النفط السعودي والعجز المالي.. خطوة الى الامام وخطوتين الى الوراء..!
ندى علي
2016-04-28 12:43
لا يزال الاقتصاد السعودي يترنح بفعل الضربات المتلاحقة التي يتعرض لها من هبوط اسعار النفط بصورة كبيرة، هذه الصدمة ربما تم امتصاصها شيئا فشيئا، ولكنها خلفت أوضاعا بالغة التعقيد انعكست على اقتصاد السعودية التي لجأت لأول مرة في تاريخها الى الاقتراض من بنوك اجنبية، حيث تؤكد وسائل اعلامية على أن المملكة العربية السعودية تعتزم اقتراض عشرة مليارات دولار اميركي من مصارف اجنبية لتغطية جانب من العجز في ماليتها العامة جراء انخفاض اسعار النفط، بحسب ما افاد تقرير لوكالة "بلومبرغ". ونقلت الوكالة عن ثلاثة مصادر مطلعة لم تسمها، ان هذا الدين سيكون اول قرض اجنبي منذ 15 عاما للمملكة، ابرز منتجي النفط في العالم. وسيكون القرض لمدة خمس سنوات، ويتوقع ان يتم التوقيع عليه قبل نهاية نيسان/ابريل، ويشمل مصارف صينية واوروبية ويابانية واميركية.
ومن بين المعالجات خطة طرحها ولي ولي العهد (30 سنة) له نفوذ كبير في السلطة على غير العادة، هذه الخطة تقوم على عدم الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي، وذلك من خلال تأسيس وانشاء صندوق سيادي تقدر قيمته بألفي مليار دولار، ولكن هنالك عقبات كبيرة تواجه هذه الخطة، حيث يقول كبير اقتصاديي الشرق الاوسط في "اوكسفورد ايكونوميكس" باتريك دينيس "من غير المعروف الى اي حد سيتمكن الامير محمد بن سلمان من كسب تأييد العائلة المالكة". ويكتسب نجله محمد (30 عاما)، نفوذا متزايدا غير مألوف لأمير شاب في مملكة محافظة معروفة بالتزامها بالتراتبية داخل الاسرة الحاكمة والسن المتقدم لقادتها. والرؤية تقدم بها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه، علما ان بن سلمان هو ايضا وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي. وخلال مقابلة مع قناة "العربية" السعودية للحديث عن الخطة الجديدة، انتقد بن سلمان حالة "الادمان النفطي" التي رأى ان بلاده عانت منها لعقود، معتبرا انها حالت دون تحقيق مشاريع التنمية.
وبعد أن كانت السعودية حتى وقت قريب حلما لكثير من فقراء العالم، والطامحين بجمع اموال طائلة فيها، باتت اليوم طاردة للعاملين فيها، ملقية بهم على قارعة الطريق، بعد أن تعرض الآلاف منهم الى التسريح او الطرد او الاستغناء وما شابه، فقد تمكن مبارك موسى عبر عشرة أعوام قضاها في السعودية من تقديم الدعم المالي لوالديه وأشقائه الثلاث في سوريا لكن مع تغير سياسة العمل في المملكة ربما لا يتمكن من الاستمرار في ذلك لفترة طويلة. فبعد نجاحها في توفير وظائف للسعوديين في قطاع التجزئة، أعلنت وزارة العمل في وقت سابق من هذا الشهر توجهها لسعودة قطاع بيع وصيانة الهواتف المحمولة بحيث يشغل السعوديون نسبة 100 بالمئة من الوظائف في هذا القطاع خلال ستة أشهر بحلول سبتمبر أيلول المقبل. وبهذا أصبح موسى واحدا من آلاف العمال الأجانب الذين يواجهون مخاطر فقدان وظائفهم والعودة لبلدانهم في ظل الضغوط التي أحدثها هبوط أسعار النفط على الاقتصاد وتوجه الحكومة لتوفير المزيد من الوظائف للمواطنين في القطاع الخاص.
فيما يرى معنيون في الاقتصاد، ان الخطط المالية الاستثمارية للسعودية لا تزال غامضة ولا تزال طريقة استثمار السعودية حاليا لاحتياطاتها الهائلة من العملات الاجنبية غير واضحة، ويرجح ان الجزء الاكبر منها سيولة بالدولار، اضافة الى سندات خزينة سيادية او اسهم في شركات. ويقول مورييه "لا بد انهم استثمروا ايضا في الاسواق الاوروبية وفي بعض الاقتصاديات الناشئة".
تطبيق الاصلاحات السعودية مهمة صعبة
في هذا السياق يرى محللون ان السلطات السعودية ستواجه شبكة من المصالح المتجذرة التي تجعل من تحقيق اهداف رؤيتها لسنة 2030، مهمة صعبة تحتاج الى العمل بصبر وطول أناة للوصول الى تنويع مصادر الدخل الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط، مصدر ايراداتها الرئيسي لعقود. وتستند "رؤية السعودية 2030" التي اعلنها ولي العهد محمد بن سلمان بن عبد العزيز وأقرها مجلس الوزراء ، على طرح اقل من خمسة بالمئة من شركة "ارامكو" النفطية للاكتتاب العام، وانشاء صندوق سيادي تقدر قيمته بألفي مليار دولار، سيكون الاضخم في العالم.
وقال الامير السعودي الشاب ان هذا الصندوق سيدفع نحو التنمية في المملكة، ويعزز الايرادات غير النفطية. الا ان الرؤية لم تقتصر على الشأن النفطي المحض، بل تطاول ايضا جوانب اقتصادية اخرى كتعزيز السياحة والصناعة العسكرية المحلية، وشؤونا ذات طابع اجتماعي كالتربية والتعليم والثقافة ومكافحة الفساد في الادارة العامة. وبحسب تقرير لشركة "كابيتال ايكونوميكس" البحثية، فانه "نظرا الى ان السلطات ستواجه شبكة مصالح مهمة ضمن العائلة المالكة والنخبة الاقتصادية في البلاد والسلطة الدينية، نعتقد ان الهواجس السياسية وليس اسعار النفط، هي التي ستحدد على الارجح ما اذا كانت الخطط الحكومية ستثمر".
ويقول كبير اقتصاديي الشرق الاوسط في "اوكسفورد ايكونوميكس" باتريك دينيس "من غير المعروف الى اي حد سيتمكن الامير محمد بن سلمان من كسب تأييد العائلة المالكة". ويكتسب نجله محمد (30 عاما)، نفوذا متزايدا غير مألوف لأمير شاب في مملكة محافظة معروفة بالتزامها بالتراتبية داخل الاسرة الحاكمة والسن المتقدم لقادتها. والرؤية تقدم بها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه، علما ان بن سلمان هو ايضا وزير الدفاع ورئيس الديوان الملكي بحسب فرانس بريس. وخلال مقابلة مع قناة "العربية" السعودية للحديث عن الخطة الجديدة، انتقد بن سلمان حالة "الادمان النفطي" التي رأى ان بلاده عانت منها لعقود، معتبرا انها حالت دون تحقيق مشاريع التنمية.
ولا يخفي المحللون شكوكهم حول قدرة السعودية على الابتعاد عن اعتمادها على النفط، على رغم ان بن سلمان قال ان بلاده ستكون قادرة على "العيش بدونه" في سنة 2020. ويقول دينيس "التحديات هائلة فيما يتعلق بالتقشف المالي المطلوب، وتطبيق تنويع مصادر الدخل لتعزيز الصناعة والسياحة وغيرهما". ويعتبر الاقتصادي السعودي عبد الوهاب ابو داهش ان "الرؤية طموحة جدا وتقوم على تحويل الاقتصاد الريعي النفطي الى إدارة أموال واستثمارات"، مضيفا "اعتقد اننا بحاجة الى مجموعة كبيرة من التشريعات لتطبيق الخطة خاصة في مجال التخفيف من البيروقراطية". الا انه يعتبر ان "تحقيق أهداف الخطة ممكن لكننا نحتاج الى عمل كبير والتحلي بالصبر... واستثمارات هائلة".
وتأتي الخطة في ظل تراجع مستمر تشهده اسعار النفط منذ منتصف العام 2014، ادى الى فقدانها زهاء سبعين بالمئة من قيمتها. وكبّد هذا التراجع الدول المنتجة، واكبرها عالميا السعودية، ايرادات ضخمة. ويقول مصدر في صناعة النفط "كان على السعوديين البدء ببرنامج مماثل عندما كانت اسعار النفط مرتفعة". ويرى المصدر الذي فضل عدم كشف اسمه، ان البنود المقترحة "تحتاج الى وقت، الى وقت طويل، ليتم تنفيذها".
وتفاوتت ردود الفعل في اوساط السعوديين. فعلى موقع "تويتر" الواسع الانتشار في المملكة، اعتبر مستخدم يقدم نفسه باسم علي السبيعي ان "#رؤية_السعودية_2030 مجرد قرارات تشغل الرأي العام والشارع السعودي عن العجز الحاصل".
انشاء صندوق سيادي في السعودية
في السياق نفسه يرى محللون ان السعودية، بانشائها اكبر صندوق سيادي في العالم، ستصبح لاعبا اساسيا في اسواق المال الدولية، ولو ان اهداف مثل هذه الخطوة لا تزال غامضة. ولم ترد في الوقت الحاضر تفاصيل كثيرة حول هذا الصندوق، اذ لم تكشف السعودية بعد اي عناصر حول استراتيجيتها الاستثمارية. لكن من المؤكد ان هذا الصندوق السيادي البالغة قيمته الفي مليار دولار، سيكون الاكبر في العالم، بفارق كبير عن صندوق النروج البالغ حوالى 800 مليار يورو، او صناديق دول الخليج او آسيا.
ويقول الخبير الاقتصادي لدى مصرف "ساكسو بنك" كريستوفر ديمبيك "من الواضح ان هذا سيغير الوضع بشكل جلي، اذ يستعد هذا الصندوق لاتخاذ المنحى ذاته لصندوقي قطر والنروج، وهما صندوقان سياديان يعملان بشكل جيد جدا". وكشف تراجع اسعار النفط منذ اشهر مدى اعتماد البلاد على هذا المورد، واظهر ضرورة الاعداد لمستقبل المملكة. ويقول الخبير الاقتصادي في شركة "اوريل بي جي سي" جان لوي مورييه انه، كما في غالبية الحالات المماثلة، "تقضي الفكرة بانشاء صندوق لتمويل تنويع موارد الاقتصاد".
وهذا ما سيكون له وقع على الاسواق العالمية ولو انه من الصعب تقدير حجم هذا التاثير في الوقت الحاضر. ولفت مورييه الى ان "السعودية ستستخدم على الارجح بصورة جزئية اموالا ناتجة من العائدات النفطية المتوافرة اساسا، ما سيحد من الاستثمارات الجديدة". وبحسب تصنيف "معهد صندوق الثروة السيادي" بتاريخ حزيران/يونيو 2015، فان الصندوق السعودي كان في حينه الرابع في العالم وكان يقارب 700 مليار دولار. وكان مصنفا بعد الصندوق النروجي (الاول) وصندوق الامارات العربية المتحدة (الثاني) واحد الصناديق الصينية (الثالث).
ولا تزال طريقة استثمار السعودية حاليا لاحتياطاتها الهائلة من العملات الاجنبية غير واضحة، ويرجح ان الجزء الاكبر منها سيولة بالدولار، اضافة الى سندات خزينة سيادية او اسهم في شركات. ويقول مورييه "لا بد انهم استثمروا ايضا في الاسواق الاوروبية وفي بعض الاقتصاديات الناشئة". ويشير ديمبيك الى ان الصندوق الجديد سيعطي الافضلية "للاستثمارات الآمنة، مثل سندات الخزينة الاميركية او العقارات، الامر السائد في عدد من الدول الاوروبية". في المقابل، لا تبدو السعودية راغبة في الاستثمار في الصناعات الغربية الناجحة والمعروفة، بالنظر الى الحساسيات السياسية وحماية المصالح الوطنية.
وسجلت السعودية عجزا في الموازنة يقارب 100 مليار دولار في 2015 أو ما يعادل 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتهدف موازنة الدولة لعام 2016 أن تخفض هذا العجز إلى نحو 87 مليار دولار. وتستهدف الرؤية زيادة مشاركة المرأة في القوة العاملة إلى 30 بالمئة من 22 بالمئة. لكن الأمير محمد قال إنه لا يعتقد أن المجتمع السعودي على استعداد للسماح للمرأة بقيادة السيارة بحسب رويترز. وقال "إلى اليوم المجتمع غير مقتنع بقيادة المرأة ويعتقد أنها لها تبعات سلبية جدا... الأمر يرجع بشكل كامل لرغبة المجتمع السعودي. لا نستطيع أن نفرض عليه شيئا لا يريده لكن المستقبل تحدث فيه متغيرات ونتمتنى ان تكون متغيرات ايجابية".
