بعد إغلاق موانىء النفط بشرقها: من يتملك الحل في ليبيا؟
دلال العكيلي
2020-02-04 04:40
تمتلك ليبيا أكبر احتياطي نفطي في القارة الافريقية كما أنها من أبرز الدول ذات الاحتياطات النفطية الكبيرة حيث تجاوزت احتياطاتها 40 مليار برميل، اذ لم يعد الصراع على ثروات النفط في ليبيا شأناً خاصاً بالفرقاء المتنازعين داخل البلاد، بل أصبح هناك دور كبير لجهات خارجية.
فقد كشفت المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس عن تراجع الانتاج النفطي الليبي بمعدل 75 بالمائة، عقب إغلاق موانئ النفط الرئيسية شرق ليبيا، وفقا لبيان نشرته عبر صفحتها الرسمية في فيسبوك، وقالت المؤسسة في بيانها المتعلق بتبعات إقفال الإنتاج، إنه ابتداء من 18 كانون الثاني/يناير الجاري وحتى 23 منه، انخفض الإنتاج من 1,2 مليون برميل إلى 320 ألف برميل يوميا، ما يعني خسارة 899 ألف برميل في غضون أقل من أسبوع واحد، وأشارت أن الفاقد التراكمي للإنتاج عن الفترة ذاتها بلغ 3,9 مليون برميل.
كما نوهت مؤسسة النفط إلى خسارة إجمالية نتيجة الإغلاق بلغت 256 مليون دولار في غضون 6 أيام، وأقدمت قوات مكلفة بحماية وتأمين أهم موانئ النفط موالية للمشير خليفة حفتر، الرجل القوي شرق ليبيا، على إغلاقها بالكامل مطلع الأسبوع الماضي، وجاء الإغلاق عشية مؤتمر برلين الدولي حول إحلال السلام في ليبيا، وأوقفت عمليات استخراج النفط وتصديره والذي تعتبر عائداته أساسية للاقتصاد الليبي عبر أربع موانئ حيوية (البريقة وراس لانوف والسدرة والحريقة والزويتينة).
وبحسب قوات حفتر، فإن الإغلاق جاء استجابة لمطالب شعبية تطالب العدالة في توزيع الثروات النفطية، إلى جانب اتهام حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة باستخدام عائدات النفط في "تمويل الإرهاب"، في إشارة الى إرسال تركيا مقاتلين لمساندة حكومة الوفاق، وأبدت الأمم المتحدة والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، رفضها لما وصفته بـ"الإغلاق غير القانوني" للمنشآت النفطية في ليبيا، وطالبت باستئناف الإنتاج وتصدير النفط "فورا".
وضع كارثي
قال فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا إن ليبيا ستواجه وضعا كارثيا إذا لم تضغط القوى الأجنبية على خليفة حفتر، لإنهاء حصاره لحقول النفط الذي أدى إلى وقف إنتاج الخام تقريبا، وأغلقت قوات حفتر موانئ النفط الرئيسية في ليبيا في استعراض للقوة تزامنا مع لقاء قوى أجنبية بحلفائه في برلين للضغط عليه لوقف حملته العسكرية الرامية للسيطرة على العاصمة طرابلس حيث مقر حكومة الوفاق.
وقال السراج لرويترز إنه يرفض مطالب حفتر بربط إعادة فتح الموانئ بإعادة توزيع إيرادات النفط على الليبيين، مشيرا إلى إن الدخل في النهاية يعود بالفائدة على البلد بأكمله، وأضاف خلال المقابلة التي جرت في برلين أن هذا الوضع سيكون كارثيا في حالة استمراره، وردا على سؤال عما إذا كان يرغب في أن تضغط الدول الأجنبية على حفتر حتى ينهي حصاره للموانئ النفطية، قال "على أمل أن الأطراف الدولية الخارجية تعرف عمق المشكلة... بعض الأطراف الخارجية وعدوا بأن يتابعوا الملف".
