شركات النفط العالمية: لعبة الأرباح تخالف كل التوقعات
إيهاب علي النواب
2018-08-08 06:35
تعيش الشركات العالمية للنفط فورة ايجابية من تنامي ارباحها كنتيجة للتحسن الحاصل في أسعار النفط العالمية، وهذا ماانعكس بشكل ايجابي على واقعها الربحي والانتاجي، والأن هي تمضي قُدما في تحقيق مزيد من هذه الارباح وعبر بوابة المزيد من الاتفاقيات وتعديل السابق منها وبالشكل الذي لايمس ارباحها مستقبلاً، بل وأصبحت هذه الشركات المعبر عن السياسة العالمية للدول وتوجهاتها نتيجة بسط نفوذها على العالم وعلى أهم سلعة مصدرة الا وهي النفط، وبالتالي فأن شروط التارة ستميل ايجايبا لها وللدول التي انطلقت منها هذه الشركات وهذا مايزيد التعقيد بينها وبين الدول النتجة والمصدرة للنفط سيما في العالم النامي.
مجموعة روسنفت، الذراع النفطية لسياسة روسيا الخارجية الجديدة
ستستحوذ "روسنفت" على 49% من حصص شركة "ايسار اويل" الهندية في وقت تسعى إلى دخول منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتبقى أنشطة مجموعة "روسنفت" الروسية شبه العامة التي تشمل أنحاء متفرقة من العالم تمتد من الصين إلى فنزويلا مرورا بالعراق، على ارتباط بمصالح روسيا الجيوسياسية، إذ تساهم في بسط نفوذ هذا البلد ولو حتم ذلك عليها أحيانا الاستثمار في دول غير مستقرة.
وركزت المجموعة شبه العامة التي يديرها إيغور سيتشين القريب منذ التسعينات من الرئيس فلاديمير بوتين، موقعها على أنقاض شركة "يوكوس" التي تم حلها في سياق اتهام صاحبها الثري ميخائيل خودوركوفسكي بالتهرب الضريبي، وهي اتهامات نفاها المعارض الثري منددا بوسيلة للقضاء على طموحاته السياسية، وتحولت "روسنفت" إلى شركة عالمية عملاقة للمحروقات تتعامل بما يوازي أكثر من خمسة ملايين برميل من النفط والغاز في اليوم ويقارب وزنها في البورصة 50 مليار دولار، واتبعت الشركة في السنوات الأخيرة مسارا ملاصقا لتطور السياسة الروسية، فابتعدت عن الغرب لتقترب أكثر من الدول الناشئة.
واوضح الاستاذ في المعهد العالي للاقتصاد في موسكو نيكولاي بتروف أن "سيتشين ليس مجرد ريادي في الاقتصاد فحسب" مشددا على أن هذا القريب من بوتين يريد أن "يثبت أن روسنفت مهمة وضرورية ليس كإحدى ركائز الاقتصاد الروسي فحسب، بل أيضا كأداة قوية في خدمة السياسة الخارجية"، وبعدما أثارت روسنفت ضجة عند إدراجها في بورصة لندن عام 2006 وأقامت شراكات مع شركات غربية كبرى مثل الأميركية "إيكسون موبيل" والنروجية "ستات أويل"، برزت المجموعة الروسية مؤخرا بانتزاعها عقدا باهظا لبيع النفط للصين، واستحواذها على شركة "إيسار" الهندية لتكرير النفط، واجتذابها أموالا قطرية إلى رأسمالها، وعند استهدافها مباشرة بالعقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب دورها في الأزمة الأوكرانية، لم تتردد الشركة في التعامل مع دول تشهد اضطرابات من شأنها أن تثير مخاوف المستثمرين الأجانب وتبعدهم.
وكشفت روسنفت أنها دفعت سلفة قدرها 1,3 مليار دولار الى سلطات كردستان العراق في اطار اتفاق وقع مؤخرا لاستغلال موارد الإقليم الغني بالمحروقات، وانتقدت الحكومة العراقية الاتفاق بشدة واعتبرته "تدخلا فاضحا في الشؤون الداخلية للعراق"، في وقت تقوم أزمة كبرى بين السلطات الاتحادية العراقية والإقليم الذي يتمتع بحكم ذاتي منذ الاستفتاء على استقلاله في 25 أيلول/سبتمبر وذكر نيكولاي بيتروف "على غرار (مجموعة الغاز) غازبروم التي تلعب دورا فعليا في السياسة الخارجية تجاه أوروبا والصين، فإن روسنفت مسؤولة عن بعض توجهات السياسة الخارجية في أميركا اللاتينية على سبيل المثال".
وباتت المجموعة طرفا أساسيا في الصعوبات التي تواجهها فنزويلا حيث تدين لها الشركة الوطنية الفنزويلية للنفط بحوالي 6 مليارات دولار، وبحسب الرواية الرسمية، فإن هذه المبالغ هي سلفة على عقود لتسليم شحنات من النفط والمحروقات لمدة تمتد حتى 2019، لكن العديد من الخبراء رأوا في هذه الاتفاقات واجهة لتقديم دعم مالي لكراكاس، حليفة موسكو التي قامت مؤخرا بإعادة جدولة قرض لفنزويلا يعود إلى 2011.
كما وقعت روسنفت عقودا مع شركات عامة ليبية وإيرانية، تتعلق باستثمارات ومشاريع مشتركة في البلدين. وتسمح هذه العقود لروسيا بتعزيز علاقاتها ونفوذها لدى دول تنبذها واشنطن أحيانا، في وقت تذكر العلاقات الروسية الأميركية الحالية بحقبة الحرب الباردة، غير أن خبير الطاقة في معهد الطاقة والمالية ألكسي غروموف يقلل من شأن هذه الطموحات السياسية معتبرا أن المسألة تمت بالاحرى إلى "سياسة توسعية نشطة هدفها حيازة أصول في روسيا والخارج".
وأضاف أنه من الصعب للغاية العثور في العالم على اصول مثيرة للاهتمام بأسعار مقبولة. وأشار إلى أن شركة روسنفت دعيت إلى كردستان "بشروط مغرية" مضيفا "علينا ألا ننسى أن روسنفت تخضع لعقوبات، وبالتالي فإن الشركة تعير اهتماما خاصا لأسواق الدول التي لم تنضم إلى العقوبات"، وأوضح أن "روسنفت انخرطت في فنزويلا حين كان هذا البلد يملك موارد نفطية محتملة هائلة. من كان يدري في ذلك الحين أن الأسعار ستنهار عام 2014 وستقوم ازمة سياسية مماثلة؟، وعند الكشف عن نتائجها المالية للفصل الثالث من السنة والتي عكست مضاعفة صافي أرباحها، أكدت المجموعة أنه "من غير المتوقع" تسديد دفعات مسبقة إضافية للشركة الوطنية الفنزويلية.
أرباح شل تواصل الصعود بفضل أسعار النفط القوية
أعلنت رويال داتش شل ارتفاع أرباح الربع الأول من 2018 بنسبة 42% مسجلة أعلى مستوياتها في أكثر من ثلاث سنوات بفضل ارتفاع أسعار النفط لتفوق النتائج توقعات المحللين، وزاد صافي الربح العائد إلى المساهمين بناء على تكلفة الإمدادات حاليا وباستبعاد بنود محددة إلى 5.322 مليار دولار عنه قبل عام بينما كان متوسط توقعات المحللين المقدم من الشركة نفسها 5.277 مليار دولار.
وبين بن فان بوردن الرئيس التنفيذي للشركة في بيان إن أرباح شل القوية لهذا الربع تدعمت بارتفاع أسعار النفط والغاز والنمو المستمر وأداء جيد جدا لوحدة الغاز المتكاملة وتحسن الربحية في أعمال المنبع، وتعافت أسعار خام القياس العالمي برنت بقوة في الأشهر الأخيرة لتصل إلى 75 دولارا للبرميل وهو أعلى مستوى لها منذ أواخر 2014. وبلغ متوسط السعر حوالي 67 دولارا للبرميل في الربع الأول بارتفاع نحو 25% عنه قبل عام.
وأظهرت نتائج أعمال شركة رويال دتش شل تحقيق قفزة في الأرباح بلغت نسبتها 47% على أساس سنوي لتصل إلى 4.1 مليار دولار في الربع الثالث من العام متجاوزة التوقعات، بدعم مكاسب قطاع تكرير النفط والعمليات التجارية، غير أن التدفقات النقدية من العمليات تراجعت في الربع الثالث بنسبة 11% على أساس سنوي إلى 7.58 مليار دولار لتنهي بذلك موجة ارتفاع استمرت ستة أرباع متتالية مع بدء ظهور تأثير إجراءات خفض التكاليف.
وبلغ صافي الربح العائد للمساهمين في الربع الثالث بناء على تكلفة الإمدادات الحالية واستبعاد بنود استثنائية 4.1 مليار دولار مقارنة مع 2.8 مليار دولار في نفس الفترة قبل عام ومتوسط توقعات محللين قدمته الشركة بلغ 3.62 مليار دولار، وعكفت كبرى شركات النفط العالمية على التأقلم مع انخفاض أسعار النفط منذ انهيار الأسعار في عام 2014 عن طريق الخفض الشديد للإنفاق والوظائف وكذلك التخارج من استثمارات، وتستطيع شل ومعظم نظرائها الآن تحقيق أرباح مع وصول سعر النفط إلى نحو 50 دولارا للبرميل وتركز من جديد على تنمية أعمالها، واستأنفت بي.بي إعادة شراء الأسهم بعد توقف دام ثلاثة أعوام في مؤشر على أن إجراءات التقشف آتت ثمارها.
إكسون موبيل
حققت إكسون موبيل ربحا فصليا أقل من المتوقع في الوقت الذي بدد فيه ضعف العمليات في قطاعي الكيماويات والتكرير الدعم الذي تلقته الشركة من ارتفاع أسعار النفط، وهذا هو الربع الثاني على التوالي الذي يتراجع فيه أداء وحدتي إكسون اللتين تنتجان البنزين واللدائن البلاستيكية والمنتجات ذات العلاقة. وعزت إكسون انخفاض الربح في هاتين الوحدتين إلى ضعف الهوامش.
وحققت الشركة ربحا صافيا بلغ 4.7 مليار دولار، أو ما يعادل 1.09 دولار للسهم، مقارنة مع 4.01 مليار دولار، أو 95 سنتا للسهم، في نفس الفترة قبل عام، وكان محللون قد توقعوا أن تحقق الشركة أرباحا قدرها 1.12 دولار للسهم، وقفز ربح الشركة أكثر من 50% في قطاع أنشطة المنبع، الذي ينتج النفط والغاز الطبيعي، فيما يرجع إلى حد كبير إلى صعود أسعار السلع الأولية، لكن في وحدة التكرير بأنشطة المصب هبط الربح 12% وتراجع الربح في وحدة الكيماويات 14% ، وانخفض إنتاج الشركة 6% إلى 3.9 مليون برميل يوميا من المكافئ النفطي.
وذكرت إكسون موبيل، أكبر شركة نفط مدرجة في العالم، إن أرباحها الفصلية قفزت 50% بدعم من ارتفاع أسعار الخام والغاز الطبيعي، وحققت الشركة أرباحا صافية بلغت 3.97 مليار دولار أو 93 سنتا للسهم في الربع الثالث من العام الحالي، مقارنة مع 2.65 مليار دولار أو 63 سنتا للسهم في الفترة ذاتها من العام الماضي، وأضافت إكسون موبيل أن الإعصار هارفي، الذي اجتاح منطقة الساحل الأمريكي على خليج المكسيك، أثر سلبا على الأرباح الفصلية وخصم منها أربعة سنتات للسهم، وارتفع الإنتاج نحو اثنين بالمئة إلى 3.9 مليون برميل من المكافئ النفطي يوميا.
وأعلنت شركة إكسون موبيل النفطية العملاقة ربحا فصليا يقل عن التوقعات فيما يرجع إلى انخفاض الإنتاج وضعف أداء أنشطتها للكيماويات والتكرير، مما دفع أسهمها للهبوط 4.8 بالمئة في التعاملات الصباحية ببورصة وول ستريت، وتسجيل أرباح دون التوقعات أمر نادر لإكسون في الوقت الذي تسعى فيه الشركة لزيادة احتياطياتها في أنحاء العالم في حين تعزز مركزها كأحد أكبر منتجي النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة.
الا إن إكسون حققت صافي ربح بلغ 8.4 مليار دولار، أو 1.97 دولار للسهم، في الربع الأخير من العام الماضي بالمقارنة مع 1.7 مليار دولار، أو 41 سنتا للسهم، في نفس الفترة قبل عام، وسجلت الشركة مكاسب غير نقدية بقيمة 5.9 مليار دولار مرتبطة بالتعديلات التي أُجريت مؤخرا على النظام الضريبي في الولايات المتحدة. وبدون التعديلات الخاصة بإصلاح حساب الضرائب فإن إكسون كانت ستتكبد خسارة في الولايات المتحدة.
كما بينت إن احتياطياتها من النفط والغاز قفزت 19 في المئة العام الماضي، بفضل نمو في الولايات المتحدة ودولة الإمارات العربية وجيانا، ويأتي تحديث بيانات الاحتياطيات، الذي تطلبه سنويا الجهات التنظيمية المختصة في الولايات المتحدة، وإنها قد أضافت 2.7 مليار برميل من المكافئ النفطي إلى احتياطياتها المؤكدة العام الماضي، ليبلغ إجمالي الاحتياطيات 21.2 مليار برميل. والاحتياطيات المؤكدة هي تلك التي تعتبر ذات جدوى اقتصادية وجغرافية للإنتاج في المستقبل القريب، وفي ولاية تكساس الأمريكية، حيث يوجد مقر إكسون، دفعت الشركة أكثر من ستة مليارات دولار العام الماضي لمضاعفة رقعتها في حوض بارميان، أكبر حقل نفطي في الولايات المتحدة. وإن ذلك الاتفاق للنفط الصخري أضاف أكثر من 800 مليون برميل من المكافئ النفطي إلى الاحتياطيات، وفي دولة الإمارات العربية أضافت إكسون 800 مليون برميل أخرى من المكافئ النفطي إلى احتياطياتها من العمليات في حقل زاكوم العلوي، وفي جيانا، حيث لم تضخ إكسون وهيس وشركاء آخرون النفط حتى الآن، وإنها وشركاءها عثروا على موارد قابلة للاستخراج تقدر بواقع 3.2 مليار برميل من المكافئ النفطي تشمل احتياطيات مؤكدة وموارد أخرى.
توتال تعزز من نموها المستهدف ليصل الى 5% سنوياً
مددت شركة توتال الفرنسية للنفط والغاز نموا مستهدفا لإنتاجها النفطي قدره 5% في المتوسط حتى 2022 وإنها تعتزم التركيز على مشاريع منخفضة التكلفة مع استمرار تقلبات أسعار النفط، وأضافت الشركة أنها تستفيد من بيئة التكلفة المنخفضة الحالية في القطاع للموافقة على مشاريع ذات عوائد مرتفعة وإضافة موارد ستسمح بزيادة الإنتاج للوفاء بمستوى مستهدف قدره 3 ملايين برميل يوميا بحلول 2019، وأبلغ باتريك بويان الرئيس التنفيذي لتوتال مستثمرين في لندن ”قبل ثلاثين شهرا كنا في أجواء الحفاظ على ما هو قائم. اليوم نريد أن ننمو“، وأكدت الشركة هدفها لتحقيق نمو في الانتاج بنسبة 5% سنويا في المتوسط في الفترة من 2014 إلى 2020 وإنها تمدد ذلك الهدف إلى 2022، وأضافت أنها تخطط للموافقة على 13 مشروعا بنهاية 2018 ستضيف مجتمعة حوالي 700 ألف برميل من المكافيء النفطي إلى انتاجها بحلول 2020، وإن ارتفاع صافي الربح المعدل لشركة توتال الفرنسية العملاقة للنفط والغاز 28% في 2017 إلى 10.6 مليار دولار مما مكنها من الإعلان عن خطط لمكافأة المساهمين عبر زيادة التوزيعات وإعادة شراء أسهم، وتخطط توتال لإجراء استحواذات بنحو ملياري دولار في 2018 وأن الشركة ستعود إلى وضعها الطبيعي فيما يتعلق بالتوظيف بعد تجميد التعيينات لثلاث سنوات.
وزاد صافي ربح توتال في الربع الأخير من 2017 بنسبة 19% إلى 2.9 مليار دولار مقارنة مع متوسط توقعات المحللين البالغ 2.8 مليار دولار. وبلغ إنتاج النفط 2.613 مليون برميل من المكافئ النفطي يوميا مقارنة مع متوسط التوقعات البالغ 2.649 مليون برميل يوميا، وكافأت توتال المساهمين بزيادة قدرها 10% في توزيعات الأرباح على مدى ثلاث سنوات. وسيرتفع التوزيع المرحلي لعام 2018 بنسبة 3.2% وتخطط الشركة لإعادة شراء أسهم بقيمة تصل إلى خمسة مليارات دولار على مدى الفترة بين 2018 و2020.
إن الوضع الحالي يسير كما تشتهي سفن هذه الشركات، ويبدو أنها بأتجاه تعويض خسائرها السابقة والناجمة عن التدهور الذي حصل في أسعار النفط، وهذا ماسيساعدها في وضع ستراتيجيات مستقبلية جديدة ويعزز موقفها التفاوضي مع الدول النفطية والعالم مما يقوي ويدعم موقعها السوقي والانتاجي بالشكل الذي يبقيها داخل اطار المنافسة من جديد، هذا من جهة ومن جهة أخرى فأن زيادة ارباح هذه الشركات سيمكنها من عقد اتفاقيات جديدة مما يسهم في زيادة انتشار هذه الشركات فضلاً عن استمرار ارباحها والهدف الرئيس الذي تسعى اليه هذه الشركات وان كان على حساب الدول المنتجة للنفط.