الاقتصاد الجزائري: بدائل مفقودة ونزيف مستمر

عبد الامير رويح

2020-12-09 07:55

تواجه الجزائر التي تعتمد بشكل اساسي على صادرات ومبيعات النفط والغاز في تمويل ميزانيتها العامة التي تتجاوز 95% من دخلها. ازمات وتحديات اقتصادية صعبة تفاقمت بشكل كبير في الفترة الاخيرة، بسبب ازمة فيروس كورونا المستجد وانخفاض اسعار النفط وتراجع قيمة الدينار وانهيار الاحتياطيات الأجنبية، يضاف الى ذلك توقف العديد من الشركات المملوكة للدولة عن العمل، بعد ان منيت بخسائر ضخمة جراء الأزمة الصحية.

واعترفت الحكومة في وقت سابق وكما نقلت بعض المصادر، بأن "الجزائر تعيش وضعا اقتصاديا صعبا غير مسبوق ناتج عن أزمة هيكلية للحكومات السابقة، إضافة إلى انهيار أسعار البترول وأزمة فيروس كورونا". وبحسب توقعات صندوق النقد الدولي، سيشهد الاقتصاد الجزائري انكماشا نسبته 5,2% هذا العام مع عجز في الميزانية هو الأعلى في المنطقة. هذه الازمات دفعت الحكومة الجزائرية التي استبعدت اللجوء إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي أو من الهيئات المالية الدولية، الى اعتماد خطط واجراءات خاصة من اجل انعاش الاقتصاد وتجاوز الازمة. وقررت في بداية مايو/ أيار خفض ميزانية البلاد إلى النصف.

وتحتفظ الجزائر بذكريات مؤلمة من لجوئها عام 1994 إلى صندوق النقد الدولي وخطة الإصلاح الهيكلي أدى إلى تخفيضات هائلة في الوظائف وإغلاق شركات عامة وخصخصة جزء منها. وفي قانون المالية التكميلي لسنة 2020 تم إقرار انخفاض إيرادات الميزانية إلى حوالي 38 مليار يورو، مقابل 44 مليار يورو كانت متوقعة في الميزانية الأصلية. وبحسب الخبراء، فالحلول متوفرة لتفادي الانكماش، لكن أي حل سيتطلب إصلاحات جذرية. وأعلنت الجزائر عن خطط لتطوير وتنويع اقتصادها لتقليل الاعتماد على النفط والغاز بعد هبوط في إيرادات الطاقة تسبب في مشاكل مالية.

إصلاح اقتصادي

وفي هذا الشأن صادق مجلس الأمة الجزائري على إصلاحات تسمح للمستثمرين الأجانب بالتملك الكامل للمشروعات غير المرتبطة بالقطاعات الاستراتيجية في إطار سعي عضو أوبك إلى تعزيز ناتج غير الطاقة. ووافق النواب أيضا على مسودة ميزانية 2021 والتي تتوقع زيادة في العجز لكن مع نمو أفضل للاقتصاد المعتمد على النفط. الإصلاح ومشروع الميزانية بحاجة لتوقيع الرئيس عبد المجيد تبون الذي نُقل إلى مستشفى ألماني قبل شهر بعد تشخيص إصابته بكوفيد-19.

وبموجب الإصلاح، لن يحتاج الأجانب إلى شراكة مع مستثمر محلي لتنفيذ مشروعات، في خطوة تأمل السلطات أن تجذب رجال الأعمال الأجانب الذين نأوا بأنفسهم خلال السنوات الماضية بسبب مناخ الاستثمار غير المواتي. وتأتي الخطوة عقب تحرك حكومي في وقت سابق من العام لإلغاء قاعدة كانت تقصر ملكية الأجانب على حصص لا تتجاوز 49 بالمئة. وتشمل القطاعات الاستراتيجية بالجزائر النفط والغاز والتعدين والبنية التحتية للنقل مثل السكك الحديدية والموانئ والمطارات وأيضا صناعة الأدوية.

وقال وزير المالية أيمن بن عبد الرحمن للبرلمان بعد التصويت "نريد ترقية الاستثمار وتنويع الاقتصاد الوطني". ومحاولات تحسين مناخ الأعمال للأجانب جزء من إصلاحات أوسع تهدف إلى الحد من الاعتماد على النفط والغاز، اللذين يسهمان بنسبة 60 بالمئة من ميزانية الدولة و94 بالمئة من إجمالي إيرادات التصدير. وتراجعت إيرادات الطاقة كثيرا بسبب انخفاض أسعار الخام عالميا مما زاد من عجز الميزانية والعجز التجاري. بحسب رويترز.

وتتوقع الحكومة أن يصل عجز الموازنة في 2021 إلى 13.57 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا من 10.4 بالمئة متوقعة هذا العام. ويرجع اتساع العجز إلى زيادة الإنفاق العام 10.04 بالمئة لتغطية زيادة الدعم 4.3 بالمئة ومن أجل مشروعات في المناطق النائية ونفقات إضافية لمواجهة التداعيات المالية لجائحة فيروس كورونا على الشركات. وقال النائب البرلماني بوحفص حوباد "هذا المشروع ركز على مساعدة الفئات الهشة رغم الصعوبات المالية التي تعرفها البلاد". ومن المتوقع أن ينمو الاقتصاد أربعة بالمئة في العام المقبل بعد انكماش متوقع بنسبة 4.6 بالمئة في 2020، وتأمل الحكومة أن تزداد صادرات النفط والغاز 9.9 بالمئة من العام الحالي.

الى جانب ذلك قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إن البلاد ستسمح للقطاع الخاص بتأسيس بنوك وشركات نقل جوي وبحري للسلع والركاب من أجل تقليص النفقات. وتأتي الخطوة في إطار إصلاحات أوسع نطاقا ينفذها عضو أوبك في مواجهة مشكلات مالية ناجمة عن انخفاض حاد في إيرادات صادرات الطاقة المصدر الرئيسي للتمويل الحكومي بالبلاد. وقال تبون خلال اجتماع بالجزائر العاصمة لمناقشة خطة لإنعاش الاقتصاد ”لا أمانع اليوم إنشاء مستثمرين خواص لشركات خاصة للطيران والنقل البحري للبضائع و للمسافرين و كذلك لبنوك“.

وقال إن التقديرات تشير إلى أن فاتورة خدمات نقل البضائع تبلغ 12.5 مليار دولار سنويا. وقال خلال الاجتماع الذي حضره مسؤولون حكوميون ورجال أعمال ونقابات عمالية ”من الضروري إيجاد حل لهذه الوضعية“. وكان القضاء قد أمر منذ بضع سنوات بتصفية أول بنك وشركة طيران من القطاع الخاص بالبلاد وقضى على مالكهما رفيق خليفة بالسجن 18 عاما على خلفية تهم منها الاحتيال والفساد وتزوير محررات إدارية ومصرفية.

وقال تبون إن احتياطيات الجزائر من النقد الأجنبي انخفضت إلى 57 مليار دولار من 62 مليار دولار في يناير كانون الثاني، في حين من المتوقع أن تصل إيرادات تصدير الطاقة 24 مليار دولار هذا العام مقارنة مع 33 مليار دولار في 2019. وأضاف أن الأرباح من قطاع الطاقة تشكل في الوقت الحالي 94 بالمئة من إجمالي الصادرات، وأن الحكومة تستهدف جعل هذا الرقم عند 80 بالمئة اعتبارا من العام المقبل، مع زيادة قيمة صادرات المنتجات غير النفطية إلى خمسة مليارات دولار من ملياري دولار حاليا.

ولتحقيق هذا الهدف، ستخصص السلطات 1900 مليار دينار (14.84 مليار دولار) للمساهمة في تمويل مشروعات استثمارية في الشهور المقبلة. وقال تبون ”كل الأبواب مفتوحة أمام المستثمرين وكذا أبواب البنوك تبقى مفتوحة أمامهم. لكننا نريد مشروعات تخلق الثروة وتوفر الشغل وتقلل الواردات...لا فرق لدينا بين الخاص والعمومي“.

نظام التمويل الإسلامي

على صعيد متصل بدأت المصارف العامة في الجزائر حيث يمتنع كثيرون عن التعامل مع البنوك التقليدية، العمل بالتمويل الإسلامي على أمل جذب الجزائريين الذين لا يملكون حسابات مصرفية، وإعادة جزء من الاقتصاد غير الرسمي إلى النظام المالي. فقد طرح البنك الوطني الجزائري في الأسواق، تسعة منتجات مالية وافقت عليها وزارة الشؤون الدينية. وكانت السلطات الجزائرية أنشأت مطلع العام الجاري سلطة مرجعية هي "الهيئة الشرعية الوطنية للإفتاء للصناعة المالية الإسلامية"، لتشرف على القطاع وتمنح شهادة مطابقة للشريعة الإسلامية.

وقال عضو الهيئة الشرعية الاقتصاد محمد بوجلال إن عددا كبيرا من الجزائريين يرفضون التعامل مع المصارف التقليدية. ويعتبر بعض المسلمين أن النظام المصرفي التقليدي الذي يعتمد على الفوائد لا يتوافق مع الشريعة الاسلامية التي تحرم القرض بالفائدة والمضاربة والاستثمار في المحرمات (الكحول والتبغ والقمار) وتنص على تقاسم الخسائر والأرباح بين البنك والزبون.

وشهد التمويل الإسلامي نموا بوتيرة ثابتة على مدى العقد الماضي في العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة، لا سيما في الخليج وماليزيا، ما أدى إلى تحصيل مئات مليارات الدولارات. ويعمل في الجزائر مصرفان تابعان لمجموعات متخصصة في الصيرفة الإسلامية، هما بنك البركة ومصرف السلام، ومقرهما الأساسي في البحرين. ومنذ عدة سنوات يقومان بتقديم خدمات التمويل الإسلامي حصرا، مع احترام أحكام الشريعة الإسلامية.

لكن القطاع المصرفي العمومي المملوك للدولة بنسبة مئة في المئة سيطرح المنتجات الإسلامية قبل نهاية العام، ولا سيما "المرابحة" أو "الإجارة" أو "المشاركة". كما ترغب مصارف أجنبية خاصة في تقديم هذا النوع من المنتجات. و "المرابحة" هي بديل عن القروض الاستهلاكية، إذ يشتري البنك السلعة لعميله ويعيد بيعها مقابل أقساط، وهامش ربح. أما "الإجارة" فتشبه البيع بالإيجار عندما يؤجر البنك لعميله سيارة او بيتا أو أي من ألصول يمكن ان يصبح ملكه أو لا في نهاية العقد.

وأخيراً "المشاركة" هي شراكة استثمارية بين العميل ومصرفه في شركة أو عملية تجارية أو مشروع، مع توزيع متفق عليه للأرباح والخسائر. كما تفكر الدولة في إصدار سندات قروض إسلامية أسمتها "صكوك". ووفقًا للشريعة، المال مجرد وسيط في التجارة إذ لا يمكنه أن يشكل بذاته قيمة إلا عندما يتم تحويله إلى سلعة أو خدمة. ولا تعتزم بنوك الدولة إنشاء "فروع إسلامية"، لكنها ستحدث أقساما خاصة ضمن وكالاتها الأصلية.

وتم إيجاد رأس المال الأولي - الذي يُفترض أنه "لم يتلوث بمال خارج الدائرة الإسلامية"، عبر فتح حسابات توفير بدون فائدة. وأحد أهداف السلطات هو أن تعيد للمصارف الكتلة الكبيرة من الأموال المتداولة خارج القطاع المصرفي في بلد يبلغ عدد سكانه 40 مليون نسمة. وأكد الخبير المالي ووزير المالية الأسبق عبد الرحمان بن خالفة أن الامر لا يتعلق بـ " مجرد حاجة لجلب الموارد، إنها حاجة إلى إعادة الاقتصاد الجزائري إلى البنوك". حتى اليوم ما زال جزء كبير من المعاملات في الجزائر يتم نقدا.

وقال بن خالفة عضو لجنة الشخصيات الإفريقية المكلفة من قبل الاتحاد الإفريقي حشد التمويل الدولي لمساعدة إفريقيا في مواجهة وباء كوفيد-19، إن الاقتصاد الجزائري يحتاج إلى إعادة ضخ هذه الكتلة من السيولة في النظام المصرفي. وقدر المصرف المركزي الجزائري هذه الكتلة مؤخرا بما بين ثلاثين و35 مليار دولار. بحسب فرانس برس.

ومع ذلك، لا يتم تداول سوى جزء ضئيل من أموال السوق السوداء بسبب المعتقدات الدينية، بحسب الخبير نفسه الذي حذر من أن التمويل الإسلامي ليس "الحل السحري". وهو يرى أن الحل يقوم على شمولية النظام المالي، أي "عصرنة" المصارف التقليدية وجعلها أكثر تفاعلا مع مستجدات الاقتصاد، وفي الوقت نفسه تطوير التمويل الإسلامي. وحذّر الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول أيضا من أن التمويل الإسلامي "ليس دواء لكل داء" ولا يكون فعالا إلا إذا كان التضخم تحت السيطرة ولدى الأسر ثقة في إدارة الدولة.

وقال إن دمج الكتلة النقدية الخارجة عن الإطار الرسمي في الدائرة الرسمية يقوم على ركيزتين أساسيتين هما الثقة التي تستوجب الحوكمة الرشيدة ومعدل تضخم حقيقي اي غير مزيّف بالدعم الحكومي للأسعار. لذلك يبدو نجاح التمويل الإسلامي في جذب الجزائريين الذين ليس لديهم حسابات مصرفية، غير مؤكد، بل سيغير بعضهم حسابه من النظام التقليدي إلى النظام الإسلامي. وفي انتظار التمكن من قياس مدى جاذبيته، يصعب حاليا تحديد حجم الأموال التي يمكن أن يجنيها التمويل الإسلامي. إضافة إلى ذلك تفيد دراسات عديدة أن منتجات الصيرفة الاسلامية تكون غالبا أكثر كلفة من المنتجات المصرفية التقليدية.

مباحثات وخطط

الى جانب ذلك التقت بعثة من صندوق النقد الدولي وزير المالية الجزائري أيمن بن عبد الرحمن، في ختام مهمة قامت بها على مدى أسبوعين في هذا البلد المهدد بأزمة مالية خطيرة جراء تفشي وباء كوفيد-19 وهبوط أسعار المحروقات، على ما أفاد مصدر رسمي. وأعلنت وزارة المالية في بيان أن وفد صندوق النقد الدولي قام بمهمة "افتراضية" في الجزائر بهدف "تحيين اطار الاقتصاد الكلي ومناقشة الأفاق والأولويات بالنسبة للجزائر".

وبحث بن عبد الرحمن مع مسؤولي صندوق النقد الدولي خلال لقائهما عبر الفيديو "مخلفات وباء كوفيد-19 على مجال الاقتصاد الكلي والمالي". وكان الوزير قدر في تموز/يوليو حجم خسائر الشركات العامة جراء أزمة كوفيد-19 بحوالى مليار يورو. كما عرض بن عبد الرحمن مشروع قانون المالية لسنة 2021 الذي تهدف أحكامه بحسبه إلى "التصدي لانعكاسات هذا الوباء وإرساء قواعد لمخطط انعاش لمرحلة ما بعد كوفيد-19".

وبحث الطرفان كذلك "الوسائل التي يتوجب اعتمادها من اجل احتواء العجز في الميزانية وتحفيز النمو وترقية تنويع الاقتصاد الوطني". وتتوقع الحكومة في قانون المالية 2021 عجزا هائلا يقارب 2700 مليار دينار (17,6 مليار يورو)، ما يمثل حوالى 14% من إجمالي الناتج الداخلي، بالمقارنة مع 2380 مليار دينار عام 2020. بحسب فرانس برس.

ورأى الخبير الاقتصادي محفوظ كوابي مؤخرا في مقابلة أجرتها معه صحيفة الوطن الفرنكوفونية أن البلاد استنفدت كل الاحتمالات المتاحة لتمويل العجز بما في ذلك إصدار المال، معتبرا أن اللجوء إلى التمويل الخارجية سيكون "محتوما بعد 18 شهرا". غير أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون استبعد بشكل قاطع باسم "السيادة الوطنية" في مطلع أيار/مايو اقتراض أموال من صندوق النقد الدولي وهيئات مالية دولية.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا