إلى مليون برميل يوميا خلال فترة العقوبات من ذروتها البالغة نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا في 2011 قبل أن يتم تطبيق عقوبات غربية أكثر صرامة، وتأتي صدارة إيران لقائمة موردي النفط إلى ثالث أكبر مستورد في العالم ولو لشهر واحد فقط في توقيت حساس.
صفقات تجارية مع ايطاليا رغم معارضة الولايات المتحدة
تعهد وزير الصناعة الإيطالي بدعم صفقات تجارية مع إيران قد تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات وذلك رغم بواعث القلق من أن يعيد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب تجميد العلاقات مع طهران، وعادت إيران إلى النظام التجاري العالمي في يناير كانون الثاني بعد اتفاق دولي مع القوى العالمية وبدأت الشركات الإيطالية الإعداد لاتفاقات تجارية معها.
وأثار ترامب احتمال أن تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق الذي تضمن رفع العديد من العقوبات في مقابل كبح الطموحات النووية لإيران مما دفع دبلوماسيين أوروبيين إلى إبداء القلق من أن تغير القيادة في البيت الأبيض قد يخرج علاقات التجارة المتنامية عن مسارها.
لكن وزير الصناعة الإيطالية كارلو كاليندا ذكر إنه سيواصل العمل على تعزيز العلاقات التجارية وإنه سيسافر إلى إيران في أوائل 2017 برفقة وزير الاقتصاد بيير كارلو بادوان، واضاف إن مشكلة تمويل الاستثمار الذي تشكو طهران من تعطله بفعل العقوبات الأمريكية المستمرة التي تكبل حركة إيران في النظام المصرفي والمالي الدولي ستكون على قمة جدول الأعمال.
محنة الاقتصاد الايراني
مع كل ماتقدم وعلى الرغم من الانفراج من الازمة، الا ان الوضع الاقتصادي في ايران مازال يكتنفه الغموض، فالدول مازالت ترى في الفرص المتاحة للاستثمار في ايران مهددة وغير مستقرة، بسبب طبيعة النظام ومواقفه الخارجية وهذا ماسيشكل حجر عثرة في استغلال الفرص المتحة لايران، لاسيما بعد فوز ترامب في الانتخابات الاميركية، الفوز الذي قد ينذر بموجة جديدة من التشنج والجمود في العلاقات والتي قد تصل الى التعارض والتخاصم من جديد.