القدرة على شراء العقارات وكيفية استثمارها

ندى علي

2017-07-13 05:00

احدى الطرق التي يفضل خبراء الاقتصاد من خلالها اقرار ما اذا كان السوق يسير بصورة صحيحة، اي اذا كان سعر السكن مناسباً ام لا، او اذا كنا نقف على ارض مليئه بالفقاعات، هي البحث في مقاييس القدرة على تحمل تكاليف السكن، فالبنسبة للمشتري العادي كم سيكون الامر مريحاً له من الناحية المادية عندما يشتري عقاراً بأسعار السكن التي هي عليها وقت شرائه؟ لا يوجد مقياس واحد صحيح لقياس القدرة على الشراء لذلك سوف نلقي نظرة على مقاييس من اكثر المقاييس المستخدمه شهرة، بما لها من مميزات وعيوب.

اولاً يمكن ان ننظر الى متوسط سعر المنزل ثم نقارنه بالدخل الذي تحصل عليه الاسرة العادية بعد خصم الضريبة، هذا يعطينا اول مقياس او حساب للقدرة على الشراء (القدرة على تحمل التكاليف)، اي نسبة الدخل الى سعر المنزل.

ثانياً لفهم ذلك هي ان صافي اجر عدد السنوات هو ما تحتاج الاسرة الى كسبه لكي تستطيع ان تشتري بيتاً، تخيل ان هذه النسبة مثلاً (4)، فسيعني ذلك ان الاسرة عليها ان تدخر كل مليم من صافي اجرها للسنوات الاربع التالية لكي تشتري منزلاً بألاسعار الحالية.

سبب هذا القياس الخاص بالقدرة على الشراء والمراقب عن كثب هو ان البنوك غالباً ما تحدد حجم الرهن العقاري الذي تنوي ان تعرضه كقروض للاشخاص والاسر وذلك من خلال النظر الى دخل كل فرد او كل اسرة، لذلك كلما ارتفعت اسعار المنازل نسبةً الى الدخل كلما ازدادت صعوبة الحصول على قرض عقاري، كما ان البنوك تحدد الحد الاقصى للقروض العقارية التي تنوي عرضها نسبة من قيمة المنزل لذلك مثلاً قد لايسمح البنك للعملاء بالاقتراض اكثر من الـــ 75% من قيمة المنزل، او هنالك طريقة اخرى ايضاً وهي ان يطلب البنك من المشتري ان يقدم وديعة فورية بنسبة 25%.

توجد مشكلة في البحث في اسعار المنازل نسبة الى الدخل خاصةً عندما نحاول ان نقرر القدرة على الشراء، ففي حين ان هذا الاسلوب قد يفيد للكشف لنا عن الى اي مدى تبدو اسعار المنازل مرتفعة بالنسبة للمشتري، الا انه لا يكشف لنا قدرة المشتري على تحمل عبئ دفع اسعار الفائدة المقررة على القرض العقاري، والسبب هو ان نسبة سعر المنزل الى الدخل ليس لها علاقة بمستوى اسعار الفائدة فما يفرض على سعر الفائدة قد يبدو معقولاً، ولكنه قد يبدو صعب التحمل اذا ما ازدادت اسعار الفائدة، لذلك فأن هناك مقياس اخر للقدرة على الشراء وهو "نسبة سداد القرض العقاري الى الدخل".

دعنا نوضح ذلك من خلال مثال خلال فترة معين اشترت احدى الاسر التي تحصل على دخل سنوي 50000 جنيه منزلاً يساوي 200000 جنيه بقرض عقاري بنسبة 75% (وبذلك تكون قد قدمت وديعة بنسبة 25%)، وهذا يعني ان ضعف سعر المنزل الى الدخل هو(4) اي (200000جنيه مقسومة على 50000 جنيه)، في الفترة الاولى حدد اسعار فائدة بنسبة 5% وهذا يعني ان الاسرة ستدفع 7500 جنيه كل عام فائدة للبنك (اي 5% من القرض العقاري 150000 جنيه)،اي ان نسبة سداد القرض العقاري الى الدخل ستكون 15%، الان تخيل ان اسعار الفائدة انخفضت فجاءة الى النصف من 5% الى2.5% سيؤدي ذلك الى ان تصبح المنازل في متناول من يقترضون من رهن العقاري، هذا ماحدث بالضبط للعديد من اسواق الاسكان خلال التسعينيات وبداية الالفية الثالثة فقد انخفضت اسعار الفائدة الحقيقية التي ادت بعد ذلك الى رفع المستوى الطبيعي لاسعار الاسكان نسبة الى الدخل.

العقارات كأستثمار

ليس كل فرد يشتري عقاراً يقطن فيه، فبعض الناس يشترون المنازل كنوع من الاستثمار على امل ان تتجاوز قيمة المنزل مع الايجار الذي يحصلون عليه من المستأجر الفائدة التي يدفعونها مقابل القرض العقاري الذي حصلوا عليه اساساً لشراء العقار.

وشراء العقار بهدف "تركه" اي عرضه للايجار يطلق عليه اسلوب شراء_ للعرض، ليس كل من يمتلكون عقاراً ويعرضونه للايجار يصبحون مؤجرين بأختيارهم، فالبعض منهم يندرج تحت مسمى "المؤجر العرفي" او صاحب ملك الصدفة، فقد قرروا الانتقال من المنزل ولكنهم لايستطيعون بيعه، لذلك يقررون عرضه للايجار، تعطينا بريطانيا مثلاً جيداً في هذا الشأن،حيث انتشرت اساليب الشراء - للعرض بصورة مكثفة في اواخر التسعينيات وبداية الالفية الثالثة، عرضت البنوك والمؤسسات المالية منح اصحاب الملك (المؤجرين) قروض عقارية بالشراء - للعرض، وهذه العروض كانت منتشرة بصورة كبيرة اثناء فترة الفائض النقدي، والحق يقال ان تلك البنوك والمؤسسات كانت تعمل كشركات تجارية وكانت معرضة لمخاطر كبيرة، فكانت القروض بوجه عام ( ذات اسعار فائدة اكثر ارتفاعاً وبشروط اكثر صرامة) مما لو كانت معروضة للمالك الساكن الذي يشتري عقاراً له لكن هذا الاسلوب ادى بوجه عام الى اسعار فائدة اقل مما هي عليه في الاوقات العادية.

هدف هذا الاسلوب كان اساساً لدعم سوق الايجارات الخاصة التي تقلصت في نهاية المطاف، لكنه ايضاً ادى الى زيادة صارخة في الطلب على العقارات الخاصة التي انتزعت من سوق المالك الساكن ثم عرضت للايجار على يد اصحاب الملك الذين يتبعون اسلوب الشراء – للعرض، هذا الاسلوب ادى الى تدعيم الارتفاع المثير في اسعار العقارات في المملكة المتحدة فيما بين منتصف التسعينات وبداية ازمة الائتمان عام 2007 دون ادنى شك، وقد حدث ذلك كجزء من ظاهرة عالمية اكثر شمولاً حيث ان المسثمرين بعد ان صدمتهم العوائد الهابطة في المجالات الاخرى (مثل الاسهم واسعار الفائدة) شرعوا في البحث عن فرض جديدة لأيجاد عوائد افضل عند استثمارهم لأموالهم، وقد اطلق على هذا الاسلوب "البحث عن العائد" وبهذا الاسلوب كان المستثمرون يتعرضون للمزيد من المخاطر لكي يستطيعوا الحصول على عوائد افضل خلال فترة تتميز بأسعار فائدة منخفضة بشكل عام.

اهمية العقارات بالنسبة للاقتصاد الشامل

احد اسباب استهلاك خبراء الاقتصاد وقتاً طويلاً في تحليل سوق العقارات هو التأثير الذي تتمتع به هذه السوق في الاقتصاد الشامل، فالتطورات التي تحدث في سوق العقارات يمكن ان تؤثر في معدل نمو الاقتصاد، وفي معدل التضخم في الاقتصاد، ونتيجة لذلك فأنها ايضاً تؤثر في سعر الفائدة الذي تحدده البنوك المركزية، اول مسأله يمكن ان نتحث عنها هي ان العلاقة بين سوق العقارات والاقتصاد يمكن اساساً ان تتغير بوجه عام بين الدول وايضاً بمرور الزمن.

هناك علاقة بين نمو اسعار المنازل ومعدل النمو في الانفاق العائلي والشخص بالنظام الاقتصادي (بحيث تم تعديل كل منهما حسب التضخم) خلال فترة زمنية طويلة وهذه العلاقة هي الايجابية التامة بين الاثنين (بمعنى اخر يرتفع كل منهما وينخفض مع بعضهما البعض في نفس الوقت) وكما ان كل من الانفاق واسعار الاسكان يسيران في نفس الاتجاه، لماذا توجد هناك مثل تلك العلاقة القوية بين اسعار الاسكان وزيادة الانفاق ( وبالتالي النمو الاقتصادي)، وهل من المعقول ان نتوقع ان سوق الاسكان (العقارات) هو الذي يدفع ويُسير النظام الاقتصادي، او العكس هو الصحيح؟

تعتمد وجهة النظر التي تؤكد ان الاسكان يؤثر في النظام الاقتصادي عادةً على ظاهرة تسمى "مؤثرات الثروة" عندما ترتفع اسعار المنازل يشعر اصحاب الملكية العقارية بالثراء، حيث ان سعر العقارات الذي اصبح ذا قيمة عالية قد ارتفع، وقد يشعرون بالثقة الزائدة في حالة الاقتصاد وفرص العمل وهذا بدوره يعمل على تشجيعهم على زيادة الانفاق علاوة على ذلك فأن الاسكان عادةً ما يمثل جزءاً هاماً من مدخرات الفرد.

مشكلات الفقاعات وازمة الرهن العقاري

نظراً لأهمية سوق العقارات، عندما تسوء الامور فلابد ان تكون هناك اثار سلبية مفاجئة وخطيرة على النظام الاقتصادي بالكامل، اثناء فترة الصعود يمكن ان ترتفع اسعار العقارات من خلال التوقعات عن ارباح رأس المال بالمستقبل، لكن قد ينتهي بها الامر الى الغلو في الارتفاع كما حدث في بداية ازمة الرهن العقاري، أولئك الذين لم تسمح لهم احولهم المالية ان يكونوا من بين من يقنطون عقاراتهم التي يمتلكونها الا اذا اقترضوا اموالاً ليشتروا بها مساكن.

لقد ضاع مفهوم "القيمة العادلة" او السعر المتوازن لسبب كبرياء المشترين الذين قفزوا على قطار ارتفاع الاسعار، لكن في نهاية الامر تُظهر قوانين الاقتصاد ان الاسعار ستعود في النهاية الى حيث تخبرنا الدوافع الاساسية للعرض والطلب بما يجب ان تكون عليه، وهذا بالضبط ماحدث اثناء الازمة، بدأت اسعار الاسكان في امريكا في الهبوط في نهاية عام 2006.

غالباً ما تسير حالات الركود جنباً الى جنب مع تعديلات اسعار المساكن وهو مايمكن ان يمثل خبراً سيئاً بالنسبة لملاك المنازل خاصة اذا ما اقترضوا بأسراف من اجل شراء منازلهم في المقام الاول، عندما يحصل المشتري على رهن عقاري ضخم نسبةً الى سعر المنزل، لايستغرق هبوط اسعار المساكن فترة طويلة قبل ان يصبح مايدينون به اعلى من قيمة المنزل، وهذا مايسمى "قيمة العقار السلبية".

لقد اصبح ذلك الوضع مشكلة بالنسبة لأصحاب المنازل في امريكا في نهاية عام 2000 عندما جعلت حالة الركود التي ارتبطت بأزمة الائتمان الكثير من مقترضي الرهن العقاري عاطلين عن العمل، خاصةً عنما لم يعودوا يستطيعون دفع الفوائد المقررة عن الرهن.

تبين لنا ان هناك عدة مقاييس استخدمت لحساب القدرة على الشراء ولها مميزات وعيوب ويختلف استخدام هذه المقاييس من دولة الى اخرى، لا يكون الهدف دائما من شراء العقار السكن به، فيقوم البعض بشراء العقارات لغرض الاستثمار والاستفادة منها كمصدر مدر للاموال، ان التطورات التي تحدث في سوق العقارات يمكن ان تؤثر في معدل نمو الاقتصاد، وفي معدل التضخم في الاقتصاد، لذلك يجب وضع اليات وخطط توظف وتسيطر على سوق العقارات لجعله مصدرا من مصادر نمو اقتصاد الدولة، لان تقلبات اسعار العقارات يمكن ان يكون لها تأثير مربك متباين على النظام الاقتصادي للدول بشكل عام.

* هذا المقال ملخص لاهم المفاهيم والأفكار الاقتصادية المعاصرة مقتبسة من كتاب كل ما تحتاج الى معرفته عن علم الاقتصاد للمؤلفيين جورج باكلي وسوميت ديساى.

ذات صلة

عالم الإسلام متماثلا اجتماعيا وثقافيا.. الطاقة الممكنةصناعة الاستبداد بطريقة صامتةوزارتا التربية والتعليم العالي في العراق مذاكرةٌ في تجاذبات الوصل والفصلالجنائية الدولية وأوامر الاعتقال.. هل هي خطوة على طريق العدالة؟التناص بوصفه جزءاً فاعلاً في حياتنا