هل تأثر النفط العراقي بعد الاحتجاجات الشعبية؟

عبد الامير رويح

2020-01-28 04:30

يعاني الاقتصاد العراقي ومنذ سنوات من مشكلات وازمات كبيرة، ابتداءً من تفشي البطالة وانعدام الصناعة وانهيار البنية التحتية وضعف أداء القطاع الزراعي والصناعي، وصولاً إلى استشراء الفساد الإداري والمالي في جميع المؤسسات العامة، وهو ما اثرت سلباً على حياة المواطن العراقي، تلك المشكلات والازمات وبحسب بعض المصادر تفاقمت بشكل كبير في الفترة الاخيرة بسبب الاحتجاجات الشعبية التي يشهدها العراق منذ بداية شهر أكتوبر تشرين الأول الماضي وادت الى استقالة حكومة رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي.

ويطالب المحتجون وأغلبهم شبان بتغيير شامل في النظام السياسي الذي يرون أنه فاسد بشدة ويؤدي إلى إفقار العراقيين. يضاف الى ذلك تفاقم الخلافات بين امريكا وايران وهو ما اضر بشكل كبير بمصالح العراق ثاني أكبر منتج في أوبك بعد السعودية والذي يتعرض اليوم لضغوط من الولايات المتحدة للحد من اعتماده على واردات الغاز وغيرها من إيران التي تخضع لعقوبات امريكية. ومشكلة الاقتصاد العراقي هي اعتماده كليا على القطاع النفطي الذي يوفر إيرادات نحو ‬95٪ من ميزانية الدولة التي بلغت 112 مليار دولار في 2019.

ويرى بعض المراقبين ان غياب التخطيط والاهمال الحكومي منذ 2003 وحتى اليوم قد اسهم بتعطيل التنمية الاقتصادية في العراق. ويؤكد أكاديميون ومختصون في التنمية الاقتصادية، أن الاقتصاد العراقي يعاني من اختلالات كبيرة لأسباب متعددة، منها داخلية وأخرى خارجية، نتيجة الاعتماد على السياسة الريعية الأحادية الجانب، على الرغم من توفر الإمكانات والموارد المتعددة.

تفاقم الخلافات بين امريكا وايران دفع السلطات العراقية الى اعتماد بعض الخطط والاجراءات الجديدة من اجل معالجة تلك المشكلات وتقليل الأضرار التي من الممكن أن يتعرض لها العراق بسبب الضغوط والتهديدات الامريكية، حيث قالت الحكومة العراقية في بيان إن العراق وافق على العقود في جولة خامسة لعطاءات التنقيب عن الغاز في شرق البلاد. تتعلق اتفاقات التنقيب في محافظة ديالى بتطوير حقول من المتوقع أن تنتج 750 مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي في غضون 36 شهرا.

ويتعرض لضغوط من الولايات المتحدة للحد من اعتماده على واردات الغاز من إيران. ويحرق البلد جزءا كبيرا من إنتاجه من الغاز المستخرج إلى جانب النفط الخام نظرا لافتقاره إلى المنشآت الضرورية لمعالجته وتحويله إلى وقود ومن ثم يلجأ للاستيراد من إيران لتوليد الكهرباء.

وكان العراق طرح 11 رقعة قرب الحدود مع إيران والكويت وبمياه الخليج في 2018 لكنه لم يجذب العديد من الشركات الكبرى، حيث كانت إيني الإيطالية الوحيدة من بينها التي قدمت عرضا. ولم يستقطب خمس من رقع التنقيب أي عروض. أما الرقع الباقية، فذهب ثلاث منها إلى نفط الهلال المملوكة ملكية عراقية ويقع مقرها في الإمارات واثنتان إلى جيو-جيد الصينية ورقعة واحدة إلى يونايتد إنرجي جروب التي مقرها في الصين أيضا.

8 ملايين برميل

وفي هذا الشأن قال وزير النفط العراقي ثامر الغضبان، إن العراق يخطط لرفع الطاقة الإنتاجية للنفط الخام إلى ما بين 6 إلى 8 ملايين برميل يوميا خلال العقدين المقبلين. وأضاف الغضبان في تصريحات نشرها الموقع الرسمي لوزارة النفط العراقية: «إن الوزارة ماضية في تحقيق نقلة تكنولوجية واقتصادية وإدارية وبشرية، من خلال العمل والتخطيط السليم للارتقاء بالمحتوى الوطني، بهدف مواكبة التطور الكبير في الصناعة النفطية العالمية، فضلاً عن متطلبات الارتقاء بمستويات الإنتاج النفطي والغازي في العراق، حيث من المخطط الوصول لمعدلات من 6 إلى 8 ملايين برميل في العقدين المقبلين». وتبلغ مستويات إنتاج النفط الخام حاليا في العراق أكثر من 4 ملايين و450 ألف برميل يوميا.

واستقرت أسعار النفط مع انحسار المخاوف بشأن النزاع بين الولايات المتحدة وإيران، في حين تحول اهتمام المستثمرين للتوقيع المقرر لاتفاق تجاري أولي بين الولايات المتحدة والصين الأسبوع الجاري، ما سيعزز النمو الاقتصادي والطلب. وارتفعت أسعار النفط لأعلى مستوياتها في نحو أربعة أشهر عقب غارة بطائرة مسيرة أميركية قتلت قائدا عسكريا إيرانيا ورد طهران بإطلاق صواريخ على قواعد أميركية في العراق. لكن الأسعار نزلت مجددا مع تراجع واشنطن وطهران بعدما أشرفتا على الانزلاق لنزاع مباشر.

وقال كيم كوانج - راي محلل السلع الأولية في سامسونغ فيوتشرز في سول، وفق رويترز: «احتمال نشوب حرب بين الولايات المتحدة وإيران تلاشى...، فإن توقيع اتفاق التجارة بين الصين والولايات المتحدة سيقود لصعود أسعار النفط بفضل توقعات بزيادة الطلب». ومن المتوقع توقيع المرحلة الأولى لاتفاق التجارة بين واشنطن وبكين ، وهو ما من شأنه تهدئة الأسواق المالية والنفطية معا

من جانب اخر نقلت رويترز عن مصادر قالت أن بي.بي البريطانية انسحبت من حقل كركوك النفطي العملاق في العراق بعد انتهاء عقد تنقيب حجمه 100 مليون دولار دونما اتفاق على توسعة الحقل. وبيّنت المصادر إن "بي.بي أخطرت السلطات العراقية الشهر الماضي أنها ستسحب موظفيها من الحقل الواقع في شمال البلاد بعد أن حل في نهاية 2019 أجل عقد الخدمات الممنوح لها في 2013". وتأتي هذه الخطوة مع قيام شركات الطاقة الغربية بإعادة تقييم عملياتها في العراق وسط قلاقل سياسية في ظل احتجاجات مناهضة للحكومة محتدمة منذ أشهر وتصاعد في التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

من جانب اخر استمعت محكمة في لندن إلى ما يفيد بأن شركة استشارات النفط والغاز أونا أويل التي مقرها موناكو دفعت رشاوى بلغت ستة ملايين دولار للفوز بعقود نفط عراقية عقب سقوط نظام صدام حسين. يواجه مديران سابقان في أونا أويل ومدير مبيعات سابق في شركة خدمات الطاقة الهولندية اس.بي.ام تهما بالتواطؤ لرشوة مسؤولين عراقيين كبار من أجل الحصول على مشاريع مجزية.

نفط الاقليم

في السياق ذاته قال وزير النفط العراقي في وقت سابق ان إقليم كردستان العراق شبه المستقل قد يبدأ تسليم 250 ألف برميل يوميا من النفط إلى الحكومة الاتحادية في بغداد بحلول أوائل 2020. وقال الوزير ثامر الغضبان في مقابلة تلفزيونية إن النفط سيُسلم إلى شركة تسويق النفط العراقية (سومو) التي ستقوم بتصديره عبر خط أنابيب إلى ميناء جيهان التركي. وكان من المفترض أن تبدأ عمليات التسليم بموجب اتفاق جرى التوصل إليه قبل عامين.

وقال الوزير لتلفزيون العهد المحلي ”حكومة الإقليم تلتزم بتسليم ما لا يقل عن 250 ألف برميل يوميا إلى شركة تسويق النفط العراقية (سومو) لكي تقوم ببيعها في جيهان بتركيا... والموارد (العوائد) شأنها شأن الموارد الأخرى... تأتي إلى الموازنة“ الاتحادية. وأضاف أن الإقليم أنتج 440 ألف برميل يوميا الشهر الماضي.

ولطالما كانت صادرات إقليم كردستان من النفط مصدرا للخلاف مع بغداد. وكان الأكراد، الذين يسيطرون على خط الأنابيب الوحيد بالعراق الواقع في شمال البلاد، يصدرون النفط على نحو مستقل منذ 2013. واستؤنفت الصادرات من كركوك في 2018 بعد توقف لمدة عام عقب محاولة لم تُكلل بالنجاح من جانب الإقليم للاستقلال. واستمرت الصادرات من حقول نفط أصغر تسيطر عليها حكومة الإقليم. وتحسنت العلاقات مع تغيير حكومتي بغداد وأربيل عاصمة إقليم كردستان.

وفي إطار ميزانيتي 2018 و2019، اتفق إقليم كردستان على إرسال 250 ألف برميل يوميا إلى السلطات الاتحادية مقابل سداد بغداد لرواتب الموظفين الحكوميين. وقال الوزير ”قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019 واضح كل الوضوح بشأن الحقوق والالتزامات على الطرفين، الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم“ مضيفا أن الأكراد لم يرسلوا أي نفط حتى الآن. وقال إن هذا قد يتغير في 2020 وإنه أبلغ مسؤولين في سومو بأن ”يهيئوا أنفسهم لاستلام 250 ألف برميل يوميا اعتبارا من بداية السنة القادمة لأن هذا هو ما أفهمه لحد الآن من تفاهمات“.

ضغوط أمريكية

على صعيد متصل قال وزير الكهرباء العراقي إن العراق سيواجه صعوبة في توليد ما يكفي من الكهرباء إذا لم يواصل استخدام الغاز الإيراني لمدة ثلاثة أو أربعة أعوام أخرى، ليقاوم ضغوطا أمريكية لوقف الاستيراد من جارته في الشرق الأوسط. وهوت صادرات النفط الإيرانية منذ أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على إيران هذا العام سعيا لعزل الجمهورية الإسلامية بسبب الخلاف المتعلق بطموحاتها النووية.

وقال لؤي الخطيب للصحفيين على هامش مؤتمر الطاقة العالمي في أبوظبي ”في النهاية هذه سوق مفتوحة. قضية الكهرباء أضحت شأنا سياسيا في العراق“. وقاد انقطاع الكهرباء في العراق لاحتجاجات مناوئة للسلطات في أغلب الأحيان. وتورد إيران غازا يكفي لتوليد 2500 ميجاوات فضلا عن تزويد العراق بإمدادات مباشرة من الكهرباء حجمها 1200 ميجاوات. وذكر الوزير أن العراق يملك حاليا طاقة إنتاجية قدرها 18 ألف ميجاوات، ارتفعا من 12-15 ألفا في العام الماضي، لكنها تظل دون مستوى الطلب في أوقات الذروة والذي قد يصل إلى نحو 25 ألف ميجاوات ويرتفع كل عام.

وتظل صادرات الغاز للعراق وصادرات المنتجات المكررة للأسواق العالمية مصدرا مهما للإيرادات بالنسبة لإيران. وردا على سؤال عن الضغوط الأمريكية المتزايدة بشأن إمدادات الطاقة الإيرانية، قال الخطيب ”لدينا علاقات متوازنة مع الجميع وينبغي أن يحترم الناس ذلك“. وذكر الخطيب أن تحديث شبكة الكهرباء في البلاد يحتاج لاستثمارات لا تقل عن 30 مليار دولار، إذ أن عمرها 50 عاما وفقدت 25 بالمئة من طاقتها بسبب هجمات تنظيم داعش.

وتابع أن العراق يسدد ثمن الغاز العراقي على أساس آلية تعادل في المتوسط نحو 11 بالمئة من سعر خام القياس العالمي برنت أو حوالي ستة دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. يأتي ذلك مقارنة مع ما بين دولارين و3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في السوق الامريكية المتخمة بالمعروض. ويمكن خفض واردات الغاز الإيرانية إذا استغل العراق المزيد من احتياطياته من الغاز بدلا من حرق الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط. وقال وزير النفط ثامر الغضبان إنه يجري تنفيذ أربعة مشروعات للمساعدة في تحويل 1.2 مليار قدم مكعبة من الغاز المصاحب إلى سوائل لخفض عمليات الحرق بشكل كبير.

من جانب اخر قال رئيس مجلس المصرف العراقي للتجارة إن مصرفه لن يكون طرفاً في آلية دفع مستحقات إيران المالية عن الغاز والكهرباء اللذين يستوردهما العراق، في حال لم تجدد واشنطن الإعفاء من العقوبات. وقد يؤدي عدم تجديد الإعفاء الى الحاق ضرر بقطاع الكهرباء العراقي الذي يعتمد ثلث طاقته على ما يستورده من الغاز والكهرباء الإيرانيين، في وقت يتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران.

وفرضت واشنطن عقوبات صارمة على قطاع الطاقة الإيراني في العام 2018، لكنها منحت العراق سلسلة من الإعفاءات الموقتة على مدار الأشهر الـ15 الماضية، تسمح لبغداد بشراء الغاز من طهران. وتدفع بغداد ثمن الواردات من طريق إيداع الدينار العراقي عبر المصرف العراقي للتجارة المملوك للدولة، ما يسمحُ مبدئياً لإيران باستخدامه لشراء سلع غير خاضعة للعقوبات.

وقال رئيس مجلس إدارة المصرف فيصل الهيمص إنه "في حال انتهى الاستثناء، أكيد أن المصرف لا يمكنه أن يدفع لأي مستحقات غاز، ولا يمكن أن يتعامل مع أي كيان إيراني بخصوص الغاز والكهرباء، بالتأكيد". وأضاف "كمصرف، أهم شيء لدينا هو أن نكون ملتزمين (التعليمات المحلية للبنك المركزي العراقي والتعليمات الدولية)، لذلك يثق العالم بنا". ويتعرض أي كيان يتعامل مع المؤسسات أو البلدان التي أدرجتها الولايات المتحدة في القائمة السوداء لعقوبات ثانوية تقيد وصوله إلى الدولار الأميركي. بحسب فرانس برس.

وهدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بفرض عقوبات شديدة على العراق في حال إصرار بغداد على وجوب ان تغادر القوات الأميركية العراق. وأبلغت الولايات المتحدة العراق بأنها تفكر في تجميد حسابات مصرفية تابعة لبغداد في مصارف الولايات المتحدة، حيث يحتفظ العراق بعائدات النفط التي تشكل 90 في المئة من موازنة البلاد.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا