أزمة طرح أرامكو: هل تضع رؤية السعودية 2030 على المحك؟
إيهاب علي النواب
2018-09-02 06:51
أرامكو شركة سعودية، هي الأكبر في تصدير النفط في العالم، تأسست عام 1933 كشركة أمريكية ولكنها لم تعرف باسم أرامكو إلا عام 1944 وهذا الاسم اختصار لشركة الزيت العربية الأمريكية، ظلت الشركة تتحول تدريجيا إلى ملكية السعودية حتى أصبحت مملوكة للدولة بالكامل عام 1980، وفي عام 2015 فصلت الشركة إداريا عن وزارة النفط وتشكل مجلس أعلى لها برئاسة ولي ولي العهد آنذاك الأمير محمد بن سلمان. ويتكون المجلس من عشرة أعضاء، خمسة منهم من أعضاء في مجلس إدارة أرامكو.
وتتولى الشركة إدارة احتياطي نفطي يبلغ 265 مليار برميل (15 بالمئة من الاحتياطي العالمي)، واحتياطي من الغاز يبلغ 288 تريليون قدم مكعب، وتقدر السعودية قيمتها بنحو تريليوني دولار لكن الخبير الاقتصادي ستيفن كلافام يقدر عوائد أرامكو السنوية بـ 185 مليار دولار، وهذا يعني أنه لو كانت قيمة الشركة 2 تريليون دولار فهذا يساوي أكثر من عشرة أضعاف عائدها السنوي، وهو شيء مألوف في حال شركات التكنولوجا فقط، كما أنها تبيع أرامكو أكثر من 10 ملايين برميل من النفط يوميا، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف إنتاج أكبر شركة نفطية مدرجة في البورصة في العالم وهي اكسون موبيل، ويعمل بالشركة 65 ألف موظف، الا أنه في الأونة الأخيرة بدأت تُطرح العديد من التساؤلات حول مستقبل الشركة سيما بعد رغبة السعودية بطرح أسهمها للاكتتاب العام، وهو قرار أثار الجدل حول تأثير ذلك على السوق المحلية والعالمية على حد سواء.
تكلم الملك فتبدد حلم مقداره تريليونا دولار
فقد ظلت المملكة العربية السعودية تستعد على مدار العامين الأخيرين لطرح حصة نسبتها خمسة في المئة من شركة النفط الوطنية السعودية (أرامكو) في سوق الأسهم، وتواصل المسؤولون مع البورصات الدولية والبنوك العالمية بل والرئيس الأمريكي دونالد ترامب للترويج للخطة، وكان من المنتظر أن يصبح إدراج أرامكو في البورصة الركيزة الأساسية في برنامج الإصلاح الاقتصادي الموعود في المملكة إذ كان من المستهدف أن تبلغ حصيلته 100 مليار دولار ويمثل أكبر طرح عام أولي من نوعه على الإطلاق، إلا أنه بعد أن واجه المشروع انتكاسات على مدار شهور تقرر إلغاء الشقين الدولي والمحلي من عملية الطرح العام الأولي للأسهم، وذكر مصدر إن القرار جاء بعد أن التقى العاهل السعودي بأفراد في الأسرة الحاكمة ومصرفيين ومديرين كبار في قطاع النفط من بينهم رئيس تنفيذي سابق لشركة أرامكو.
وفي السعودية جرت العادة أن يكون الملك هو صاحب الكلمة الأخيرة. غير أن هذا القرار ضربة قوية لبرنامج الإصلاح، رؤية المملكة 2030، الذي طرحه الأمير محمد ويهدف إلى إحداث تغيير جوهري في الاقتصاد السعودي الذي تعد الدولة المحرك الرئيسي له ويعتمد اعتمادا أساسيا على النفط، وليس من الواضح على وجه التحديد أي الأفكار التي جعلت الملك يحسم أمر أرامكو من بين ما نوقش خلال شهر رمضان فيما يتعلق بالطرح الأولي، غير أنه سبق أن بين خبراء ومصادر بصناعة النفط إن وتيرة الاستعدادات تتباطأ منذ أشهر لسببين على الأقل أولهما الشكوك فيما أعلنه الأمير محمد في 2016 من أن الطرح سيقدر قيمة أرامكو بمبلغ تريليوني دولار والثاني هو القلق من المخاطر القانونية وشروط الإفصاح المشددة التي تقترن بإدراج أسهم الشركة في بورصة أجنبية.
