اقتصاد التنين الأحمر يئنّ تحت أثقال الأزمة المالية
ندى علي
2016-05-19 08:49
يتبوّأ الإقتصاد الصيني مكانة مهمة متقدما على اقتصادات كثيرة لدول متقدمة، وقد بلغ اقتصاد الصين من الضخامة بحيث أن التباطؤ الذي ألم به مؤخرا، انعكس على الاقتصاد العالمي كله، ولهذا السبب لم يصوت البرلمان الاوروبي لصال منح الصين وضع اقتصاد السوق، وهذا ما أثار حفيظة الحكومة الصينية، معلنة أن هذا الاجراء ليس سليما وأنه يستهدف الاقتصاد الصيني في الصميم، واعتبر أحد مسؤولي الصين أن عدم تصويت البرلمان الاوربي قرار غير بناء.
حيث قال وزير الخارجية الصيني في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي جان مارك آيرولت "نعتقد ان قرار البرلمان الاوروبي غير بناء على الاطلاق كما أن رغبة الصين واضحة وبسيطة ومعقولة وهي ان الجميع يجب ان يفوا بالوعود التي قطعوها" في اطار بروتوكول انضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية، ونأمل ان نرى الجانب الاوروبي يتبنى نظرة موضوعية لتنمية الصين ويحترم قواعد اللعبة في منظمة التجارة العالمية والالتزامات القانونية الواردة في الوثائق الدولية". ورأت المفوضية الاوروبية ان منح الصين وضع اقتصاد السوق سيكون خيارا "لا يمكن الدفاع عنه" في الوضع الحالي، وقال المفوض الاوروبي فيتينيس اندريوكايتيس ان هذا الخيار "ستكون له كلفة هائلة في خسارة الوظائف في الاتحاد الاوروبي".
وتكافح الصين في السنتين الماضيتين من أجل كبح حالة الجمود التي تطول حركة المال وجمود الانتاج وتباطؤ التسويق في مجالات عدة، إذ يقول نائب رئيس الوزراء الصيني تشانغ قاو لي إن اقتصاد الصين سيواجه ضغوطا تدفعه للتباطؤ ولكن أحدث بيانات تشير إلى بعض التحسن في الأنشطة. وحاول المسؤولون في الصين أكثر من مرة طمأنة الأسواق المالية المضطربة وشركاء الصين التجاريين الرئيسيين بشأن قدرة بكين على إدارة الاقتصاد المتباطيء إثر هبوط بورصة الأسهم وخفض قيمة اليوان، وذكر تشانغ في منتدى اقتصادي رفيع المستوى أن أحدث بيانات حتى مطلع الشهر الجاري بما في ذلك الاستثمار في الأصول الثابتة والتوظيف أظهرت أن الاقتصاد يتحسن.
ومن المعادلات الصعبة التي تواجه الاقتصاد الصيني، هو كثرة الانتاج، مع تراجع الطلب، الأمر الذي يشكل ضغوطا اضافية على القطاعات الاقتصادية الصينية المختلفة، حيث تواصل قدرات الانتاج الصناعي الصينية الهائلة ولاسيما في قطاع الصلب ارتفاعها امام طلب لا يزال باردا، ما يضر بنمو البلاد ويهدد الاقتصاد العالمي، على ما حذرت غرفة التجارة التابعة للاتحاد الاوروبي في بكين. فمن الحديد الى الاسمنت مرورا بالالمينيوم تعاني شركات رسمية كثيرة في قطاع الصناعات الثقيلة من فائض القدرات بعد تكثيف للاستثمارات غالبا ما تم بقروض، مع ان الطلب كان يشهد تراجعا يضاف اليه تباطؤ حاد لسوق العقارات والبناء في الصين.
