كيف يؤدي التحول الأخضر إلى فشل اقتصادي؟.. ألمانيا نموذجًا
موقع الطاقة
2024-10-29 05:22
حذّر خبير من آثار سياسة دعم التحول الأخضر في بيئة الاقتصاد والأعمال بألمانيا، سواء في صورة ديون أو ضرائب تثقل كاهل الشركات أو هروب للاستثمارات، وبعد اندلاع الحرب في أوكرانيا مطلع عام 2022، جاهدت صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي لتحقيق أمن الطاقة والتخلي عن الغاز الروسي وسط العقوبات، فضلًا عن تحقيق التعهدات المناخية.
ورغم مرور أكثر من عامين ونصف العام على غزو أوكرانيا، ما زالت ألمانيا ترزح تحت وطأة أسعار الطاقة والركود والمنافسة الشرسة، مع توقعات بتراجع النمو خلال العامين الجاري (2024) والمقبل، ووجد وزير الاقتصاد وحماية المناخ، روبرت هابيك، الحل في تأسيس صندوق استثماري تموّله الديون من أجل خلق مستقبل صناعي معاصر خالٍ من الكربون.
يأتي ذلك في الوقت الذي تتعثر فيه صناعات مثل السيارات الكهربائية وقطارات الهيدروجين وتوليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، ما دفع شركات مثل فولكسفاغن ومرسيدس إلى خفض التكاليف ودراسة إغلاق مصانع، وفق تحديثات القطاع الألماني لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
التحول الأخضر في ألمانيا
توقّع الأستاذ في جامعة ويبسرت فيينا الخاصة، الأستاذ الزائر في مركز أبحاث "إم سي سي بودابست" البلجيكي (MCC Budapest) رالف شولهامر، أن يؤول مصير صندوق التحول الأخضر الجديد إلى الفشل.
وفي مقال صحفي نشرته منصة "أنهيرد" (unherd) بعنوان "انهيار العمود الفقري للصناعة الألمانية"، قال شولهامر، إنه لا يجب تعليق الكثير من الآمال على الصندوق الجديد كونه ليس سوى طريقة مهذبة لتبديد المليارات في خطة تحول الطاقة الفاشلة باستمرار.
وإذا لفت إلى توقعات جامعة كولون بتجاوز إعانات الطاقة المتجددة للتقديرات لتبلغ 18 مليار يورو (19.4 مليار دولار) في العام المقبل (2025)، أكد أن التحول الأخضر أحد الأسباب الرئيسة للمشكلات الاقتصادية في ألمانيا.
وفي تصريحات بتاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري (2024)، كشف وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك وثيقة تستهدف إصلاح النمو الاقتصادي الضعيف من خلال صندوق استثماري بقيمة مليارات اليوروهات تموّله الديون، وتغيير مسار سياسة الموازنة الحالية التي تعرقلها سياسات تقييدية، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة، نقلًا عن وكالة رويترز.
وبحسب الوزير، يتطلب المستقبل الصناعي الحديث الخالي من الكربون استثمارات ضخمة من القطاعين الحكومي والخاص لتحديث البنية الأساسية وتقديم علاوة استثمارية غير بيروقراطية بنسبة 10% لكل الشركات.
كما يقول هابيك -المنتمي لحزب الخضر المدافع عن البيئة-، إن الموازنة الحالية لا تترك مساحة كبيرة لتمكين الاستثمارات بصورة أكبر مما هي حاليًا، بسبب حدود الإنفاق المقررة وفقًا للدستور.
تدهور الاقتصاد
وصف الكاتب رالف شولهامر خطة الوزير هابيك لتحفيز الاستثمار مع دعم الحياد الكربوني بحلول عام 2045، بـ"الأحلام الخضراء" في الوقت الذي ينهار فيه كل شيء.
وخفّض صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي خلال العام الجاري والمقبل من 1.3% إلى 0.8%، وهو ما يجعل ألمانيا صاحبة أبطأ نمو في منطقة اليورو ومجموعة الـ7 الصناعية.