السعودية تقر خطة اقتصادية شاملة
من جهته أقر مجلس الوزراء السعودي خطة اقتصادية ترمي إلى التقليل من الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الإيرادات. وأطلق على الخطة اسم "رؤية السعودية 2030". وأعلن ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن إطلاق صندوق سيادي بموجب الخطة بألفي مليار دولار. وخلال جلسته، التي ترأسها الملك سلمان، قرر المجلس "الموافقة على رؤية المملكة العربية السعودية 2030"، وكلف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان "بوضع الآليات والترتيبات اللازمة لتنفيذ هذه الرؤية".
وقال العاهل السعودي في كلمة خلال الجلسة "لقد وضعت نصب عيني منذ أن تشرفت بتولي مقاليد الحكم السعي نحو التنمية الشاملة من منطلق ثوابتنا الشرعية وتوظيف إمكانات بلادنا وطاقاتها والاستفادة من موقع بلادنا وما تتميز به من ثروات وميزات لتحقيق مستقبل أفضل للوطن وأبنائه (...) ومن هذا المنطلق، وجهنا مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برسم الرؤية الاقتصادية والتنموية للمملكة لتحقيق ما نأمله بأن تكون بلادنا - بعون من الله وتوفيقه - أنموذجاً للعالم". وأضاف "اطلعنا على رؤية المملكة العربية السعودية التي قدمها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ووافق عليها مجلس الوزراء"، آملا من "أبنائنا وبناتنا المواطنين والمواطنات العمل معاً لتحقيق هذه الرؤية الطموحة".
واكد ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز نية بلاده طرح اقل من خمسة بالمئة من شركة "ارامكو" النفطية العملاقة للاكتتاب العام، ضمن خطة اصلاحات اقتصادية لتقليل الاعتماد على النفط. واتت تصريحات بن سلمان في مقابلة مع قناة "العربية" السعودية، بعيد اقرار مجلس الوزراء "رؤية السعودية 2030" التي اعدها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يرأسه الامير الشاب. وقال بن سلمان ان الحصة التي ستطرح من الشركة الوطنية العملاقة ستكون "اقل من خمسة بالمئة".
اضاف "الرؤية هي خارطة طريق لأهدافنا في التنمية والاقتصاد، وفي غيرها (...) لا شك ان أرامكو جزء من المفاتيح الرئيسية لهذه الرؤية، ولنهضة الاقتصاد ونهضة المملكة العربية السعودية". واعتبر ان طرح جزء من الشركة للاكتتاب سينتج "عدة فوائد"، ابرزها "الشفافية (...) اذا طرحت ارامكو في السوق يعني يجب ان تعلن عن قوائمها وتصبح تحت رقابة كل بنوك السعودية وكل المحللين والمفكرين السعوديين، بل كل البنوك العالمية"، معتبرا ان ذلك "لا يتم اليوم". واضاف "نحن أصبحت لدينا حالة إدمان نفطية في المملكة العربية السعودية من قبل الجميع، وهذه خطيرة، وهذه التي عطلت تنمية قطاعات كثيرة جداً في السنوات الماضية".
الى ذلك، اكد الامير ان بلاده ستطلق صندوق استثمارات "قيّم بما بين 2 تريليون و2 ونصف تريليون (دولار)"، ما يجعل منه الاضخم في العالم بحسب فرانس برس.
السعودية تعتزم اقتراض 10 مليارات دولار
في سياق آخر تعتزم المملكة العربية السعودية اقتراض عشرة مليارات دولار اميركي من مصارف اجنبية لتغطية جانب من العجز في ماليتها العامة جراء انخفاض اسعار النفط، بحسب ما افاد تقرير لوكالة "بلومبرغ". ونقلت الوكالة عن ثلاثة مصادر مطلعة لم تسمها، ان هذا الدين سيكون اول قرض اجنبي منذ 15 عاما للمملكة، ابرز منتجي النفط في العالم. وسيكون القرض لمدة خمس سنوات، ويتوقع ان يتم التوقيع عليه قبل نهاية نيسان/ابريل، ويشمل مصارف صينية واوروبية ويابانية واميركية.
وكبد الانخفاض الحاد في اسعار النفط منذ منتصف العام 2014، السعودية خسائر كبيرة في ايراداتها التي يشكل النفط ابرز مواردها. واعلنت السعودية تسجيل عجز قياسي في ميزانية 2015 بلغ 98 مليار دولار، وتتوقع تسجيل عجز اضافي بنحو 87 مليارا في موازنة 2016. واعتمدت السعودية بشكل رئيسي على احتياطاتها من العملات الاجنبية لتغطية العجز في الموازنة. وبلغ هذا الاحتياط 611,9 مليارات دولار نهاية العام 2015، بعدما كان 732 مليارا في العام الذي سبق، بحسب ارقام مؤسسة "جدوى للاستثمار" التي تتخذ من الرياض مقرا لها. كما اصدرت المملكة سندات خزينة بقيمة 30 مليار دولار بحسب فرانس برس. ودفع الواقع الجديد الرياض الى اتخاذ اجراءات تقشف وخفض الدعم عن اسعار مواد اساسية بينها الوقود والكهرباء والمياه. كما شرعت المملكة في اجراءات لتنويع مصادر الدخل، وتعتزم الاثنين الاعلان عن "رؤية" اقتصادية شاملة للسنوات المقبلة، تركز على مرحلة ما بعد الفورة النفطية.
تخفيض التصنيف الائتماني للسعودية الى "آيه آيه -"
من جهتها خفضت وكالة فيتش للتصنيف المالي التصنيف الائتماني للسعودية على المدى البعيد الى "آيه آيه -" (أ أ سلبي)، معتبرة ان تدني اسعار النفط ادى الى "مضاعفات سلبية كبيرة" على مالية اكبر مصدري الخام. كما ابرزت الوكالة تزايد التوترات الاقليمية بين الرياض وطهران، وعدم وضوح السياسة الاقتصادية للمملكة الساعية لزيادة ايراداتها غير النفطية. وخفضت الوكالة التصنيف الائتماني للسعودية على المدى الابعد من "آيه آيه" الى "آيه آيه سلبي"، مبقية على توقعات سلبية، ما قد يعني احتمال حصول خفض اضافي.
واشارت الى انها خفضت توقعاتها لمعدل سعر برميل النفط، الى 35 دولارا هذه السنة و45 دولارا في 2017، ما سيتسبب بـ "مضاعفات سلبية كبيرة" على المالية العامة للسعودية وحساباتها الخارجية. وكانت وكالة "ستاندرد اند بورز" خفضت في شباط/فبراير تصنيف السعودية نقطتين الى "آيه -"، عازية ذلك الى تأثير تدني اسعار النفط على المالية العامة للمملكة. اما ثالث كبرى وكالات التصنيف "موديز"، فوضعت الشهر الماضي السعودية ودول خليجية على لائحة المراجعة. وفقد النفط زهاء 70 بالمئة من سعره منذ منتصف العام 2014. وادى هذا التراجع الى تسجيل ميزانية المملكة في 2015 عجزا قياسيا بلغ 98 مليار دولار، واتخاذ الحكومة اجراءات تقشف وخفض الدعم عن مواد اساسية بحسب فرانس برس. واوردت فيتش في تقريرها، ملاحظات حول صعوبة التنبؤ بالسياسة الاقتصادية للمملكة.
بريق السعودية يخبو في أعين الأجانب
في سياق آخر تمكن مبارك موسى عبر عشرة أعوام قضاها في السعودية من تقديم الدعم المالي لوالديه وأشقائه الثلاث في سوريا لكن مع تغير سياسة العمل في المملكة ربما لا يتمكن من الاستمرار في ذلك لفترة طويلة. فبعد نجاحها في توفير وظائف للسعوديين في قطاع التجزئة، أعلنت وزارة العمل في وقت سابق من هذا الشهر توجهها لسعودة قطاع بيع وصيانة الهواتف المحمولة بحيث يشغل السعوديون نسبة 100 بالمئة من الوظائف في هذا القطاع خلال ستة أشهر بحلول سبتمبر أيلول المقبل.
وبهذا أصبح موسى واحدا من آلاف العمال الأجانب الذين يواجهون مخاطر فقدان وظائفهم والعودة لبلدانهم في ظل الضغوط التي أحدثها هبوط أسعار النفط على الاقتصاد وتوجه الحكومة لتوفير المزيد من الوظائف للمواطنين في القطاع الخاص. وداخل محل صغير في حي المرسلات أكبر أسواق بيع وصيانة الهواتف المحمولة في الرياض قال موسى "ما أعرف ايش أسوي. ما أعرف وين نروح. حاولت اني اشتغل شغلة تانية لكن ما قدرت. ما أعرف."
ويوجد في المملكة نحو عشرة ملايين وافد معظمهم من آسيا وأنحاء أخرى من الوطن العربي ويعمل معظمهم في وظائف متدنية الأجور ينفر منها السعوديون مثل بعض وظائف قطاعي الإنشاءات والتجزئة والعمل في المنازل بينما تعمل نسبة قليلة في وظائف إدارية متوسطة ورفيعة المستوى. وتدفق هؤلاء العمال إلى المملكة خلال سنوات طفرة النفط وازدهار الاقتصاد. وتدعم تحويلات العمال الأجانب اقتصادات بلادهم. وبحسب بيانات البنك المركزي السعودي بلغت تحويلات الأجانب 9.1 مليار دولار في الربع الثالث 2015.
لكن مع هبوط أسعار النفط أصبحت الآفاق قاتمة بعض الشيء. إذ تباطأ معدل نمو الاقتصاد السعودي مع تسجيل المملكة لعجز في الموازنة يقدر عند 100 مليار دولار سنويا. ولمواجهة هذا العجز لجأت الحكومة السعودية لعدد من الإجراءات شملت خفض الإنفاق وتقليص المشروعات ما دفع عدد كبير من الشركات التي تواجه نقصا في التدفقات المالية وارتفاعات في تكلفة العمالة إلى تسريح عدد كبير من موظفيها مؤخرا.
وعادة ما ينحصر تسريح الأجانب بصورة رئيسية من هذه الشركات لأن قوانين العمل تجعل من الصعب الاستغناء عن الموظفين السعوديين. وفي ظل صعوبة توفير وظائف للمواطنين في القطاع العام مقارنة بالسنوات الماضية أصبح خلق فرص عمل للسعوديين في القطاع الخاص أحد الأولويات الكبرى للحكومة من أجل خفض معدل البطالة البالغ حاليا 11.5 بالمئة.
كان رجل أعمال بارز قال إنه لن يتفاجأ إذا غادر المملكة نحو مليون وافد بنهاية 2016. اذ يقول الاقتصادي السعودي البارز فضل البوعينين إن التغيرات الاقتصادية بدأت في الضغط على سوق العمل ما تسبب في بداية هجرة لشريحة كبيرة من العمالة الأجنبية بحسب رويترز. ويضيف أن الشركات تلجأ في حال تقلص ربحيتها إلى خفض التكاليف "وفي الغالب تكون القوى العاملة هدفا للإدارات الباحثة عن خفض الالتزامات المالية الثابتة وهذا ما أراه اليوم."
وتركز خفض الوظائف وتسريح العمالة حتى الآن بصورة شبه حصرية في قطاع الإنشاءات والمقاولات الذي يقول محللون إنه يوظف نحو 45 بالمئة من العمالة الأجنبية في المملكة. ومع تأخر الحكومة في صرف مستحقات المقاولين لجأت الشركات للتخلي عن آلاف العاملين منذ نهاية العام الماضي لمواجهة زيادة تكلفة العمالة. وأوقفت شركات أخرى العمل في مشروعاتها فيما نقلت بعض الشركات أعمالها لمكاتب أصغر داخل المملكة أو في بلدان مجاورة أقل تكلفة.
يقول أبو فادي الذي يعمل في شركة إنشاءات كبرى تواجه أزمة مالية تسببت في تأخر دفع رواتب العاملين منذ سبتمبر أيلول الماضي "للمرة الأولى منذ 12 عاما في وظيفة مستقرة بدأت في تحديث سيرتي الذاتية وإرسالها لشركات أخرى." ويضيف أبو فادي وهو فلسطيني لبناني يبلغ من العمر 27 عاما أنه أجل خطط زواجه لحين وضوح الرؤية فيما يتعلق بالمستقبل وأن زملاءه الذين جلبوا أسرهم للعيش في المملكة باتوا غير قادرين على دفع أجور السكن وتلبية متطلبات المعيشة. وذكر أن نحو 5000 من الفنيين العاملين في الشركة التي يعمل بها غادروا المملكة.
آلاف الموظفين يعانون انقطاع رواتبهم
من جهة اخرى يعاني روبرت كغيره من آلاف الموظفين في شركة "سعودي اوجيه" المملوكة من رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، من توقفها منذ اشهر عن دفع الرواتب، ما يمنعه من تسديد الاقساط المدرسية او تجديد اقامته. ويقول روبرت، وهو اسم مستعار، وغيره من المطلعين على وضع الشركة العملاقة العاملة في مجال البناء، ان صعوباتها تعود بشكل اساسي الى تأخر السلطات السعودية في سداد مستحقاتها خلال العامين الماضيين، تزامنا مع انخفاض اسعار النفط الذي انعكس سلبا على ايرادات الحكومة.
ويقول روبرت الذي لم يتقاض راتبه منذ ستة اشهر "لم اعد املك المال (...) الامر صعب". ويوضح الموظف الذي امضى اعواما طويلة في الشركة، انه "لا يملك خيار" الانتقال الى مؤسسة اخرى، مشيرا الى ان "سعودي اوجيه" وعدت في رسالة الى الموظفين، بعودة تسديد الاجور نهاية آذار/مارس الجاري بحسب فرانس برس. وفي حين اثر تراجع الايرادات النفطية على الاوضاع المالية لشركات عدة تعتمد بشكل كبير على مستحقات حكومية، الا ان مطلعين على وضع "سعودي اوجيه" يقولون ان مشاكلها بدأت منذ اعوام عدة.
ويقول موظف سابق في الشركة "حتى عندما كنت اعمل فيها، كان ثمة تأخر في دفع الرواتب للموظفين المحليين". ويضيف "يبدو ان الوضع بات أسوأ" في الشركة التي توظف زهاء 50 الف شخص من جنسيات مختلفة، بينها اللبنانية والسعودية والفرنسية. ويوضح مصدر متابع لملف "سعودي اوجيه" ان وضعها "ميؤوس منه"، مشيرا الى ان مئات العائلات تواجه المصير نفسه كروبرت. ويقول "لا يمكنهم دفع تذاكر السفر" الى بلدانهم، او تحويل الاموال الى بعض افراد عائلاتهم المقيمين في بلدهم الام.
وبحسب المصدر، فان سوء الادارة "هو احد المشكلات الاساسية" في الشركة، وتضاعف تأثيرها مع انخفاض الايرادات النفطية السعودية التي تسببت بعجز قياسي بلغ 87 مليار دولار في موازنة المملكة لعام 2015. ودفع وضع الشركة السفارة الفرنسية القلقة على وضع الموظفين الفرنسيين، لتوجيه رسالتين لادارتها التي وعدت بسداد المستحقات قريبا.
ويشير رجل اعمال لبناني في السعودية الى ان مالية الشركة "كانت تدار بشكل سيىء منذ زمن طويل"، معتبرا ان وضعها الراهن يطرح سؤالين "هل تستمر المصارف السعودية في تمويل سعودي اوجيه، وثانيا، هل ستنجح عائلة الحريري في تأمين مستمثر جديد مستعد لضخ الاموال؟". واضاف انه في خلاف ذلك فان "الشركة تواجه الافلاس". واسس الشركة نهاية السبعينات من القرن الماضي رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، والد سعد، والذي كان مقربا من العائلة المالكة خصوصا العاهل الراحل فهد بن عبد العزيز. وبعد وفاة الحريري في تفجير استهدف موكبه بوسط بيروت في شباط/فبراير 2005، تولى نجله سعد وراثة دوره السياسي. ويعد سعد الحريري ابرز زعماء السنة في لبنان، ومن اقرب السياسيين اللبنانيين للمملكة. وتأتي مشاكل "سعودي اوجيه" في ظل توتر سياسي بين الرياض وبيروت على خلفية مواقف لحزب الله الشيعي حليف دمشق وطهران، والذي تتهمه المملكة "بمصادرة ارادة" الحكومة اللبنانية.