وأفادت ثلاثة مصادر إن أرامكو توقفت عن دفع الرسوم المستحقة لبعض البنوك مقابل عملها في تجهيز الصفقة، وبينما كان الملك يجري مشاوراته تمت دعوة البنوك بما فيها جيه.بي مورجان ومورجان ستانلي لتقديم رؤيتها لمشروع مختلف، وإن البنوك تلقت طلبا لتقديم مقترحات لاستحواذ أرامكو على حصة في شركة البتروكيماويات العملاقة سابك من صندوق الثروة السيادية التابع للمملكة، وتلك كانت علامة أولية على أن خطة طرح أسهم الشركة بدأت تتعثر وأن الرياض تبحث عن تدبير المال من مصادر أخرى.
وبين مسؤول سعودي إن اهتمام أرامكو بالاستحواذ على حصة في سابك يتفق مع هدفها أن تكون الشركة الرائدة في العالم للطاقة والكيماويات المتكاملة ولا يغير شيئا من نية إدراج أسهمها في البورصة، وسيخلق ذلك كيانا أقوى وأكثر توازنا بالاضافة إلى التكامل الذي سيحققه مالك محتمل له أهمية استراتيجية وليس مجرد مستثمر يسعى وراء العوائد المالية بين عمليات التسويق والأبحاث والتطوير والتكنولوجيا والخدمات المشتركة التي تقدمها سابك، وأوضح المسؤول أن صندوق الاستثمارات العامة يهدف إلى خلق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني ”من خلال الاستثمار في كيانات جديدة تنمو لتصبح مؤسسات وطنية عملاقة. وكانت سابك، التي تعد الآن كيانا عالميا، في أيامها الأولى من مثل هذه الشركات، كما سيؤدي نقل ملكية سابك من صندوق الاستثمارات العامة إلى أرامكو السعودية إلى تمكين الصندوق من تعزيز الاستراتيجيات والحوكمة وتقوية محفظته الاستثمارية.
بلومبرج: أرامكو السعودية الأكثر ربحية بين شركات النفط العالمية
ذكرت بلومبرج أن أرامكو السعودية هي شركة النفط الأكثر ربحية في العالم، لكنها قالت إن أرباحها وتدفقاتها النقدية الضخمة قد تظل عاجزة عن تبرير تقييم الشركة عند المستوى المرغوب البالغ تريليوني دولار، والأداء المالي لأرامكو أحد أكبر الأسرار المحتفظ بها في قطاع النفط لكن في الوقت الذي تستعد فيه الشركة لطرح عام أولي طال انتظاره في العام الجاري أو القادم فإنها تحتاج إلى إطلاع المستثمرين على قيمة أرباحها والكيفية التي تعمل بها.
وأضافت بلومبرج نقلا عن حسابات للشركة إن أرامكو حققت صافي ربح قدره 33.8 مليار دولار في الستة أشهر الأولى من 2017 وتدفقات نقدية قدرها 52.1 مليار دولار، وإن الحسابات، التي جرى إعدادها وفقا لمعايير المحاسبة الدولية، تظهر أن الشركة حققت ربحا صافيا بقيمة 7.2 مليار دولار في النصف الأول من 2016، حين بلغ سعر النفط الخام في المتوسط 41 دولارا للبرميل.
ويريد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان جمع 100 مليار دولار عبر بيع حصة نسبتها خمسة بالمئة من أرامكو في بورصات محلية وأجنبية. وجعل الأمير محمد الطرح العام الأولي لأرامكو الركيزة الأساسية في رؤية المملكة 2030 الإصلاحية، ومن شأن ذلك أن يصل بالقيمة السوقية لأرامكو إلى تريليوني دولار، وهي أكبر قيمة تحققها أي شركة، مما يجعل قيمة شركات مناظرة مثل إكسون موبيل ورويال داتش شل تتضاءل أمامها، وبالمقارنة فإن أرباح شل بناء على التكلفة الحالية للإمدادات مع استبعاد البنود غير المتكررة، أقرب مكافئ لصافي الربح، بلغت 7.4 مليار دولار في النصف الأول من 2017 وهي قيمة مماثلة لما حققته إكسون.
وحققت إكسون تدفقات نقدية من العمليات وبيع الأصول بواقع 16 مليار دولار في النصف الأول من 2017 مقارنة مع تدفقات نقدية لشل عند 20.8 مليار دولار، وعلى الرغم من أن التدفقات النقدية لأرامكو أكبر بمقدار مثلين أو ثلاثة أمثال، فإن رغبتها في الوصول إلى قيمة سوقية تزيد بواقع ستة إلى سبعة أمثال عن تلك الخاصة بإكسون أو شل ربما تبدو مبالغة في الطموح بالنسبة للعديد من المستثمرين والمحللين الذين أفادوا إن الشركة قد تزيد قيمتها عن تريليون دولار.
من جهة أخرى صرح أمين الناصر الرئيس التنفيذي لأرامكو السعودية إن شركة النفط العملاقة تتطلع إلى التوسع في الولايات المتحدة حيث تجعل التخفيضات الضريبية التي استحدثها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ودعمه لصناعة النفط، مناخ الأعمال أكثر جاذبية بشكل متزايد، وتسيطر أرامكو بالفعل على مصفاة نفطية كبيرة في تكساس، وتستعد أيضا لإطلاق ما يمكن أن يكون أكبر طرح عام أولي في العالم وتدرس إدراج أسهمها في بورصة نيويورك بين بضع بورصات محتملة.
دراسة أثر طرح أرامكو على السوق المحلية
طلب مجلس استشاري للحكومة السعودية من الهيئة المعنية بالأوراق المالية في المملكة دراسة أثر إدراج شركة أرامكو في البورصة المحلية وسط مخاوف من أن يؤدي الطرح العام الأولي الضخم إلى إلحاق أضرار بالسوق، وذكرت مصادر أن لجنة الشؤون المالية بمجلس الشورى طلبت أيضا من هيئة السوق المالية التأكد من ألا تصبح السيولة بسوق الأسهم متركزة في شركة النفط العملاقة وحدها، وصرحت الحكومة إنها تخطط لبيع نحو خمسة بالمئة من أرامكو على أمل جمع نحو 100 مليار دولار أو أكثر في ما سيكون على الأرجح أكبر طرح عام أولي في العالم. ومن المتوقع تنفيذ البيع في النصف الثاني من عام 2018.
وكان مسؤولون سعوديون أوضحوا إنهم قد يدرجون أرامكو في سوق أو أكثر في الخارج مثل نيويورك ولندن وهونج كونج إضافة إلى الرياض، وهو ما سيعزز صورة الشركة عالميا ويخفف الضغط على السوق السعودية، الا أنه وبعد أكثر من عام من المشاورات، لم يتم الإعلان بعد عن قرار بشأن السوق الأجنبية ويرجح بعض المسؤولين أن أرامكو قد تُدرج في الرياض فقط، وربما تبيع أيضا بعض الأسهم إلى مستثمرين استراتيجيين أجانب في طرح خاص، وهناك مخاوف في الدوائر المالية السعودية من أن الطرح العام الأولي قد يكون أكبر بكثير من أن تستوعبه السوق المحلية. وتبلغ القيمة الرأسمالية للسوق السعودية نحو 470 مليار دولار، وهو ما قد يعني أن إدراج أرامكو قد يزعزع استقرارها إذا بيعت أسهم أخرى بقوة لجمع أموال للاستثمار في شركة النفط العملاقة.
