أردوغان وانقلاب الاقتصاد التركي

إيهاب علي النواب

2018-08-01 06:48

يعيش الاقتصاد التركي منذ فترة حالة من التقلبات على المستوى السياسي انعكست بشكل واضح على الوضع الاقتصادي التركي، سيما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة ضد الرئيس ارودغان وماتبعها من أثار سلبية على الواقع السياسي، اذ يمر الاقتصاد التركي بحالة من التموج السلبي بسبب تباطؤ نمو الاقتصاد وارتفاع حجم الديون والانخفاض الذي أصاب الليرة التركية مؤخراً مما سبب المخاوف لدى المستثمرين بأن ما يمر به الاقتصاد التركي ليس مجرد دورة اقتصادية وإنما حالة من الركود الذي قد يستمر حتى بعد فوز الرئيس أرودغان بالرئاسة مرة أخرى.

إردوغان يعد بالتصدي لمشاكل الاقتصاد

صرح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه سيعلن تشكيلة حكومته مؤكدا تعهده بالتصدي لما وصفها ”بالمشكلات الهيكلية“ في اقتصاد البلاد، وفي أول خطاب له بالبرلمان منذ انتخابه لفترة أخرى يوم 24 يونيو حزيران، بين إردوغان إن تركيا ستبدأ عهدا جديدا بعد أدائه القسم الرئاسي، وخرج إردوغان منتصرا من أكبر تحد انتخابي واجهه على مدى 15 عاما مما منحه صلاحيات تنفيذية واسعة كان يسعى لها منذ وقت طويل ليحكم بذلك قبضته على السلطة في البلد الذي يعيش فيه 81 مليون نسمة حتى عام 2023 على الأقل.

ووفقا للتعديلات التي أجريت، سيتم إلغاء منصب رئيس الوزراء وسيختار إردوغان وزراءه وسيتولى تنظيم عمل الوزارات وكما يمكنه صرف موظفين من الخدمة دون الحاجة لموافقة البرلمان، كما سيتعامل مع أسعار الفائدة المرتفعة والتضخم والعجز الكبير في المعاملات الجارية. وفي ذات السياق أفاد معهد الإحصاء التركي إن مؤشر الثقة في اقتصاد البلاد تراجع 4.9 بالمئة على أساس شهري إلى 93.5 نقطة في مايو أيار، ليواصل تراجعه من أعلى مستوى في خمسة أشهر الذي سجله في يناير كانون الثاني، وتشير قراءة المؤشر إلى توقعات اقتصادية متفائلة حين تتجاوز المئة بينما تشير إلى توقعات متشائمة حين تقل عن هذا المستوى. وبلغت قراءة المؤشر 104.9 في يناير كانون الثاني.

المركزي التركي يبقي أسعار الفائدة دون تغيير مخالفا التوقعات

أبقى البنك المركزي التركي على أسعار الفائدة دون تغيير ، مخالفا التوقعات التي تنبأت برفعها بعد صعود التضخم لأعلى مستوى في 14 عاما في يونيو حزيران، في خطوة من المرجح أن تزيد قلق المستثمرين بشأن اتجاه السياسة النقدية، وأبقى البنك على سعر إعادة الشراء (ريبو) لأجل أسبوع عند 17.75 بالمئة. وتوقع 15 من بين 16 خبيرا اقتصاديا استطلعت رويترز آراءهم زيادة أسعار الفائدة، وكان الخيار الأرجح هو رفع الفائدة بما يتراوح بين 100 و125 نقطة أساس.

وانخفضت الليرة، التي خسرت نحو 20 بالمئة من قيمتها منذ بداية العام الجاري، إلى 4.91 مقابل الدولار بعد القرار من 4.7605 قبله مباشرة، وتضررت الليرة جراء مخاوف من تأثير الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على السياسة النقدية بعد أن حصل على سلطات تنفيذية واسعة في يونيو حزيران، وبشأن قدرة المركزي على كبح جماح التضخم، وبلغ التضخم أعلى مستوياته في 14 عاما في يونيو حزيران مسجلا 15.39 بالمئة، في الوقت الذي أدى فيه نزول الليرة إلى ارتفاع أسعار الأغذية وغيرها من السلع.

وزاد البنك المركزي أسعار الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس منذ أواخر أبريل نيسان في مسعى لدعم العملة. ويريد إردوغان خفض تكاليف الاقتراض لتحفيز الإقراض وعمليات البناء الجديدة، وأثار قلق المستثمرين بدعواته لخفض أسعار الفائدة، يذكر أن الرئيس التركي عين زوج ابنته براءت ألبيرق في منصب وزير الخزانة والمالية، مما أذكى المخاوف بشأن آفاق السياسة النقدية.

وزير المالية: نسعى لمكافحة التضخم وإعادة موازنة الاقتصاد

في بيان صادر بعد أول اجتماع لمجلس الوزراء الجديد ، صرح وزير المالية إن تركيا ستضع برنامجا متوسط الأجل سيتضمن معطيات من الأطراف المعنية بمكافحة التضخم. وأضاف أن السياسة المالية والميزانية ستوضعان على أساس هذا البرنامج، وأضاف أنه سيتم وضع خطة واضحة بهدف (مكافحة) التضخم مع استشارة جميع الأطراف المعنية بالاقتصاد وسيتم إعلانها في البرنامج المتوسط الأجل، وإن الخطة ستحافظ على استقرار الأسعار في الأمد المتوسط عبر خفض معدل التضخم إلى خانة الآحاد في فترة زمنية قصيرة، كما وضح بأن الإنفاق في الميزانية سيصبح أكثر كفاءة وسيتم التحكم فيه على نحو أكثر فعالية.

وقد أظهرت إحصاءات رسمية أن معدلات التضخم في تركيا ارتفعت في أيار/مايو، ما يضع مزيدا من الضغوط على البنك المركزي لرفع معدلات الفائدة مجددا وسط مخاوف ازاء قوة الاقتصاد، وقبل ثلاثة أسابيع على الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في 24 حزيران/يونيو، التي يرتقب ان تعزز سلطات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ارتفعت أسعار الاستهلاك 12,15 بالمئة في أيار/مايو بالمقارنة مع الشهر نفسه العام الماضي، بحسب ما أعلن معهد الاحصاءات التركي، وبلغ التضخم 10,85 بالمئة في نيسان/ابريل الفائت، ويثير المستثمرون مخاوف من عدم اتخاذ الحكومة التركية اجراءات كافية لمواجهة التضخم وسط إشارات على تدهور الاقتصاد، خصوصا بعد أن فقدت الليرة التركية 20 بالمئة من قيمتها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة.

ونهاية الشهر الفائت، أعلن المصرف المركزي التركي رفع معدلات الفائدة الرئيسية واستكمال اجراءات تبسيط السياسة النقدية. وأدى ذلك لاستعادة الليرة 0,7 من قيمتها أمام الدولار، لتسجل 4,6 امامه، كما أفادت وكالة موديز التي خفضت بالفعل تصنيف تركيا إلى "بي ايه 2" في آذار/مارس الفائت، إنها تجري تقييما يمهد لاحتمال تخفيض جديد جراء عدم اليقين السائد بشأن مستقبل السياسة الاقتصادية في تركيا. وأشارت الوكالة للمخاوف السائدة حيال إدارة الاقتصاد وتآكل ثقة المستثمرين، الا إن إن مؤسسة كابيتال إيكونوميكس للابحاث ومقرها لندن بينت هي الأخرى إن الارتفاع الحاد في التضخم من غير المرجح أن يؤدي لزيادة جديدة في معدلات الفائدة.

سندات تركيا تواصل الانخفاض وتكلفة التأمين على الديون تقفز

عدلت وكالة موديز للتصنيف الائتماني توقعاتها للنمو التركي في عام 2018 إلى 2.5 بالمئة من توقعاتها السابقة البالغة أربعة بالمئة، في الوقت الذي يؤثر فيه ارتفاع أسعار النفط وانخفاض قيمة الليرة سلبا على النمو الكلي في النصف الثاني من العام، ومن جهة أخرى واصلت السندات السيادية التركية المقومة بالدولار انخفاضها وانخفض الإصدار المستحق في 2045 بمقدار 4.3 سنت إلى 87.2 سنت وفقا لبيانات تريد ويب، وتراجع إصدار السندات الدولية استحقاق 2038 بواقع 3.9 سنت إلى 95.87 سنت، وارتفع متوسط فارق العائد المستحق على سندات تركيا الدولارية فوق سندات الخزانة الأمريكية على مؤشر جيه.بي مورجان 26 نقطة أساس.

وينتاب القلق المستثمرين جراء غياب محمد شيمشك نائب رئيس الوزراء السابق الذي يُنظر إليه كمؤيد لاقتصاد السوق عن التشكيل الوزاري، وحقيقة أن الرئيس إردوغان سيتولى تعيين محافظ البنك المركزي وأعضاء لجنة السياسة النقدية، وارتفعت تكلفة التأمين على الانكشاف على الدين السيادي التركي بقوة، وقفزت عقود مبادلة مخاطر الائتمان التركية لخمس سنوات 22 نقطة أساس بالمقارنة مع اخر موعد للاغلاق إلى 297 نقطة أساس وهو أعلى مستوى الماضي وفقا لبيانات آي.اتش.اس ماركت.

الا إن أكدت تركيا أنها تعمل على معالجة مخاوف الأسواق المالية حيال اقتصادها، بعدما أعلنت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أنها قد تعمد الى خفض التصنيف لجهة قدرة الحكومة التركية على سداد ديونها، اذ تخيم المخاوف الاقتصادية على الانتخابات مع تعرض الليرة لضغط مستمر أدى الى فقدانها اكثر من 10 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار الشهر الماضي وحده، مع تزايد عجز الحساب الجاري وارتفاع التضخم.

من جهته أكد نائب رئيس الوزراء التركي محمد شيمشك بعد اعلان موديز "نحن نعالج مخاوف السوق عبر إجراءات موثوق بها"، وأوضح أن هذه الإجراءات تتضمن سياسة نقدية "مشددة ومبسطة"، وسياسة مالية مشددة وتسريع وتيرة الإصلاحات بعد الانتخابات، لكن وكالة موديز أشارت إلى أن "عدم اليقين المتزايد" حول مستقبل توجهات السياسة الاقتصادية مع اقتراب الانتخابات "يرفع مخاطر الضغوط الشديدة على ميزان المدفوعات التركي"، وإن "التآكل الأخير" لثقة المستثمرين سيستمر إذا لم تتبن أنقرة "اجراءات موثوقا بها" بعد الانتخابات، كما حذّرت من أن "الخطر يزداد بسبب ازدياد مكامن الضعف الاقتصادي والمالي في موازاة وضع سياسي يصعب توقع نتائجه وارتفاع في معدلات الفائدة".

من هذا نفهم أنه حتى في ظل فوز أردوغان بالرئاسة ، فأن سيواجه كم هائل من المشاكل الاقتصادية التي يرى فيها البعض أنها قد تستمر لفترة ما بعد الانتخابات ، في حين يرى البعض إن ما يحصل في تركيا هو مؤامرة سياسية القصد منها إضعاف شعبية أرودغان سيما بعد ما قام به من تعديلات دستورية تضمن بقاءه، وبالتالي فأن أفضل حل من أجل ازاحة أردوغان، سيما بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية يتمثل في زعزعة الاقتصاد التركي كما يحصل الأن في إيران في سيناريو مشابه تقريبا لذلك، وبالتالي فعلى أردوغان أن يعّي بأن الوضع في تركيا لن يعود الى سابقه وان حجم الانتصارات التي حصدها مؤخراً على المستوى الشعبي المحلي والعالمي قد بدأ بالزوال وان طريق الاصلاحات سيكون هو الطريق الوحيد أمامه لإعادة توازن اقتصاد تركيا من جديد.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا