إعادة تصور الزراعة من أجل الشباب

بروجيكت سنديكيت

2025-09-22 04:31

بقلم: ماكسيمو توررو

روما ــ تُرى هل يكون مصير قطاع الزراعة الانقراض؟ على المستوى العالمي، كان متوسط عمر المزارعين في ازدياد على نحو مضطرد، ليقترب من ستين عاما في البلدان المتقدمة. وهذا يترك القطاع، الذي يزود العالم بما يقرب من ربع الوظائف، في مأزق: ما لم يجتذب أعدادا كبيرة من العمال الشباب، فقد يضمحل بسرعة شديدة.

 {img_1}

ما يبعث على التفاؤل أن 16% من سكان العالم ــ 1.2 مليار شخص ــ تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما، وكثيرون من المنتمين إلى هذه الفئة يكافحون بحثا عن وظائف، خاصة في العالم النامي. في أفريقيا على سبيل المثال، يشكل الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 25 عاما حوالي 60% من السكان، في حين نجد أن نحو ثلث الأفارقة الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عاما عاطلون عن العمل.

لكن الشباب في العالم النامي يستمرون في الفرار من المناطق الريفية بحثا عن عمل أعلى أجرا ومكانة في المدن والبلدان الأجنبية. وقد ساهم نمط الهجرة هذا لعقود من الزمن في انخفاض أعداد الشباب الذين يعملون في الزراعة ويعيشون في المناطق الريفية على مستوى العالم.

في كينيا، انخفضت بشدة العمالة من الشباب في قطاع الزراعة في العقود الأخيرة، من 58.9% في عام 1990 إلى 28.5% في عام 2020. في الوقت ذاته، تقلص عدد سكان المناطق الريفية من الشباب في أوروبا (الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاما) بنحو 1.7 مليون نسمة بين عامي 2013 و2019، والآن، في عام 2025، 12% فقط من مزارع القارة يديرها أشخاص دون سن الأربعين. وفي جنوب شرق آسيا، شكل الشباب الريفي حوالي 7% فقط من إجمالي السكان في عام 2020، انخفاضا من نحو 16% في عام 1950، في حين أن 11% فقط من المزارعين في اليابان تقل أعمارهم عن 50 عاما. وفي أميركا اللاتينية، من المتوقع أن يترك الزراعة 1.2 مليون شاب بحلول عام 2030.

إن تحفيز الأجيال الجديدة على العمل في الزراعة يتطلب نقلة نوعية في نظرتنا إلى هذا القطاع. يجب أن يُـعاد تصوره كخيار أول للشباب ــ فهو في طليعة التنمية الاقتصادية ويوفر فرص عمل مغرية على طول سلسلة التوريد ــ بدلا من كونه الملاذ الأخير. ففي نهاية المطاف، لا تقتصر الزراعة على زراعة الغذاء. فهي تخلق أيضا فرص عمل في مجالات المعالجة، والنقل، وتجارة التجزئة، وغير ذلك من الصناعات المرتبطة بها.

بالإضافة إلى تأثيره على العمالة، يعمل القطاع الزراعي المزدهر على تعزيز الرفاهة في عموم الأمر. في البلدان المنخفضة الدخل، يكون النمو في الزراعة أكثر فعالية في الحد من الفقر بمقدار مرتين أو ثلاث مرات مقارنة بالنمو في قطاعات أخرى، في حين يشكل ارتفاع إنتاجية المزارع أهمية بالغة لتحسين التغذية والأمن الغذائي.

لكن القطاع يعاني من مشكلة انطباع. فالشباب يميلون إلى النظر إلى الزراعة على أنها مهنة قذرة، ومنخفضة التكنولوجيا، وهزيلة الأجر، وتفتقر إلى المكانة ــ أو عكس "العمل الحديث". إذا كانت الحكومات جادة في اجتذاب الشباب إلى قطاع الزراعة، فيتعين عليها أن تروج لربحيته، واتساع نطاقه وحجمه. سوف يتطلب تقديم حجة مقنعة سياسات تعالج المخاوف المشروعة الكامنة وراء نظرة الشباب إلى هذا القطاع. وهذا يعني إصلاح أنظمة حيازة الأراضي، وفرض أجور أعلى، وتوفير الدعم لريادة الأعمال.

ولكن في كثير من الأحيان، تركز السياسات الحكومية على الأنشطة الزراعية ذات العائد المنخفض التي توفر أقل القليل من الاستقرار المالي أو التقدم المهني. فبدلا من تشجيع الشباب على زراعة المحاصيل أو تربية الحيوانات، يجب توجيههم نحو الفئة السريعة النمو من الوظائف خارج المزرعة والتي تتغذى على التوسع الحضري، والتقدم التكنولوجي، والطلب المتزايد على الأغذية المنتجة محليا. وهذا يشمل تجهيز الأغذية، وتعبئتها وتخزينها، وتوزيعها (مثل أسواق المزارع الحضرية). على سبيل المثال، لتعزيز دخل المنتجين والعمال، تستثمر تعاونية كوابا كوكو، التعاونية الرائدة في غانا التي تتألف من مزارعي الكاكاو من أصحاب الحيازات الصغيرة، في مرافق التجهيز المحلية.

في دلتا نهر ميكونج ــ وعاء الأرز في فيتنام وإحدى أهم المناطق الزراعية في آسيا ــ لا يرغب سوى عدد قليل من الشباب في العمل في الحقول. فهم يرون مستقبلهم في الخدمات الزراعية، والإرشاد الزراعي، والبحوث، فضلا عن الأعمال التجارية الزراعية. في الواقع، تعمل شركات بادئة في مجال التكنولوجيا الزراعية بالفعل على إعادة تشكيل سلاسل التوريد في فيتنام من خلال مساعدة المزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة والتعاونيات على الوصول إلى التمويل وأسواق التصدير.

يكتسب تطوير الحلول الرقمية أهمية خاصة لضمان استدامة صغار المنتجين ومرونتهم وتوسيع نطاق الصناعة. في كرواتيا، تعمل برمجيات متخصصة مصممة خصيصا لسلاسل التوريد القصيرة على أتمتة (تشغيلها آليا) عمليات التسليم، والاستلام، والمحاسبة، على النحو الذي يحرر صغار المزارعين ليسمح لهم بالتركيز على زراعة الأغذية. وفي كولومبيا، يساعد تطبيق للهواتف الذكية منخفض التكلفة مزارعي الحمضيات على تحسين جودة المحاصيل والوصول إلى الأسواق من خلال ربطهم بالمهندسين الزراعيين والتجار. وفي إفريقيا، حيث تمثل المعالجة والخدمات اللوجستية بالفعل 40% من سلسلة النقل من المزرعة إلى السوق، تزدهر المنصات التي تربط المزارعين بالمعدات والمشترين.

لا شك أن استمرار هذا التوسع من شأنه أن يوفر فرص عمل بأجور أعلى قائمة على المهارات للشباب في المناطق الريفية والحضرية، وهذا يرسل إشارة قوية مفادها أن مهنة الزراعة لا تقتصر على حراثة التربة. لكن هذا يتطلب أن يعكف صُـنّاع السياسات على تزويد الأجيال الشابة بالموارد والمهارات ــ الرقمية وغيرها ــ لتحديث الزراعة وبناء أعمال زراعية مستدامة ومبتكرة. لقد حان وقت الاعتراف بالحاجة إلى إشراك الشباب في الزراعة والأنظمة الغذائية، لخلق فرص عمل لائقة، وبشكل أساسي، لإطعام العالم.

* ماكسيمو توررو، كبير الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة.

https://www.project-syndicate.org/

ذات صلة

الاقتداء بالعظماءهل وصل التعاون العسكري الحذر بين الصين وإيران إلى نقطة تحول؟الولاء للوطن أم الولاء للحزب؟ مفارقة تكشف جوهر الأزمة العراقيةبريطانيا تعترف رسميا بدولة فلسطينية.. فهل يغفر لها التاريخ؟نهر الفرات يهدد بتقسيم سوريا