صراع الاقطاب التجارية هل ينذر بحرب اقتصادية عالمية
إيهاب علي النواب
2018-07-21 07:53
أظهرت الايام الاخيرة مدى جدية الولايات المتحدة الاميركية فيما يتعلق بأستخدام التعريفة الكمركية من أجل جعل الاقتصاد الامريكي بحسب رؤية ترامب، الأمر الذي أثار حفيظة دول العالم سيما تلك الدول التي تربطها علاقات تجارية كبيرة كالصين والاتحاد الاوروبي، ويبدو أن الموضوع قد تفاقم بعد تطبيق سياسة التعريفة الكمركية للولايات المتحدة للكثير من المنتجات القادمة من الخارج، وهذا ما دفع العديد من الدول للاجتماع واللقاء من أجل أتخاذ خطوات مقابلة للرد على الولايات المتحدة.
حيث ذكرت منظمة التجارة العالمية، في تقرير عن القيود التجارية بين دول مجموعة العشرين، إن الحواجز التجارية التي أقامتها اقتصادات كبرى قد تعرض للخطر تعافي الاقتصادي العالمي، حيث بدأت آثارها في الظهور بالفعل، وأضاف روبرتو أزيفيدو المدير العام للمنظمة بأن هذا التصعيد المتواصل يشكل تهديدا خطيرا للنمو والتعافي في جميع الدول، وبدأنا نرى أن هذا انعكس في بعض توقعات النشاط الاقتصادي“.
وأظهر تحليل منظمة التجارة العالمية أن دول مجموعة العشرين فرضت 39 قيدا جديدا على التجارة أو ضعفي القيود التي فرضتها في الفترة المماثلة السابقة، مما أثر على التجارة في الحديد والصلب ومنتجات البلاستيك والمركبات، ولم يشر تقرير منظمة التجارة إلى أي دولة بالاسم، لكن منذ بداية العام الحالي أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سلسلة من الرسوم الجمركية لمعاقبة ما يعتبرها تجارة غير عادلة من جانب حلفاء ومنافسين تجاريين على السواء.
بنك أوف أمريكا
بين خبراء لدى بنك أوف أمريكا ميريل لينش إن المستثمرين سحبوا أموالا من أسهم الأسواق الناشئة والأوروبية مع التأثير السلبي للمخاوف بشأن حرب تجارية، وصرح البنك إن نحو 24 مليار دولار سُحبت من صناديق الأسهم الأوروبية و13 مليار دولار من أسهم الأسواق الناشئة في الأسابيع الثمانية الفائتة في الوقت الذي كثفت فيه الولايات المتحدة هجومها على شركائها التجاريين الرئيسيين، حيث وفرضت واشنطن رسوما على واردات صينية بقيمة 34 مليار دولار وردت بكين بالمثل، وحذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أن الولايات المتحدة ربما تستهدف فرض رسوم على سلع صينية تزيد قيمتها عن نصف تريليون دولار في نهاية المطاف، كما سحب المستثمرون نحو 2.9 مليار دولار من الأسهم الأوروبية، ليستمر نزوح التدفقات من أسهم أوروبا للأسبوع السابع عشر على التوالي، فيما خسرت صناديق أسهم الأسواق الناشئة مليار دولار لتواصل تكبد خسائر للأسبوع السابع على التوالي.
الفصل بين فرنسا وألمانيا تجارياً
اعتبر وزير المالية الفرنسي برونو لو مير أن الولايات المتحدة تريد "الفصل بين فرنسا وألمانيا" في مسألة التجارة الدولية، داعيا أوروبا إلى "التكاتف" في إطار "حرب تجارية"، وصرّح لو مير أثناء لقاءات اقتصادية في اكس ان بروفانس في جنوب غرب فرنسا أن "المسألة ليست معرفة ما اذا ستحصل حرب تجارية أم لا. فالحرب التجارية قد بدأت" داعيا الافرقاء الاوروبيين الى التحلي بـ"الوعي".
واضاف "في ظلّ هذه العولمة، يجب أن تتكاتف الدول الاوروبية، لأن ما يريده شركاؤنا أو أخصامنا، هو الفصل بيننا. ما تريده الولايات المتحدة هو الفصل بين فرنسا وألمانيا في مسألة التجارة"، وقد يتفاقم هذا النزاع التجاري الذي يأتي بعد فرض واشنطن رسوما جمركية على واردات الصلب والالمنيوم. اذ ان الرئيس الأميركي دونالد ترامب هدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 20% على السيارات المستوردة من الاتحاد الاوروبي، وتابع لو مير "في حال فرض رسوم على قطاعات اقتصادية أخرى، كقطاع السيارات، ردنا يجب أن يكون موحدا وقويا لجعلهم يفهمون أن أوروبا أيضا هي قوة اقتصادية سيادية"، وحذر "اذا تعرضنا لهجوم، سنتصرف بشكل جماعي وبحزم". وأضاف "لا يمكننا فهم كيف يتم الاعلان عن حرب تجارية بين حلفاء، بين الشعبين الأميركي والأوروبي".