وتقع غالبية الثروة النفطية الليبية في شرق البلاد لكن المؤسسة الوطنية للنفط، ومقرها طرابلس، هي التي توزع الإيرادات وتقول إنها لخدمة البلد بأكمله وإن لا صلة للمؤسسة بالصراع الدائر بين الفصائل، وقال دبلوماسيون إن الحكومة الموازية في شرق البلاد سعت مرارا لتصدير النفط متجاوزة المؤسسة الوطنية للنفط لكن الأمم المتحدة حظرت ذلك، وترسل المؤسسة إيرادات النفط والغاز، وهي شريان الاقتصاد في ليبيا، إلى البنك المركزي في طرابلس والذي يعمل بصفة أساسية مع حكومة السراج وتقسم الحكومة الإيرادات بين دفع الرواتب ودعم الوقود وخدمات أخرى، ويشمل ذلك المناطق التي يسيطر عليها حفتر في شرق البلاد.
وأفادت وثيقة أُرسلت إلى متعاملين اطلعت عليها رويترز بأن المؤسسة الوطنية للنفط أعلنت حالة القوة القاهرة على تحميلات الخام من حقلي الشرارة والفيل النفطيين، وكان من المقرر أن تحمل تسع ناقلات نفط على الأقل الخام على مدى الأيام المقبلة من الموانئ التي أعلنت فيها حالة القوة القاهرة وكانت المؤسسة أعلنت في وقت سابق هذه الحالة في موانئ شمال شرق البلاد، ولا توجد في ليبيا حكومة مركزية مستقرة منذ الإطاحة بمعمر القذافي في انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي عام 2011 وتتنافس في ليبيا حكومتان إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب منذ أكثر من خمس سنوات في حين تسيطر جماعات مسلحة على الشوارع.
توقف أكثر من نصف صادرات البلاد من النفط
أوقفت موانئ في شرق ليبيا يسيطر عليها القائد العسكري خليفة حفتر صادرات النفط الخام فيما يقلص انتاج البلاد بأكثر من النصف ويزيد التوتر قبل قمة في ألمانيا لبحث الصراع الليبي، جاءت تلك الخطوة بينما تسعى ألمانيا والأمم المتحدة لإقناع حفتر وداعميه الأجانب في قمة برلين بوقف حملته المستمرة منذ تسعة أشهر للسيطرة على طرابلس مقر الحكومة المعترف بها دوليا.
واقتحم رجال قبائل في مناطق تسيطر عليها قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة حفتر، ميناء الزويتينة النفطي وأعلنوا إغلاق كل الموانئ الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني، وقال أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني للصحفيين في وقت لاحق إن "الشعب الليبي هو الذي أقفل الموانئ النفطية والحقول ومنع تصدير النفط"، وقال مصدر في المؤسسة الوطنية للنفط إن الجيش الوطني الليبي وحرس المنشآت النفطية في شرق البلاد أمرا بإغلاق الموانئ وأكد حرس المنشآت النفطية وقف الصادرات، وقُدر انتاج النفط الليبي بنحو 1.3 مليون برميل يوميا قبل إغلاق الموانئ.
وقال محللون إن إغلاق الموانئ ما كان ليحدث بدون موافقة قيادة الجيش الوطني الليبي، وتقول منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان إن السلطات في شرق ليبيا لا تتسامح بدرجة تذكر مع المعارضة، وفي وقت سابق، اتهم شيوخ القبائل المتحالفون مع حفتر الحكومة المعترف بها دوليا باستخدام إيرادات النفط لدفع أجور لمقاتلين أجانب، في إشارة إلى قرار تركيا إرسال جنود ومقاتلين من الحرب الأهلية السورية إلى غرب ليبيا لمساعدة حكومة طرابلس في التصدي لحملة الجيش الوطني.
وقوضت الخطوة التركية مكاسب حققها الجيش الوطني في الآونة الأخيرة على جبهة طرابلس بفضل مرتزقة من روسيا ودعم من الإمارات العربية المتحدة بطائرات مسيرة قتالية، لتعود حالة الجمود من جديد، وحذرت المؤسسة الوطنية للنفط في وقت سابق من إغلاق الموانئ في شرق ليبيا، ونقل بيان أصدرته المؤسسة عن رئيس مجلس إدارتها مصطفى صنع الله قوله "قطاع النفط والغاز هو شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد الليبي وهو كذلك مصدر الدخل الوحيد للشعب الليبي... المنشآت النفطية ملك للشعب الليبي ولا يجب استخدامها كورقة للمساومة السياسية".
الحرب في ليبيا تتجه إلى الساحة المالية
مع جمود الموقف العسكري على جبهة القتال في العاصمة الليبية طرابلس، بدأ الطرفان المتنافسان يعملان على نقل المعركة إلى ساحة النفط والمال في حربهما من أجل السلطة، ويقول دبلوماسيون ومحللون إن خليفة حفتر، الذي يقود قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي)، يضغط على المؤسسة الوطنية للنفط الحكومية وعملياتها في المناطق الخاضعة لسيطرته، وتقول المصادر إن الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس تعمد، ردا على ذلك، إلى تقييد قدراته على الحصول على العملة الصعبة.
وتشكل تلك التحركات تحولا جديدا في الحرب التي بدأت في أوائل أبريل نيسان، حينما شن حفتر، المتحالف مع الحكومة الموازية في شرق ليبيا، هجوما للسيطرة على طرابلس، لكن مقاتلي الجيش الوطني الليبي الذي يقوده حفتر لم يتمكنوا من التقدم إلى وسط طرابلس وتتزايد النفقات مع الحاجة لجلب ذخائر وإمدادات أخرى من قاعدتهم في بنغازي على بعد ألف كيلومتر، ودفع ذلك حفتر لاستخدام النفط كأحد الأدوات الاستراتيجية.
ويسيطر الجيش الوطني الليبي على مناطق تحيط بمعظم البنية التحتية النفطية في البلاد، لكنه لا يستفيد بشكل مباشر من مبيعات النفط والغاز، التي تتجه من خلال المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس لإدارة أمور الحياة اليومية، وتحاول المؤسسة الوطنية للنفط أن تنأى بنفسها عن الصراع، لكنها تحول إيرادات الطاقة إلى البنك المركزي في طرابلس، الذي يعمل فقط مع رئيس الوزراء فائز السراج، وفي الأيام الأخيرة، التقى حفتر مع اثنين من المسؤولين التنفيذيين بالمؤسسة الوطنية للنفط بشرق البلاد في مقره خارج بنغازي، وكان المسؤول الأول هو رئيس مجلس إدارة شركة الخليج العربي للنفط (أجوكو)، وهي إحدى وحدات المؤسسة الوطنية للنفط، وتنتج ثلث إنتاج ليبيا من الخام، أما الثاني فهو جاد الله العوكلي عضو مجلس إدارة المؤسسة.
وجاءت الاجتماعات بعد أيام من قيام الجيش الوطني الليبي بإرسال سفينة حربية إلى ميناء رأس لانوف، على بعد 600 كيلومتر من خط المواجهة، وفي الوقت نفسه، قالت المؤسسة الوطنية للنفط إن جنودا دخلوا إلى ميناء السدرة وسيطروا على مدرج الطائرات وأدانت ما أسمته "عسكرة" منشآت النفط، لكنها لم تذكر بالإسم الجيش الوطني الليبي الذي يسيطر على المنطقة، ونفى مسؤولون بالجيش الوطني الليبي ذلك، وقالوا إن موانئ النفط تعمل بشكل طبيعي.
ويرى دبلوماسيون ومحللون هذا التحرك كدلالة على أن حفتر يريد أن يُذكر طرابلس بأنه يستطيع وقف صادرات النفط، كوسيلة للضغط على السراج بهدف التوصل إلى اتفاق لاقتسام إيرادات النفط، إذا لم ينتصر في أرض المعركة، وحاول الجيش الوطني الليبي العام الماضي تصدير النفط متجاوزا المؤسسة الوطنية للنفط من خلال كيان مواز يعمل به 500 موظف، وقال متحدث باسم المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس "المؤسسة الوطنية للنفط قلقة من تجدد المحاولات لتقسيمها"، "المؤسسة منزعجة على وجه الخصوص من إكراه الموظفين، وتحاول معرفة الملابسات وراء البيانات الأخيرة التي تؤيد الهجوم المسلح على طرابلس"
معركة ليبيا التالية قد تكون البنوك
دفع قائد قوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) خليفة حفتر بكثير من قواته العسكرية في حملة لمهاجمة العاصمة طرابلس، لكن نتيجة الهجوم قد تحددها معركة منفصلة تتمثل في استمرار عمل نظام مالي مواز يمول جنوده؛ لكن دبلوماسيين ومصادر مصرفية تقول إن مصادر الدعم تلك ربما تكون في طريقها للانتهاء مع اتخاذ البنك المركزي في طرابلس، الذي يسيطر على إيرادات البلاد من الطاقة، خطوات للحد من عمليات البنوك في الشرق.
وأضافوا أن تلك البنوك وجدت صعوبة في الشهور القليلة الماضية للوفاء بالحد الأدنى لمتطلبات الإيداع، وهو ما قد يعطي بنك طرابلس المركزي المتحالف مع رئيس وزراء حكومة طرابلس فائز السراج ذريعة لمنع حصولها على العملة الصعبة، وقالت كلوديا جاتسيني كبيرة محللي شؤون ليبيا في مجموعة الأزمات الدولية "ثمة أزمة مصرفية تلوح في الأفق قد تقوض قدرات سلطات شرق ليبيا على تمويل نفسها في المستقبل القريب".
النفط الليبي عالق وسط صراع السلطة
يؤدي حصار مضروب على موانئ وحقول نفطية إلى توقف إنتاج ليبيا عضو أوبك، مما قد يحجب أكثر من مليون برميل يوميا عن السوق، يرتبط الحصار بالصراع الدائر بين فصائل متناحرة في شرق البلاد وغربها وهجوم تشنه قوات الشرق (الجيش الوطني الليبي) على العاصمة طرابلس.
وفي ظل توقف موانئ وحقول في الشرق والجنوب، قد يتراجع الإنتاج إلى 72 ألف برميل يوميا من حقل الوفاء في الغرب ومن حقول بحرية، وفقا لتحذير من المؤسسة الوطنية للنفط، قبل الحصار، كانت ليبيا تنتج حوالي 1.2 مليون برميل يوميا، ذلك أقل بكثير من 1.6 مليون برميل يوميا كانت ليبيا تضخها قبل انتفاضة 2011 ضد حكم معمر القذافي، لكنه يظل أعلى من معظم الفترات منذ الإطاحة به.
تملك ليبيا أضخم احتياطيات نفطية مؤكدة في إفريقيا وهي مورد مهم للخام الخفيف منخفض الكبريت، والبلد عضو في أوبك، لكنه معفي من خفض الإنتاج 1.7 مليون برميل يوميا الذي اتفقت عليه المجموعة وحلفاؤها في ديسمبر كانون الأول، وإيرادات بيع النفط هي المصدر الوحيد الذي يعتد به لدخل ليبيا من الدولارات، إذ درت 22.5 مليار دولار في 2019 لبلد لا يزيد عدد سكانه على ستة ملايين نسمة.
تتولى المؤسسة الوطنية للنفط تسويقه وتتدفق الأموال عبر مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، يوزع البنك المركزي أجور موظفي الدولة، والتي تشكل أكثر من نصف الإنفاق العام، في أنحاء البلاد، لكن مجموعات في شرق ليبيا تشكو منذ فترة طويلة من أنها تنال أقل من نصيبها العادل، وهو ما ينفيه البنك المركزي، ويقولون أيضا إن إيرادات النفط تُستخدم لدعم مجموعات مسلحة ذات نفوذ داخل طرابلس.
مصالح اجنبية
لعدد من شركات النفط العالمية حضور في ليبيا مثل توتال الفرنسية وإيني الإيطالية وكونوكو فيليبس وهيس الأمريكيتين وفينترسهال الألمانية، وتسعى القوى الغربية مثل الولايات المتحدة لحماية المؤسسة الوطنية للنفط ومصرف ليبيا المركزي في طرابلس، بينما تحثهما على مزيد من الشفافية بشأن إيرادات النفط، وقد أجهضت تلك القوى محاولات من الشرق لبيع النفط على نحو مستقل عن طرابلس، واستصدرت قرارات من مجلس الأمن الدولي بغية ذلك، لكن رد الفعل الغربي على الحصار اتسم بالتردد، نتيجة لانقسامات داخلية وبعد عدة أيام من بدء الإغلاقات، عبرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا عن القلق، ودعت إلى السماح لمؤسسة النفط باستئناف العمليات.