تقلبات النفط الإيراني: بين تهديدات ترامب وتمسك أوروبا
عبد الامير رويح
2017-10-23 04:30
تحركات وتصريحات الرئيس الامريكي دونالد ترامب، الذي لوح بعقوبات جديدة ضد ايران و الغاء الاتفاق النووي مع إيران، اثارت بشكل كبير وكما نقلت بعض المصادر، مخاوف المشترين المحتملين للنفط الإيراني، على الرغم من أن الإمدادات المتجهة إلى أوروبا من المرجح بشدة بقاؤها كما هي من دون تعطل. ومن المرجح أن يتخذ الرئيس الأمريكي المنتخب الرئيس تارمب خطوة كبيرة ضد اتفاق إيران النووي في نهج أكثر تشددا ضد أنشطة إيران في الشرق الأوسط، وأي زيادة كبيرة في العقوبات ستعيد سوق النفط إلى الوضع الذي كانت عليه في بداية هذا العقد عندما كانت واشنطن تتبنى موقفا متشددا إزاء إيران في الوقت الذي ظل فيه الاتحاد الأوروبي يسمح بالتجارة مع طهران قبل أن يعزز العقوبات في عام 2012.
وخفف الاتحاد الأوروبي العقوبات العام الماضي في إطار اتفاق نووي أوسع نطاقا ليمهد بذلك الطريق أمام طهران لتعزيز تجارة النفط وجذب استثمارات بمليارات الدولارات، وشكك محللون ايضا في قدرة الاقتصاد الإيراني على الصمود أمام التلويح بعقوبات جديدة من قبل الإدارة الأمريكية، مؤكدين أن تلك العقوبات ستكون لها انعكاسات سلبية على أداء كثير من القطاعات وأبرزها الاستثمار والنفط والمصارف. وأوضحوا أن إعادة فرض عقوبات أمريكية جديدة على إيران، سيجعل كثيرا من الشركات العالمية التي كانت مندفعة نحو الاستثمار في طهران تراجع توجهاتها للاستثمار في السوق الإيرانية.
وقال أليكس بيرد رئيس وحدة النفط بشركة جلينكور ”إذا لم تصدق الولايات المتحدة على الاتفاق النووي وزاد التوتر فمن غير المحال بعد ذلك أن يقول بعض الناس: حسنا هذا أمر لا ينبغي أن أقحم نفسي فيه“. وأضاف أن التعامل مع إيران أمر معقد بما فيه الكفاية من دون أي عقوبات أمريكية جديدة بسبب عدم وجود تسوية بالدولار حيث إن النظام المصرفي العالمي حساس للرأي الأمريكي بشأن التعامل مع إيران.
واستأنفت جلينكور وفيتول التعامل مع إيران العام الماضي. وتحتل الشركتان المرتبتين الثانية والأولى بين شركات تجارة النفط على مستوى العالم. وقال الرئيس التنفيذي لفيتول ايان تايلور إنه يتوقع أن تصبح التعاملات مع إيران أكثر تعقيدا على الرغم من أن عددا صغيرا من المؤسسات المالية سيظل يسهل التجارة. وأضاف ”إذا قرر ترامب عدم التصديق (على الاتفاق النووي)... سيكون هناك بعض الأثر لكنني لا أعتقد أن الأوروبيين سيحذون حذوه، ومن ثم فمن المحتمل أن يكون الأثر محدودا“.
من جانب اخر توقع وزير النفط الإيراني، بيجن زنغنه، ألا تؤثر تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على أسعار النفط. وقال "لا أعتقد بأن هذه التصريحات ستؤثر بشكل حاسم على أسعار النفط". وأضاف أن تصريحات ترامب كانت متوقعة إلى حد ما، ولكن "نأمل بأننا سنكون قادرين على الاستمرار بأجندتنا، استنادا إلى الجدية والحزم اللذين شهدناهما لدى الأوروبيين والآسيويين، وسنحقق النتائج إن شاء الله". وفي حال أعادت أمريكا فرض عقوبات على طهران، يتوقع أن ترتفع الأسعار بشدة، وتزيد نسبة البطالة عن 15%.
ونقل الموقع الإخباري لوزارة النفط الإيرانية (شانا) عن وزير النفط قوله إن إيران مستعدة للتعامل مع شركات النفط والغاز الأمريكية. وقال زنغنه مشيرا إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “تستطيع الشركات الأمريكية المجئ إلى إيران والاستفادة، وذلك لن يزعج السيد ترامب. ”إنهم (الولايات المتحدة) وضعوا عراقيل أمام الشركات الأمريكية التي تريد أن تأتي إلى إيران“. ”ليس لدينا أي قيود للعمل أو التفاوض مع الشركات الأمريكية بهدف تطوير موارد النفط والغاز في إيران. إذا أرادوا، فإننا مستعدون للتفاوض معهم غدا“.
وكان ترامب، أعلن أن إيران لم تلتزم بروح الاتفاق مع "السداسية"، مشيرا أن " ايران هي الدولة الرئيسية الممولة للإرهاب وتساعد القاعدة وطالبان وحزب الله وغيرها من الشبكات الإرهابية". وشدد ترامب على أن أمريكا ستفعل ما بوسعها لكي لا تحصل إيران على أسلحة نووية. كما أن ترامب أعلن أكثر من مرة عن رغبته بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، معتبرا إياه أسوأ اتفاق في تاريخ الولايات المتحدة.
الاستثمارات الأجنبية
وفي هذا الشأن قال وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه إن جذب الاستثمارات الأجنبية لقطاع النفط الإيراني سيظل أحد أهم الأولويات خلال الفترة الثانية للرئيس حسن روحاني. وقال زنغنه خلال مقابلة بُثت على الهواء في التلفزيون الرسمي”جذب الاستثمارات والتكنولوجيا الأجنبية أحد الأولويات بالنسبة لنا في قطاع النفط سواء في الحقول المشتركة أو من أجل زيادة إنتاج النفط في الحقول التي تعمل بالفعل“.
ويُنسب لزنغنه فضل زيادة إنتاج إيران من النفط الخام منذ رفع كثير من العقوبات الدولية العام الماضي في أعقاب اتفاق دولي بشأن البرنامج النووي الإيراني. ووافق البرلمان الإيراني على بقاء زنغنه وزيرا للنفط. وأشيد أيضا بزنغنه لتوقيعه اتفاقا بعدة مليارات من الدولارات مع شركة توتال الفرنسية لتطوير حقل بارس الجنوبي أكبر حقل غاز في العالم.
وستتولى توتال الفرنسية تشغيل الحقل بحصة 50.1 بالمئة، إلى جانب شركة النفط والغاز الصينية المملوكة للدولة سي.إن.بي.سي بحصة 30 بالمئة وشركة بتروبارس التابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية بحصة 19.9 بالمئة. وقالت وزارة النفط الإيرانية في بيان إن تكلفة المشروع ستصل إلى نحو خمسة مليارات دولار ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج خلال 40 شهرا. بحسب رويترز.
وقال زنغنه إن نحو ثلاثة مليارات دولار منها ستخصص لتوفير عمل للشركات الإيرانية. وأضاف أن نحو 27 مرحلة من حقل بارس الجنوبي ستدخل حيز التشغيل بحلول ربيع 2019. وأشار إلى أن إيران تحتاج استثمارات بنحو 200 مليار دولار لإنتاج النفط والغاز وعمليات التطوير والمصافي وإن ما بين 65 و75 بالمئة منها ستأتي من استثمارات أجنبية. وقال إن إيران ستحاول جذب استثمارات أجنبية بقيمة 60 مليار دولار لقطاع النفط بحلول نهاية السنة الفارسية في مارس آذار 2018. وأضاف أن ما لا يقل عن 30 بالمئة من احتياطيات النفط الإيراني البالغة 700 مليار برميل قابلة للاستخراج حاليا.
شحنات تتزايد
على صعيد متصل قالت شركة ناقلات النفط الوطنية الإيرانية، أكبر مشغل لناقلات الخام في البلاد، إن شحناتها إلى أوروبا تتزايد يوميا وإنها تخطط لتحديث أسطولها لدعم التوسع. وقال محمد رضا شمس دولت آبادي رئيس الشؤون الدولية بشركة ناقلات النفط الوطنية الإيرانية إن الشركة تهدف إلى إحلال بعض ناقلاتها القديمة لتحل محلها أخرى جديدة. وأضاف "لدينا خطة لتحديث أسطولنا وشراء سفن جديدة. سنخرج بعض السفن القديمة من الخدمة لكن لن نغير طاقتنا. "لدينا خطة (تجديد) لخمس سنوات، لكننا لا نزال نعمل لاستكمال ذلك".
وتضررت عمليات الشركة أيضا فيما مضى نظرا لصعوبة توفير غطاء تأميني دولي لأسطولها والحصول على الشهادات اللازمة للدخول إلى موانئ كثيرة في العالم. وتستعيد إيران صلاتها مع المشترين في أوروبا منذ رفع العقوبات وتتوقع الشركة أن تلعب دورا أكبر. وقال دولت آبادي "كنا نشطين أثناء فترة العقوبات في السوق الآسيوية، لكننا بدأنا منذ العام الماضي في العودة إلى السوق الأوروبية أيضا. "ترسو سفننا في كثير من الموانئ الأوروبية، ويزداد عدد هذه الشحنات يوما بعد يوم." بحسب رويترز.
وأضاف أن الشركة تخطط أيضا للاستحواذ على ناقلات للغاز الطبيعي المسال لتدخل في نشاط جديد. وقال "نفكر في أسطول (من الناقلات) للغاز الطبيعي المسال في المستقبل". وتابع "تملك إيران أكبر احتياطيات الغاز في العالم. وثمة خطط لإنتاج الغاز المسال في المستقبل. لذا نفكر في لعب دور في شحن هذا المنتج مستقبلا. (سيتم ذلك) في المدى المتوسط، من ثلاثة إلى خمس سنوات".
من جانب اخر قال مسؤول إيراني في قطاع الطاقة إن بلاده مستعدة لإطلاق أول جولة عطاءات للتنقيب عن النفط والغاز منذ تخفيف العقوبات الاقتصادية حيث تأمل طهران في جذب استثمارات من شركات مثل بي.بي وجازبروم. وإيران إحدى الدول التي تحوز احتياطيات كبيرة من الطاقة في العالم، وأبرمت بالفعل صفقات لتطوير حقول قائمة مثل بارس الجنوبي وأزاديجان الجنوبي ويادافاران وغرب كارون ومنصوري وآب تيمور.
وقال رحيم نعمة الله نائب المدير لمناطق التنقيب بشركة النفط الوطنية الإيرانية إن الخطوة القادمة في البحث عن نفط جديد تتمثل في قيام الشركة بطرح 14 منطقة للتنقيب عن النفط والغاز في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر. وتتطلب أنشطة التنقيب في المناطق الجديدة إنفاقا يتراوح ما بين 14 مليون يورو (16 مليون دولار) و80 مليون يورو. وقال نعمة الله إن بي.بي وأو.إم.في النمساوية وجازبروم ولوك أويل وإديسون الإيطالية وبتروناس الماليزية أبدت اهتماما بمناطق التنقيب الجديدة.
فرنسا والصين
الى جانب ذلك ستحاول توتال الفرنسية الكبرى للنفط والغاز المضي قدما في مشروعها للغاز في إيران إذا قررت الولايات المتحدة فرض عقوبات من جانب واحد على طهران، بعدما رفض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يشهد رسميا بأن الجمهورية الإسلامية تلتزم باتفاق نووي تاريخي. وقال باتريك بويان الرئيس التنفيذي لتوتال في مقابلة مع انترناشونال أويل ديلي إن شركته ستدرس تداعيات قرار ترامب، وإذا كانت هناك أي قوانين تلزمها بالانسحاب من إيران، فإنها ستمتثل لها.
وأضاف بويان أن توتال تعكف على تقييم خياراتها وإن الأمر برمته سيعتمد على ما إذا كان الكونجرس الأمريكي سيعيد فرض العقوبات، وما هي نوعية تلك العقوبات. وتوتال هي أول شركة نفطية غربية كبيرة توقع اتفاقا مع إيران لتطوير المرحلة الحادية عشرة من بارس الجنوبي، أكبر حقل للغاز في العالم. وتوتال هي المشغل للمشروع البالغ قيمته خمسة مليارات دولار مع حصة قدرها 50.1 بالمئة. وقال بويان ”وقعنا عقدا في إيران. إذا استطعنا المضي قدما، فسنتقدم. وإذا لم نستطع، فسنتوقف. تلك هي سنة الحياة“.
من جانبه قال الرئيس التنفيذي لبنك الاستثمار الحكومي الفرنسي بي.بي.آي فرانس في مقابلة صحفية إن البنك سيمول مشروعات لشركات فرنسية في إيران اعتبارا من عام 2018 وسيقدم قروضا تصل إلى 500 مليون يورو (589 مليون دولار) سنويا. وقال نيكولا دوفورك لصحيفة لو جورنال دو ديمانش ”ما لم تحول قوة قاهرة دون ذلك فسوف نؤازرهم من بداية 2018. نحن البنك الوحيد الذي يمكن أن يفعل ذلك دون أن يخاطر بالتعرض لعقوبات أمريكية نتيجة مخالفة العقوبات الباقية“.
ورُفعت معظم العقوبات المفروضة على إيران بمقتضى الاتفاق النووي الذي أبرمته مع القوى العالمية الست الكبرى في 2015 مقابل كبح برنامجها النووي مما مهد السبيل لإبرام صفقات تجارية. لكن العديد من البنوك ينأى بنفسه عن التعامل مع إيران خشية انتهاك العقوبات المتبقية دون قصد بما قد يعرضهم لغرامات ضخمة. وبما أن البنك الفرنسي لا يعمل في الخارج، لاسيما الولايات المتحدة، فإنه بمنأي عن أي غرامات محتملة. بحسب رويترز.
وأُعلن عن عدة صفقات إيرانية فرنسية خلال الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني لباريس في يناير كانون الثاني من العام الماضي وتشمل مشروعا مشتركا بين شركة صناعة السيارات الفرنسية بيجو ستروين وشركة إيران خودرو فضلا عن خطط إيرانية لشراء طائرات ايرباص لتحديث أسطولها المتقادم. وشملت الاتفاقات قطاعات البترول والشحن والصحة والزراعة والمياه.
في السياق ذاته منحت هيئة صينية حكومية خط اعتماد بقيمة عشرة مليارات دولار لمصارف إيرانية، بحسب ما أعلن حاكم المصرف المركزي الايراني. ووقعت العقد في بكين مجموعة "سي آي تي آي سي" الاستثمارية ووفد من ممثلي المصارف الإيرانية برئاسة حاكم المصرف المركزي ولي الله سيف. ونقلت صحيفة "إيران ديلي" أن هذه المبالغ ستستخدم في تمويل مشاريع مائية ومشاريع نقل وطاقة. ويشكل التعاون الاقتصادي مع إيران أهمية كبيرة للصين التي تعمل أيضا على تعزيز صلاتها التجارية مع أوروبا وإفريقيا.
والصين حاليا هي أكبر مستورد للنفط الإيراني. وإضافة إلى هذا القرض، وقّع مصرف التنمية الصيني اتفاقا أوليا مع إيران بقيمة 15 مليار دولار لتنفيذ مشاريع بنى تحتية ومشاريع انتاجية أخرى. وقال ولي الله سيف إن هذه الاتفاقات تعكس "رغبة قوية في مواصلة التعاون بين البلدين". وستكون هذه العقود باليورو واليوان وذلك لتجاوز العقوبات الأميركية المستمرة على إيران رغم التوصل إلى اتفاق نووي معها في العام 2015.