التكنولوجيا الرقمية تقود مستقبل سوق العمل

البنك الدولي

2025-09-28 06:37

مزارع في كينيا يستخدم تطبيقات الهاتف المحمول للحصول على معلومات آنية عن الحصاد، والتحقق من أسعار السوق، والتواصل مباشرة مع المشترين والمقرضين. وامرأة في إندونيسيا تتلقى طلبات الوجبات وترتب توصيلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وفي جاميكا يقوم صاحب فندق صغير بإدراج الغرف على منصات الحجز وإدارة الحجوزات عبر الإنترنت. وفي داكار تقوم بائعة متجولة ببيع الحُلي المصنوعة يدويًا في مختلف أنحاء أفريقيا باستخدام هاتفها الذكي فقط. وفي مانيلا، تقوم طالبة جامعية بتدريس الرياضيات لتلاميذ المدارس الثانوية في المناطق النائية من خلال منصة للتعلم الإلكتروني عبر الإنترنت.

أصبحت هذه النوعية من القصص هي الوضع الطبيعي الجديد بسبب التطور السريع الذي يشهده النموذج التقليدي للعمل بأجر. ويسهم ملايين الأشخاص في إعادة تعريف معنى العمل، إذ يحققون دخلاً من خلال العمل الحر والعمل الحر المؤقت عبر الإنترنت. وتقع المنصات الرقمية مثل جونيا، وشوبي، وأوبر، وأب وورك في صميم هذا التحول، حيث تتيح للأشخاص إمكانية التواصل مع زبائنهم، وإدارة أعمالهم، وتلقي المدفوعات - كل ذلك من راحة أيديهم.

ويمكن لمعظم العمال تلقي مدفوعاتهم مباشرة إلى حساباتهم المالية، مما يفتح الطريق أمام الاستفادة من منتجات مالية أخرى مثل الادخار والتأمين، فضلاً عن إتاحة تنفيذ التحويلات الاجتماعية بشكل مبتكر.

وتكشف بيانات جديدة من تقرير المؤشر العالمي للشمول المالي لعام 2025 عن العديد من هذه الاتجاهات فيما يتعلق بالتكنولوجيا والشمول المالي، كما تتبع مدى استعداد البلدان لاغتنام الفرص التي يتيحها اقتصاد العمل الرقمي.

الاتصال الإلكتروني: الأساس لتوفير الفرص

يعتبر الاتصال الإلكتروني نقطة البداية للولوج إلى هذا العالم الجديد من العمل، إذ يُظهر تقرير مؤشر الشمول المالي أن 84% من البالغين في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل يمتلكون هواتف محمولة، وأن ثلاثة أرباعها هواتف ذكية. ومع وصول 90% من مستخدمي شبكة الإنترنت في هذه البلدان إليها عبر الهواتف المحمولة، فقد أصبحت الهواتف الذكية بمثابة البوابة الرئيسية للخدمات الرقمية المُدرَّة للدخل.

وتُظهر بيانات التقرير أيضاً أن 6% من البالغين في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل يكسبون المال بالفعل عبر الإنترنت، وترتفع هذه النسبة لتتخطى 10% في شرق آسيا والمحيط الهادئ (باستثناء الصين). وتؤدي وسائل التواصل الاجتماعي دوراً متزايداً في هذا التحول؛ إذ يستخدم ما يقرب من نصف البالغين في هذه البلدان، الذين يمثلون 80% من مستخدمي الإنترنت، المنصات الاجتماعية ليس فقط لأغراض التواصل الشخصي، بل أيضاً لأغراض التجارة الإلكترونية غير الرسمية والتسويق الرقمي بشكل متزايد.

التمويل الرقمي: دفع عجلة النمو وبناء القدرة على الصمود

لا يُعد الاتصال الإلكتروني وحده كافيًا، فالعاملون لحسابهم الخاصة بحاجة أيضًا إلى الوصول إلى الخدمات المالية الرقمية لتحقيق النجاح والازدهار. وتتيح قنوات الدفع لرواد الأعمال إمكانية تسويق الأعمال وإجراء المعاملات التجارية وإدارتها بشكل كامل باستخدام هواتفهم الذكية.

وتزداد أعداد المستهلكين المشاركين في أنشطة التمويل الرقمي بشكل سريع، حيث قام نحو 80% من أصحاب الحسابات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل بإرسال أو استلام مدفوعات رقمية خلال العام الماضي. وليس هذا كل شيء، فالبيانات الجديدة التي أوردها التقرير تشير إلى ما يلي:

يسدد نحو 40% من البالغين في الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل فواتيرهم عبر الإنترنت.

يشتري أكثر من ثلث هؤلاء الأشخاص بضائعهم عبر الإنترنت.

منذ عام 2021، شهدت المدفوعات الرقمية للتجار — سواء في المتاجر أو عبر الإنترنت — نموًا ملحوظًا، ويستخدمها الآن أكثر من 40% من البالغين.

 {img_1}

لا يؤدي استلام المدفوعات الرقمية من خلال الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول أو أكواد الاستجابة السريعة (QR codes) أو التطبيقات المصرفية إلى حماية الدخل من السرقة فحسب، بل أيضًا إلى إنشاء سجل رقمي للمعاملات. ويؤدي هذا السجل إلى سهولة تتبع الشركات للتدفقات النقدية وإتاحة أدوات مالية أخرى، مثل خدمات الإقراض من جانب المقرضين الذين يمكنهم استخدام هذه "البيانات البديلة" من أجل تقييم الجدارة الائتمانية. ويمكن أن يساعد هذا النهج في الحد من الاعتماد على الإقراض غير الرسمي، الذي يقدم خدماته حاليًا لنحو 17% من البالغين العاملين لحسابهم الخاص الذين يقترضون لتمويل أعمالهم.