ولم يعرف ما إذا كانت دراسة هيئة السوق المالية ستنظر في أثر إدراج أرامكو على الرياض وحدها، أم السيناريوهات التي ستشهد إدراجها في السعودية والأسواق الأجنبية أيضا، ومن جهته وأبلغ الرئيس التنفيذي للبورصة السعودية خالد الحصان أن الرياض تأمل بأن تكون الموقع الوحيد لإدراج أرامكو وأنها تستطيع إدارة الطرح الأولي بالكامل، مضيفا أن السيولة لن تمثل مشكلة، وفي اجتماع لمجلس الغرف السعودية، وهو اتحاد وطني لأنشطة الأعمال، أبدى إثنان من رجال الأعمال قلقا بشأن التأثير المحلي لإدارج أرامكو، حيث أفاد أحدهما من الناحية التاريخية، حينما تتجه شركة ذات ثقل كبير إلى السوق، فإن القلق الرئيسي يتمثل فيما إذا كان الأفراد سيصفون أسهمهم للاستثمار في تلك الشركة أم لا، ومن ثم فإن القلق يتركز بشكل رئيسي على التفاعلات والنشاط في السوق، في حين ذكر مازن السديري رئيس البحوث لدى الراجحي المالية إن الإدراج في سوق الرياض وحدها قد يضر الاقتصاد السعودي من خلال امتصاص الأموال من أصول أخرى. وأضاف أن إدراج واحد في المئة من أرامكو محليا سيمتص ما يزيد عن مجمل الاقتراض الحكومي المحلي للعام الماضي، الذي بلغ 14.3 مليار دولار، انه بالإضافة إلى ذلك، فإن ارتباط مؤشر الأسهم السعودية بأسعار النفط سيرتفع إلى نحو 100 بالمئة من حوالي 50 بالمئة، وهو يجعل السوق تتأثر بأسعار النفط المتقلبة أكثر من اقتصاد سعودي متنوع، ولهذين السببين فإن من المستبعد أن تلجأ الحكومة إلى إدراج محلي فقط.
ورغم ذلك، يرى محللون إن بعض العوامل الأخرى قد تؤدي إلى دراسة هذا الخيار بجدية، فالإدراج في عدة أسواق ذات قواعد تنظيمية مختلفة سيتضمن المزيد من المستندات والتكاليف لأرامكو ومن المحتمل أن يدفع الشركة، التي تعمل كذراع للسياسة النفطية السعودية، إلى الإفصاح عن نفسها بشكل أكبر، وقد بين محامي من الخليج إن الحكومة السعودية ربما تكون قلقة أيضا من مخاطر أن تصبح أرامكو أكثر عرضة لدعاوى قضائية أجنبية نظرا لإدراجها في الخارج، فقانون القصاص من رعاة الإرهاب (جاستا) الذي أقرته الولايات المتحدة في 2016، يجيز إقامة دعاوى قضائية على الحكومة السعودية بزعم أنها ساعدت في التخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 في أمريكا ويجب أن تدفع تعويضات للضحايا. وتنفي الرياض تلك المزاعم، وقد تؤثر الطريقة التي تتناول بها السعودية إدارج أرامكو على قرار من المنتظر أن تتخذه إم.إس.سي.آي لمؤشرات الأسواق حول ما إذا كانت سترفع تصنيف المملكة إلى وضع السوق الناشئة، وهي خطوة ستجتذب مليارات الدولارات من الأموال الأجنبية الجديدة، وأفادت إم.إس.سي.آي إنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان سيجري إدراج أرامكو في أي بورصة أخرى خارج السعودية، واقترحت أن يأخذ المستثمرون هذا في اعتبارهم في آرائهم التي يرسلونها إليها بشأن رفع التصنيف.
الى حد الأن تبدو مسألة طرح أرامكو ومايتعلق بها قد وصلت الى طريق مسدود قد لايرى النور خلال المدة هذه، اذ لحد الان لايعرف مدى تأثير طرح الشركة للاكتتاب وعبر البورصة على مجمل السوق المحلية فضلاً عن تأثير ذلك على أسعار النفط والغاز، اذ مازالت الصورة ضبابية لذلك، على الرغم من محاولات الكثيفة لدول مثل بريطانيا والولايات المتحدة للاسراع في بيع جزء من أرامكو، ومن جهة أخرى تدفع هذه الدول بالضغط على السعودية داخلياً من انها قد تمثل عقبة أمام تحقيق الاصلاح الاقتصادي الذي يقوده ولي العهد السعودي، وخارجياً من خلال الضغط السياسي ومن خلال تحرير جزء من سيطرة السعودية على سوق النفط وبالتالي قد يضعف من حجم وقوة التأثير السعودي في المستقبل على السوق العالمية النفطية وهذا ماتخشاه السعودية أكثر من خشيتها على تحقيق الاصلاح في الداخل.