وقد انعكس هذا التباطؤ الاقتصادي على حركة الاموال، وأسهم في خفض احتياطي الصين من العملات الاجنبية التي تحتاجها الصين بشدة لادامة مشاريعها التي تهدف الى انعاش حركة السوق وتخليص الاقتصاد من شرنقة التباطؤ في التسويق العالمي، فحسب المعلومات المتوفرة أن احتياطي الصين من النقد الأجنبي انخفض للشهر الثالث على التوالي في يناير كانون الثاني مع قيام بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) ببيع الدولار للدفاع عن اليوان وكبح نزوح رؤوس الأموال. وأظهرت بيانات البنك المركزي تراجع الاحتياطيات الأجنبية.
وقد انعكس ذلك بصورة واضحة على الخط البياني لنمو الاقتصاد الصيني وجعله في حالة هبوط شبه متواصلة، حيث تراجع نمو الاقتصاد الصيني الى 6,9% خلال العام 2015 مسجلا ادنى مستوياته منذ ربع قرن، على ما اعلنت الحكومة مؤكدة التراجع المتواصل في النشاط الاقتصادي رغم ازدهار قطاع الخدمات الذي حقق لاول مرة العام الماضي اكثر من نصف اجمالي الناتج الداخلي. والنسبة الرسمية الصادرة عن المكتب الوطني للاحصاءات للعام الماضي جاءت مطابقة لمتوسط توقعات محللين.
الصين تنتقد البرلمان الاوروبي
في هذا السياق انتقدت بكين خلال لقاء بين وزيري الخارجية الصيني والفرنسي تصويت البرلمان الاوروبي ضد منحها وضع اقتصاد السوق معتبرة انه قرار "غير بناء". وعند انضمامها الى منظمة التجارة العالمية في 2001، سجلت الصين على انها اقتصاد موجه مع وعد باعادة النظر في هذا الوضع بعد 15 عاما، اي بحلول نهائة 2016. وبينما يأمل الاتحاد الاوروبي في اتخاذ قرار في هذا الشأن في الصيف، جرت مناقشات في البرلمان الاوروبي الاسبوع الماضي هاجم فيها كل النواب تقريبا سياسة "الاغراق" التي تتبعها بكين في قطاع الفولاذ بحسب فرانس برس.
وانتهت المناقشات بتصويت غير ملزم في هذه المرحلة ضد منح الاتحاد الاوروبي الصين وضع اقتصاد السوق. وقال وزير الخارجية الصيني في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي جان مارك آيرولت "نعتقد ان قرار البرلمان الاوروبي غير بناء على الاطلاق". واضاف ان "رغبة الصين واضحة وبسيطة ومعقولة وهي ان الجميع يجب ان يفوا بالوعود التي قطعوها" في اطار بروتوكول انضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية.
وتابع "نأمل ان نرى الجانب الاوروبي يتبنى نظرة موضوعية لتنمية الصين ويحترم قواعد اللعبة في منظمة التجارة العالمية والالتزامات القانونية الواردة في الوثائق الدولية". ورأت المفوضية الاوروبية ان منح الصين وضع اقتصاد السوق سيكون خيارا "لا يمكن الدفاع عنه" في الوضع الحالي. وقال المفوض الاوروبي فيتينيس اندريوكايتيس ان هذا الخيار "ستكون له كلفة هائلة في خسارة الوظائف في الاتحاد الاوروبي".
وفي الواقع، تغيير وضع الصين يمكن ان يؤدي الى انخفاض كبير في الرسوم الجمركية مما يثير قلق عدد من الصناعيين الاوروبيين الذين يتهمون الصين بالبيع بخسارة خصوصا في قطاع الصناعات الحديدية والتسبب في الوقت نفسه بتراجع الاسعار العالمية. من جهة اخرى، اعلنت المفوضية الاوروبية فتح تحقيق جديد حول بعض انواع الفولاذ المستورد من الصين التي يعتقد انها استفادت من دعم مالي حكومي واعاقت بالتالي المنافسة الحرة في السوق العالمي. ويستهدف نحو 15 اجراء اوروبيا لمكافحة الاغراق او ضد الدعم المالي قطاع الفولاذ الصيني.
