الزراعة.. ثورة خضراء قد تضمن الأمن الغذائي للعالم
عبد الامير رويح
2015-02-09 08:26
يعد القطاع الزراعي من أهم القطاعات في الكثير من الدول، فهو بحسب بعض الخبراء يسهم بشكل فاعل في تحقيق التنمية المستدامة والتوازن الاقتصادي. لذا فقد سعت الكثير من الدول والحكومات الى تطوير وتنمية الزراعة من خلال اعتماد خطط وبرامج جديدة واستصلاح مساحات إضافية من الأراضي غير المستغلة كما يقول بعض الخبراء، يضاف الى ذلك الاعتماد على التطور العلمي والتكنولوجي المتقدم بهدف تغير الواقع الحالي والتغلب على بعض المشكلات والأزمات الكبيرة، خصوصا وان الكثير من التقارير تشير الى ازدياد عدد السكان العالم بشكل كبير وهو ما قد يؤدي إلى عدم وجود القدرة الكافية لتزويد السكان بالغذاء من خلال الزراعة التقليدية.
وبحسب بعض الخبراء فان العالم اليوم يعيش ثورة جديدة يمكن تسميتها بالثورة الخضراء تعتمد وبشكل أساسي تعتمد على المحاصيل المعدلة جينيا والتي يمكن أن تساعد على الحد من مستوى الفقر والجوع، وتعتبر التقنية الزراعية الحديثة وكما تقول مجلة العلوم، المفتاح إلى هذه المكاسب المثيرة. ولقد كان الدافع الأكبر للثورة الخضراء في القرن العشرين هو تطوير البذور العالية الإنتاجية وتوزيعها، وما أدخله الإنسان من تحسينات (مثل المخصبات ونظم الري) أدت إلى نموها لأقصى إمكانياتها. وقد أدت الطرق التقليدية للتلقيح الانتقائي ومزج السلالات المختلفة إلى إنتاج سلالات مهجنة ذات صفات مرغوبة زادت معدلات الإنتاج والدخل وخفضت أسعار المواد الغذائية.
والمحاصيل المعدَّلة وراثياً ما زالت موضع جدل ونقاش لدى العديد من المهتمين، خصوصا وان البعض قد شكك فعالية هذه المحاصيل، وتشير بعض الدراسات الأولية غير الموثقة بعد إلى أن الأغذية المعدلة وراثيا يمكن أن تكون سببا في حدوث بعض الأمراض والمشكلات الصحية الخطيرة هذا بالإضافة الى المخاطر والأضرار البيئية الأخرى. وقد طرحت الأغذية المعدلة وراثيا لأول مرة في السوق في وقت مبكر عام1990. وعادة ما تكون الأغذية المعدلة وراثيا منتجات نباتية معدلة وراثيا: فول الصويا والذرة والكانولا، وزيت بذور القطن، ولكن المنتجات الحيوانية قد تم تطويرها.
يختلف الغذاء المعدل وراثيا عن الغذاء الطبيعي وكما تشير بعض المصادر، في إضافة جينات من أنواع أخرى من النباتات والحيوانات أو البكتيريا. هذه العملية غالبا ما تتم عن طريق اقحام الجينات، مما يؤدي إلى تغيير في الخصائص الوراثية. تؤدي تقنية الجينات المعدلة جينيا على زيادة قدرة النباتات على تحمل البرد مثلا أو زيادة مقاومتها للمبيدات الحشرية أو بجعلها تفرز سموم خاصة لمواجهة الحشرات.
قواعد جديدة للزراعة
وفي هذا الشأن تستعد صناعة التكنولوجيا الحيوية وجماعات الدفاع عن البيئة لخوض جولة جديدة من الصراع في اعقاب قرار الاتحاد الاوروبي السماح للدول الأعضاء بان تضع بنفسها القواعد الخاصة بزراعة المحاصيل المعدلة وراثيا. ويقول أنصار حماية البيئة ممن يحبذون حظر المنتجات المحورة وراثيا إن المحاصيل لم تختبر بدرجة كافية ما يشكل مخاطر صحية على المستهلكين ومما يتيح لحفنة من الشركات قدرا كبيرا من السيطرة على الامدادات الغذائية.
وتقول صناعات التكنولوجيا الحيوية إنه ينبغي إطلاق الحرية للمزارعين كي يزرعوا ما يشاؤون من محاصيل مؤكدة على ان المنتجات المهندسة وراثيا نهج آمن لزيادة الانتاج الغذائي وتوفير الطعام لسكان الكوكب الذين يتزايد عددهم. ومنذ اقرار البرلمان الأوروبي حق الدول الأعضاء فيه بإصدار قوانين خاصة بها بشأن الحاصلات المعدلة جينيا لم تعلن صناعات التكنولوجيا الحيوية ولا جماعات الضغط تحقيق انتصار.
ووفقا للتشريع المقرر والمتوقع ان توضع عليه اللمسات الاخيرة في مارس آذار القادم فلن يكون بمقدور الدول الاعضاء منع المحاصيل المعدلة وراثيا بموجب اللوائح التنظيمية الداخلية سواء الصحية او البيئية. وبدلا من ذلك بمقدور الدول المعارضة لزراعة الحاصلات المهندسة وراثيا التفاوض مع الشركات كل على حدة وان تطلب منها عدم تسويق المنتجات على أراضيها.
وقال براندون ميتشنر وهو متحدث باسم مونسانتو أكبر شركة منتجة للبذور في العالم ومن كبريات مؤسسات الحاصلات المحورة وراثيا إن قرار الاتحاد الاوروبي مضلل. وأضاف انه سيسمح "لبعض الدول الاعضاء بنسف تكنولوجيا آمنة تمت تجربتها وتساعد المزارعين على انتاج المزيد بأقل القليل حتى في الوقت الذي يسجل فيه المزارعون الامريكيون ارقاما قياسية جديدة بنفس هذه التكنولوجيا".
إلا ان التشريع المقترح لم يقنع أنصار حماية البيئة ايضا. وقال ماركو كونتيرو المتحدث باسم جماعة جرينبيس (السلام الاخضر) المدافعة عن البيئة "المشكلة الرئيسية لنا مع هذا القانون هو انه يمنع الدول الاعضاء من استخدام دواعي القلق البيئية لتبرير الحظر". وفيما تزرع المحاصيل المحورة وراثيا على نطاق واسع في الأميركتين وقارة آسيا انقسم الرأي بشأنها في اوروبا إذ تعارضها عدة دول منها فرنسا والمانيا فيما تؤيدها دول أخرى مثل بريطانيا. بحسب رويترز.
وتوصل أحدث استطلاع مهم للرأي العام على مستوى القارة الاوروبية -أجرته مؤسسة يوروبارومتر عام 2010- الى ان معظم من استطلعت آراؤهم ينتابهم القلق بشأن سلامة المحاصيل. ويقول معارضو الحاصلات المعدلة وراثيا إنها تتيح للمؤسسات الكبرى الهيمنة على امدادات الغذاء في العالم ما يؤدي الى زيادة استخدام الكيماويات في الزراعة مع عدم وضوح الرؤية على المدى البعيد بشأن آثارها على صحة البشر والبيئة. ويرى مؤيدو هذه الحاصلات انها مهمة لزيادة الناتج الزراعي وانتاج اغذية أرخص وتحسين جودة التكنولوجيا. وقالت دورية (نيتشر بلانتس) إنه في عام 2013 زرعت رقعة محدودة بهذه الحاصلات في اوروبا بلغت 150 الف هكتار معظمها في اسبانيا.
إعادة المحاصيل الغذائية
أشارت نتائج دراسة جديدة إلى أنه يتعين على العلماء إعادة المحاصيل الغذائية إلى "حالتها البرية" من خلال ادخال خصائص وراثية مفقودة إلى نباتات عتيقة صالحة للأكل بغية تعظيم الناتج الزراعي كي يواكب الزيادة السكانية. وتلاشت خواص مهمة -دونما قصد- كانت تتسم بها النباتات البرية ومنها أصناف من القمح والأرز وذلك خلال عمليات التربية على مدار آلاف السنين.
وعندما استأنس الإنسان محصولا كالقمح لأول مرة منذ 7500 عام قبل الميلاد حبذ المزارعون استخدام البذور على أساس عدة خصائص منتقاة لاسيما حجم المحصول. وقالت نتائج دراسة نشرتها دورية (توجهات علوم النبات Trends in Plant Science) إن مثل هذه القرارات التي اتخذتها أجيال من المزارعين كان يمكن ان تضعف عملية الثبات المحصولي في مواجهة تحديات حديثة منها تغير المناخ.
وكتب مايكل بروبرج بالمجرن العالم بجامعة كوبنهاجن وأحد المشاركين في هذه الدراسة "تشير تقديراتنا إلى أن جميع المحاصيل ستستفيد من العودة للحياة البرية". وقال بالمجرن إن المحاصيل ذات الخصائص البرية قد تصبح أكثر تحملا للجفاف وأكثر مقاومة للبرودة والأمراض والآفات وذات كفاءة أفضل في الحصول على المواد المغذية من التربة. بحسب رويترز.
ويشير العلماء إلى الاستعانة بالتكنولوجيا الحيوية في إعادة ادخال الجينات المرغوبة من الأصناف البرية للمحاصيل الشائعة إلى الاصناف ذات الاستهلاك الكثيف بغرض النهوض بالأمن الغذائي. وقال بالمجرن إن هذه الخطة أقل إثارة للجدل من مشروع الكائنات المحورة وراثيا لأنها لا تتضمن نقل الجينات بين كائنات لا توجد بينها علاقة وثيقة. ولم يبد العلماء تأكيدا لكم الغذاء المتوقع انتاجه إذا اتبع المزارعون هذه النصائح. لكنهم يقولون إن المشاكل الراهنة ومنها تغير المناخ والنمو السكاني وتجريف التربة تضيف قدرا من الالحاح لبحث تسخير إمكانات المادة الوراثية البرية.
استصلاح الأراضي الصحراوية
الى جانب ذلك نجحت بوركينا فاسو في غضون ثلاثين عاما بفضل تقنيات بسيطة في استصلاح ثلاثة الاف كيلومتر مربع من الاراضي القاحلة في مؤشر الى امكانية تجنب التصحر. ففي بلدة ريم الهانئة البالغ عدد سكانها ثلاثة الاف نسمة والتي تبعد عشرات الكيلومترات فقط عن مالي تنتشر النبتات العالية على مد النظر رازحة تحت ثقل حبوب "البانيغا" الثقيلة وهي نوع من الذرة البيضاء التي تزرع في هذا الجزء من بوركينا فاسو. وتقول اماندا ليندهارت الباحثة في معهد "اوفيرسيز ديفلبمنت اينستيتوت" (او دي اي) التي وضعت تقريرا حول الموضوع "كانت المنطقة صحراوية الا ان السكان تمكنوا من نشر الخضار في المنطقة".
ففي ريم كما في مناطق اخرى في شمال البلاد، يعتمد المزارعون "الزاي" او "الطوق الحجري". وهي وسيلة سمحت لهم بانعاش التربة واستصلاح اراض لم تكن صالحة بتاتا للزراعة. وتقوم هذه التقنية على اقامة حواجز حجرية صغيرة "من اجل لجم سيلان المياه" الامر الذي يسمح للمياه "بالتسرب الى باطن" الارض والحؤول دون انزلاق التربة على ما يوضح المهندس الزراعي بولان درابو.
وتقام بعد ذلك حفر تنثر فيها الاسمدة قرب الحجارة المصفوفة. ويمكن للمزروعات التي تحظى تاليا بتغذية افضل ان تنبت وتعلو. وقد انقلبت حياة المزارعين في بلدة ريم رأسا على عقب في بلد يعتمد 80% من سكانه على الزراعة. وتوضح المزارعة سيتا روامبا "في السابق عندما كنا نزرع على ارض مجردة لم نكن نحصد شيئا. اما الان مع التقنية التي علمونا اياها تنبت الذرة البيضاء بشكل جيد".
وبدلا من التركيز على الاراضي "الخصبة" على ضفاف الانهر او المجاري المائية بات الان بالامكان "الزراعة في اي ارض مهما كانت سيئة" على ما يؤكد المزارع سليمان بورغو (38 عاما). وقد زادت المحاصيل بشكل كبير. ويؤكد سادو بورغو والد سليمان "مستودعاتي مليئة ولدي ما يكفي من الفاصولياء ايضا". وبفضل الطوق الحجري هذا تمكن رب العائلة هذا الذي لديه 11 ولدا من تحسين وضعه المادي. ويوضح سايدو بورغو انه تمكن من شراء "الماعز والابقار ودراجة نارية".
ويؤكد بفخر "في حال واجهت صعوبات بامكاني بيعها لاشتري ما نحتاجه للاكل. هذا الامر يسمح لي بإدارة شؤون عائلتي بشكل جيد". واعتمد نحو ثلاثين مزارعا "الزاي" في ريم في مقابل 700 الف في كل انحاء البلاد على ما يفيد جويل اويدراوغو مدير الاتحاد الوطني لتجمعات النام (تعني "ملكية" في الموري لغة البلاد الرئيسية)وهي منظمة غير حكومية تدعم الاوساط الزراعية.
وهو يعتبر ان 200 الى 300 الف هكتار من الاراضي استصلحت وباتت قابلة للاستغلال اي الفين الى ثلاثة الاف كيلومتر مربع ما يوازي مساحة لوكسمبورغ تقريبا. وهي نتيجة ملفتة في منطقة الساحل هذه التي تعاني من التصحر ومن تقلبات في المتساقطات على ما تؤكد اماندا لينهارد. وتوضح هذه الباحثة الكندية التي تعنى منظمتها في تحليل التقدم الحاصل على صعيد التنمية ان بوركينا فاسو تظهر انه "بالامكان مكافحة التغير المناخي".
وتضيف ان هذه الوسيلة "البسيطة جدا" معروفة "أينما كان في منطقة الساحل" لكنها مستخدمة بشكل افضل في بوركينا فاسو مقارنة بدول اخرى. والنتيجة ملفتة من الجو خصوصا، فبين منطقة لا تعتمد "الزاي" وحقل تطبق فيه هذه التقنية تراوح الالوان بين البني في المساحات الصخرية القاحلة والاخضر الجميل وهو رمز للحياة بكل بساطة. بحسب فرانس برس.
والرهان يتجاوز الامن الغذائي فقط وهو امر اساسي في بوركينا فاسو المستعمرة الفرنسية السابقة. فهذا البلد الفقير يعرف كما غالبية الدول النامية، نزوحا كبيرا من الارياف ما يزيد الضغوط في المدن الرئيسية. وهذا النزوح لن يكون بهذه الوتيرة في حال حافظت الارياف على جاذبيتها للشباب في البلاد حيث 60% من السكان البالغ عددهم 17 مليونا هم دون الخامسة والعشرين. وسليمان بورغو مثال على ذلك فهو هجر الارض القاحلة لمدة سنة وانتقل الى ساحل العاج المجاورة. وبعدما اعتمد والده تقنية "الزاي" طلب من ابنه العودة. وبعد ست سنوات على ذلك، لا يزال سليمان يرى في ريم مستقبله.
أوروغواي وإنتاجها الزراعي
في السياق ذاته تعد أوروغواي 3,3 ملايين نسمة وعددا أكبر بأربع مرات من البقر، فهذا البلد الصغير الواقع في أميركا الجنوبية يوفر القوت لـ28 مليون شخص بفضل انتاجه الزراعي وهو يسعى إلى مضاعفة هذا العدد بواسطة التكنولوجيا. وفي حقل يمتد على 270 كيلومترا في العاصمة مونتيفيدو وسط غرب البلاد، تدور آلات الحصاد من ناحية إلى أخرى من دون توقف ويتم التحكم بها عن بعد عبر الكمبيوتر وهي تتبع بدقة خطة حددت لها مسبقا.
وفي داخل العربة، سائق يتتبع مسار العمل على شاشة أمامه، في حين تجمع الآلة سلسلة من المعطيات لتشكيل خطة حصاد بالمتر المربع وتحسين المردودية خلال العام المقبل. وشرح المزارع غابرييل كاربايال "جمع المعلومات والحبوب هما بالأهمية عينها بالنسبة إلينا". وكان غابرييل البالغ من العمر 40 عاما قد بدأ بالعمل في حقل عائلته سنة 1999 مع اعتماد الوسائل التقليدية، قبل أن تحدث "الثورة مع التكنولوجيات الجديدة لزرع البذور والآلات الجديدة والمناهج الزراعية الحديثة"، فضلا عن البذور المعدلة جينيا.
فبفضل هذه الثورة، تضاعفت المحاصيل تقريبا خلال السنوات العشر الماضية. وبموازاة ذلك، رفعت أوروغواي التي كانت في الماضي تركز أكثر على تربية المواشي مساحتها الزراعية ثلاث مرات تقريبا، من 600 ألف إلى 1,5 مليون هكتار، وباتت تنتج الأرز والقمح والذرة وقصب السكر.
ويعد هذا البلد الصغير المعتدل المناخ الذي تحده الأرجنتين جنوبا والبرازيل شمالا الأول عالميا من حيث المساحة الصالحة للزراعة للشخص الواحد، مع 15 مليون هكتار ل 3,3 ملايين نسمة. وهو على الأرجح أيضا البلد الوحيد الذي تحصى فيه أربع بقرات لكل نسمة ... كل واحدة منها تحمل رقاقة إلكترونية في أذنها لتتبع لحمها الذي يتألف منه الطبق التقليدي في البلاد. وتوفر أوروغواي بفضل التكنولوجيا وتحسين الإنتاجية الغذاء راهنا ل 28 مليون شخص، علما أنها كانت تنتج في العام 2005 مواد غذائية لـ9 ملايين شخص. وتأمل الحكومة رفع هذا العدد إلى 50 مليونا، أي أكثر ب 15 مرة من نسبة السكان المحليين.
وحسنت أوروغواي وضعها في هذا المجال بفضل عقود من الأبحاث والعمل المشترك بين الدولة والمزارعين ومربي المواشي، على ما شرح وزير الزراعة والتربية والصيد تاباريه أغوير. وقال الوزير "نستخدم الأراضي استخداما مكثفا ... وقد اعتمدنا سياسة عامة لمعادلة رياضية تستشرف تدهور الأراضي، وذلك بعد 50 عاما من الأبحاث". ويسمح هذا النموذج للحكومة بإدارة استخدام الأراضي بواسطة منصة معلوماتية وطيارات من دون طيار وصور ملتقطة من الأقمار الاصطناعية تضمن الامتثال للقواعد. بحسب فرانس برس.
وصرح تاباريه أغوير "إنها سياسة عامة لكنها تطبق ميدانيا من قبل 500 مهندس زراعي من القطاع الخاص". وتركز الحكومة حاليا على نظام وطني للمعلومات يسمح بجمع المعلومات من كل قطاع زراعي بغية تسهيل اتخاذ القرارات. وتقضي هذه السياسة بتعزيز التنافسية من جهة والحفاظ على الموارد الطبيعية والبشرية من جهة أخرى، في ظل تراجع عدد صغار المنتجين.
تغيير أساليب الزراعة
من جانب آخر فربما يكون طموح اثيوبيا لأن تصبح مركزا للصناعات التحويلية معلقا على قدرة خالد بومبا على تحويل شكل القطاع الزراعي القائم على الحيازات الزراعية المحدودة بقدر اعتماده على شبكات جديدة للسكك الحديدية والطرق وغيرها من العلامات الأوضح على التغيير في بلد جثا على ركبتيه في السابق بسبب المجاعة. وبومبا (46 عاما) الذي عمل في السابق في الاستثمار المصرفي هو حاليا الرئيس التنفيذي لهيئة التحويل الزراعي في أثيوبيا. ويتولى مهمة تعزيز انتاج قطاع يعمل به 85 بالمئة من القوى العاملة أغلبهم يزرع قطعا من الأرض لا تتجاوز حوالي أربعة أفدنة. وقال "الأيدي العاملة الرخيصة للصناعات التحويلية ستأتي من المناطق الريفية. واضاف "لن يخرج أناس من الزراعة إذا لم يرتفع مستوى الانتاجية."
وتتمتع اثيوبيا بأحد أكبر معدلات النمو الاقتصادي في افريقيا إذ يبلغ ثمانية بالمئة أو أكثر سنويا ويعتمد في جانب كبير منه على برنامج حكومي ضخم للبنية التحتية يشمل خطا جديدا للسكك الحديدية إلى ميناء جيبوتي وخط مترو في العاصمة وشبكة كبيرة من السدود لتوليد الطاقة الكهرومائية وجميعها يهدف لجذب استثمارات صناعية.
لكن الزراعة ما زالت تشكل أكثر من 42 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي وهو معدل مرتفع حتى في أفريقيا. ويبلغ المستوى حوالي 30 بالمئة في كينيا المجاورة. ومع ذلك لا تزال اثيوبيا مضطرة لاستيراد بعض الأغذية الأساسية لشعبها البالغ عدده 96 مليون نسمة. والتحدي الذي يواجه بومبا وفريقه في هيئة التحويل الزراعي التي بدأت العمل في العام 2011 هو استنباط أساليب جديدة للزراعة والتسميد والحصاد مع ضمان أن يتبناها المزارعون الذين لم تكد تتغير أساليبهم في بعض الأحيان عما كانت عليه في العصور القديمة.
ومن بين أول المجالات التي تستهدفها الهيئة انتاج حبوب التيف وهي المكون الرئيسي في خبز "انجيرا" التقليدي في البلاد. ومعدل الإنتاجية البالغ 1.2 طن للهكتار (فدانين تقريبا) يعادل تقريبا نصف انتاج الحبوب الأخرى في اثيوبيا أو أقل من ذلك. وقال بومبا "الطريقة التي يزرع بها التيف لم تتغير منذ مئات إن لم يكن آلاف السنين. "حقيقة الأمر هي أن المزارعين الاثيوبيين كانوا يبثرون بذورا أكثر كثيرا من الضروري."
وفي البداية وافق مزارعان اثنان فقط على العمل مع الهيئة لكن الأساليب الجديدة تتسع بشكل مطرد. ففي العام 2014 اتبع 2.1 مليون مزارع تلك الأساليب لكن بقية الخمسة ملايين مزارع المدربين لا يزالون يخشون استخدامها. وساعد ارتفاع الانتاج في انخفاض أسعار التيف إلى ما يعادل حوالي 60-75 دولارا لكل 100 كيلوجرام من 85-100 دولار. وتتيح زيادة الانتاجية أيضا للمزارعين زراعة جزء من أراضهم بمحاصيل أخرى أو زراعة محصول ثان من الحبوب مع التيف.
وقال بومبا إن صادرات التيف المحظورة لتجنب نقص الإمدادات المحلية قد تبدأ على نطاق صغير بنهاية عام 2015 أو 2016 برغم أنه ستوضع ضمانات لحماية المعروض المحلي. وزادت أيضا انتاجية القمح والذرة وغيرها من المحاصيل. وارتفع انتاج القمح حوالي ثمانية بالمئة سنويا منذ عام 2006 ليبلغ 3.9 مليون طن في العام 2013-2014 لتلبي حوالي 85 بالمئة من الاحتياجات المحلية. وتفحص الهيئة تربة الدولة أيضا لتحسين استخدام الأسمدة. بحسب رويترز.
ومثلما اعتمدت الجهود الصناعية الإثيوبية بكثافة على الخبرات الآسيوية تأسست هيئة التحويل الزراعي في اثيوبيا بعد دراسة أساليب الزراعة في بلدان منها ماليزيا وكوريا الجنوبية. وقاد بومبا تلك الدراسة عندما كان يعمل بمؤسسة بيل وميليندا جيتس الخيرية التي لا تزال تقدم جزءا من تمويل الهيئة. وقال بومبا إن الطرق والسكك الحديدية هي "المشروعات البراقة" التي عادة ما تأسر انتباه العالم "لكن في نهاية الأمر فإن القطاع الزراعي يظل العمود الفقري لهذا البلد".
مرض الاخضرار البكتيري
على صعيد متصل نجح أستاذ بجامعة فلوريدا في ابتكار جهاز جديد زهيد الثمن يساعد مزارعي أشجار الموالح (الحمضيات) على مقاومة مرض الاخضرار البكتيري المدمر والحيلولة دون استشراء هذا المرض الذي يهلك محاصيل البرتقال في العالم. وقال مبتكر الجهاز ونسوك "دانييل" لي وهو أستاذ الزراعة والهندسة الحيوية بجامعة فلوريدا إن الجهاز به خلية استشعار مصممة بحيث ترصد بسرعة أي علامات على مرض الاخضرار البكتيري على أوراق اشجار الموالح حتى يتسنى للمزارع التخلص منها قبل استفحال العدوى.
وقال لي إن الجهاز -الذي يتضمن كاميرا وعشرة مصابيح قوية تعمل بنظام الصمام الثنائي الباعث للضوء- يتكلف تجميعه أقل من ألف دولار وتراوحت نسبة دقته في المعامل وحقول الاختبار بين 95 و98 في المئة. وظهرت نتائج دراسة جامعة فلوريدا الخاصة بهذا الجهاز في أحدث أعداد الدورية الاكاديمية للالكترونيات والحاسبات في مجال الزراعة وقال لي إنه يبحث عن مستثمرين لإنتاج وتسويق الجهاز على النطاق التجاري. وينتشر مرض الاخضرار البكتيري بواسطة ذبابة تتغذى عل أوراق الموالح.
ويستغل الجهاز خاصية ان هذا المرض يؤدي الى تراكم وتخزين مستويات عالية في الاوراق من النشا وهي المادة التي تسهم في تغيير درجة انعكاس الضوء. وقال لي إن من أعراض المرض ظهور بقع خضراء باهتة على عروق الاوراق ويمكن تمييزها بسهولة عن الأوراق السليمة ذات اللون الاخضر الغامق. وقال إن التشخيص السليم للمرض يتطلب حاليا تحليلا للحمض النووي (دي ان ايه) وهي عملية تنطوي على اضاعة للوقت علاوة على التكلفة العالية. واضاف "التوقيت في غاية الاهمية". بحسب رويترز.
وقال معهد الاغذية والعلوم الزراعية بجامعة فلوريدا إن هذا المرض كبد فلوريدا -التي تشتهر بجودة محصول البرتقال- خسائر قدرت بنحو 4.5 مليار دولار منذ عام 2006 وذلك في أعقاب اكتشافه في الولاية. وقال لي إن الوقت تأخر كثيرا لانقاذ صناعة الموالح بالولاية التي يبلغ حجمها تسعة مليارات دولار لان معظم أشجار الموالح مصابة فيما يعمد المزارعون إلى التمادي في استخدام المواد المغذية للحفاظ على انتاجية الأشجار.