كما من المتوقع أن تنخفض الإيرادات الضريبية خلال 5 سنوات بمقدار 60 مليار يورو، وهو ما سيخلق فجوة ضريبية تزيد على 40 مليار دولار، وهنا توقّع رالف شولهامر أن يدخل اقتصاد ألمانيا في حالة ركود للعام الثاني على التوالي، وعلى نحو خاص، قال، إن الركود يتفشى ويضرّ بالشركات الصغيرة والمتوسطة (SME) التي تشكّل 99.4% من كل شركات البلاد.
وإذ وصفها بـ"عصب الاقتصاد الألماني"، لفت إلى أن دورها حاسم في الابتكار وسوق العمل، وتشكّل قطاعًا كبيرًا من القاعدة الضريبية، لكن عند إثقال كاهلها بالضرائب، ستتضرر مباشرةً هي والعائدات الضريبية منها.
وأظهر استطلاع للرأي أن 37% (من 31% على أساس سنوي) من بين 3 ألاف و300 شركة تدرس خفض الإنتاج أو الانتقال إلى خارج البلاد.
وهنا، قال شولهامر، إن هناك شعورًا بالاستنفاد يتسلل إلى المواطنين ورواد الأعمال، وما يفاقمه هو السياسيون الذين يتجاهلون المشكلات المتزايدة في نواحي الحياة كافة.
وفي هذا الصدد، علّق على توقعات إيجابية في تقرير حديث لمعهد أيفو الألماني (Ifo) بشأن تحسُّن توقعات قطاع الأعمال خلال أكتوبر/تشرين الأول، وسط مؤشرات على استقرار الاقتصاد، الذي نقلته وكالة بلومبرغ.
وجاء في التقرير الذي طالعته منصة الطاقة المتخصصة، أن الركود الاقتصادي "ربما ينتهي"، لكن أستاذ العلوم السياسية يقول، إن كلمة "ربما" هنا ذات معنى في وقت تشير فيه توقعات أخرى لسوء الوضع.
وبينما تجلب شعورًا بالارتياح لدى المتفائلين، شكّك في ذلك، قائلًا: "أحيانًا يكون من الصعب معرفة مَن تُصدِّق خلال الأزمات".
وبعد 4 قراءات سلبية، ارتفع مؤشر توقعات "أيفو" للاقتصاد الألماني بصورة طفيفة خلال شهر سبتمبر/أيلول من 86.4 إلى 87.3 نقطة، وهو أعلى مستوى منذ يونيو/حزيران، وأعلى من توقعات الخبراء الاقتصاديين.
وبحسب التقرير، أبلغت شركات تعمل بقطاع التصنيع عن تدهور الوضع، لكن ثمة توقعات بحدوث تحسُّن في الأشهر المقبلة بقطاعات السياحة وتكنولوجيا المعلومات والإمداد.
وكشفت استطلاعات للرأي أجرتها منصة "إس آند بي غلوبال" (S&P Global) أن انكماش اقتصاد القطاع الخاص يسير بوتيرة أبطأ، مع تسجيل نمو أكبر في قطاع الخدمات، ليعوّض الضعف المستمر بقطاع التصنيع.
السيارات الكهربائية في ألمانيا
عمومًا، يعاني قطاع التصنيع في ألمانيا من ارتفاع التكاليف والبيروقراطية وعدم اليقين السياسي والمخاوف من التوترات السياسية والتجارية.
كما يكافح قطاع السيارات لتحقيق التحول الأخضر والانتقال إلى السيارات الكهربائية، وسط منافسة مع السيارات الكهربائية الصينية الرخيصة وركود المبيعات في أوروبا.
ووفق متابعات منصة الطاقة المتخصصة، كشفت شركة مرسيدس بنز خططًا لخفض التكاليف، بعد أن تراجعت أرباحها على خلفية المنافسة الشرسة وضعف الطلب في الصين.
كما أعلنت مواطنتها فولكسفاغن اعتزامها إغلاق مصنع لها في الصين وآخر في ألمانيا، من أجل خفض التكاليف، للحفاظ على تنافسيتها على خلفية تراجع الطلب أيضًا.
ويواجه مصنع متعثر ينتج سيارات شركة أودي (Audi) أزمة دفعته إلى البحث عن مستثمر، بعد دراسة خيارات عديدة "ثبت كونها غير مربحة".
وتخلّت الحكومة في العام الماضي (2023) عن تقديم إعانات لشراء السيارات الكهربائية، لكن الحزب الديمقراطي الاجتماعي يدرس إعادتها في العام المقبل (2025).