الصينيون استثمروا مليارات في اميركا
من جهتهم ضخ الصينيون مليارات الدولارات في قطاع العقارات الاميركي بحثا عن استثمارات خارجية آمنة ليصبحوا في طليعة الأجانب الذين اشتروا منازل في الولايات المتحدة خلال سنة 2015، وفق دراسة حديثة. وارتفعت قيمة الاستثمارات الصينية في العقارات السكنية والتجارية خلال السنة الماضية بشكل كبير لتصل استثماراتهم على مدى خمس سنوات الى 110 مليارات دولار وفق دراسة اعدت بالاشتراك بين "الجمعية الآسيوية" و مجموعة "روزن كانسلتنغ" الاستشارية. وساهمت هذه الاموال الطائلة لقطاع العقارات الاميركي ان يستعيد عافيته بعد الازمة الاقتصادية التي بدأت في 2006 وبلغت ذروتها في 2008.
وبالرغم من التباطوء الناجم عن القيود التي فرضتها بكين على خروج الرساميل من الصين، يتوقع ان ترتفع هذه الاستثمارات بمعدل الضعف خلال السنوات الخمس المقبلة لتصل الى 218 مليار دولار، وفق الدراسة. وتقول الدراسة ان "ما يجعل الصين مختلفة وجديرة بالاهتمام هو الجمع ما بين الحجم الكبير للاستثمارات واتساعها لتشمل مختلف فئات الممتلكات العقارية"، بما في ذلك "الاستثمار الفريد في العقارات السكنية".
ويقول معدو الدراسة ان الارقام التي يقدمونها استنادا الى المعلومات العامة ومن قطاع العقارات هي اقل من الاجمالي الفعلي وهي بالضرورة لا تشمل الصفقات التي قامت بها "شركات واجهة" و"شركات استئمانية" لا تذكر عادة مصادر اموالها. وفي حين تصدرت الأنباء صفقات ضخمة مثل شراء مجموعة "انبانغ" للتأمين فندق والدورف استوريا في نيويورك العام الماضي مقابل ملياري دولار، وعرضها غير الموفق لشراء مجموعة "ستاروود" الفندقية في اذار/مارس مقابل 14 مليار دولار، تقول الدراسة ان شراء الصينيين للمنازل الاميركية يفوق بكثير استثمارهم في الاملاك التجارية والمباني بحسب فرانس برس.
وبين 2010 و2015، استثمر الصينيون اكثر من 17 مليار دولار في سوق العقارات التجارية الاميركية، ونصف هذا المبلغ تم صرفه خلال سنة 2015 وحدها. ولكن خلال الفترة نفسها، انفق الصينيون على الاقل 93 مليار دولار لشراء مساكن اميركية. وخلال 12 شهر للفترة التي تنتهي في اذار/مارس 2015، وهي الفترة الاحدث التي امكن خلالها جمع معلومات شاملة، بلغت صفات شراء المنازل 28,5 مليار دولار في الاجمال. هذا يجعل الصينيين يتقدمون على الكنديين الذين ظلوا لفترة طويلة في طليعة المستثمرين الاجانب في قطاع العقارات السكنية الاميركي. ويركز الصينيون جغرافيا على الشراء في المدن الاعلى سعرا مثل نيويورك ولوس انجليس وسان فرانسيسكو وسياتل.
ويعني هذا التركيز انهم يشترون منازل اغلى من المتوسط السعري للمنزل الاميركي اذ دفع الشارون الصينيون في المعدل 832 الف دولار للمنزل في الولايات المتحدة مقارنة مع 499,600 دولار كمعدل وسطي لكل مشتريات الاجانب. وهناك دوافع كثيرة تحفز الصينيين على القيام بهذه الصفقات. فالبعض منهم يشترون منزلا ثانيا او مع انتقالهم للعيش في الولايات المتحدة للحصول على تأشيرة المستثمر "اي بي-5" في حين يشتري آخرون للايجار او لاعادة البيع. وتلاحظ الدراسة ان معظم الاموال الموظفة في شراء البيوت الاميركية هي ثروات خاصة وليست لشركات. اذ "غالبا ما يلجأ الصينيون لاستخدام العقار كاستثمار او للحفاظ على الثروة وهو ما يعكس ارتياحا اكبر لشراء منزل ثان في الولايات المتحدة من قبل افراد او عائلات".
الاقتصاد يتحسن ولكن الضغوط مستمرة
في سياق مقارب قال نائب رئيس الوزراء الصيني تشانغ قاو لي إن اقتصاد الصين سيواجه ضغوطا تدفعه للتباطؤ ولكن أحدث بيانات تشير إلى بعض التحسن في الأنشطة. وحاول المسؤولون في الصين أكثر من مرة طمأنة الأسواق المالية المضطربة وشركاء الصين التجاريين الرئيسيين بشأن قدرة بكين على إدارة الاقتصاد المتباطيء إثر هبوط بورصة الأسهم وخفض قيمة اليوان. وذكر تشانغ في منتدى اقتصادي رفيع المستوى أن أحدث بيانات حتى مطلع الشهر الجاري بما في ذلك الاستثمار في الأصول الثابتة والتوظيف أظهرت أن الاقتصاد يتحسن.
وسجل الإنتاج الصناعي في الصين في شهري يناير كانون الثاني وفبراير شباط أضعف وتيرة نمو منذ 2008 حسب بيانات أصدرها مكتب الاحصاء الوطني في وقت سابق من الشهر. وقال تشانغ إن الحكومة ستجري تعديلات وقائية على السياسات للحفاظ على النمو الاقتصادي في نطاق مقبول مؤكدا الخط الرسمي للدولة بحسب رويترز. وتستهدف الحكومة نموا اقتصاديا بين 6.5 وسبعة في المئة لعام 2016. ونما ثاني أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 6.9 في المئة في 2015 في أبطأ وتيرة نمو خلال 25 عاما.
معاناة الصين تهدد الاقتصاد العالمي
في السياق نفسه تواصل قدرات الانتاج الصناعي الصينية الهائلة ولاسيما في قطاع الصلب ارتفاعها امام طلب لا يزال باردا، ما يضر بنمو البلاد ويهدد الاقتصاد العالمي، على ما حذرت غرفة التجارة التابعة للاتحاد الاوروبي في بكين. فمن الحديد الى الاسمنت مرورا بالالمينيوم تعاني شركات رسمية كثيرة في قطاع الصناعات الثقيلة من فائض القدرات بعد تكثيف للاستثمارات غالبا ما تم بقروض، مع ان الطلب كان يشهد تراجعا يضاف اليه تباطؤ حاد لسوق العقارات والبناء في الصين.
واشارت الغرفة في تقرير نشرته الاثنين الى ان "القدرات المفرطة تشكل منذ فترة طويلة جرحا مفتوحا للصناعة الصينية" لكن الوضع ساء وولد انعكاسات عميقة على الاقتصاد العالمي ونمو الصين خصوصا". وتثير المشكلة قلقا كبيرا بسبب حجمها. فصانعو الفولاذ الصينيون باتوا ينتجون اكثر من الدول الاربع المنتجة الرئيسية الاخرى، اليابان والهند والولايات المتحدة وروسيا، لكن نصفهم يعاني من العجز. كذلك، انتجت الصين من الاسمنت خلال عامين ما انتجته الولايات المتحدة في القرن العشرين برمته.
فقد ادت خطة الانعاش الهائلة التي اقرتها بكين في 2008-2009 لحل الازمة الاقتصادية الى دفق هائل من الاموال على الشركات التي دعيت الى الاستثمار كما يحلو لها...لكن الطلب لم يواكب هذا التوجه. وفي ستة قطاعات من ثمانية درستها الغرفة (الحديد، الالمينيوم، الاسمنت، التكرير، الزجاج، الورق) جاءت نسبة استخدام المصانع ادنى مما كانت عليه في 2008. ادراكا منها لحجم المشكلة وسعيا الى بدء مرحلة انتقالية اقتصادية لصالح خدمات وصناعات التكنولوجيا، شددت بكين انظمتها وشجعت على عمليات الاندماج واعادة الهيكلة ولجمت القروض والدعم العام للشركات العاجزة عن تحقيق الارباح بحسب فرانس برس.
"لكن السلطة المركزية تواجه مقاومة شرسة من الحكومات المحلية (الاقاليم والبلديات) التي تخشى من العواقب على الوظائف" بسبب غياب نظام متين للحماية الاجتماعية، وعلى عائداتها الضريبية، على ما افاد رئيس الغرفة يورغ فاتكه لصحافيين. واضاف ان "هذه الصناعات مفصولة عن قوى الاسواق وتعتمد الى حد كبير على دعم الادارات المحلية" التي تستثمر المال وتسهل الحصول على قروض. غير ان عائدات الاستثمارات تتضاءل وبات الارتفاع الضخم في القروض المصرفية الذي عززته سياسة مالية تشجيعية ينعكس عبر زيادة في مخاطر التمويل المشبوه والتخلف عن السداد. وشدد فاتكه على ان "اثار ذلك بدات تبرز في الخارج" لان الوضع يضاعف من تباطؤ الاقتصاد الثاني عالميا وينعكس على عدد من الشركات الاوروبية التي توفر التجهيزات الصناعية، خصوصا وان بكين تحاول تسويق فائضها الانتاجي حول العالم، تحت طائلة زعزعة استقرار الاسواق. ويغذي تدفق الفولاذ الصيني باسعار تتحدى اي منافسة تدهور الاسعار ويقوض الانتعاش الهش لصانعي الحديد الاوروبيين والاميركيين.
احتياطيات الصين تنخفض لأدنى مستوى
من ناحية اخرى انخفض احتياطي الصين من النقد الأجنبي للشهر الثالث على التوالي في يناير كانون الثاني مع قيام بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) ببيع الدولار للدفاع عن اليوان وكبح نزوح رؤوس الأموال. وأظهرت بيانات البنك المركزي تراجع الاحتياطيات الأجنبية 99.5 مليار دولار إلى 3.23 تريليون دولار في يناير كانون الثاني مسجلة أدنى مستوى منذ مايو أيار 2012 لكنها تظل أعلى من المتوسط الذي توقعه اقتصاديون استطلعت رويترز آراءهم وبلغ 3.20 تريليون دولار. وهذا ثاني أكبر تراجع شهري في الاحتياطيات الأجنبية للصين بعد أن هوت في ديسمبر كانون الأول 107.9 مليار دولار وكان ذلك أكبر تراجع شهري على الإطلاق.
وكثف البنك المركزي الصيني جهوده لتعزيز اليوان بعد أن خفض قيمته على نحو مفاجئ في مطلع أغسطس آب بحسب رويترز. ومازالت الاحتياطيات الأجنبية الصينية الأكبر في العالم رغم فقدانها نحو 420 مليار دولار في الأشهر الستة الأخيرة. وكانت قد انخفضت 513 مليار دولار في 2015 مسجلة أكبر تراجع سنوي للاحتياطيات الأجنبية على الإطلاق.
بكين ليست في وارد خفض عملتها
من جهته اكد نائب الرئيس الصيني لي يوان تشاو ان الصين ليست في وارد تخفيض عملتها، مبديا حرصه على طمأنة الأسواق بشأن السياسة النقدية لثاني اقتصاد عالمي بعد تراجع اليوان. وقال لي في مقابلة مع تلفزيون "بلومبرغ نيوز" على هامش منتدى دافوس في سويسرا ان "تقلبات سوق العملة هي نتيجة القوى المحركة للسوق، والحكومة ليست لديها النية في خفض العملة ولا تنتهج سياسة التعويم". ولا يدخر المسؤولون الصينيون المشاركون في المنتدى جهدا في توجيه رسائل مطمئنة حول اقتصاد الصين وسياستها النقدية، في حين يواجه اليوان ضغوطا نظرا للمخاوف التي اثارها تباطؤ النشاط الاقتصادي في الصين وخروج الرساميل منها على الرغم من القيود التي فرضتها السلطات. وانتقدت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد الصين الخميس لانها "لا تتواصل بما يكفي" حول تطور نظام الصرف لديها. وخفضت الصين خلال ثماني جلسات متتالية بنسبة 1,4% في الاجمال المستوى المرجعي الذي يسمح لعملتها بالتقلب به امام الدولار.
نمو الاقتصاد الصيني في تراجع
في نفس السياق تراجع نمو الاقتصاد الصيني الى 6,9% خلال العام 2015 مسجلا ادنى مستوياته منذ ربع قرن، على ما اعلنت الحكومة مؤكدة التراجع المتواصل في النشاط الاقتصادي رغم ازدهار قطاع الخدمات الذي حقق لاول مرة العام الماضي اكثر من نصف اجمالي الناتج الداخلي. والنسبة الرسمية الصادرة عن المكتب الوطني للاحصاءات للعام الماضي جاءت مطابقة لمتوسط توقعات محللين استطلعت آراءهم وكالة فرانس برس، وهي اقل بكثير من مستوى 7,3% الذي سجله النمو عام 2014.
وتعثر ثاني اقتصاد في العالم خلال الفصل الرابع من العام متاثرا باوضاع اقتصادية لا تزال ضعيفة. وخلال الاشهر الثلاثة الاخيرة من 2015، بلغ تقدم اجمالي الناتج الداخلي 6,8% بالمقارنة مع الفصل ذاته من العام السابق، مسجلا تراجعا عن الفصل الثالث ولكن في تطابق مع متوسط توقعات الخبراء الـ18 الذين التقتهم وكالة فرانس برس. اما وكالة بلومبرغ، فكانت اكثر تفاؤلا في توقعاتها اذ ترقبت ان يستقر النمو عند +6,9%.
وتؤكد الارقام المفصلة ان العملاق الاسيوي يبقى رغم هذا التباطؤ محركا اساسيا للتجارة الدولية ومستهلكا نهما للمواد الاولية. وفي مؤشر الى اهمية الاقتصاد الصيني، هبطت البورصات العالمية في مطلع كانون الثاني/يناير اثر الاضطرابات التي سجلتها الاسواق الصينية. وبقيت المؤشرات سلبية طوال العام 2015 من تقلص انشطة التصنيع وتباطؤ حاد في الانتاج الصناعي، ما ادى الى تفاقم الفائض الكبير اساسا في القدرات الانتاجية، وركود القطاع العقاري، وانهيار التجارة الخارجية. وتعكس هذه المؤشرات تراجع قطاعات تشكل ركائز تقليدية للنمو الصيني. ولا تساهم المؤشرات الشهرية التي كشفها المكتب الصيني للاحصاءات الثلاثاء، في تلميع هذه الصورة وقد جاءت مخيبة للامال بالنسبة الى التوقعات.
فسجل الانتاج الصناعي الصيني في كانون الاول/ديسمبر نموا بنسبة 5,9% بالنسبة الى الشهر ذاته من العام السابق، في تباطؤ عن شهر تشرين الثاني/نوفمبر (+6,2%)، متخطيا توقعات المحللين الذين استجوبتهم وكالة بلومبرغ. وان كانت مبيعات التجزئة، التي تعتبر مؤشرا جوهريا الى استهلاك الاسر، لا تزال قوية، فهي ايضا تباطأت الشهر الماضي خلافا لتوقعات الاسواق، فتقدمت بنسبة 11,1% بالمقارنة من كانون الاول/ديسمبر 2014. غير ان مكتب الاحصاءات شدد الثلاثاء على "التحولات الهيكلية" الاليمة الجارية وقال "انها مرحلة جوهرية يتحتم فيها التغلب على التحديات (...) وتبقى ضرورة ترسيخ الاصلاحات ملحة".
وتثني بكين على "الوضع الطبيعي المستحدث" لنمو اقل حجما غير انه اكثر استدامة، هو ثمرة جهودها لاعادة التوازن الى نموذجها الاقتصادي بحيث يستند اكثر الى الاستهلاك الداخلي والابتكار والخدمات، على حساب الصناعات الثقيلة والاستثمارات القائمة على المديونية والصادرات. وشكل قطاع الخدمات 50,5% من اجمالي الناتج الداخلي عام 2015، مستاثرا لاول مرة بنصف الاقتصاد، بحسب وكالة الصين الجديدة للانباء.
الصين ستغير رئيس هيئة البورصة
من ناحيتها اعلنت وكالة انباء الصين الجديدة الرسمية ان السلطات الصينية ستغير رئيس هيئة ضبط البورصة بينما تسعى البلاد الى الحد من تقلب اسواقها المالية. وقالت الوكالة ان الحزب الشيوعي الحاكم قرر ان "يقيل" تشياو غانغ من ادارة هيئة ضبط الاسواق المالية. واضافت انه سيتم تعيين ليو شيو الرئيس الحالي للبنك الزراعي الصيني احد اكبر اربعة مصارف صينية، في مكان تشياو. وكان غانغ في رئاسة الهيئة منتصف 2015 اثناء انهيار البورصات الصينية. وسجل حينها انهيار في بورصة شنغهاي بحوالي الثلث ما ادى الى تبخر آلاف مليارات الدولارات وهز مجمل الاسواق المالية العالمية.
وكان تشياو البالغ من العمر 57 عاما تولى رئاسة هذه الهيئة في 2013. وقد امضى الجزء الاكبر من حياته المهنية في النظام المصرفي الصيني بما في ذلك في البنك المركزي الصين وبنك الصين احد اكبر مصارف الصين ايضا. وتملك الحكومة الصينية هذا المصرف الذي تولى تشياو ادارته عشر سنوات. وقد كان على رأس الهيئة عندما سجلت البورصة انهيارا في منتصف 2015. وانخفض مؤشر بورصة شنغهاي حينذاك بمقدار الثلث مما ادى الى خسارة آلاف المليارات من الدولارات وهز كل الاسواق العالمية. وبدأ التراجع عندما بدلت الهيئة قواعد استخدام المال الذي يستدينه الوسطاء. فقد ادت هذه المبادرة الى مضاربة كبيرة يغذيها خصوصا الدين.
ومنذ انهيار بورصة شنغهاي، تضاعفت الدعوات الى رحيل تشياو وتكررت في مطلع كانون الثاني/يناير عندما فرضت اللجنة نظام توقف آلي للمبادلات في البورصة في حال حدوث تقلبات كبيرة في اسواق الاسهم. وعلق هذا النظام في نهاية المطاف في الثامن من كانون الثاني/يناير.
وكشف تشياو خلال مقابلة تلفزيونية في 2012 انه كان خلال دراسته يفضل الفنون على الرياضيات وانه "لم يختار دراسة المالية" في الجامعة. وامضى خلفه ليو شيو ايضا الجزء الاكبر من حياته المهنية في المصارف. وقد شغل منصب نائب رئيس البنك المركزي قبل ان يصبح رئيسا للمصرف الزراعي الصيني. وكان رئيس هذا المصرف استقال في كانون الاول/ديسمبر "لاسباب شخصية" بينما تحدثت معلومات نشرتها وسائل الاعلام عن استجوابه في اطار تحقيق في قضية فساد.
الصين تخطط لتسريح 5-6 ملايين موظف
فيما قال مصدران على صلة بالقيادة الصينية إن البلاد تخطط لتسريح ما بين خمسة ملايين وستة ملايين موظف في "الشركات الحية الميتة" على مدى العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة في إطار جهود رامية للحد من التلوث وفائض الطاقة الإنتاجية بالقطاعات الصناعية. وقال أحد المصدرين إن خطط الحكومة لتسريح خمسة ملايين عامل في الصناعات المتضررة من تخمة المعروض ستمثل أجرأ برنامج لخفض النفقات تتبناه البلاد في نحو 20 عاما.
وأدت إعادة هيكلة الشركات الحكومية في الفترة بين عامي 1998 و2003 إلى تسريح ما يقرب من 28 مليون عامل وكلفت الحكومة المركزية حوالي 73.1 مليار يوان (11.2 مليار دولار) لإعادة توزيع هذه العمالة. وقال مصدر ثان على صلة بالقيادة إن عدد الموظفين المقرر تسريحهم يبلغ ستة ملايين موظف بحسب رويترز.
وطلب المصدران عدم ذكر اسميهما نظرا لأنهما غير مخولين بالتحدث لوسائل الإعلام عن هذه القضية الحساسة سياسيا خشية إثارة احتجاجات. ولم ترد وزارة الصناعة على الفور حين طلب منها التعليق على هذه الأنباء. وكان وزير الموارد البشرية والضمان الاجتماعي ين وي مين قال يوم الاثنين إن الصين تتوقع تسريح 1.8 مليون عامل في قطاعي الفحم والصلب لكنه لم يحدد إطارا زمنيا.
أزمة الأسهم تدمر الطبقة الوسطى
من جهتها هاجمت ممثلة لشنغهاي إلى مجلس الشعب الصيني منظمي سوق المال متهمة إياهم بإشعال أزمة الأسهم "التي تدمر الطبقة الوسطى الصينية" وذلك في انتقاد حاد نادر للسلطات بأكبر مناسبة سنوية لهم. وقالت فان يون وهي سيدة أعمال من شنغهاي خلال الجلسة الافتتاحية لأعمال المجلس في بكين "السنوات العشر لتطوير سوق الأسهم منذ 2007 كانت عقدا من الدموع للمستثمرين الصينيين." وألقت فان المعروفة بصراحتها باللوم على السماسرة الصينيين لإخفاقهم في توعية المستثمرين وعلى المنظمين لفشلهم في السيطرة بشكل صحيح على الإقراض بالهامش وعلى قنوات الإقراض البديلة وهو ما ساعد على تضخم فقاعة الأسهم.
ونادرا ما يجري التعبير عن وجهات نظر مثل تلك التي أطلقتها فان في المنتديات العامة الرسمية لكنها تبرز القلق في شنغهاي من أن هدف المدينة بأن تصبح مركزا ماليا عالميا ينافس هونج كونج ونيويورك بحلول 2020 قد تلقى ضربة موجعة في 2015 لأسباب من بينها التدخل المركزي غير المتقن من جانب الجهات التنظيمية في بكين.
في صيف 2015 بدأت مؤشرات أسواق الأسهم الصينية - التي صعدت نحو 150 بالمئة في عام - تشهد تصحيحا حادا. ورغم القلق من أن الأسهم مقومة بأعلى من قيمتها الحقيقية أمرت الحكومة المركزية منظمين في سوق المال بالتحرك وشكلت "فريقا وطنيا" من مستثمري المؤسسات لأخذ إجراءات صارمة لوقف مزيد من التدهور بحسب رويترز.
ونتج عن ذلك محاولة فاشلة لتنفيذ آلية جديدة استحدثت لوقف التداول عند مستويات معينة جرى العمل بها لأسبوع وينظر إليها كأحد أسباب فقدان شياو غانغ رئيس هيئة تنظيم السوق لمنصبه. ووصفت فان الآلية التي كانت تعلق التداول عندما ترتفع المؤشرات أو تنخفض بنسبة سبعة بالمئة "بالفكرة المجنونة". في ذلك الوقت قال المسؤولون الصينيون إنهم يفعلون ببساطة ما كانت أي حكومة ستفعله لاحتواء الفزع. لكن مؤشرات الأسهم بددت جميع المكاسب المؤقتة التي حققتها لتنخفض قيمة الأصول في حوزة الفريق الوطني والمستثمرين الأفراد الذين اتبعوها عن سعر الشراء. وفي العام الماضي دفع انهيار سوق الأسهم المنظمين لفرض قيود على تداول المشتقات والعقود الآجلة ومنتجات مالية معقدة أخرى كانت شنغهاي تأمل في التخصص فيها.
واشتكى المسؤولون في شنغهاي من قبل من أن سياسات بكين زادت صعوبة أن تصبح شنغهاي مركزا ماليا حقيقيا.