وتسهم هذه المنظومة الرقمية أيضًا في تعزيز القدرة المالية على الصمود. كما يؤدي استلام الدخل في حساب رقمي إلى تسهيل الادخار، مما يوفر رأس المال اللازم للاستثمارات في المستقبل والحماية ضد الصدمات الاقتصادية مثل ضياع العقود وتضرر الأصول والممتلكات بسبب العواصف والأعاصير. ومنذ عام 2021، ارتفعت نسبة البالغين الذين يدخرون في حسابات رسمية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل من 24% إلى 40%، ويرجع ذلك أساسًا إلى توافر الخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول، مما يتيح للمستخدمين ادخار مبالغ صغيرة بتكلفة ميسورة وبصورة منتظمة.

ويمكن بعد ذلك إعادة استثمار هذه المدخرات في أنشطة أعمال او مشاريع تجارية أو استخدامها لاكتساب مهارات جديدة. وفي الواقع، يستخدم 26% من البالغين في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل—أي ما يقرب من نصف مستخدمي الإنترنت—شبكة الإنترنت لأغراض التعلم، مما يساعدهم على تحسين الخدمات التي يقدمونها أو النفاذ إلى أسواق جديدة.

سد الفجوات: لا تزال التحديات قائمة

على الرغم من هذه الإمكانات الهائلة، لا تزال هناك تحديات كبيرة، فهناك فجوات واسعة في الاتصال الإلكتروني، لا سيما في منطقتي جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء. وتشير البيانات التي جمعها مكتب رئيس الخبراء الاقتصاديين لشؤون البنية التحتية والمتعلقة بأرصدة رأس المال إلى وجود تفاوت كبير في توزيع البنية التحتية الرقمية على مستوى العالم. فمع أن البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل تضم 77% من المشتركين في شركات الهاتف المحمول على مستوى العالم، إلا أنها لا تمتلك سوى 30% من أبراج الاتصالات الخلوية، وهي فجوة تتسع باستمرار (انظر الشكل 1). وتزداد حدة المشكلة عند النظر إلى جودة الاتصال، حيث يعمل أقل من 5% من أبراج الاتصالات في البلدان منخفضة الدخل بتقنية الجيل الرابع والجيل الخامس، مقارنة بنسبة 40% في البلدان مرتفعة الدخل.

 {img_2}

وتتفاقم هذه التحديات بسبب ضعف مستوى الاتصال الإلكتروني الدولي، حيث يعتمد ما يقرب من نصف البلدان منخفضة الدخل المزودة بكابلات بحرية على محطة أو محطتين فقط من محطات إنزال الكابلات، ما يجعلها عرضة لانقطاعات الخدمة. ويبرز التوزيع العالمي لمراكز البيانات هذا التحدي بوضوح، حيث تستضيف فالبلدان منخفضة الدخل والشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل ما يعادل 0.2% و6% فقط من إجمالي سعة مراكز البيانات العالمية، على التوالي، وفقاً لتقرير التقدم في المشهد الرقمي واتجاهاته لعام 2025 قيد الإصدار حالياً.

 {img_3}

ونتيجة لذلك، لا يزال ملايين الأشخاص يفتقرون إلى إمكانية الوصول المستمر إلى الهواتف الذكية والإنترنت. وتشتد هذه التفاوتات بشكل خاص بين الشباب وسكان الريف والأشخاص المنتمين لأدنى 40% من شرائح الدخل. فعلى سبيل المثال، يقل احتمال امتلاك النساء في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل هواتف ذكية بمقدار9 نقاط مئوية عن الرجال. وتمثل القدرة على تحمل التكاليف أكبر عائق منفرد تم تسجيله. وفي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، لا يزال سعر الهاتف الذكي محدود الإمكانيات ومنخفض التكلفة يشكل نحو 73% من متوسط الدخل الشهري للأسرة الفقيرة.

وبالإضافة إلى توفير إمكانية الوصول المستمر إلى الهواتف الذكية والإنترنت، هناك حاجة ماسة إلى الإلمام بالتكنولوجيا الرقمية وضمان مستويات عالية من الأمن الرقمي. فعلى سبيل المثال، لا يستخدم نحو 40% من البالغين الذين يمتلكون هواتف ذكية في بلدان الشريحة الدنيا من الدخل المتوسط ميزة حماية كلمة المرور، بما في ذلك نصف عدد من يمتلكون ويستخدمون الحسابات المالية عبر الهاتف المحمول في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. ويُعد وجود قوانين قوية لحماية المستهلك وبيئات تنظيمية شاملة أمراً بالغ الأهمية لضمان قدرة جميع البالغين العاملين لحسابهم الخاص على المشاركة بشكل آمن في أنشطة الاقتصاد الرقمي.

لا جدال أن مستقبل الوظائف يرتبط بالتحول الرقمي، ولهذا يُعد التصدي للتحديات المرتبطة بالوصول إلى الخدمات الرقمية والاستفادة منها أمرًا حيويًا لإطلاق الإمكانات الكاملة للعمل الرقمي وتمكين العاملين لحسابهم الخاص من تحقيق النجاح والازدهار في هذه الحقبة الجديدة.

* بقلم: -كريستين جينواي تشيانغ، مديرة عامة لقطاع الممارسات العالمية للتحول الرقمي

- ستيفان ستروب

- ليورا كلابر، كبيرة الخبراء الاقتصاديين

http://www.albankaldawli.org/

ذات صلة

الإمام الشيرازي وركائز بناء المؤلف الناجحداوننغ ستريت ووعد بلفورالاقتصاد والتنمية والديموقراطية الانتخابية في العراقالزناد الاوربي يعيد فرض العقوبات على إيران.. العواقب المحتملة؟التسلح ونزع السلاح والأمن الدولي