من جهتها أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل "استعدادها" للتفاوض بشأن خفض الرسوم على السيارات، ردا على اقتراح تقدمت به واشنطن للشركات الألمانية المصنعة ما افسح المجال لسيناريو جديد للخروج من النزاع التجاري، ولا يصب تصريح المستشارة في اطار المفاوضات التجارية الرسمية مع الولايات المتحدة التي تجريها عادة المفوضية الأوروبية التي سيتوجه رئيسها جان كلود يونكر إلى واشنطن.
واشنطن وبكين تدخلان في حرب تجارية
دخلت الولايات المتحدة والصين في حرب تجارية مع بدء تطبيق رسوم جمركية أميركية على ما قيمته عشرات مليارات الدولارات من المنتجات الصينية وهو ما أعلنت بكين انها "مضطرة لرد ضروري" عليه وذلك رغم التحذيرات والقلق في الاسواق المالية، وتبلغ نسبة هذه التعرفات 25% على ما قيمته 34 مليار دولار من 818 صنفا من البضائع الصينية من بينها سيارات وقطع تدخل في صناعة الطائرات او الاقراص الصلبة لاجهزة الكمبيوتر لكنها تستثني الهواتف المحمولة او التلفزيونات.
وردت بكين على الفور انها "مضطرة لاتخاذ اجراءات ضرورية للرد". وأعلنت وزارة التجارة في بيان ان "الولايات المتحدة انتهكت قواعد منظمة التجارة العالمية وأطلقت أكبر حرب تجارية في التاريخ الاقتصادي حتى اليوم"، وتابع بيان الوزارة ان "الصين تعهدت ألا تكون المبادرة منها لكنها مضطرة الى رد ضروري من أجل الدفاع عن المصالح الاساسية للبلاد والشعب"، ومع ان الوزارة لم تحدد طبيعة تلك الاجراءات الا ان بكين كانت تعهدت قبلا اتخاذ اجراءات مماثلة عبر فرض رسوم موازية على منتجات تستوردها من الولايات المتحدة.
ومن المفترض ان تشمل الرسوم الصينية منتجات زراعية مثل الصويا المرتبطة الى حد كبير بالسوق الصينية وقطاع السيارات وايضا مأكولات بحرية، وستشمل الرسوم الاميركية ما مجمله 50 مليار دولار من الواردات الصينية من أجل التعويض على ما تقول ادارة ترامب انه "سرقة" للملكية الفكرية والتكنولوجية الاميركية.
وكان ترامب اشار الى حزمة ثانية من الضرائب على ما قيمته 16 مليار دولار من الواردات الصينية لا تزال قيد الدرس لدى الممثل الاميركي للتجارة روبرت لايتهايزر ومن المفترض ان تدخل حيز التنفيذ "في غضون اسبوعين"، وتعتزم بكين ايضا فرض رسوم على ما مجمله 50 مليار دولار من الواردات الاميركية، كما أعرب ترامب عن استعداده لفرض ضرائب على ما قيمته 200 مليار دولار من المنتجات الاضافية "اذا زادت الصين تعرفاتها من جديد" ردا على الاجراءات الاميركية.
وبالتالي فان تلك الاجراءات سترفع الى 450 مليار دولار قيمة المنتجات الصينية التي ستخضع الى ضرائب اي الغالبية الكبرى من من الواردات من العملاق الاسيوي (505,6 مليار دولار في 2017)، ويحذر الخبراء منذ اشهر من اضرار محتملة لمواجهة تجارية مماثلة ليس فقط على صعيد الاقتصاد الاميركي بل ايضا على صعيد الاقتصاد العالمي، وكانت المؤسسات الاميركية أبلغت الاحتياطي الفدرالي بانها بدات تشعر بوطأة الرسوم من خلال زيادة في الاسعار و"تراجع او ارجاء في مشاريع الاستثمارات بسبب القلق المحيط بالسياسة التجارية"، بحسب ما أعلن المصرف المركزي الاميركي في خلاصة اجتماعه الاخير.
وفي تحليل بعنوان "المقاربة السيئة" قدرت غرفة التجارة الاميركية "بنحو 75 مليار دولار" قيمة الصادرات التي ستتأثر حتى الان باجراءات الرد من قبل الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وذكرت خصوصا ست ولايات هي الاباما وميشيغن وبنسلفانيا وكارولاينا الشمالية وتكساس وويسكونسن والتي كانت كلها صوتت لصالح ترامب في الانتخابات الرئاسية في 2016.
الا ان الرئيس الاميركي تجاهل تلك التحذيرات موضحاً إن "الاقتصاد "لربما في أفضل حالاته" حتى "قبل تعديل بعض أسوأ الاتفاقيات التجارية وأكثرها اجحافا التي تبرمها أي دولة على الإطلاق"، وتحت شعار "أميركا أولا"، استهدف ترامب كذلك شركاء تجاريين تقليديين آخرين للولايات المتحدة على غرار الاتحاد الأوروبي واليابان والمكسيك وحتى كندا.
ورداً على الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على واردات الصين، بدأ المارد الصيني يعد العدة للحرب التجارية أمام نظيره الأمريكي. ابتداء من المنتجات الأمريكية التي تغزو الأسواق الصينية وصولا إلى الدين الأمريكي الذي يصل إلى 1200 مليار دولار.
الصين تعزز علاقاتها التجارية مع شرق أوروبا
كما هذا اتخذت الصين خطوات مضادة تشمل تعزيز علاقاتها مع شركاء تجاريين مع شرق اوروبا وهو مااثار حفيظة الاتحاد الاوروبي، اذ سيعرض رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ على زعماء دول وسط وشرق أوروبا تعزيز العلاقات التجارية خلال لقاء قمة في العاصمة البلغارية صوفيا في الوقت الذي يسعى فيه لطمأنة الاتحاد الأوروبي على أن بكين لا تحاول إثارة انقسام في القارة الأوروبية، وتتزامن مشاركة لي في اجتماع قمة ”16 زائد واحد“ مع تصاعد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة. وسيحاول لي أيضا تبديد شكوك متزايدة بين بعض المشاركين في قيمة هذه الاجتماعات السنوية، ووعدت الصين بتقديم مليارات الدولارات من أجل مشروعات التنمية في المنطقة في إطار استراتيجيتها المعروفة باسم الحزام والطريق لفتح أسواق تصدير جديدة.
وتحتاج الصين لدعم الاتحاد الأوروبي في معاركها التجارية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ومن المتوقع حضور أكثر من 250 شركة صينية و700 رجل أعمال من وسط وشرق أوروبا منتدى اقتصاديا إلى جانب اجتماع القمة سعيا لإبرام اتفاقيات في مجالات التجارة والتكنولوجيا والبنية الأساسية والزراعة والسياحة.
وعلى صعيد أخر وقعت ألمانيا والصين عددا من الاتفاقات التجارية بقيمة تصل إلى 20 مليار يورو (23.51 مليار دولار) وجدد زعيما البلدين التزامهما بالنظام التجاري العالمي المتعدد الأطراف، وتشمل الاتفاقات شركات صناعية عملاقة مثل سيمنس وفولكسفاجن، كما شملت الاتفاقيات تخطيط بي.إم.دبليو للحصول على خلايا بطاريات من أمبيريكس الصينية بأربعة مليارات يورو (4.7 مليار دولار) خلال السنوات القليلة القادمة.
في ذات الوقت دعا رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ برلين إلى إزالة حواجز تعوق استثمار الشركات الصينية في أوروبا، وحث الشركات الألمانية على ”ألا تخشى“ التعاون مع نظيرتها الصينية، لكن مسؤولين أوروبيين قلقون من فورة في عمليات الاستحواذ لشركات صينية في أوروبا، مع خشيتهم من أن تفقد أوروبا تفوقها في المعرفة والتكنولوجيا. واقترح الاتحاد الأوروبي وألمانيا آليات جديدة لمنع استحواذات صينية في قطاعات استراتيجية.
الا ان مع كل هذا تبدو الصورة ضبابية بعض الشيء، فقد تغير الولايات المتحدة سياستها الجديدة في حال اذا ماحصلت على ما تريد، ويرى البعض عكس ذلك في إن الولايات المتحدة تسعى لاستخدام سياسة (فرق تسد) ولكن اقتصادياً كوسيلة ضغط جديدة بديلة عن السياسة كونها تعلم ان مواقفها واسلوبها لم يعد يجدي نفعاً، وبالتالي تجد في التجارة والاقتصاد الطريق الجديد لتحقيق مساعيها.